الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (17) : * (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن...

برنامج لمسات بيانية آية (17) : * (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17)) في هذه الآية ذكر الله تبارك وتعالى البينة ثم الشاهد ومن قبله كتاب موسى فما حكمة الترتيب؟ وما اللمسة البيانية الموجودة فيه؟ في القضاء أمام القاضي صحة الحكم البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر. وإذا احتاج يطلب شهوداً، يحكم إما بالبينة أو الشهود. البيّنة هي حجّتك، تأتي بالبينة هي أقوى من الشاهدً. تأتي ببينة تثبت. البينة دليل وليس شاهداً. البينة غير الشاهد حجة دامغة، صحة الحكم في القضاء تستند إلى أمرين البينة أو الشهود العدول، في كل أقضية الدنيا، كل قضاء في العالم صحة الحكم يستند على أمرين البينة أو الشهود العدول هذه أو هذه فإذا اجتعمت تصبح حجة دامغة، إذن هو ذكر أكرين البينة والشهود ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ ذكر أمرين: هو الآن ذكر بينة وشاهد لما كانت الدعوة أنه مرسل من ربه، الكلام بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، أصل الدعوة أنه مرسل من ربه إذن يحتاج بينة من ربه هو يدعي أنه مرسل بالدعوة إذن ينبغي أن تكون البينة من ربه. إضافة إلى ذلك ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ يعني شاهد من ربه حتى يكون عدل، كيف يشهد على أنه من ربه يجب أن يكون شاهد من ربه. إذن صارت البينة من ربه إذن قطعاً هذا شاهد عدل لأنه من ربه ما اكتفى بذلك، هو واحد كافي، البينة كافية، الشاهد كافي، إضافة إلى ذلك ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً﴾ لاحظ كيف أن الأمر محكم، البينة هي كافية وإن لم تكن كافية فالشاهد كافي، ذكر كلاهما ولكنه لم يكتف بهذا قال أيضاً هنالك شاهد آخر وهو كتاب سابق من ربه. هذا الكتاب السابق قبل أن يأتي بكم شهد بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام قال صراحة أنه سياتي هذا الرسول. مذكور هذا الشخص المقصود إسمه ومكان نشاته وأين نزل الوحي وعلامته البدنية ومن أي شعب هو؟ وإلى أين يهاجر؟ * كل هذا في الإنجيل والتوراة؟ هل هناك نصوص؟ في التوراة الحالية سفر التثنية الإصحاح 43، الآية رقم 2 ، هم رقّموها. طبعتان مختلفتان واطلعت عليهما بنفسي، "جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار" . سيناء هي سيناء و(ساعير) مكان المسيح، فلسطين، فاران مكة بالإجماع. وفي الطبعة الأخرى "جاء الرب من سيناء وأشرق من ساعير وتلألأ من جبل فاران" والأخرى "جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار" الوحي نزل في جبل فاران، غار حراء، استعلن من الجبل. بكة إسمها فاران أصلاً، والحجاز إسمها فاران أصلاً. في التوراة أن إبراهيم جعل إسماعيل في بادية فاران. "جاء الرب من سيناء" يعني شريعة الرب. "جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير (وهو المسيح) واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار" سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومعه ألوف الأطهار أي الذين معه وهذه الجملة موجودة في بعض النسخ ومحذوفة في نسخة أخرى. وفي النسخة أيضاً طبعة الموصل "وحيٌ على العرب" والطبعة الأخرى "من جهة بلاد العرب", نفسها "وحي على العرب في الوعر في بلاد العرب" في الجبل، "هاتوا ماء لملاقاة العطشان" يتكلم عن الهجرة، "يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزة فإنهم من أمام السيوف هربوا، من أمام السيف المسلول من أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحر فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار" يعني مجد العرب، قيدار يعني العرب، " وبقية عدد أبطال قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل تكلم" بعد سنة من الهجرة. " لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار" (إسم العرب) "لتترنم سكان سالع" سالع هذا جبل في المدينة، يتكلم بعد الهجرة، وذكر الشامة على كتفه. * ما تفضلت به في التوراة هذه أدلة دامغة على أنها تتحدث عن سيدنا محمد، لِمَ لم يؤمن القوم؟ ربنا قال (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة) وقسم منهم آمن مثل عبد الله بن سلام وأبي بن كعب. إذن ذكر البينة من ربه والشاهد من ربه ومن قبله كتاب موسى هذه كلها تأكيدات على نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. *﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ لماذا ﴿تك﴾ وليس تكن؟ بعد أن ذكر الأمور وكل واحد منها كافي في إثبات الدعوة إذن قال ﴿فلا تك﴾ يعني إحذف أي شك أو ريبة من نفسك كما حذف النون من أصل الكلمة. نحوياً تصح تكُ وتكُن، هذا جائز بكثرة في ﴿تكن﴾ لكن يبقى بيانياً ، إحذف المرية من نفسك كما حذفنا هذه النون من أصل الكلمة، إحذف المرية. * ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ ماذا في هذا التعقيب؟ بعد أن ذكر هذه الأمور قال ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ رتبها من حيث التعبير ثم احتاط بعد ذلك كل ما يمنع الشك، البينة من ربه والشاهد من ربه والكتاب من ربه والحق من ربه ماذا بقي؟! لا شيء. ثم لعله يبقى في النفس شيء بأن لعله يرى أنه كيف لا يؤمن الناس بعد كل هذه، حتى يقطع كل شك قال له هذه من طبيعة الناس ﴿وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ إذا رأيت أكثر الناس لا يؤمنون هذه من طبيعتهم، هذه ليست في أصل القضية لأن ربنا قال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (116) الأنعام) لعله في النفس أنه لماذا هؤلاء لا يؤمنون قال له هذه طبيعة الناس. * إذن مسألة الأكثرية في القرآن لا بد أن تُراجَع! نعم لا بد أن تراجع. * ليست كل الأكثرية تكون صح أو حق أو صواب؟ ليس بالضرورة. * هل هناك فرق بين الحق والصواب؟ هنا قال ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ وفي آية أخرى (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) اللغة تحتمل الفرق بين حق وصواب؟ الصواب الصح والحق أعمّ . نلاحظ أن النهي الذي ورد في الآية ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ هذا نهاه أبلغ ما يكون النهي. كيف؟ هذا تركيب عجيب. أولاً جاء بالفاء الدالة على السبب يعني بعد أن ذكرنا الأسباب الموجبة على صحة الدعوة ﴿فَلاَ تَكُ﴾ إذن جاء بالفاء. ثم النهي ثم حذف النون ﴿تَكُ﴾ ثم قال ﴿فِي مِرْيَةٍ﴾ . * ماذا كان يمكن أن يقول غير ﴿في مرية﴾؟ على مرية، ممترياً، شاكاً . إذن ﴿في﴾ مقصودة ، هي ظرفية يعني لا تكن فيها كما يكون الشخص في اللُجة أُخرج منها، لا تكن في شك، ثم نكّر المرية ﴿مرية﴾ حتى يشمل كل شك. ثم قال ﴿منه﴾ من القرآن لم يقل لا تك في مرية لأن الإنسان يشك في أمور كثيرة لكن المقصود هنا القرآن، ثم قال ﴿إنه الحق﴾ أكّد بـإنّ ثم عرّف الحق لم يقل إنه حق، هذا يدل على أنه وحده الحق ولا حق سواه، الجنة حق والنار حق والله هو الحق المطلق فلو اتبعت أي كتاب آخر كان اتباعك باطلاً، هذا هو الحق. كل كتاب آخر منسوخ. ثم ذكر الجهة التي تدل على أحقيته ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ ثم قال ﴿وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ حتى يحتاط للمسألة . ثم حذّر بأن الذي لا يؤمن موعده النار. *ما البينة وما الشاهد؟ قيل البينة قسم قال هي القرآن وقسم قال هي الأدلة العقلية الدالة على الصحة. المعجزات التي تقطع بصحتها والشاهد قيل هو القرآن أو قيل هو النظم المعجز وقيل هو الإنجيل ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ هذا شاهد، والإنجيل لم يذكره هذا شاهد آخر (يتلوه شاهد). هذا شاهد آخر ذكر إسمه صراحة، والآية تحتمل أن يكون التوراة والإنجيل، هو ذكر التوراة كتاب موسى والإنجيل ليس كتاب موسى، إذن هذا شاهد. * هنا لم قال ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ ولم يقل الله؟ هل الله هو الإسم العلم لله سبحانه وتعالى؟ الرب أليس هو في اللغة المربي والمرشد والموجّه والمعلم إذن هو الأنسب لذكر البينة الذي يبيّن. ولذلك نلاحظ في القرآن كله أن البينة لم ترد مقترنة إلا مع الرب (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي (57) الأنعام) (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ (73) الأعراف) ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ لم ترد مع غير الرب، لم ترد مع الله. إذن متناسبة الغرض مع مهمة الرب. الله إسم العلم ليس فيها دلالة، الرب هو المربي والمرشد والمعلم إذن هو الأنسب لذكر البينة. المربي، المعلم يأتي بما يبين. ثم ذكر شاهدين شاهد من قبله، كتاب موسى وشاهد يتلوه ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ هذا الشاهد يمكن أن يكون مستمراً إلى يوم القيامة قد يأتي من يشهد على صحته إلى يوم القيامة، في كل مرة يظهر شاهد ودليل يشهد (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت) لن يتوقف الشاهد ولا تنقضي عجائبه كما قال. فإذن هذا الشاهد يبقى مستمراً وفي كل زمان يظهر شاهد جديد على صحة هذا الأمر. ولذلك ما قال تلاه وإنم قال ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ مضارع فيه تجدد واستمرار إذن استغرق الماضي قبله ويتلوه في المستقبل فاسغرق كل الزمن الماضي والحال والاستقبال حتى قال ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ﴾ ولم يقل من كفر حتى يشمل كل من يكفر إلى يوم القيامة.

ﵟ أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﵞ سورة هود - 17


Icon