الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية * (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي...

برنامج لمسات بيانية * (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16)) في هذه الآية جمعت الآية بين فعلين ربا يكون بينهما تقارب دلالي صنعوا ويعملون فما الفرق بين الصنع وبين العمل؟ ربنا سبحانه وتعالى ذكر الصنع ثم ذكر العمل. الصنع هو إجادة العمل، العمل عام سواء كان بإجادة أم بغير إجادة لكن الصنع فيه إجادة فذكر الأمرين ، سواء ما صنعوه أو ما عملوه من غير صنع كلاهما ذهب هباء. * هم صنعوا أم عملوا؟ كلاهما، الإنسان يصنع ويعمل. لكن يعمل ربما تكون فيها عفوية، وقد تكون بها قصد لكن بدون اتقان، العمل عمل عام فكلاهما ذهب هباء. ما بذلوه بجهد لإحسانه أو ما عملوه على وجه العموم كلاهما ذهب. * لماذا ذكر الصُنع في البداية ثم ذكر العمل ثانية؟ هذا الترتيب ترتيب فني عجيب هي هذه الآية. هو ذكر ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ﴾ ذكر الحبوط أولاً ثم البطلان ثانياً. يعني ذكر مع الصنعة الحبوط وذكر البطلان مع العمل. الحبوط أخص من البطلان. البطلان أعمّ كما سأذكر. الحبوط خاص بالأعمال في القرآن لم يرد إلا في الأعمال (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5) المائدة) (لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) الأنعام) (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ (217) البقرة) ما يتعلق بالعمل عموماً. البطلان عام في العمل وغير العمل في القضاء والاعتقاد (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً (191) آل عمران) الباطل أعم. فذكر الخاص مع الخاص، الحبوط مع الصُنع، الحبوط أخص فذكره مع الصنع الذي هو أخص والبطلان أعم ذكره مع العمل الذي هو أعم. * ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ على من يعود الضمير ﴿فيها﴾؟ هذا فيه احتمالان الأول احتمال أنه متعلق بحبط ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ الحبوط سيكون بالآخرة ومن المحتمل حبط ما صنعوا فيها ومحتمل أن يكون متعلق بما بعده يعني حبط ما صنعوا فيها وباطل فيها ما كانوا يعملون. ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ عندنا فعلان حبط وصنع، الحبوط في الآخرة والصنع في الدنيا، يعني حبط في الآخرة الذي صنعوه في الدنيا، عندنا ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ السؤال على من يعود الضمير في ﴿فيها﴾؟ على الحبوط أو على الصنع؟ بالنسبة للآخرة أو للدنيا؟ ﴿فيها﴾ على من يعود؟ * في الآخرة أم في الدنيا؟ الإثنان، هذا التركيب في اللغة يحتمل أمرين، يحتمل حبط في الآخرة ما صنعوا ويحتمل حبط ما صنعوا في الدنيا، كلاهما. لو قدّم لو قال حبط فيها ما صنعوا؟ هو قال ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ الآن ﴿فيها﴾ يحتمل أنه يعود على الحبوط وعلى الصنع الآخرة والدنيا يحتمل وكلاهما مطلوب حبط في الآخرة ما صنعوه في الدنيا. الآن لو قال حبط فيها ما صنعوا كان ينصرف للذهن للآخرة فقط ولا يصح للدنيا. * المعنى يعني خارج القرآن حبط في الآخرة ما صنعوا في الدنيا؟ هذا احتمال. لو قدّم ﴿فيها﴾ وحبط فيها ما صنعوا تكون للآخرة فقط. لماذا؟ هو يتعلق بحبط وصنع من حيث اللغة من حيث النحو. لو قال حبط فيها لا يصح أن يتعلق بصنع. * ولو حذف فيها وقال وحبط ما صنعوا؟ إذن المعنيان مرادان مقصودان. في هذا التأخير جمع الأمرين حبط في الآخرة ما صنعوه في الدنيا. لو قدم لا يصح ويكون معنى آخر. * ما معنى حبط؟ ذهب هباء. * لم لم يقل فيها في قوله تبارك وتعالى ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾؟ ما قال ﴿فيها﴾ أصلاً؟ عندنا أولاً ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ تحتمل أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية بمعنى حبط صنعه أو تحتمل إسم الموصول أي حبط الذي صنعه، لا توجد قرينة سياقية تحدد معنى. لو قال ما صنعوه يكون فقط إسم موصول. لو أبدل ﴿ما﴾ وجعل مكانها ﴿الذي﴾ تكون إسم موصول. الآن عندما قال ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ لم يذكر عائداً صار احتمال لو قال ما صنعوه تقيّد إسم الموصول ليس غير، ذكر عائداً فسيكون إسم موصول قطعاً، ﴿مَا صَنَعُواْ﴾ عامة. * في خارج القرآن لو قلنا حبط الذي صنعوا كمعنى عام وصل إلى الأذهان والأفهام والأسماع؟ لكن هذا خاص بالأعمال لم يأت إلى المصدر الصُنع عمل عموماً. ونحن عندنا أمران العمل وعندنا ما صنعوه، عندنا العمل كحدث وعندنا ما صنعوه * نفس الكلام في ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أيضاً؟ تحتمل أيضاً؟ تحتمل أيضاً. ننظر الآن في تأليف العبارة التي سألت عنها، كيف قال في الآول ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ لم هذا التركيب؟. أولاً القسم الأول ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ هذا مبني على الخصوص يعني كل كلمة اختارها تفيد الخاص ، كل الكلمات، كل التركيب، ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ مبني على العموم. ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ مبني على الخصوص يخصص كل شيء، ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ مبني على العموم عبارة عامة، هكذا نرتبها ترتيباً فنياً، كيف؟ نأخذها مسألة مسألة. في العبارة الأولى قال حبط وفي الثانية قال باطل، قلنا الحبوط خاص بالأعمال (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5) المائدة) (أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ (17) التوبة) البطلان عامة في الأعمال وغيرها (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) الأعراف) (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) الأعراف) يأتي لغير العمل، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ (18) الأنبياء) (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ (17) الرعد) (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ (188) البقرة) (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ (72) النحل) هذا إيمان، (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) الإسراء) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ (62) الحج) هذه معتقدات، إذن أيّ الأعمّ؟ البطلان إذن أولاً الحبوط أخص والبطلان أعمّ. نأتي إلى ﴿حبط﴾ حبط فعل ماضي و﴿باطل﴾ إسم، أيّ الأعم؟ الإسم ، إذن من ناحيتين الإسم أعم وأثبت من الفعل من حيث الدلالة والصيغة. من حيث الدلالة في اللغة الحبوط ومن حيث الصيغة إسم وفعل. الأولى قال ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ والثانية ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قلنا أولاً الصنع أخص من العمل، العمل أعم. ما صنعوا فعل ماضي، ما كانوا يعملون ماضٍ مستمر، الأولى ليس فيها ما كانوا يصنعون. أيّ الأعم؟ ما كانوا يعملون. لاحظ كيف يضع الأمور العجيبة الدقيقة، صنعوا فعل ماضي، ﴿كانوا يعملون﴾ ماضٍ مستمر إذن هذا أعمّ الماضي المستمر يشمل ذاك وما قبله. قال ﴿مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ إذن قيّد الصنع سواء بالحبوط أو كما ذكرنا الصنع في الدنيا، في الثانية قال ﴿باطل﴾ لم يقل باطل فيها، إذن جعلها عام. * لم يقل باطل فيها و باطل لا ما كانوا يعملون فيها! هذه على العموم لأنها مبنية على العموم. * لا في الدنيا ولا في الآخرة ولكنها تضمن الاثنين! الإثنين. هذا كلها سواء في الدنيا والآخرة. * هي بالفعل تشمل الاثنين! هي فعلاً تشمل الإثنين، تلك مقيدة وهذه غير مقيّدة، أّي الأعم؟ ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. لاحظ كيف وضع العام مع العام والخاص مع الخاص. ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ حتى تأليف العبارة نحوياً، ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ فعل وفاعل، حبط فعل ماضي ﴿ما﴾ فاعل سواء كان مصدراً أو إسم موصول. ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فيها احتمالين إما أن يكون خبر مقدم ومبتدأ مؤخر ﴿باطل﴾ خبر مقدّم، أصل التركيب "ما كانوا يعملون باطل"، مبتدأ وخبر. ومحتمل أن يكون ﴿ما﴾ فاعل وإسم الفاعل " وباطل الذي كانوا يعملون"، الذي إسم فاعل يعمل إسم الفعل، فذاك واحد وهذه إثنان أيّ الأعم؟ ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. لاحظ كيف الاختيار هذا من حيث التركيب والدلالة والذكر والحذف والاختيار وكل شيء، اختيار الفعل والإسم والصنع والعمل وذكر الضمير وعدم ذكر الضمير. * باعتبار حضرتك ضلع في الدراسات البيانية هل كنا في حاجة إلى مثل هذا البيان ومثل هذه البلاغة الفصاحة؟ كان يمكن أن نقول "وحبط الذي كانوا يعملون في الدنيا" كمعنى عام تصل الرسالة لذهن السامع وتنتهي القضية؟ هذه أشمل وأعمّ مما ذكرته أنت. ثم أنت تريد أن تقول أي كلام أو كلام معجز أو كلام مبين أو كلام يتحدى به؟ * قد يثار تساؤل ما فائدة البلاغة أصلاً المهم هناك جنة ونار وهناك عقاب وثواب وفصل لم نحتاج البلاغة والبيان ومتخصصين؟ ما نكسبه من البلاغة؟ أنت تقرأ أحياناً شعراً يهزك كما تقرأ شعراً مضعضعاً؟! التأثير يختلف بشكل كبير وكذلك النثر والفنّ تؤثر، فكيف يكون القرآن كلام هكذا كيفما كان؟ ولذلك تحداهم بأن يأتوا بمثله.

ﵟ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﵞ سورة هود - 16


Icon