الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (18) : * (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى...

برنامج لمسات بيانية آية (18) : * (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)) في هذه الآية نود أن نتعرف على مناسبتها لما قبلها؟ واللمسة البيانية الموجودة في هذه المناسبة؟ الآية التي قبلها (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (13)) فإذن هو الآن قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ بعد أن ذكر الافتراء ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾. فعندما ذكر ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ لا أحد أظلم منه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾. * لكن هنا ربنا قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ وليس "ولا أظلم فلماذا اختيار هذه الصيغة تحديداً؟ هذا على سبيل الاستفهام (مَنْ أَظْلَمُ) هذا سؤال حتى يشارك المخاطَب. إذا سألت أي واحد من أظلم ممن افترى على الله كذباً؟ سيقول لك لا أحد. إذا قلت أنت تقرر لكن إذا سألت ستجعل المخاطب يقرر، (من أظلم؟) استفهام، (لا أظلم) أنت تقرر هذا كلام عادي، أسلوب خبري أنت تقرر هذا الأمر وهذا أسلوب إنشائي هذا سؤال. لما تقول لا أظلم أنت قررت لكن لما تقول من أظلم؟ أنت تطلب من المخاطَب أن يجيب ، هو الذي سيقرر بنفسه أن لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً. * هنا ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ الملاحظ أن الله تعالى نكّر ﴿كذب﴾ وعرّفه في آية أخرى كما في قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (7) الصفّ) فكيف يأتي معرّفاً ومنكّراً؟ وما اللمسة البيانية لتنكيره هنا؟ المعرفة ما دل على شيء معين والنكرة على شيء غير معين، فيها عموم. حيث نكّر الكذب يكون أمراً عاماً يشمل كل كذب وإذا عرّف الكذب سيتكلم في أمر معين خاص. مثال: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران) إذن هذا أمر معين يتعلق بالطعام، هل يذكر هذه المسألة؟ قال بعدها (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكذب متعلق بهذه المسألة فعرّفها لأنه مسألة معينة. مثال آخر قال ﴿قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا﴾ ليس عندكم سلطان، (أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) معرّفة، ﴿اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾ أنتم ليس عندكم سلطان. في مسألة معينة. مثال آخر (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة). عندما ينكّرها يكون عام مطلق. مثال آخر (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ (93) الأنعام) كلام عام ليس هناك مسألة واحدة. مثال آخر (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ (24) الشورى) لم يذكر مسألة معينة. هنا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (18) هود) أيّ كذب في أيّ شيء، عامة نكّر لأنها عامة تشمل كل افتراء في كل حالة، أيُ كذب. *هنا ربنا تبارك وتعالى قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ﴾ هنا حدد لفظ الجلالة ﴿الله﴾ ثم قال في تضعيف الآية ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ قال ربهم وليس على الله فلماذا اختلف مع أن المتحدَّث عنه واحد وهو الله سبحانه وتعالى؟ الله هو إسمه العلم والربّ أضافه إليهم ﴿ربهم﴾ الذي أحسن إليهم ورباهم وقام على أمرهم وأنعم عليهم، هذا هو الرب. افتروا على الله والله هو خالق السموات والأرض إسمه العلم، ثم افتروا على ربهم الذي أحسن إليهم والافتراء على الرب من أسوأ الأفعال. أقبحها أن تفتري على من أحسن إليك على سيدك ومن أحسن إليك ومن تولى أمرك، هذا بالغ الإساءة. أنت تفتري على من أحسن إليك ومن أنعم إليك وسيدك أليس هذا من أبلغ الإساءات؟ فإن كان الرب هو الله؟! إذن صار أمرين. ذكر أمرين من حيث الإساءة كونه رب الذي يُحسِن هذا لا يحسُن حتى ولو كان أي واحد، أن تفتري على أي واحد، فإن كانت على من أحسن إليك وأنعم عليك وقام على أمرك؟! سيء، فإن كان على الله؟! أسوأ، فجمع، لو جاء بواحدة لم تكن بهذه الدلالة لأن كل إسم من أسماء الله له معنى معين ودلالة معينة فالإساءة إذن صارت مضاعفة * إذا قال ﴿الله﴾ فقط ألا يُفهم منها وألا توحي بمعنى الربوبية؟ معنى الربوبية غير معنى الألوهية، معنى آخر. اللغة تفرق بين الله والرب ، الله مأخوذة من ألِهَ يعني عبَد، الله هو المعبود، لكن الرب ليس فيها معنى المعبود. * ما الغرض من هذه الاية (أُُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) هود) لم يقل ﴿الله﴾؟ لتقريرهم والإشهاد عليهم لفضيحتهم يعرضهم على من أساؤوا إليه، على من كذبوا عليه على من افتروا عليه مباشرة، هذه فضيحة كبيرة. * ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؟ من هم الأشهاد؟ الشهاد الذي شهدوا هذا الأمر وعرفوه فيكون هؤلاء شهود على هؤلاء. الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب ومحتمل جمع شهيد أيضاً . * شهيد شهود؟ أم شهيد شهداء؟ حتى الشهداء (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ (282) البقرة) شهادة تشهد عليهم. * هل شهيد بمعنى شاهد؟ فعيل؟ فيها المبالغة في الشهادة أنه متمرس في الشهادة. * إذن أشهاد جمع شاهد أو شهيد؟ محتمل أن تكون جمع * المفرد ربما له تأثير دلالي في هذه الآية تحديداً؟ هل يؤثر دلالياً لإذا كانت شاهد أو شهيد؟ هو الآن قال أشهاد هذه تحتمل شاهد وشهيد مبالغة في الشهادة، متمرس في الشهادة. عندما افتروا افتروا على ناس متمرسين في الشهادة وعلى عموم من سمع فجمعهم كلهم، شهادة عامة موثقة، من هو بليغ في الشهادة ومن سمع فجمعهم كلهم هؤلاء أشهاد فهي مقصودة لأنها أعمّ يقول ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾. وهؤلاء زيادة في فضحهم وخزيهم يشار إليهم ﴿هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يشيرون إليهم. * أولئك أليس فيها إشارة؟ فيها إشارة لكن الآن هم موجودون أمامهم، كلهم حضور. * من القائل ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؟ هي تحتمل أمرين: تحتمل أن يكون القائل هم الأشهاد، ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ومن المحتمل أن يكون كلام الله، يعني ربنا سبحانه وتعالى عندما شهد هؤلاء ربنا قال ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ ولم يذكر من القائل، لم يتضح لكن لعله يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون فجمع. مسألة اللعن أمر عام. في الأعراف (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)) فإذن الآن اجتمعت اللعنتان لعنة الله (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) البقرة) ، (أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة) اجتمعت اللعنتان -والله أعلم - من الله ومن الأشهاد. * لا توجد قرينة سياقية تحدد من الذي قال هذا هل الأشهاد أم الله سبحانه وتعالى؟ هذا الذي يجمع، هو أدل على الجمع، تكون اللعنة من كل حدب وصوب، هذا تكون اللعنة أشمل وأعم من أن تجتمع من كل مكان ولو حدد ستكون محددة فهذا الإطلاق. * إذا كان الأمر هكذا وهذه جملة الأشهاد التي قالوها ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ لماذا لم يقل (ألا لعنة الله عليهم)؟ لو قال عليهم لتخصص بهؤلاء لكن عندما قال ﴿على الظالمين﴾ تخصص بكل الظالمين ودخل فيهم هؤلاء. أول مرة قال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ إذن هؤلاء ظالمين ومن أظلم ممن افترى فناسب ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾. ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى﴾ - ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ الكذب هذا جزء من الظلم والظلم أعمّ فدخل فيه كل ظالم هؤلاء وغيرهم عموماً، أيضاً اللعنة على الظالمين عامة ليست خاصة.

ﵟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﵞ سورة هود - 18


Icon