الوقفات التدبرية

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي...

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ قدم النبوة على الكتاب كما قدم البينات على إنزال الكتاب في الآية السابقة فقال ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ . والبينات هي الدلائل على النبوة والتي تقيم الحجج على الناس فقدمها على إنزال الكتاب وفي هذه الآية قدم النبوة على الكتاب وهو نظير التقديم في الآية السابقة. ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ كان الأظهر أن يقال (فمنهم مهتد وكثير منهم ضالون) لأن الهدى يقابله الضلال كما هو مذكور في مواطن كثيرة من القرآن الكريم كقوله ﴿كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ﴾ - المدثر (۲۱) وقوله (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ) - البقرة (16): غير أنه ذكر الفسق وهو الخروج عن الطريق المستقيم وذلك لأن الضلال قد يكون عن غير قصد وبغير علم كما قال تعالى ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ - الكهف (104) وقال ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ - الأنعام (۱۱۹). أما الفسق فهو الخروج عن الطريق وذلك بعد العلم به. وهذا أبعد في الضلال. ثم وصف الفاسقين بالكثرة ولم يصف المهتدين بالكثرة فقال: ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ . وهذا ذم آخر، جاء في (روح المعاني): ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ خارجون عن الطريق المستقيم. ولم يقل: (ومنهم ضال) مع أنه أظهر في المقابلة لأن ما عليه النظم الكريم أبلغ في الذم لأن الخروج عن الطريق المستقيم بعد الوصول بالتمكن منه ومعرفته أبلغ من الضلال عنه ولإيذانه بغلبة أهل الضلال على غيرهم (1). **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 297 إلى ص 298. (1) روح المعاني 27/290.

ﵟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﵞ سورة الحديد - 26


Icon