الوقفات التدبرية

﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ...

﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٠﴾ * * * ذكر التكذيب بالآيات إضافة إلى الكفر، وذلك مناسب لما ورد في السورة؛ فقد قال: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ﴾ [التغابن: 6]. والبينات: إنما هي آيات من آيات الله. وقال: ﴿فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ﴾ [التغابن: 8]. والنور الذي أنزله إنما هو القرآن وما فيه من آيات. والتكذيب بالآيات يشمل الآيات التي أوتيها رسل الله من المعجزات وغيرها. ويشمل آيات الله في كتبه ومنها آيات القرآن الكريم. فالتكذيب بالآيات يشمل كل أنواع الآيات. قد تقول: لقد قال في الآية التي قبلها: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّ‍َٔاتِهِۦ﴾ بأسلوب الشرط. وقال هاهنا: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ﴾ بذكر الاسم الموصول، فما الفرق؟ والذي يبدو أن سبب الاختلاف أنه قال قبل الآية الشرطية: ﴿فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ﴾. فطلب منهم الإيمان بالله ورسوله، ثم قال: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا(9)﴾. فهذه عاقبة من يستجيب. وأما قوله: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ﴾ بالاسم الموصول والفعل الماضي فلأنه تقدم ذكر الكافرين، وذكر الذين كفروا من الماضين، وأخبر عنهم بالماضي فقال: ﴿أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٥ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ﴾. وقال: ﴿زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي(7)﴾ [التغابن: 7]. فناسب الإخبار عنهم بالماضي فقال: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ﴾. ولم يسبق ذكر للمؤمنين في الماضي، وإنما طلب الإيمان. فجاء مع المؤمنين بأداة الشرط الدالة على الاستقبال. وجاء مع الكافرين بالاسم الموصول والفعل الماضي. فناسب كل تعبير ما ورد من السياق. جاء في (تفسير الرازي): ((قال تعالى في الإيمان: ﴿وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ﴾ بلفظ المستقبل، وفي الكفر: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بلفظ الماضي. فنقول: تقديم الكلام: ومن يؤمن من الذين كفروا وكذبوا بآياتنا يدخله جنات، ومن لم يؤمن منهم أولئك أصحاب النار)). والملاحظ أنه لم يأت الخلود مع أصحاب الجنة بلفظ المفرد، وإنما يؤتى به بلفظ الجمع دائمًا، فلم يقل في أصحاب الجنة ﴿خالدًا﴾ وإنما يقول ﴿خالدين﴾ بلفظ الجمع دائماً بخلاف أصحاب النار، فإنه يؤتى به بلفظ الجمع أوالإفراد بحسب السياق. فإنه يؤتى مع أصحاب الجنة بلفظ الجمع للاستئناس، فإن الجمع يفيد الأنس بخلاف الوحدة. وقد ذكرنا نحو ذلك في أكثر من مناسبة. ومن الملاحظ في التعبير القرآني أنه حيث ذكر أصحاب الجنة أو أصحاب النار، أعني ذكر كلمة ﴿أصحاب﴾ مضافة إلى الجنة أو إلى النار، لم يذكر الأبد، وإنما قد يكتفي بذكر الخلود، فإن كلمة ﴿أصحاب﴾ تغني عن الأبد، فإنه صاحبها. وهو من دقيق الإيجاز. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 196: 199)

ﵟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﵞ سورة التغابن - 10


Icon