الوقفات التدبرية

ورد في القرآن الكريم في الجزاء عن الأعمال أنه سبحانه قال مرة:...

ورد في القرآن الكريم في الجزاء عن الأعمال أنه سبحانه قال مرة: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا﴾ [النساء: 124]. وقال مرة أخرى: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: 49، 77] [الإسراء: 71]. وقال في موضع آخر: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔٗا﴾ [مريم: 60]. فما الفرق؟ ولما ذاك؟ الجواب: إن كل تعبير مناسب لسياقه الذي ورد فيه، وإليك إيضاح ذلك: أ – قال تعالى في سورة النساء 124: ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا١٢٤﴾. فقال: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا﴾ ذلك أن الآية –كما هو واضح- في المؤمنين الذين يعملون الصالحات. والمعنى: أنه لا ينقص من أجورهم مقدار ما يملأ النقير، والنقير: نقرة في أعلى النواة، فإن هؤلاء يعملون الصالحات، فلا يذهل من هذه الأعمال الصالحة ما يملأ النقير. وإذا ملئ منها النقير فقد ذهب من أعمالهم مقدار ذلك، فذكر أنهم لا يظلمون نقيرًا، أي: لا ينقص من أعمالهم ما يملأ النقير، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا٥٣﴾ [النساء: 53]. أي: لا يؤتون الناس من الأموال ما يملأ النقير؛ خشية أن تنقص أموالهم مقدار ذلك. فما يملأ النقير إنما هو ما يؤخذ من الأعمال أو الأموال فتنقص. ب – وقال تعالى في سورة النساء: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا٤٩ ٱنظُرۡ كَيۡفَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦٓ إِثۡمٗا مُّبِينًا٥٠﴾ [النساء: 49-50]. فقال: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلًا﴾. والآية في المشركين والكافرين، وقبلها: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ﴾. أي: لا يزاد على ذنوبهم مقدار فتيل. والفتيل: هو الخيط في شق النواة. ونحو ذلك قوله تعالى في سورة النساء: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا٧٧﴾ [النساء: 77]. وهي نحو الآية الأولى. قد تقول: لكنه قال في سورة الإسراء: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا٧١﴾. فقال فيمن أوتي كتابه بيمينه: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا﴾. فما الفرق؟ الجواب: أن هذه الآية عامة، فقد قال: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡۖ﴾. وهذه عامة في الكافرين والمؤمنين، وعدم الظلم واقع على الجميع، فلا يزيد في جزاء الكافر مقدار فتيل. ولا ينقص من حسنات المؤمن مقدار فتيل. ج – وقال في سورة مريم: ﴿۞فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا٥٩ إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔٗا٦٠﴾ [مريم: 59-60]. فذكر في هذه الآية التوبة والإيمان والعمل الصالح، وهذا أعم من مجرد العمل، فذكر أنهم لا يظلمون شيئًا. و(الشيء) أعم من النقير والفتيل. فلما ذكر ما هو أعم وأشمل من العمل، وهو: التوبة والإيمان والعمل، ذكر الأعم والأشمل، وهو (الشيء) فقال: ﴿وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔٗا﴾ فناسب كل تعبير سياقه الذي ورد فيه. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 272: 274)

ﵟ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﵞ سورة النساء - 124

ﵟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﵞ سورة النساء - 77

ﵟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﵞ سورة النساء - 49

ﵟ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﵞ سورة الإسراء - 71


Icon