الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (15) : * (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ...

برنامج لمسات بيانية آية (15) : * (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15)) مناسبة هذه الآية للجو العام وتحديداً ما قبلها، كيف يتضح من خلال اللمسة البيانية الموجودة؟ ابتداء من أول السورة، أول السورة ذكر (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى (3)) إذن هذا سبيل المتاع الحسن، من كان يريد الحياة الدنيا ماذا يريد؟ يريد المتاع الحسن. فأول السورة ذكر حقيقة إرادة الحياة وحقيقة المتاع في الدنيا لكن السبيل اختلف قال ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هذا أمر، ثم ذكر بعدها ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ فذكر أثر الرحمة وأثر النعماء في الإنسان فقال (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ (10)) هذا لأن الإنسان يريد الحياة الدنيا وزينتها فذكر هذه الأمور مما يبتغيه الإنسان ويريده يريد الرحمة ويريد المتاع الحسن ويريد النعماء (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ (12)) لماذا الكنز؟ للمتاع الحسن والزينة، إذن هكذا الجو هو متدرج في وسائل المتاع. ذكر الأمر الآخر إذن يريدون ذاك السبيل. الآن الآخر الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها ولا يريد غيرها * ﴿من﴾ هنا تفيد التبعيض؟ هذه ليست تبعيض، هذه شرطية (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا (15)) جواب الشرط مجزوم فهي شرطية. * ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾ الله سبحانه وتعالى هنا عدّى الفعل بإلى وأحياناً يعديه لمفعولين كما في قوله (وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ (111) هود) عداه بمفعولين وفي قوله تبارك وتعالى (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ (173) النساء) فكيف يكون متعدياً بنفسه ومتعدياً بحرف الجر ﴿إلى﴾ ومتعدياً بمفعول ومتعدياً بمفعولين؟ أحياناً يدخل التضمين ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾ التفسير يقول بمعنى نوصل إليهم. * ما معنى التضمين؟ يضمن كلمة معنى كلمة أخرى؟ كلمة تضمن معنى كلمة أخرى ويؤتى شيء من لوازمها بحيث يستفيد معنى الكلمتين. مثال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) معناها ونجيناه، النصر هنا بمعنى التنجية بدليل ﴿من﴾ يقال نجى من ونصر على فأخذ ﴿من﴾ التي هي تتعدى إلى نجّى (نجّى منه). لكن لم يذكر نجينا، لأن هو أراد معنى النصر ومعنى التنجية هو أراد المعنيين، هو نصر ونجّى، نجى هؤلاء ونصرهم بهلاك أعدائهم فهو نصر ونجّى، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (63) النور) يخالفون عن أمره يعني ينحرفون عن أمره، يبتعدون أيّ ابتعاد. الحذر ليس من المخالفة، تلك الطامة الكبرى! لو خالف أمره، هو الآن التحذير من الابتعاد عن الأمر، فيها تضمين رسالة. * هنا مثلاً ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ نوفّ خارج القرآن يتعدى بنفسه؟ نعم، هو يتعدى بنفسه لكن في التضمين يمكن أن يتعدى بالحرف كما ذكرت الآن خالف وخالف عن أمره. لكن السؤال لماذا أحياناً يعديه بحرف الجر وأحياناً بنفسه ما السبب؟ الذي يظهر من هذا من مراجعة التعبير القرآنى في هذا الفعل أن التعدية بحرف الجر إذا خصّها بالأموال، إذا ذكر حرف الجر إذا قال نوفي إليهم (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (272) البقرة) مال، (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60) الأنفال) مال، (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ (15) هود) يريد الحياة الدنيا يعني يريد مالاً، إذن نوف إليهم يعني نوصل إليهم. ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾ عندما توصل شيء إلى شيء ليس بالضرورة أنت توصله إلى نفسك قد يصللك عن طريق آخر (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ (51) القصص) لاحظ أنه إذا عداه بنفسه هذه يستعملها في الآخرة (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ (25) النور) (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111) النحل) ليس ﴿إلى﴾. ما عدّاه بـ ﴿إلى﴾ نحن قلنا بالأموال ولكن لا يخص الآخرة وإذا عداه بنفسه هو في الآخرة. الفرق إذن أن (وفى إليه) هذه بالأموال وقد تكون في الدنيا، (وفّاه) في الآخرة في القرآن. (وفّى إلى) عام في الدنيا والآخرة لكن في الأموال. * الملاحظ في قوله تبارك وتعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15)) لماذا كرر ﴿فيها﴾؟ وما اللمسة البيانية في تكرار ﴿فيها﴾؟ وعلى من يعود الضمير؟ ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ هذه في الدنيا، أعمالهم في الدنيا. ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ فيها احتمالين، احتمال تعود على الأعمال يعني الأعمال لا تبخس، لا يبخسون في أعمالهم ويحتمل أن تكون في الدنيا لا يبخسون فيها. * حضرتك تميل إلى أيّ منهما؟ الأعمال أم الدنيا كلاهما وإن كان في الدنيا أظهر. * لماذا التكرار؟ ألا يُكتفى بضمير واحد؟ يعني نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يُبخسون؟ نحن قلنا احتمال أن الضمير يختلف في العمل فاختلفت المسألة. لكن حتى لو كان للدنيا لو قال وهم لا يبخسون، التوفية بالعمل لو على ما ذكرت أنت نوفي إليهم أعمالهم في الدنيا وهم لا يبخسون ليس في الدنيا بل في الدنيا والآخرة بينما ربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ هو ذكر (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) هود). لو قال لا يبخسون سيكون عدم البخس في الدنيا والآخرة وهذا لا يمكن أن يكون * إذن إذا قيّد الفعل سيكون للعموم ولهذا هنا ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ قيده بالدنيا أو أعمال الدنيا؟ طبعاً. ثم قال ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ﴾ هكذا بالاستمرار يعني لا يريد الآخرة أصلاً. المضارع مسبوق بـ﴿كان﴾ الدالة على الاستمرار، ﴿كان يريد﴾ دالة على الاستمرار، لأن (كان يفعل) دالة على الاستمرار يعني يريدها على وجه الدوام. * ﴿من يريد﴾ غير من ﴿كان يريد﴾؟ طبعاً. في البلاغة الفعل المضارع يدل التجدد والاستمرار لكن إذا سُبِق بـ﴿كان﴾ خلّصه للاستمرار خلّصه للإستمرار في الماضي (كان يفعل) (كان لا يفعل) في الماضي، هذ الماضي المستمر ، هم ما أرادوا شيئاً غير الدنيا بهذا الكلام

ﵟ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﵞ سورة هود - 15


Icon