الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (8) : * في قوله (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ...

برنامج لمسات بيانية آية (8) : * في قوله (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (8)) في تضعيف هذه الاية قال تعالى ﴿أَخَّرْنَا﴾ أسند الفاعل إلى ذاته سبحانه وتعالى لكن في الصرف لم يسند الفعل لنفسه وقال ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ ولم يقل لا نصرفه عنهم فلماذا نسب التأخير إلى نفسه ولم ينسب الصرف إلى نفسه مع أن الكل من قِبَل الله سبحانه وتعالى؟ أسند تأخير العذاب إلى نفسه قال ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ﴾ وليس هذا فقط هو قال ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ ولم يقل (ليس منصرفاً عنهم) جعله إسم مفعول لا ينصرف من نفسه وإنما يصرفه صارف ولو قال ليس منصرفاً كان ينصرف من نفسه * هل هناك فرق بين منصرف ومصروف؟ إحداها إسم فاعل والأخرة إسم مفعول. منصرف إسم فاعل ومصروف إسم مفعول. ليس مصروفاً عنهم يعني هنالك صارف يصرفه لم يقل ليس منصرفاً عنهم إذن هو لا ينصرف من نفسه وإنما يصرفه صارف. يبقى السؤال لماذا قال ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ ولم يقل لا نصرفه عنهم؟ هو لو قال لا نصرفه عنهم يعني العذاب سيبقيه، هو أسند تأخير العذاب لنفسه هذا رحمة، عدم صرفه ليس فيه رحمة، إذن قال ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُم﴾ إشارة إلى رحمته ولطفه بالعباد، ولما كان هو مظنة العذاب لم ينسبه إلى نفسه سبحانه وتعالى لم يقل لا نصرفه عنهم، فهو أخّر العذاب رحمة بهم ولم يقل لا أصرفه عنهم تلطفاً بعباده فقال ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ لا ينصرف بنفسه وإنما يصرفه صارف وهو الله سبحانه وتعالى لكنه لم يقل هكذا تلطفاً بعباده سبحنانه وتعالى . وبالمناسبة لم يقل ألا يوم نأتي به، هو يقصد العذاب إذا وقع. * (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ﴿يومَ﴾ هذا النصب أو البناء على الفتح أين متعلّقه؟ أين متعلق هذا الظرف ﴿يومَ﴾؟ وإذا كان مبتدأ فلم لم يقل ﴿يومُ﴾ خصوصاً أنه جاء في القرآن (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (119) المائدة) فلم جاء في الاية ﴿يومَ﴾؟ (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ما هو موقعها الإعرابي؟ هذا هو الإشكال. هنا الحقيقة بين النحاة أخذ ورد في هذه المسألة كثيراً. (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) قسم يذهب إلى أن (يوم يأتيهم) متعلق بـ ﴿مصروف﴾ يعني ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) ألا يوم يأتيهم العذاب ليس مصروفاً عنهم. في هذه الحالة تُعرب ظرف عادي لكن متقدّم على عامله، كثير من النحاة يرفضون هذه. مصروفاً عنهم هذا واقع بعد ليس ﴿وليس﴾ فعل جامد لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، قسم منع هذا فذهبوا إلى تقديرات أخرى منها أنه مبتدأ على رأي الكوفيين جوزوا أن يكون مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع حتى يخلصوا من هذا الإشكال. قسم يقدم عامل * إذا كان مبتدأ لماذا لم يقل ألا يومُ يأتيهم كما قال ﴿هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾؟ إذن لماذا هذا التقديم على الأصل؟ ألا ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم. * ما هو أصل التركيب خارج القرآن؟ هذه هي المسألة التي فيها إثارة ما هي خارج القرآن؟ هل هي ألا ليس مصروفاً عنهم يوم يأتيهم وصار تقديم؟ هل هو هذا؟ أم هو مبتدأ؟ الآن ندخل للمعنى. لو قال ألا ليس مصروفاً عنهم يومَ يأتيهم يعني ليس مصروفاً عنهم في يوم يأتيهم قد ينصرف في يوم آخر. أنا لست مسافراً يوم الجمعة لكن يمكن أسافر أي يوم آخر، إذن هو يوم يأتيهم ليس منصرفاً لكن ممكن ينصرف في يوم آخر هل هذا يصح؟! لا ، إذن التقديم بهذا المعنى أيضاً لا يصح. الآن نأتي إلى السؤال الذ يتفضلت به، قسم يقول مبتدأ ولماذا لم يقل (ألا يومُ يأتيهم) مثلما قال ﴿هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾. لو قال ألا يومٌ يأتيهم تزال الإشكالات لكن نأتي لقول (ألا يومُ يأتيهم) يومُ مبتدأ، ﴿ليس مصروفاً عنهم﴾ خبر عن مبتدأ ﴿يومُ﴾ إذا العذاب لا ينصرف، اليوم ينصرف قطعاً لأنه يوم، ما هو الذي لا ينصرف؟ اليوم لكن الكلام على العذاب وليس على اليوم. اليوم ينصرف لكن ما علاقته بالعذاب؟ الكلام على العذاب وليس اليوم إذن سيكون ضعيفاً إذن إذا أعربناه مبتدأ سواء قدمناه أو جعلناه مبني على الفتح أو رفعنا سيكون ضعيفاً وإذا قدرناه بليس مصروفاً عنهم ضعيف. إذن هذا التعبير هو الذي لا يمكن استبداله بغيره. يبقى التخريج، لأنه إذا قدمنا أو رفعنا هذا كله يصير فيه اعتراض ، فيه ضعف في المعنى، إذن ما السبيل إلى هذا؟ قسم من النحاة ذهب إلى أنه تقدير عامل ألا يلازمهم يوم يأتيهم، أنا أرجح هذا الرأي لأنه خالي من الضعف في الإشكالات. * ما معنى حاق ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾؟ حاق يستعمل للأمور السيئة عموماً، أصابهم أمر سيء، حاق بهم من كل جانب ، حاق لا تستعمل إلا في المكروه فقط. هو قال ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ العذاب الذي هو، ما قال كبير أو صغير وإنما هو محدد باستهزائهم، هذا منتهى العدل أنه يحيط بهم على قدر استهزائهم لم يحدد وإنما كل واحد على قدر استهزائه وهذا منتهى العدل.

ﵟ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﵞ سورة هود - 8


Icon