الوقفات التدبرية

(وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ) أي نكتب ما قدموا من...

﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ﴾ أي نكتب ما قدموا من الأعمال الصالحة وغيرها. ﴿وآثارهم﴾ أي ما أبقوه بعدهم من أعمال البر أو غيرها من أعمال السوء، فإن الإنسان قد يعمل عملاً فيه فائدة للمسلمين يبقى بعده كتأليف كتاب أو بناء مسجد أو تأسيس مدرسة تعلم الناس أمور دينهم أو تأسيس جماعة تدعو إلى الله أو سن سنة حسنة فتكتب له حسنات بقدر ما ينتفع بها حيث انتفع بها. أو بالعكس فإنه قد يعمل عملاً فيه إضرار بالمسلمين من سن مظلمة أو ابتداع بدعة سيئة أو نشر أفكار ضارة بالمسلمين أو معادية للإسلام أو إظهار معصية وما إلى ذلك من أعمال السوء فإنه تكتب عليه أوزار ذلك بقدر ما أحدثت من أضرار حيث أضرت فإنه ليست الأعمال وحدها هي التي تكتب بل تكتب آثار تلك الأعمال من خير أو شر، قال (صلى الله عليه وسلم) من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً). جاء في (الكشاف): "﴿ونكتب ما﴾ أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها وما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو حبيس حبسوه أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين وسكة أحدثها فيها تخسيرهم وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها، ونحوه قوله تعالى ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ أي قدم من أعماله وأخر من أثاره، وقيل هي آثار المشائين إلى المساجد .... وعن عمر بن عبد العزيز: لو كان الله مغفلاً شيئا لأغفل هذه الآثار التي تعفيها الرياح" (1) وجاء في (روح المعاني): "﴿ونكتب ما قدموا﴾ ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة. ﴿وآثارهم﴾ التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه... وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان... وغير ذلك من الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين. أخرج ابن أبى حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً، ثم تلا ﴿ونكتب ما قدموا وآثارهم﴾" (2). وقد تقول: لقد قدم الله (إحياء الموتى) على كتابة ما قدموا وآثارهم فقال ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ ﴾ مع أن كتابة ما قدموا وآثارهم قبل إحياء الموتى فلم ذلك؟ فنقول إن التقديم والتأخير لا يكون دائماً مبيناً على السبق في الزمان أو على الأشرف وإنما هو مبني على العناية والاهتمام وهذه تختلف بحسب السياق والمقام فقد يقدم المتأخر أحياناً أو بالعكس ولذا نجد في القرآن تقديم الركوع على السجود مرة وتقديم السجود على الركوع مرة آخري، وتقديم الحياة على الموت مرة وتقديم الموت على الحياة مرة آخري، ونجد تقديم المتقدم في الزمن مرة وتقديم المتأخر مرة آخري قال تعالى ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ – النساء 163 فقدم عيسى على أيوب ويونس وغيرهما ممن ذكر وهو بعدهم جميعاً، وذكر سليمان قبل أبيه داوود، فليس التقديم والتأخير قائماُ على السبق في الزمان إذن وإنما مداره على العناية والاهتمام كما ذكرت، وأوجه العناية والاهتمام تختلف بحسب السياق. وهنا قدم الإحياء على الكتابة لأنه أهم من عدة أوجه: منها أنه المناسب لما قبله من الإنذار والتبشير فإن ذلك يكون في الحياة بعد الموت، ومنها أن كتابة ما قدموا من الأعمال إنما هي لما بعد الموت وإلا فلا قيمة للكتابة، فقدم الأهم لذلك. ثم إنه رتب المذكورات بحسب الأهمية فإن أهم شيء فيما ذكر هو الإحياء بعد الموت ثم كتابة الأعمال التي تعرض على صاحبها في الحياة الثانية ثم كتابة الآثار وهي مستندة إلى ما قدم الأهم من ناحية آخري وهو ما لا يستطيع فعله إلا الله وهو إحياء الموتى ولذا جاء به بأسلوب القصر المؤكد ليدل على إنه لا يفعله إلا الله، وأما الكتابة فإنه يمكن أن يفعلها المخلوقون وإن لم تكن بنفس الدرجة من الدقة والإحاطة، ولذا قال تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ ﴾ ولم يقل (وإنا نحن نكتب ما قدموا). ثم من ناحية آخري قدم فعل الله على ما يفعله غيره، والإحياء فعل الله وأما الكتابة فهي فعل الملائكة الموكلين بها بأمره كما أخبر ربنا ﴿ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ الزخرف 80﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ – ق18. ثم إنه قدم إحياء الموتى لأن السورة مبنية على ذلك وأن جوها يشيع فيه ذكر الحياة بعد الموت، قال تعالى ﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ – يس32 وهذا في الحياة الأخرى. وقال ( الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ )(33)، وهذا إحياء بعد الموت. وقال ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(48) أي الحشر . وقال ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) 51-53. ثم ذكر مشهداً من مشاهد الحياة الآخرة في الجنة ومشهداً في النار. وتختم السورة بقوله ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )78-79 فالسورة يشيع فيها ذكر الحياة بعد الموت فناسب تقديمه على الكتابة عن كل وجه. جاء في (التفسير الكبير): "الكتابة قبل الإحياء فكيف أخر في الذكر حيث قال: (نحيى ونكتب) ولم يقل (نكتب ما قدموا ونحييهم)؟ نقول: الكتابة معظمة لأمر الإحياء لأن الإحياء إن لم يكن للحساب لا يعظم، والكتابة في نفسها إن لم تكن إحياء وإعادة لا يبقى لها أثر أصلا، فالإحياء هو المعتبر والكتابة مؤكدة معظمة لأمره، فلهذا قدم الإحياء ولأنه تعالى لما قال (إنا نحيى) وذلك يفيد العظمة والجبروت والإحياء عظيم يختص بالله والكتابة دونه فقرن بالتعريف الأمر العظيم وذكر ما يعظم ذلك العظيم" (3) وقال (نكتب) ولم يقل ﴿نعلم﴾ لغرض الاهتمام بها وتوثيقها وإطلاع صاحبها عليها بصغيرها وكبيرها، فإن الإنسان قد يعلم أشياء ولا يكتبها فإن كانت مهمة دونها. وقال ﴿أحصيناه﴾ ولم يكتف بالكتابة لأن الكتابة وحدها قد لا تكون كافية، فإن كتبت أشياء ولم تحصها فربما ضاعت أو تلفت فإن الإحصاء يحدد عدد المكتوب فلا يضيع منه شيء، ولم يكتف بإحصائها بل جعلها في موضع واحد وهو الإمام المبين وهو اللوح المحفوظ – كما قيل – وسمى إماماً لأن الملائكة تتبعه وتنفذ ما فيه فهو الإمام لها. وقال (نكتب) بالمضارع و﴿أحصيناه﴾ بالماضي لأن الإحصاء في الإمام المبين سابق على الكتابة، فإن الكتابة تكون لما يفعله المكلفون وهي متأخرة عما كتبه الله في اللوح فقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم الدين. جاء في (التفسير الكبير):"وقوله ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ يحتمل وجوهاً: أحدهما أن يكون ذلك بياناً لكون ما قدموا وآثارهم أمراَ مكتوباً عليهم لا يبدل فإن القلم جف. وثانيها أن يكون ذلك مؤكداً لمعنى قوله ﴿ونكتب﴾ لأن من يكتب شيئا في أوراق ويرميها قد لا يجدها فكأنه لم يكتب فقال نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين، وهذا كقوله ﴿ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾.. وقوله ﴿أحصيناه﴾ أبلغ من كتبناه لأن من كتب شيئاً مفرقاً يحتاج إلى جمع عدده فقال هو محصى فيه وسمى الكتاب إماماً لأن الملائكة يتبعونه فما كتب فيه من أجل ورزق وإحياء وإماتة اتبعوه وقيل هو اللوح المحفوظ" (4). وقال ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ ﴾ ينصب ﴿كل﴾ ولم يقل ﴿وكل شيء﴾ بالرفع ذلك أن المعنى بنصب ﴿كل﴾ أننا أحصينا كل شيء في كتاب مبين . وأما بالرفع فيحتمل معنيين: المعنى الأول وهو ما ذكرناه بالنصيب فيكون ﴿كل﴾مبتدأ وجملة ﴿أحصيناه﴾خبراً له. والمعنى الآخر أن تكون جملة ﴿أحصيناه﴾ نعتاً لشيء والخبر ﴿في إمام مبين﴾ فيكون المعنى (إننا كل شيء أحصيناه) ﴿في إمام مبين﴾ أي أن الشيء الذي أحصناه إنما هو في إمام مبين ومعنى ذلك أن الأشياء على قسمين: قسم محصى وهو في إمام مبين، وقسم غير محصى وهو ليس كذلك، وهذا المعنى باطل لا يمكن أن يراد. فجاء بالعبارة ذات الدلالة القطعية التي لا تحتمل دلالة آخري. إن هذه الآيات من سورة يس بينت المقصد من هذه السورة وعليها بنيت فكأنها تلخيص للسورة وبقية السورة تبين لها . وقد ارتبطت آيات السورة بهذه الآيات ارتباطا متينا واضحاً. فقد أجاب القسم بقوله ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي إنك واحد منهم، وقد طبعت السورة بهذا الطابع وقد بنيت على هذا الأمر فقد ضرب له مثلاً بأصحاب القرية إذ جاءها المرسلون وذكر قصتهم معهم. وقال ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) 30 فهذا يدل على كثرة الرسل وإنه واحد منهم. وذكر تصديق المكذبين لرسلهم في الآخرة ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 52. وقد ذكر في موطن آخر من السورة أن ما عهده الله إلى بنى آدم على لسان رسله هو صراط مستقيم ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) 60-61 فأنظر كيف وصف الرسول في أول السورة إنه على صراط مستقيم ويأتي في بحر السورة أن هذا هو عهده إلى بنى آدم. ثم قال ﴿ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ وكما بنيت السورة على ما ذكرت من أمر المرسلين وشاع فيها ذلك بنيت أيضاً على العزة والرحمة وشاع ذلك فيها كما سبق أن ذكرنا في تفسير قوله ﴿ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾. ثم ذكر الغرض من هذا التنزيل وهو الإنذار فقال ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ وقد شاع أيضاً جو الإنذار فيها، وهو التحذير من مغبة التكذيب لرسل الله سبحانه وذلك بما يذكره من العقوبات في الدنيا والآخرة وذلك من نحو قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ وهذا كله إنذار وتخويف. ونحو قوله ﴿ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ ﴾ وقوله (مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) وقوله ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾. وذكر مشهداً من مشاهد جهنم وفيه تحذير أي تحذير. ومن ذلك قوله (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) وهذا كله تحذير وإنذار لمن كان له قلب. ثم ذكر القوم الذين سينذرهم وموقفهم من هذا الإنذار وإنهم سواء عليهم الإنذار وعدمه فهم لا يؤمنون على أية حال. وبين لنا في السورة فيما ضرب من مثل وذكره أن هذا حال أكثر الأقوام الماضية وأن موقفهم من إنذار الرسل واحد ليتأسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم أن هذا ليس موقف قومه وحدهم فقد ضرب له مثلاً بأصحاب القرية وموقفهم من رسلهم وذكر عاقبتهم ومآلهم ثم بين أن هذا شأن عباد الله على العموم ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) 30) ثم ذكر فيما بعد مؤكداً هذا المعنى ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ 46 ثم ذكر أن الشيطان أضل خلقاً كثيراً من بنى آدم ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴾ 62. ثم ذكر في خواتم السورة أن الله خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وهذه الآية تؤكد ما بينه وقرره من حال الإنسان وموقفه من الله ورسالاته، ثم ذكر أن جزاء من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب مغفرة وأجر كريم، وشاع هذا الأمر في السورة وقرره في أكثر من موطن فذكر عاقبة الذين آمن بالرسل من أصحاب القرية وإنه قيل له ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ فذكر المغفرة والإكرام وهما ما ذكره في قوله فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ )،ثم ذكر أصحاب الجنة ونعيمهم 56-58. ثم ختم هذه الآيات بقوله ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ وشاع في السورة أمر إحياء الموتى حتى صار طابعاً لها كما سبق أن ذكرنا. فاتضح من هذا أن هذه الآيات هي المعاني التي بنيت عليها السورة وشاع فيها ذكرها والله أعلم. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضي السامرائي الجزء الثاني من ص42 إلى ص49 . 1- الكشاف 2/583 وانظر البحر المحيط 7/325 2- روح المعاني 22/218 3- التفسير الكبير 26/49 4-التفسير الكبير 26/49-50

ﵟ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﵞ سورة يس - 12


Icon