الوقفات التدبرية

(هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ...

﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ يحتمل أن يكون هذا الكلام مستأنفاً وهو إخبار جديد عنهم مع أزواجهم فيكون ﴿هم﴾ مبتدأ وما بعده خبراً. ويحتمل أن يكون ﴿هم﴾ تأكيداً للضمير المستتر في ﴿فاكهون﴾، و﴿أزواجهم﴾ معطوفاً عليه على معنى (إن أصحاب الجنة في شغل فاكهون هم وأزواجهم) كما تقول: مررت برجل قائم هو وزيد فعلى هذا التقدير يكون المعنى إن أصحاب الجنة مع أزواجهم في شغل فاكهون فالأزواج يشاركنهم في الشغل والتفكه. ثم أخبر عنهم جميعاً أنهم في ظلال على الأرائك متكئون. والفرق بين التقديرين أنه على التقدير الأول أي على إعراب ﴿هم﴾ مبتدأ يكون المعنى على النحو الآتي: (إن أًصحاب الجنة في شغل فاكهون) فلم يذكر أن أزواجهم في شغل فاكهون وإنما يدل عليه العموم باعتبار أنهن من أصحاب الجنة . ثم أخبر عنهم وعن أزواجهم بقوله ﴿هم وأزواجهم في ظلال(56)﴾ فأخبر عنهم جميعاً بأنهم في ظلال وأنهم متكئون على الأرائك، فهذا إخبار عنهم بالنص، والأول إخبار من حيث العموم. وعلى التقدير الثاني يكون المعنى. (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ ) ثم أخبر عنهم جميعاً بأنهم في ظلال على الأرائك متكئون. فعلى التقدير الأول يكون الكلام جملتين: الجملة الأولى: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون. والجملة الثانية: تفسر هذا الشغل وتبينه وهي قوله ﴿هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون﴾. وعلى التقدير الثاني يكون الكلام جملة واحدة وأخبار ﴿إن﴾ متعددة وهي (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم) ﴿في ظلال﴾ ﴿على الأرائك متكئون﴾. وعلى التقديرين تكون الأزواج يشاركنهم في الشغل والتفكه غير أنه على أحد التقديرين تكون الدلالة بالمعنى العام، والتقدير الآخر تكون الدلالة بالنص. جاء في (الكشاف): "﴿هم﴾ يحتمل أن يكون مبتدأ أو أن يكون تأكيداً للضمير في شغل وفي فاكهون على أن أزواجهم يشاركنهم في ذلك الشغل والتفكه والاتكاء على الأرائك تحت الظلال" (1) وجاء في (البحر المحيط): "ويجوز في ﴿هم﴾ أن يكون مبتدأ وخبره ﴿في ظلال﴾ و﴿متكئون﴾ خبر ثان، أو خبره ﴿متكئون﴾ وفي ظلال متعلق به، أو يكون تأكيداً للضمير المستكن في ﴿فاكهون﴾، و﴿في ظلال﴾ حال، و﴿متكئون﴾ خبر ثان لإن، أو يكون تأكيداُ للضمير المستكن في شغل المنتقل إليه من العامل فيه، وعلى هذا الوجه والذي قبله يكون الأزواج قد شاركوهم في التفكه والشغل والاتكاء على الأرائك وذلك من جهة المنطوق. وعلى الأول شاركوهم في الظلال والاتكاء على الأرائك من حيث المنطوق وهن قد شاركنهم في التفكه والشغل من حيث المعنى (2)" وقد تقول: ولم قال في الجملة الأولى ﴿إن أصحاب الجنة﴾ بإن ولم يقل في الجملة الثانية (إنهم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) بإن؟ والجواب أنه لو قال ذلك لم يحتمل معنى التوكيد وإنما سيحتمل معنى واحداً وهو ﴿إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون﴾ (إنهم وأزواجهم في ظلال....) فتكون الآية الثانية إخباراً مستأنفاً وليس فيه نص على أن الأزواج يشاركنهم في الشغل والتفكه، فكان التعبير القرآني أولى لأنه يحتمل جميع الوجوه بالنص والمعنى. وقد تقول: ولم قدم ﴿على الأرائك﴾ على ﴿متكئون﴾؟ فنقول: إنه لما قدم الشغل في الآية قبلها ثم قال بعده ﴿فاكهون﴾ قدم مكان الشغل في الآية التالية فقال ﴿في ظلال على الأرائك﴾ وقال بعده ﴿متكئون﴾، فقابل بين الشغل ومكانه، وبين حالتهم في الموطنين إذ أن هذه الآية مرتبطة بالآية قبلها وهي بيان لما تقدم فيها. هذا علاوة على فواصل الآي التي تقتضى ذلك من جهة أخرى. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص202 إلى ص204 1-الكشاف 2/591 2- البحر المحيط 7/342

ﵟ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ﵞ سورة يس - 56


Icon