الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (37): * هنا يصدر الأمر الإلهي لسيدنا نوح عليه...

برنامج لمسات بيانية آية (37): * هنا يصدر الأمر الإلهي لسيدنا نوح عليه السلام (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)) ما معنى (بأعيينا ووحينا)؟ نلاحظ أيضاً كيف بدأ؟ قال ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ هو بدأ بما فيه النجاة، صنع الفلك وقدّمه على مصير الظالمين ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ إذن قدّم نجاة المؤمنين ﴿اصنع الفلك﴾ هذه سبيل النجاة على مصير الظالمين، قدّم الفلك على الغرق، هذا في الحقيقة ظاهرة في القرآن الكريم يقدم نجاة المؤمنين على هلاك الكافرين. في آية أخرى قال (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا (64) الأعراف) ومع باقي الأنبياء أيضاً (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) ومع شعيب (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) يبدأ بنجاة المؤمنين لأنها أهم أولاً ليطمئن قلوبهم ويحفظهم ربنا لأنهم عزيزين عليه، يحميهم. ﴿بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ بأعيينا يعني برعايتنا وحفظنا. يبقى السؤال يقولون لماذا جاء بالجمع؟ يقولون للدلالة على تكثير الحفظ وديمومته، كثرة الحفظ والديمومة فجاء بالأعين جمع، ﴿ووحينا﴾ مفرد تعليم ما لك كيف تصنعها. وقسم قال أعيننا يعني الملائكة لأنها تحفظ أيضاً (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ (11) الرعد). * ليس وحي الرسالة التي يبلغها إلى قومه وإنما وحي كيفية صنع السفينة؟ نعم لأن (أعيننا) ينبغي أيضاً أن يحفظه من هؤلاء وهو يعمل قد يمنعونه من العمل قال ﴿بأعيننا﴾ نحن نحفظك و﴿ووحينا﴾ نعلمك كيف تصنعها لأنها أول مرة يصنع الفلك، الظاهر لأنه لم يكن موجوداً من قبل. * ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ لماذا سماهم الذين ظلموا ولم يقل ﴿فيهم﴾ مثلاً؟ لا تخاطبني يعني لا تراجعني فيهم لا تطلب إمهالهم لا تطلب تأخير العذاب عنهم . * هل كان من الممكن أن يطلب؟ ممكن، مثلما فعل إبراهيم (قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا (32) العنكبوت) . يحصل يقول ربي لعلهم يؤمنون رحمة بهم فقال ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾. وذكر صفتهم ذكر الصفة التي تستدعي إهلاكهم. * ظلموا من؟ جعله مطلقاً لأنفسهم ولغيرهم ولذلك لم يذكر صفة معينة أو قيد معين، ظلموا عامة هذه صفتهم فهو ذكر الصفة التي تستدعي إهلاكهم وعقوبتهم لا تستدعي أن تستشفع فيهم . * وإذا كان الأمر أن الله سبحانه وتعالى قال ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أن الأمر منهي من قبل الله سبحانه وتعالى وحكم عليهم بالغرق قال ﴿إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ لماذا لم يقل سأغرقهم؟ كأن الأمر انتهى فجاء بالإسم، كأن الأمر انتهى عند الله هم مغرقون، لكن سأغرقهم لم يحصل بعد. * هو عندما يعبر بالإسم أو الفعل إني جاعل - إني سأجعل، سأغرقهم - إنهم مغرقون هل هناك فرق في هذا؟ طبعاً الإسم يدل على الثبوت كأن هذا الأمر قد حصل بالإسمية ، أنت تسأل فلاناً تقول هل تعتقد أن فلان سينجح؟ يقول لك هو ناجح لأنك أنت مطمئن أن هذا الأمر منتهي لا يُسأل عنه أصلاً، هو إسم الفاعل أحياناً يراد به الماضي وأحياناً يراد به المستقبل وأحياناً يراد به الحال. * مغرقون إسم مفعول أم إسم فاعل؟ مغرقون إسم مفعول، هو هذه صفة إسم فاعل أو إسم مفعول تدل على الثبات والدوام وكأن الأمر حصل وانتهى. أنت تقول فلان سيخسر تجارتنا وهو خسران، هو خاسر كأن الأمر انتهى. * جاء بعد سياق طويل من الآيات قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)) ثم جاء بعد ذلك استغفار سيدنا نوح عليه السلام ، فلماذا لم ينساق النبى لأمر الله سبحانه وتعالى؟ ربنا وعد نوح أن ينجيه وأهله ونوح لذلك نوح قال ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ أنت وعدتني أن تنجيني وأهلي وهذا من أهلي إذن لم يتعدى وإنما هو فهم المسألة فهِم أنه لما وعده (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ (40) هود) فلما قال هذا قال ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ ما قال له لماذا فعلت وإنما ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ أنت وعدتني هكذا فظن أنه من الناجين بموجب هذا الوعد ظن أنه من الناجين، معناها أن نوح فهم أن ابنه سينجو هذا فهمه هو لم يتعدى وإنما هكذا فهم لكن ربنا أصدر حكماً شرعياً آخر (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46)) هذا حكم آخر أضافه إليه ما كان يعلمه نوح. ولذلك قال (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (46)) ليس له علم بهذا، إذن هو لم يتعدى وإنما هو فهم هكذا، هذا مبلغ علمه في هذه المسألة، لم يتعدى، هو لم يخالف قول الله وإنما هذا فهمه.

ﵟ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﵞ سورة هود - 37


Icon