الوقفات التدبرية

﴿وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ١٠ كِرَامٗا كَٰتِبِينَ١١...

﴿وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ١٠ كِرَامٗا كَٰتِبِينَ١١ يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ١٢﴾ * * * يعني: أنكم تكذبون بالجزاء والحال أن عليكم حافظين مراقبين يكتبون ما تفعلونه استعدادًا ليوم الجزاء؛ ليحاسبكم ربكم على أعمالكم ويجزيكم بها. ووصفهم بالكرام تعظيم لهم وللمهمة التي أسندت إليهم، فإذا كانت المهمة عظيمة اسندت إلى عظيم كبير، وذلك تعظيم ليوم الدين الذي سيكون الجزاء على ما يقدمه هؤلاء الحفظة الكتبة الكرام. ومن جهة أخرى أن وصف الحافظين بالكرام مناسب لوصفه سبحانه ذاته العلية بقوله: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ﴾ فربنا الكريم جعل علينا حفظة كرامًا، وهو تناسب لطيف. جاء في (الكشاف) في قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِين﴾ ((تحقيق لما يكذبون به من الجزاء، يعني: أنكم تكذبون بالجزاء، والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم ليجازوا بها. وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكّل بظبط ما يحاسب عليه ويجازى به الملائكة الكرام الحفظة الكتبة وفيه إنذار وتهويل وتشوير للعصاة ولطف المؤمنين)). وجاء في (البحر المحيط): ((قال: ﴿يَعۡلَمُونَ﴾ ولم يقل: (يكتبون) دل على أنه لا يكتب الجميع، فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه)). وجاء في (التحرير والتنوير): ((وابتدئ منها بوصف الحفظ؛ لأنه الغرض الذي سيق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال، ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإحصاء، وفيها تنويه بشأن الملائكة الحافظين)). وجاء هنا بجمع المذكر السالم فقال: ﴿لَحَٰفِظِينَ﴾ وقال في موطن آخر: ﴿وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً﴾ [الأنعام: 61] بجمع الكثرة، ذلك أنه زاد على وصف الحفظة في آية الانفطار، فذكر أنهم كرام كاتبون يعلمون ما تفعلون. ولا شك أن هذا أقل من الإطلاق، فكلما ذكر وصف قيد الموصوف فقلّ العدد، فناسب جمع القلة هنا، بخلاف قوله: ﴿وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَة﴾ فإنه لم يقيدهم بشيء فناسب جمع الكثرة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن الملائكة الكاتبين إنما هم ملكان لكل شخص. أما الحفظة فغير محدودين بعدد؛ إذ ربما كانوا أكثر من ذلك، يدل على ذلك قوله سبحانه: ﴿سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۢ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ١٠ لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ﴾ [الرعد: 10-11] فذكر أن له معقبات يحفظونه، وهذا جمع، فناسب الكثرة من جهة أخرى، والله أعلم. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 239: 241).

ﵟ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﵞ سورة الإنفطار - 10


Icon