الوقفات التدبرية

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) خاطب الذين آمنوا بأسلوب التشويق قائلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ﴾ ووصف التجارة بأنها ﴿تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ . وبدأ بالإنجاء من العذاب الأليم قبل ذكر إدخال الجنات ذلك أن النجاة من العذاب الأليم أهم فإن الإنسان إذا كان معذباً فلن يهنأ بعيش وإن كان في النعيم. وقد يتمنى المرء الموت للاستراحة من العذاب فبدأ بما هو أهم. وقد سمى الله النجاة من العذاب فوزاً كما سمي دخول الجنة فوزاً. قال تعالى (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) - الأنعام (15، 16) وهذا هو الفوز الأول لأصحاب هذه التجارة. وقد أسند الفعل ﴿أدل﴾ إلى نفسه سبحانه وذكر المفعول به فقال ﴿أَدُلُّكُمْ﴾ . وإسناد الفعل إلى نفسه وذكر المفعول به يدلان على الاهتمام بأمر المؤمنين ومحبة الله لهم. فإن الذي يدل شخصاً على ما ينفعه إنما هو محب له ويطلب له الخير فهو لم يقل ﴿هل أدل﴾ بالإطلاق وإنما قال ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ بتخصيص الدلالة لهم. ولم يقل (هل تدلون) ببناء الفعل للمجهول فيكون الدال مجهولاً ولكن أسند الدلالة إلى نفسه. ثم إنه لم يقل (قل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم) فيكون القائل والدال هو الرسول وإنما قال (يا أيها الذين هل أدلكم) فكان القائل والدال للمؤمن هو الله سبحانه. ثم إن ذكر المفعول به لفعل الإنجاء ﴿تُنْجِيكُمْ﴾ له دلالته في إمحاض النصح وحب الله للمؤمنين فإنه يريد أن ينجيهم من العذاب فهو لم يقل (هل أدلكم على تجارة تنجي من عذاب أليم) بل أراد نجاتهم هم. وقال ﴿تُنْجِيكُمْ﴾ بتخفيف الجيم ولم يقل ﴿تنجيكم﴾ بالتشديد للدلالة على سرعة الإنجاء وعدم التلبث والمكث في العذاب (1). وقال ﴿مِنْ عَذَابٍ﴾ بتنكير العذاب ولم يقل ﴿من العذاب﴾ ليشمل كل عذاب ولئلا يخص عذاباً معيناً. ووصفه بأنه ﴿أليم﴾ والعذاب الأليم قد يكون نفسياً وبدنياً وظاهراً وباطناً فشمل بذلك كل أنواع العذاب. ثم إنه أطلق العذاب ولم يقيده في الدنيا أو في الآخرة وذلك للدلالة على أن هذه التجارة تنجي من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة. أما من لم ينتفع بها ولم يعمل بها فإنه سيطاله العذاب في الدنيا والآخرة. فإن من يترك الجهاد ستدوسه القوى الغاشمة وتسحقه وقد تستبيحه حتى تخرجه من داره وماله. فعبر بالآية عن كل ما يدل على تكريم المؤمنين وحب الله لهم: 1- فقد قال ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ ولم يقل (قل هل أدلكم) للدلالة على أن القائل هو الله وأن الذي عرض ذلك هو الله وليس رسوله. 2- وقال ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ بالاستفهام الدال على التشويق. 3- وقال ﴿أَدُلُّكُمْ﴾ بإسناد الدلالة إلى نفسه. 4- وقال ﴿أَدُلُّكُمْ﴾ فقيد الفعل بضمير المخاطبين ليفيد أن الدلالة مختصة بهم. 5- وقال ﴿تُنْجِيكُمْ﴾ بالتخفيف ولم يقل ﴿تنجيكم﴾ بالتشديد. 6- وقال ﴿تُنْجِيكُمْ﴾ فقيد الإنجاء بضمير المخاطبين للدلالة على حب الخير للمؤمنين وإمحاض النصح لهم. ۷- وقال ﴿مِنْ عَذَابٍ﴾ فنكر العذاب ليشمل كل أنواعه. ۸- وقال ﴿أَلِيمٍ﴾ ليشمل كل مؤلم منه. ۹- وأطلق العذاب ليشمل عذاب الدنيا والآخرة. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 224 إلى ص 225. (1) أنظر بلاغة الكلمة في التعبير القرآني ص 70 وما بعدها.

ﵟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﵞ سورة الصف - 10


Icon