الوقفات التدبرية

قال سبحانه في سورة الحجر في قصة لوط: ﴿فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ...

قال سبحانه في سورة الحجر في قصة لوط: ﴿فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ٦١ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ٦٢ قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ٦٣ وَأَتَيۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ٦٤ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ﴾. سؤال: لماذا قال أولًا: ﴿بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُون﴾. باستعمال الفعل ﴿جاء﴾، وقال بعدها: ﴿وَأَتَيۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ﴾. فاستعمل الفعل ﴿أتى﴾ مع أن الفعلين مترادفان؟ الجواب: قيل: إن ذلك قد يكون من باب توكيد بالمرادف، كقوله تعالى: ﴿سُبُلٗا فِجَاجَا﴾ وقوله: ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٞ﴾. وقيل: إن ذلك للتفنن لدفع التكرار. جاء في (التحرير والتنوير): ((فإعادة فعل ﴿(أتيناك﴾) بعد واو العطف، مع أن فعل ﴿(أتيناك﴾) مرادف لفعل ﴿جئناك﴾ دون أن يقول: ﴿(وبالحق﴾)، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف، والتعبير في أحد الفعلين بمادة المجيء، وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن، لدفع تكرار الفعل الواحد)). والذي يبدو أن الاختلاف في التعبير بين الفعلين إنما هو لغرض لطيف، فإن الإتيان يستعمله القرآن للمجيء بسهولة، وأن المجيء قد يستعمله لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له ﴿أتى﴾. فاستعمل ﴿أتيناك﴾ لما هو أيسر مما جاء في قوله ﴿جئناك﴾، ذلك أنه قال: ﴿بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ﴾ وهو العذاب الذي كانوا يشكون في صحته، ويجادلون فيه، كما أخبر عنهم ربنا سبحانه في موطن آخر فقال فيهم: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾ [العنكبوت: 29]. وأما المجئ الثاني فإنما هو مجيء بنجاته ونجاة أهله كما قال تعالى: ﴿فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ﴾. فالمجيء الأول بعذاب قومه. والمجيء الآخر بنجاته ونجاة أهله. ولا شك أن مجيء العذاب أعسر من المجيء بالنجاة فخالف بينهما، إضافة إلى ما ذكر من التوكيد، والله أعلم. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 276، 277)

ﵟ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﵞ سورة الحجر - 61


Icon