الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية * (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي...

برنامج لمسات بيانية * (أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ (20) هود) في قوله ﴿مُعْجِزِينَ﴾ معجزين من؟ لم يذكر المفعول به؟ هذا إطلاق يعني نفى عنهم صفة الإعجاز أصلاً. هل فلان يرى؟ تقول لا يرى، هو يسمع؟ تقول لا يسمع. أنت تنفي عنه صفة السمع والرؤية، إذا جئت بمفعول فأنت تعلقه بذلك المفعول تحدد وهو لا يريد أن يحدد ﴿أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ﴾ ليسوا معجزين لا لخالق ولا لمخلوق ولا لأي أحد هؤلاء أضعف من أي شيء، ليس لديهم صفة إعجاز أصلاً يتصفون بها، ما هؤلاء؟ هم لا شيء أصلاً هم منفية عنهم هذه الصفة أصلاً، هل فلان يسمع؟ هو لا يسمع. أصلاً، هذه حقيقتهم. * هنا ﴿أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ﴾ قال معجزين بالإسمية ولم تأت بالفعلية لماذا معجزين وليس لم يكونوا يعجزون مثلاً؟ نحن في أكثر من مناسبة نذكر أن الإسم أقوى وآكد وأثبت من الفعل، فهذه صفتهم الثابتة أصلاً وليست صفة عابرة * إذا كانت هذه صفتهم فلماذا حددها بالأرض ﴿أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ﴾؟ ماذا أضافت كلمة ﴿في الأرض﴾؟ أسألك سؤالاً: الإنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون أليس في بلده ومستقره؟ بلى، فإن كان غريباً؟ لا حول له ولا قوة. هؤلاء في مكانهم معجزين، نفاها في مكانهم في موضعهم الذين هم أعز فيه. الاختيارات عجيبة! * وكيف نفهم دلالة ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء﴾؟ إضافة إلى ضعفهم هم ليس هنالك من ينصرهم. * ما معنى ﴿مِّن دُونِ اللّهِ﴾؟ من غير الله، هم ضعاف معجزين وليس هنالك من ينصرهم. في شعيب قالوا (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ (91) هود). * ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء﴾ ما قال من دون الله أولياء، هل هناك فرق بين أولياء بدون ﴿من﴾؟ هذه ﴿من﴾ الاستغراقية بمعنى استغرقت النفي المطلق، تفيد الاستغراق والتوكيد. فرق بين ما جاءني رجل وما جاءني من رجل. يمكن أن تقول ما جاءني رجل بل رجال، ما جاءني من رجل يعني ولا جنس رجل. ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ هذه إستغراق آكد. * وما دلالة جمع أولياء؟ مع أنه في الآية الأخرى أفرد (وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (116) التوبة) ولي مفرد وهنا قال ﴿من أولياء﴾ لماذا جمع هنا وأفرد هناك؟ ﴿من ولي﴾ أشمل في النفي، في اللغة أشمل، لكن لا يصح الإفراد. الكلام في الآخرة والآخرة جماعات مختلفة وأزمان مختلفة وبين الجماعات أحياناً قرون متطاولة هؤلاء لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد، لا يصح أصلاً أن يكون لهم ولي واحد لأنهم جماعات مختلفة متباينة وبينهم قرون كل واحد له وليّ ، كل جماعة لهم وليّ. بين هذه الجماعات قرون! لا يمكن أن يكون لهم ولي واحد غير الله، هذه في الآخرة. وحتى أهل البلد الواحد يمكن أن يكون هناك جماعات يتخذون أولياء لهم، أكثر من ولي، إذن لا يصح. إضافة إلى شيئ أنه لم ترد ﴿من أولياء﴾ إلا في الآخرة أبداً في القرآن الكريم. حيث نفى كلها في الآخرة (وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء (20) هود) وعندما يقول ﴿ولي﴾ تكون في الدنيا. * ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ لماذا يضاعف لهم العذاب؟ لأنهم جمعوا أكثر من حالة، فيها افتراء وكذب على الله وكفر بالآخرة، يصدون عن سبيل الله، هذه ذنوبهم وذنوب غيرهم ويبغونها عوجاً إذن سيتحملون ذنوبهم وذنوب غيرهم وقطعاً يضاعف لهم العذاب. * في قوله تعالى (مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ (20)) نود أن نأخذ فكرة إجمالية عن المعنى العام لهذه الآية . المعنى العام أنه ما كانوا يستطيعون السمع أنهم يكرهون سماعه، لا يطيقون أن يسمعوه. تقول هذا يمجّ من سمعه، أنا أستثقل هذا السمع، أنا لا أستطيع أن أسمع هذا الكلام، هذه ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾. ﴿وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾ أيضاً يكرهون رؤيته، يكرهون الرؤية (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ (5) هود) فهم يكرهون السمع ويكرهون الرؤية لا يطيقون أن يسمعوا. هم يستثقلون السمع ويكرهون النظر إليه هذا من حيث المعنى العام. * في هذه الآية نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قدّم السمع على الإبصار إذا وضعناها أمام آية أخرى في سورة الكهف نجد قوله تعالى (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) الكهف) قدّم آلة الإبصار على السمع فعكس الترتيب فلِمَ؟ وما اللمسة البيانية الموجودة في كلٍّ؟ في سياق آية هود ذكر ما يُسمع، ذكر الكذب، يفترون على الله الكذب (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (18)) (وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ (19)) الكذب يُسمع. قدّم السمع بينما في الكهف ذكر ما يُرى وهو عرض جهنم قال (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)) هذا مما يُرى. في هود ذكر ما يُسمع وهو الكذب والافتراء وما إلى ذلك فقدّم السمع، هنا ذكر ما يُرى فقدّم ما يُرى. * في سورة هود عرّف السمع ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ أما في الكهف فهو منكّر ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ فلِمَ؟ آلة السمع في هود غير معطلة كانوا يستثقلون، غير معطلة، إذن هم يسمعون لكن يكرهون هذا الكلام، لا يحبون سماعه، يستثقلون سماعه. ولذلك عرّف لأنهم كانوا يستثقلون سماع نوع معين من الكلام، في الإسلام والكلام في الدين يستثقلون هذا الكلام. إذن هم لا يستثقلون كل الكلام، هناك من الكلام ما يبشون له ويفرحون به، يخوضون ويستهزئون ويتحدثون، إذن هم يستثقلون نوعاً معيناً من الكلام ليس كلّه فإذن عرّفه لأنه نوع معين مما يُسمع ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ أي سمع؟ هل كل الكلام؟ لا، فقط ما يتصل بالدعوة المرسلة من قبل النبي هذا الذي يستثقلونه فعرّفه إذن هو نوع معين من الكلام، عرّفه ليدل على نوع معين من الكلام. أما في الكهف آلة السمع معطلة وآلة الإبصار معطلة ، تبصر؟ حتى لو كان مبصراً ثم غطى عليه هل يُبصر؟ لا، هنالك غطاء. إذن في غطاء عن ذكري آلة الإبصار معطلة سواء غطاها، ختم عليها أو جعل عليها غشاوة، إذن معطلة. والسمع معطل. * لم قال ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ ولم يقل لا يستطيعون السمع؟ ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ هذا إثبات لعدم استطاعة السمع، هؤلاء لا يسمعون، السمع معطل والإبصار معطل، هنالك قال ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ وهنا قال ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ فرق بين التعبيرين. هذا إثبات لعدم الاستطاعة. تقول (زعمت أنه لا يقول الشعر)، وتقول (ما زعمت أنه يقول الشعر)، هناك فرق . (ما زعمت أنه يقول الشعر) يعني لم أقل، (زعمت أنه لا يقول الشعر) يعني قلت. إذن إثبات أنهم ما يستطيعون ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ إثبات لعدم الاستطاعة. فإذن السمع الآن ليس خاصاً بأمر معين ، أيّ سمع ، هي معطلة، كيف يسمع؟! إذن فرق بين عندما تكون الآلة معطلة فلا يسمع شيئاً وبين أن يستثقل نوع معين من السماع، هو يسمع لكنه يفتري ويكذب ويسمع لكنه يستثقل نوعاً معيناً من الكلام، فعرّف هناك وأطلق هذا. قال ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ أيّ سمع، أيّ شيء لا يستطيعون، ذاك نوع معين فصار معرفة محدد معين وهذا مطلق. * إلى هذه الدرجة تصنع ﴿أل﴾ التعريفية بالدلالة والمعنى؟! المعرّف ما دلّ على شيء معين. تقول اشتريت الكتاب واشتريت كتاباً، الكتاب هذا كتاب معين يجب أن يكون معهوداً أما كتاباً فهو أيّ كتاب. * ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة هود؟ قال تعالى في سورة العنكبوت (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)) وقال فى سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)) وهذا هو الذي يوصل إلى السماء، سيكون البخث والنظر والتدبر للعلم سيجعله يصعد للسماء وحتى عند ذلك لن يكون معجزاً. وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء. ثم إن كلمة السماء نفسها وردت في سورة العنكبوت 3 مرات وفي هود مرتين وبهذا فإن سورة العنكبوت هي التي ورد فيها ذكر السماء أكثر من سورة هود ولهذا ذُكرت السماء في آية سورة العنكبوت ولم تُذكر في آية سورة هود. فالسمة التعبيرية للسورة أنه سوف تصعدون إلى السماء لكنكم لا تكونوا معجزين هناك.

ﵟ أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ ﵞ سورة هود - 20


Icon