الوقفات التدبرية

﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ...

﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ٩﴾ [التغابن: 9] * * * قال هاهنا: ﴿يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ﴾، وقال في موطن آخر: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّ‍َٔاتِكُمۡۗ ﴾ [البقرة: 271] بذكر ﴿مِّن﴾ التي تفيد التبعيض. وسياق كل من الآيتين يبين سبب ذلك. فقد قال في آية البقرة: ﴿إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّ‍َٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٧١﴾ [البقرة: 271]. فآية التغابن إنما هي في الإيمان بالله والعمل الصالح عامة: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا﴾. أما آية البقرة فهي في إيتاء الصدقات، وهي جزء من العمل الصالح، فما ذكر في آية التغابن أعم وأعلى، فناسب ذلك تكفير السيئات عامة. فناسب العمومُ العمومَ، وناسب البعضُ التبعيضَ. قد تقول: لقد قال في سورة الطلاق: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا﴾ [الطلاق: 11] فزاد في آية التغابن قوله: ﴿يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ﴾ دون آية الطلاق ((ذلك أن آية التغابن خطاب للكافرين، وقد دعاهم إلى الإيمان فقال: ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧ فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٨﴾. ثم قال: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ﴾ (الآية: 9). وأما آية الطلاق فهي خطاب للمؤمنين وقد دعاهم إلى التقوى فقال: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا١٠﴾ [الطلاق: 10]. ثم قال: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ﴾ [الطلاق: 11]. فكان ذكر تكفير السيئات مع الكافرين الذين هم في معصية مستديمة، وسيئاتهم غير منقطعة؛ أولى من ذكرها مع المؤمنين)). جاء في (درة التنزيل): ((للسائل أن يسأل عما خصص الآية الأولى بقوله: ﴿يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ﴾ وإخلاء الآية الثانية منه؟ والجواب أن الأولى جاءت بعد قوله مخبرًا عن الكفار فقالوا: ﴿أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ٦ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧﴾ فهذه سيئات تحتاج إلى تكفير إذا آمن بالله بعدها فقال: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا﴾ في مستقبل عمره يمسح عنه ما سبق من كفره، ثم يوجب له جنات. والآية الثانية لم يتقدمها خبر عن الكفار بسيئات فيوعدوا بتكفيرها إذا أقلعوا عنها وتابوا منها وعملوا الصالحات مكانها، وكان مضمونًا تكفير السيئات عند الإيمان وعمل الصالحات، فلم يحتج إلى ذكره كما كان الأمر في غيره)). ومن الملاحظ أنه ختم آية الطلاق بقوله: ﴿قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا﴾ وهو مناسب لما ورد في السورة وتكرر فيها من ذكر الإنفاق والرزق. قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ﴾. وقال: ﴿أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ﴾ [الطلاق: 6]. وقال: ﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا٧﴾ [الطلاق: 7]. فناسب ذكر الرزق الحسن في الآية. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 194: 196)

ﵟ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﵞ سورة التغابن - 9


Icon