الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية في سورة يوسف (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ...

برنامج لمسات بيانية في سورة يوسف (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) على من يعود الضمير في الآيات؟ على امرأة العزيز أم على سيدنا يوسف؟ وما أحوال القول في هذه الآية؟ (د.فاضل السامرائى) الآية الكريمة (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) قسم يرى أن هذا من قول امرأة العزيز لكن الذي يبدو لي أن هذا قول سيدنا يوسف، لم يخن سيّده. هي ذكرت في وجهه أنها رمته بالخيانة (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ (32)). لو تكلمنا عن القول والمقول في اللغة والقرآن يمكن أن تتضح وهي ليست بهذه البساطة. الأصل أن يذكر القول والمقول. * (ذاك) إشارة لماذا؟ لحصحصة الحق؟ ذلك الأمر الذي حصل. * يخن من؟ ﴿لم أخنه﴾ يعني لم يخن سيده لأن يوسف كان في البيت وهو كان يشتغل عند سيده العزيز لم يخنه لأنه لو فعل المنكر مع امرأته لخانه قال ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ هذا القول أُدرج قولان مختلفان. * لكن بعدها قال (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ) هذا كلام امرأة العزيز؟ لا، هذا كلام سيدنا يوسف أنه يعطي فكرة عامة للنفس البشرية أن هذا الواقع ﴿إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ هذا الذي حصل . * حضرتك تميل إلى أن هذا الكلام كلام سيدنا يوسف؟ نعم، الإشكال عندهم أنهم يقولون الكلام متصل. الناظر في القول والمقول في اللغة وفي القرآن متعددة ليست على وتيرة واحدة * حدثنا عن أحوال القول. الكثير أن يذكر القول والمقول هو الأصل (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (30) مريم) ﴿قال﴾ فعل القول والمقول ﴿إني عبد الله﴾ ذكر الاثنين. (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) ﴿قال﴾ فعل القول و﴿سمعنا وأطعنا﴾ مقول القول، هذا هو الأصل، الأصل أن يذكر فعل القول والمقول. لكن ليس كله على هذه الشاكلة. أحياناً يحذف الفعل ويبقى المقول مثل (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ (127) التوبة) لم يذكر ﴿قالوا﴾ ، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا (127) البقرة) ما قال ﴿قال﴾، هذا مفهوم كأنه أمر مشاهد وكأنما يعرض المسألة كأنك تشاهد المسألة، حذف فعل القول لكن ذكر المقول. وأحياناً يذكر فعل القول ولكن يحذف المقول، يذكر فعل القول ويحذف المقول لظهوره، يذكر ﴿قال﴾ لكن ماذا قال؟ يحذفه لكنه ظاهر من السياق مثلاً (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا (77) يونس) هذا قولهم هم أم قول موسى؟ هم ماذا قالوا؟ معناها أنهم قالوا هذا سحر لكنه لم يذكر المقول لكن المعنى واضح ﴿قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ هذا قول موسى لكن لم يذكر ماذا قالوا هم لكنه مفهوم من السياق قطعاً فذكر فعل القول لكن لم يذكرماذا قالوا لأنه مفهوم من السياق. أحياناً يذكر مقولين لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول، القولان مختلفان لكن لم يذكر فعل قول لأحدهما كأنما القول واحد لكن المعنى يفرق بينهم مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ﴾ هذا قول الظالمين أنفسهم، ﴿بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذا الرد عليهم لكنه لم يذكر الآن فعل القول ومن القائل ذكر فقط المقول واتصل لم يفرق كأنما قائل واحد ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ كأنما هذا يتكلم وهذا يرد عليه من دون ذكر فعل القول كأنه المشهد ظاهر أمامنا وليس نقلاً. قائلان مختلفان لم يذكر فعل القول وإنما أدمج الكل وواضح من السياق كل منهما. أحياناً يذكر فعل القول ويدرج معه قول لقائل آخر كأنما واحد لكن المعنى مختلف (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) يوسف). هي رمته بالخيانة كيف تقول ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾؟ إذا كان هذا قولها لم تخن من؟ زوجها ، هي دعته للخيانة وراودته (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) فعلت مقدمات هذا الأمر ولم تنتهي حتى رمته بالسجن، هذا لا يمكن أن يكون قولها هي لم تخن يوسف وهي رمته بالخيانة. ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ قول من هذا؟ بالنسبة لها هي إلى آخر مرة قالت ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ حتى لما دعت النسوة ، إذا يوسف هي رمته بالخيانة والسجن، وهي قالت ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ﴾ هذه شهادة منها فكيف تقول ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾. *(وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ) هل هذا كلام سيدنا يوسف أيضاً؟ هذا حكم عام ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ﴾ واحد مؤمن يعرف عن النفس ما هي. أحياناً يذكر فعل القول ولا يذكر المقول ولكن يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً (31) إبراهيم) معناها أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) معناها قولوا التي هي أحسن فذكر الفحوى.

ﵟ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﵞ سورة يوسف - 52


Icon