الوقفات التدبرية

﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ...

﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ١٦﴾ * * * فاتقوا الله في أزواجكم واتقوا الله في أولادكم واتقوا الله في أموالكم واتقوا الله في كل ما يجب اتقاؤه. وأطلق الله في كل ما يجب اتقاؤه. وأطلق الاتقاء ولم يقيده بشيء؛ ليعم كل ما يجب اتقاؤه. ﴿مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾. أي: على قدر استطاعتكم وطاقتكم. جاء في (روح المعاني): ((أي: ابذلوا في تقواه عز وجل جهدكم وطاقتكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال: لما نزلت: ﴿ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ﴾ اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفًا على المسلمينى﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ فنسخت الآية الأولى وعن مجاهد: المراد أن يطاع سبحانه فلا يعصي)). ﴿وَٱسۡمَعُواْ﴾ ما توعظون به ﴿وَأَطِيعُوا﴾ فيما تؤمرون به وتنهون عنه ﴿وَأَنفِقُواْ﴾ في الوجوه التي وجبت عليكم النفقة فيها)). وفي غير ذلك من وجوه البر. وقدم تقوى الله؛ لأنها مدعاة إلى ما بعدها من السمع والطاعة والإنفاق. وحيث اجتمعت التقوى والطاعة قدم التقوى قال تعالى: ﴿ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]. وقال في آيات عدة: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: 108، 110، 126]. وقال: ﴿أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ٣﴾ [نوح: 3]. وقدم السمع على الطاعة؛ لأنه قبلها فإنه يطاع ما يسمع، فالإنسان يسمع ثم يطيع، قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ﴾ [البقرة: 285]. وقال: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ﴾ [النساء: 46]. وقال: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ٥١﴾ [النور: 51]. ولذا يقول المجيب: (سمعًا وطاعة) فيقدم السمع. وأخر الإنفاق؛ لأنه أثر لما قبله، فهو أثر التقوى والسمع والطاعة. ثم إن ما قبله أهم وأعم، فما قبله يعم عموم المسلمين، فالتقوى وطاعة الله ورسوله تشمل عموم المسلمين وعموم الطاعات. أما الإنفاق فهو خاص بذوي المال، أما من ليس عنده مال فلا يشمله هذا الأمر.وذكر الإنفاق مناسبة لما قبله وما بعده. فإنه قال قبل ذلك: ﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ﴾ أي: اختبار وامتحان، والإنفاق من الاختبار. وقال بعدها: ﴿إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا﴾. فناسب ذكر الإنفاق. ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُون﴾. قال ﴿شح نفسه﴾ لأن الشح من طبائع النفوس، قال تعالى: ﴿وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ﴾ [النساء: 128]. والشح ((بخل مع حرص)) ((وقيل: هو أشد البخل، وهو أبلغ في المنع من البخل. وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام، وقيل: البخل بالمال والشح بالمال والمعروف)). قال تعالى: ﴿أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ﴾ قيل: بكل ما فيه منفعة للمؤمنين. فمن يوق شح نفسه وما جبلت عليه من ذلك فهو مفلح، بل هو المفلح. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 219: 222)

ﵟ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﵞ سورة التغابن - 16


Icon