الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) لم يقل (لا...

برنامج لمسات بيانية ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ لم يقل ﴿لا ينصرونهم﴾ لأن ذلك قد يدل على أنهم قادرون على النصر ولكن لا يفعلون ذلك وإنما قال ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ ليدل على عجزهم وضعفهم. ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ قيل: المعنى أن الآلهة لا يستطيعون نصرهم وإنما هم أي عابدوهم جند لهم يدافعون عنهم وينصرونهم فهم بدل أن ينتصروا بهم صاروا جنوداً لهم يدافعون عنهم لأنهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم وهذا أسوأ ما يكون من خيبة الأمل وانقطاع الرجاء. جاء في (روح المعاني): "﴿وَهُمْ﴾ أي أولئك المتخذون المشركون ﴿لَهُمْ﴾ أي لآلهتهم ﴿ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ أي معدون لحفظهم والذب عنهم في الدنيا"(1). وجاء في (فتح القدير): "أي والكفار جند للأصنام محضرون أي يحضرونهم في الدنيا. قال الحسن: يمنعون منهم ويدفعون عنهم. وقال قتادة: أي يغضبون لهم في الدنيا. قال الزجاج: ينتصرون للأصنام وهي لا تستطيع نصرهم. وقيل: المعنى يعبدون الآلهة ويقومون بها فهم لها بمنزلة الجند. هذه الأقوال على جعل ضمير ﴿هُمْ﴾ للمشركين وضمير ﴿لَهُمْ﴾ للآلهة"(2). وقيل: بل المعنى أنهم جند لهم أي جند للآلهة محضرون للعذاب في الآخرة وذلك أن هذه الآلهة توقد بها النار يوم القيامة فتتقدمهم إلى النار وهم يتبعونهم إليها كما يتبع الجند قائدهم. أو أن الآلهة تكون جنداً لهم محضرة للعذاب. جاء في (الكشاف): "اتخذوا الآلهة طمعاً في أن يتقووا بهم ويعتضدوا بمكانهم والأمر على عكس ما قدروا حيث هم جند لآلهتهم معدّون ﴿مُحْضَرُونَ﴾ يخدمونهم ويذبون عنهم ويغضبون لهم والآلهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر. أو اتخذوهم لينصرونهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقوداً للنار"(3). وفيه معنى لطيف آخر وهو أن هذه الآلهة لا تستطيع نصرهم في حال أن لهم جنداً محضرين أي هي لا تستطيع النصر ولو كان لهم أي للآلهة جند محضرون معدون فكيف إذا لم يكن لهم ذلك؟ فلاشك أنهم سيكونون أعجز وأذل وأضعف. وعلى هذا تكون الواو واو الحال. وذكر الفخر الرازي معنى آخر: وهو أن الآلهة لا تستطيع نصرهم ولو كانت هي جنداً محضرين لنصرتهم أي حتى لو اجتمعت الآلهة وكانت جنداً معدة لنصرهم لم تستطيع أن تنصرهم فكيف إذا لم تكن كذلك؟ جاء في (التفسير الكبير) في قوله ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾. "وهو يحتمل معنيين: ﴿أحدهما﴾ أن يكون العابدون جنداً لما اتخذوه آلهة كما ذكرنا. (الثاني) أن يكون الأصنام جنداً للعابدين. وعلى هذا ففيه معنى لطيف وهو أنه تعالى لما قال ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ أكدها بأهم لا يستطيعون نصرهم حال ما يكونون جنداً لهم ومحضرون(4) لنصرتهم فإن ذلك دال على عدم الاستطاعة. فإن من حضر واجتمع ثم عجز عن النصرة يكون في غاية الضعف بخلاف من لم يكن متأهباً ولم يجمع أنصاره"(5). وهذه المعاني كلها محتملة صحيحة: 1- فإن الآلهة عاجزة وإن عابديهم ينصرونهم ويدفعون عنهم وهم لهم جند محضرون. 2- وأنهم وآلهتهم سيكونون محضرين للعذاب في النار. 3- وأن الآلهة لا تستطيع أن تنصرهم ولو كان لها جند محضرون معدون للنصر فكيف وهي ليست كذلك؟ 4- وهي لا تستطيع أن تنصرهم ولو اجتمعت وكانت جنداً معدين لنصرة عابديهم. فجمع هذا التعبير كل هذه المعاني. ولو غير أي لفظ عن مكانه بتقديم أو تأخير لم يؤد هذه المعاني مجتمعة. فلو قال: وهم جند محضرون لهم. أو: وهم جند لهم محضرون. أو: ولهم هم جند محضرون. وكذلك لو قيل أي تعبير آخر لم يفد هذه المعاني مجتمعة. بل ربما اختل المعنى. فكان هذا التعبير أعدل التعبيرات وأحسنها وأجمعها للمعاني المطلوبة.

ﵟ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ﵞ سورة يس - 75


Icon