الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية * قال سيدنا نوح لقومه (وَيَا قَوْمِ مَن...

برنامج لمسات بيانية * قال سيدنا نوح لقومه (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30)) بداية ما المعنى الإجمالي لهذه الآية؟ هو ذكر أمرين يمنعنان من طرد من آمن معه، قال أولاً (إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ (29)) هو أعلم بحالهم ثم قال لا أستطيع ذلك ليس الأمر إلي إن فعلت ذلك سيعاقبني ﴿مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ﴾ من يمنعني منه؟ * ﴿من ينصرني﴾ يعني أن الله سيعاقبه إذا فعل ما طلبه قومه منه؟ نعم، ﴿مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ﴾ أي من يمنعني منه؟ (نَصَر منه) هذا يدخل في باب التضمين. * أليس ﴿نصر﴾ متعدٍ بذاته؟ قال ﴿من ينصرني﴾ عدّاه، ﴿نصر من﴾ هذا تضمين، هي في الأصل نصره عليه (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة) لكن من باب التضمين يقول نصره منه أي نجّاه منه، هذا تضمين لكن يبقى معنى النصر يعني هو ليس بمعنى نجاه، ينصرني منه ليس بمعنى نجاه منه حرفياً. لكن فيها أمر آخر. فرق بين نجّى منه ونصره منه، تقول نجاه من الغرق لا تقول نصره من الغرق أنجاه الله من النار ما تقول نصره الله من النار، فيها تنجية وفيها معنى آخر وهو لما قال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) ليس فقط نجيناه وإنما عاقبنا هؤلاء حتى يصير نصر. هنا من يمنعني من الله؟ من ينجيني منه؟ من ينصرني يعني هل هنالك ذات تنصره؟ * وكأن هذا استفهام ﴿من ينصرني من الله﴾؟ وكأنه استفهام إنكاري، من ينصرني؟! لا يوجد أحد ينصرني ربنا قال (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) هو الذي نجّاه لأنه هو أعلى، لما قال ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ عاقب أولئك ونجى هؤلاء، من ينصره من الله؟! يجب أن يكون هناك ذات قوية أعلى منه ولا يوجد ولذلك قال ﴿وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ من ينصرني؟! * هنا قال ﴿طَرَدتُّهُمْ﴾ بصيغة الماضي ولم يقل إن أطردهم مع أن الطلب حال كونه منهم لم يتحقق بعد فلماذا جاء ﴿إن طردتهم﴾ وليس إن أطردهم؟ القرآن كثيراً ما يستعمل إذا جاء الفعل الماضي بعد أداة الشرط ﴿إن طردت﴾ الغالب أن المراد به مرة واحدة وإن جاء مضارعاً مظنة التكرار أكثر من مرة، هذا كثير في القرآن (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا (92) النساء) لأن هذا قتل خطأ، بينما قال (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا (93) النساء) هذا مظنة التكرار، هو متعمِّد أما ذاك قتل خطأ، لاحظ لما في قريش ذكر بعد معركة بدر (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال) هذه مظنة أنهم يكررون العودة ليست مرة واحدة قريش يحاولون العودة، (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء) هذه في بني إسرائيل قال (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (4) الإسراء) فيها عودة واحدة، (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ (19) الإسراء) الآخرة واحدة، (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا (145) آل عمران) ثواب يتكرر دائماً في كل عمل أنت تبتغي الثواب لكن الآخرة واحدة. * هل ينسحب هذا إذا فصل بين ﴿من﴾ والفعل (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء (18) الإسراء)؟ كان يريد هذا استمرار لأن ﴿كان﴾ إذا دخلت على المضارع أفادت الاستمرار، هذه قاعدة، كان يفعل، كان يكتب، كان يصوم، كان يقوم الليل. * ولهذا هنالك فرق بين قوله تعالى ﴿إِن طَرَدتُّهُمْ﴾ وسؤالي إن أطردهم؟ إن أطردهم معناها يتكرر لكنه مرة واحدة سيعاقبهم، مرة واحدة لا أحد ينجيه منه، لا يؤمله حتى يكرر طلبه مرة واحدة لا أحد ينجيه منه لا يسمح له أن يكرر أصلاً لأن العقوبة ستأتيه. * ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ هكذا ختمت الآية، لماذا قال تذكرون ولم يقل تتذكرون؟ الأمر واضح، إسأل أي واحد من ينصرني من الله؟ لا أحد، إذن لا تحتاج إلى طول تفكير، تتذكرون قد تحتاج إلى طول. * ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟ علمنا القرآن أنه إذا أطال الفعل يكون الحدث اطول وإذا حذف من الفعل أقلّ كما ذكرنا تنزل وتتنزل، توفاهم وتتوفاهم. هذا الأمر لا يحتاج إلى طول تذكر، ما يحتاج إلى تأمل كثير، من ينصرني؟ لا أحد، ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ لا يحتاج إلى تذكر وتفكر، هذا الأمر واضح. ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ هو كأنما يذكرهم بأمر غائب عنهم. عندما طلبوا منه هذا أمر غائب عنهم اذكروا هذا الأمر

ﵟ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﵞ سورة هود - 30


Icon