الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (10): *ما الفرق التعبيري والبياني بين قصة...

برنامج لمسات بيانية آية (10): *ما الفرق التعبيري والبياني بين قصة زكريا  في سورتي مريم وآل عمران ولماذا جاء في إحداها ثلاث ليال وفي الأخرى ثلاثة أيام؟ (د.فاضل السامرائى) إذا استعرضنا الآيات في كلتا السورتين نجد فروقات منها: ثلاث ليال وثلاثة أيام، وسبحوا بكرة وعشيا (نكرة) واذكر اسم ربك وسبح بالعشي والإبكار (معرّفة)، وتقديم مانع الذرية من جهة زكريا على جهة زوجته في آية وتأخيرها في الثانية، وذكر الكبر مرة أنه بلغه ومرة أن زكريا بلغه، وتقديم العشي على الإبكار مرة وتأخيرها مرة، وطلب الله تعالى من زكريا التسبيح له مرة وطلب زكريا من قومه التسبيح لله، وسياق الآيات في السورتين يدل على أمور أخرى، وهنالك أكثر من مسألة تجعل المشهدين متقابلين تقابل الليل والنهار وسنستعرض كل منها على حدة فيما سيتقدم: قال تعالى في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً {4} وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً {6} يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7} قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8} قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً {10} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً {11}) وقال في سورة آل عمران (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38} فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ {41}) الفرق بين ليال وأيام: اليوم هو من طلوع الشمس إلى غروبها (باختلاف المفهوم المستحدث السائد أن اليوم يشكل الليل والنهار)، أما الليل هو من غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. وقد فرّق بينها القرآن في قوله تعالى في سورة الحاقة (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ {7}) وهذا هو التعبير الأصلي للغة. وفي آية سورة آل عمران لا يستطيع زكريا  أن يكلّم الناس ثلاث أيام بلياليهن لكن جعل قسم منها في سورة آل عمران وقسم في سورة مريم. هناك ممهدات للقصة هى سبب اختيارالليل في سورة مريم وهي: *النداء الخفي (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً {3}) هذا النداء الخفي يذكّر بالليل لأن خفاء النداء يوحي بخفاء الليل فهناك تناسب بين الخفاء والليل. *ذكر ضعفه وبلوغ الضعف الشديد مع الليل ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ وكلمة عتيّا تعني التعب الشديد وقد ذكر في آيات سورة مريم مظاهر الشيخوخة كلها مع الليل مالم يذكره في آل عمران لأن الشيخوخة تقابل الليل وما فيه من فضاء وسكون والتعب الشديد يظهر على الإنسان عندما يخلد للراحة في الليل، أما الشباب فيقابل النهار بما فيه من حركة. *ويذكر في سورة مريم ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ يعني بعد الموت والموت عبارة عن ليل طويل ولم يذكر هذا الأمر في آل عمران. هذه كلها هي المقدمات والآن نأتي إلى صلب الموضوع: هناك أمر أساسي لو نظرنا في ورود الآيتين في السورتين نجد أن البشارة بيحيى في سورة آل عمران ﴿أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ أكبر وأعظم مما جاء في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً {7}) كان التفصيل بالصفات الكاملة في آل عمران ليحيى أكثر منها في سورة مريم وهذه البشارة لها أثرها بكل ما يتعلق بباقي النقاط في الآيتين. ومما لا شك فيه أن عِظم البشارة يقتضي عظم الشكر لذا قال في آل عمران ﴿آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً﴾ وفي مريم ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً﴾ فاليوم أبين من الليل بإظهار هذه الآية والذكر في الليل أقل منه في النهار والآية أظهر وأبين في النهار من الليل. الناس ينامون وزكريا لا بد أن ينام إذن ظهور الآية في النهار أوضح لأن المخالطة أكثر والتسبيح أكثر والذكر أكثر والعبادة أكثر لأنه ينام قسماً من الليل ويقل التسبيح والذين أوحى إليهم أن يسبحوا أقل لأنهم سينامون طلب الله تعالى من زكريا  ذكر ربه والتسبيح في آل عمران ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾، وفي مريم زكريا  هو الذي طلب من قومه أن يسبحوا الله بكرة وعشيا ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ وتسبيح زكريا أدلّ على شكره لله تعالى من تسبيح قوم زكريا. طلب الله تعالى من زكريا  أن يذكره كثيرا ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً﴾ وهذا مناسب لعِظم البشارة وطلب منه الجمع بين الذكر الكثير والتسبيح ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار﴾هذا الشكر والذكر الكثير مناسب لعظم البشارة أما في مريم فقال تعالى على لسان زكريا مخاطباً قومه ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾. إذن في آية آل عمران ذكر وتسبيح كثير ويوقم به زكريا نفسه وهو أدلّ على عِظم الشكر لله تعالى. زكريا  قدّم مانع الذرية في آل عمران من جهته على جهة زوجته (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40}) وهذا ناسب أمره هو بالذكر والتسبيح، أما في مريم فقدّم مانع الذرية من زوجته على الموانع فيه (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً {8}) وهذا ناسب الأمر لغيره بالتسبيح. في آل عمران ذكر أن الكبر أدركه وبلغه فقال ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ الفاعل الكبر، وفي مريم قال ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ هو الفاعل والكِبر مفعول به. وفي آل عمران قال ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِر﴾ أما في سورة مريم فقال ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً﴾ ونسأل ما الداعي لتقديم المانع في كل سورة على الشكل الذي ورد في السورتين؟ نقول أن العقر إما أن يكون في حال الشباب أو أنه حدث عند الكبر أي انقطع حملها وفي آل عمران ﴿وامرأتي عاقر﴾ يحتمل أنه لم تكن عاقراً قبل ذلك هذا من حيث اللغة، أما في سورة مريم تفيد أنها كانت عاقراً منذ شبابها فقدّم ما هو أغرب. قال ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ قال ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ هذا أنسب بدأ بها لأنها هي العاقر بداية وأنا كِبري جاء متأخراً وأنا كنت أنجب لكن هي كانت عاقراً وهي كانت السبب ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ وفي آل عمران قال بلغني الكبر أي أنا الآن كبير وامرأتي عاقر، الآن هو كبر وهي عاقر إذن التقديم والتأخير له سبب. البشارة جاءت في آية آل عمران لزكريا وهو قائم يصلي في المحراب ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى﴾ ولم ترد في آيو سورة مريم فلم يذكر فيها أنه كان قائماً يصلي في المحراب وإنما وردت أنه خرج من المحراب ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ فذكر في آل عمران الوضعية التي تناسب عِظم البشارة. قدّم العشي على الإبكار في آية سورة آل عمران ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار﴾ على خلاف آية سورة مريم ﴿بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾. لمّا ذكر الليل في سورة مريم ﴿ثلاث ليال﴾ قدّم بكرة على عشيا لأن البكرة وقتها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والعشي وقتها من صلاة الظهر إلى المغرب فعندما ذكر الليل ناسب ذكر البكرة لأنها تأتي مباشرة بعد الليل ثم تأتي العشية ولو قال عشياً أولاً لكانت ذهبت فترة بكرة بدون تسبيح. أما في آل عمران ﴿ثلاثة أيام﴾ وجب تقديم العشي على الإبكار ولو قال بكرة وعشيا لذهبت البكرة والعشي بدون تسبيح فقدّم ما هو أدلّ على الشكر في الآيتين. لماذا جاءت بكرة وعشيا نكرة في سورة مريم ومعرفة في آل عمران ﴿بالعشي والإبكار﴾؟ ال تفيد العموم لا الخصوص والمقصود بـ (العشي والإبكار) على الدوام وهي أدلّ على الدوام عظم الشكر لذا ناسب مجيئها في آية آل عمران لتناسب عظم البشارة وما تستوجبه من عظم الشكر. ونسأل لماذا لم يقل صباحاً ومساء؟ لأن الصباح والمساء يكون في يوم بعينه. وذكر في آل عمران أن الكِبر بلغه ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ فكأن الكبر يسير وراءه حثيثاً حتى بلغه فالكِبر هنا هو الفاعل، أما في سورة مريم ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً﴾ فكأنه هو الذي بلغ الكِبر وهذا يدل على اختلاف التعبير بين السورتين. * هل حجب عنه الكلام؟ نعم لا يستطيع. ولذلك الله تعالى أمره (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)) بينما في مريم لم يقل له شيئاً بل قال (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) في آل عمران أمره هو أن يذكر ربه ويسبح لأن البشارة أكبر. *هو ماذا قال ثلاثة أيام أم ثلاث ليال؟ كلاهما . *لكن اختار مع البشارة الأعظم الآية الأعظم! الآية الأعظم، هو لا يستطيع لا في الليل ولا في النهار. * في أكثر من موضع من القرآن الكريم (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً (73) الأعراف) (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً (10) مريم) لماذا اختلف التركيب هنا في صدّر الآية ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ مع أنه أخّرها في الآيات السابقة وقدّم الجار والمجرور؟ (د.فاضل السامرائى) يعني لماذا لم يقل لهم آية؟ لو قدّم ﴿لهم الأرض﴾ كانت الأرض تخصهم وحدهم ليست لغيرهم. بينما الآية (هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً (73) الأعراف) هذه خاصة بقوم صالح ليست لغيرهم، لكم آية ليست لغيرهم ، هي خاصة بهم. حتى ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً﴾ هذه خاصة به تحديداً، الأرض ليست خاصة بهم وهي ليست كناقة صالح خاصة بهم.

ﵟ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﵞ سورة مريم - 10


Icon