الوقفات التدبرية

(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ...

﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أمرنا بأن نعلم هذا الأمر أي أن الله هو الذي يحيى الأرض بعد موتها وأنه ما كانت لنحيا لو أن الله يحييها. فهي لا تحيا من الماء بنفسها ولا أن ذاتنا أخرت دونه أو معه قادرة على ذلك فالله هو الذي يحيي الأرض بعد موتها. ووجه ارتباط الآية بما قبلها ظاهر من جهتين: ذلك أنها تمثيل لأثر الذكر والقرآن في القلوب فإنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض (1). جاء في (روح المعاني) أن قوله ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ تمثيل ذكر استطراداً لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير من القساوة (2). ومن جهة أخرى إن هذه الآية تدل على بعث الأموات وأن الله سيحييهم ويبعثهم كما يحيي الأرض. وقد مر قبل هذه الآية ذكر الآخرة وجملة من مشاهدها. وهي كما ترتبط بما قبلها من جهتين ترتبط بما بعدها من جهتين أيضاً. فإنه ذكر بعد هذه الآية أن المصّدقين والمصّدقات يضاعف لهم. وذلك شأن الأرض التي تحيا بالغيث فإنها تضاعف ما يزرع فيها. وقد ذكر الله ذلك في مكان آخر فقال ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ - البقرة (261). كما أنه ذكر الآخرة بعدها وطرفاً من أحوالها. فارتبطت الآية بما قبلها وما بعدها والله أعلم، جاء في (تفسير الرازي) أن قوله هذا تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة فالمواظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث. والثاني أن المراد من قوله﴿ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ﴾ بعث الأموات فذكر ذلك ترغيباً في الخشوع والخضوع وزجراً عن القساوة (3). **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 270 إلى ص 271. (1) أنظر الكشاف 4/64. (2) روح المعاني 27/278. (3) تفسير الرازي 29/231.

ﵟ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﵞ سورة الحديد - 17


Icon