الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (11) : * (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ...

برنامج لمسات بيانية آية (11) : * (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)) ما علاقة الاسثناء هذا؟ وما معناه؟ صبروا على ما أصابهم أو يصيبهم من الضراء. وعملوا الصالحات في كل أحوالهم سواء في حال الضراء أو في حال النعمة، في كل حال يعمل الصالحات ومن العمل الصالح الشكر لربهم عندما ياتيهم ما أنعم به عليهم، هذا عمل صالح، هؤلاء لهم مغفرة لأن المؤمن إذا أصابته ضراء صبر والضراء قد تكفر السيئات، المصائب كفارة للذنوب. وذكر المغفرة لأنه ما أصب من ضراء قد يكون مدعاة للمغفرة لأن ربنا قال (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) فالصابر يناله التكفير، المغفرة ويناله الأجر. * مع الرحمة يشكر يُثاب ومع الضر يصبر يُثاب؟ ويعمل الصالحات فلهم أجر كبير في كل الأحوال. الصابر يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والشاكر أيضاً يوفى أجره فإذن الذين صبروا وعملوا الصالحات في كل أحوالهم في حال الضراء عند نزع الرحمة أو ما أصابهم من السوء، في حال النعماء ما أصابهم من الخير، في كل هذه الأحوال له مغفرة وأجر كبير. * هنا في هذه الاية وما قبله ذكر ربنا تبارك وتعالى ذكر الرحمة وذكر النزع وذكر النعماء وذكر الضراء، ما علاقة كل هذا بالنسق العام وما قبله؟ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ (9)) ذكر الرحمة والنزع، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء (10)) في الآيات التي سبقت قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) هذه إذن من البلاء في السراء والضراء . * الرحمة والنزع هذا بلاء؟ طبعاً في السراء والضراء. * هل هناك فرق بين البلاء والابتلاء من حيث اللغة مع أن كلاهما مداره الاختبار؟ مداره الاختبار لكن ابتلى فيه زيادة في الابتلاء قال (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء) ، البلاء يكون بالشر والخير، يعني يختبركم. * أنا أتصور أن البلاء يكون في الشر فقط ! لا، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً (17) الأنفال) فإذن البلاء بالخير والشر، في إذاقة الرحمة وفي نزعها، في السراء والضراء، في النعماء والضراء. إذن هذا كله في سياقها لأنه قبلها قال ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فإذن هذه الحالات تبين أنها حال الابتلاء. هي في سياق الآيات التي قبلها (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) فإذن هذه في سياقها، هذه حالات الابتلاء والاختبار في كل الأحوال * هل هناك لمسات بيانية أخرى؟ من الملاحظ أنه أسند مظاهر الخير والرحمة إلى نفسه (أَذَقْنَا، وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ) رحمة، قال (أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) وليس نأتيهم، ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء﴾ ولكن قال ﴿بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ﴾ لكن قد يقال أنه قال ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ هذا ما يقتضيه الابتلاء. * النزع يُفهم معنى الغضب والعياذ بالله؟ لا، إنما أعاده إلى حالته الأولى، للإختبار كما تعطي الإنسان شيئاً لتختبره ثم تأخذه منه لترى ماذا يصنع، ليرى كيف يعمل قال تعالى ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ كيف يختبرهم بالحالتين، يعطيه ثم ينزع، كيف عمل عندما أعطاه وكيف عمل إذا نزعها، هي تدخل في نفس السياق ﴿ليبلوكم﴾. فإذن نزعناه هي مقصودة هكذا لأن هذا ليبلوكم حتى يختبركم ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾. * ما مرّ من الآيات الكريمات هل لها نسق معين في سياقيات السورة كلها من أول السورة حتى الآن ترتيباً هكذا كما مرّ علينا من الآيات الكريمات؟ نعم فيها نسق. هو بدأ بعموم المكلفين بعد الآية الأولى طلب منهم ألا يعبدوا إلا الله عندما قال (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ (2)) هذا الكلام للمكلّفين بداية، ثم خص الكافرين. بدأ بعموم المكلّفين ثم خص الكافرين بعدهم بالذكر فقال (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ (5)) ثم ذكر ما هو أعم (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ ِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا (6)) عموم المكلفين - الكافرين - ما هو أعم. ثم يأتي مرة أخرى إلى عموم المكلفين، هذا في السياق (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)) هذه للمكلفين ثم خصّ الكافرين (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ (7)) ثم ما هو أعمّ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً (9)) الإنسان كله، عام. فلاحظ النسق عموم المكلفين، الكافرين، ما هو أعمّ، عموم المكلفين- الكافرين - ما هو أعمّ. حتى أنه بدأ بالكتاب (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ (1)) وانتهى بالكتاب (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ (12)) هذا من الكتاب. فهناك نسق فني عجيب وترابط بالفعل قوي جداً ، ليس فقط بين الكلمات والآية وإنما كنسق عام.

ﵟ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﵞ سورة هود - 11


Icon