الوقفات التدبرية

﴿ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ﴾ * * * ذكر جملة من...

﴿ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ﴾ * * * ذكر جملة من الصفات الدالة على كرمه سبحانه والإحسان إلى الإنسان، والتي تدعو إلى طاعته وعدم معصيته، وذكر بعد ذلك ما يدعو إلى عدم الاغترار بكرمه سبحانه من قدرته، وعدم تركه عباده يفعلون ما يشاؤون من دون حساب أو جزاء. جاء في (روح المعاني): ((صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم موحية إلى صحة ما كذب من البعث والجزاء موطئة لم بعد، حيث نبهت على أن من قدر على ذلك بدءًا أقدر عليه إعادة)). ومعنى ﴿سواك﴾: جعلك سالم الأعضاء. و(عدلك): صيرك معتدلًا متناسب الخلق، أو خلقك خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، أو صرفك عن خلقة غير ملائمة. وبدأ بالخلق فالتسوية فالعدل؛ لأن هذا هو الترتيب الطبيعي. ولذا حيث ذكر الخلق والتسوية بدأ بالخلق، وذلك في أكثر من موضع، قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ٣٨﴾ [القيامة: 38]. وقال: ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى١ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ٢﴾ [الأعلى: 1-2]. وقال: ﴿أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا﴾ [الكهف: 37]. وقال: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ٧ ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ٨ ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡ‍ِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ﴾ [السجدة: 7-9]. وقال: ﴿إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ٧١ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ٧٢﴾ [ص: 71-72]. جاء في (التحريروالتنوير): ((وفرع فعل ﴿سواك﴾ على ﴿خلقك﴾ وفعل (عدلك) على ﴿سواك﴾ تفريعًا في الذكر؛ نظرًا إلى كون معانيها مرتبة في اعتبار المعتبر وإن كان جميعًا حاصلًا في وقت واحد، إذ هي أطوار التكوين من حين كونه مضغة إلى تمام خلقة، فكان للفاء في عطفها أحسن وقت، كما في قوله: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ٢ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 234: 236). ﴿فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ﴾ * * * ﴿ما﴾ تحتمل أن تكون مزيدة للإبهام نحو: (أعطيته شيئًا ما) و (الأمر ما جدع قصير أنفه). والمعنى: في أي صورة شاءها ركبك، من: حسن وقبح، وطول وقصر، أو غير ذلك. وقوله: ﴿فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ﴾ متعلق ب ﴿رَكَّبَكَ﴾ أي: ركبك في أي صورة شاءها ربنا. وجملة ﴿شَآءَ﴾ صفة، والعائد محذوف. جاء في (الكشاف): ((﴿مَّا﴾ في ﴿مَّا شَآءَ﴾ مزيدة، أي: ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته وحكمته من الصور المختلفة في الحسن والقبح، والطول والقصر، والذكورة والأنوثة، والشبه ببعض الأقارب وخلاف الشبه)). ويجوز أن تجعل ﴿أي﴾ شرطية نحو قولك: (في أي كتاب تقرأ أقرأ) و(إلى أي بلد تذهب أذهب). كما يجوز أن تجعل ﴿ما﴾ في معنى الشرط والجزاء، كقولنا: (ما قال فعل في كل أمر) و(ما يسمع يحفظ من كل شعر). كما يحتمل أن تكون موصولة. والتقدير في الآية على هذا: (ما شاء ركبك في أي صورة). و﴿ما﴾ شرطية أو موصولة. و ﴿فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ﴾ على معنى الحال، أي: ركبك كائنًا في أي صورة، أو حاصلًا في أي صورة. جاء في (البحر المحيط): ((وقيل: يتعلق بمحذوف، أي ركبك حاصلًا في بعض الصور)). (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 236: 238).

ﵟ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﵞ سورة الإنفطار - 7


Icon