الوقفات التدبرية

قال تعالى في سورة النساء: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ...

قال تعالى في سورة النساء: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا١٢٢﴾ [النساء: 122]. فقال: ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ﴾. وقال في سورة مريم: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا٦١﴾ [مريم: 61]. فقال: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا﴾. وقال في سورة الزمر: ﴿لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ٢٠﴾ [الزمر: 20]. فقال: ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَاد﴾. وقال في سورة الأحقاف: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ١٦﴾ [الأحقاف: 16]. فقال: ﴿وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ﴾. سؤال: قال سبحانه في موضع: ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ﴾. وقال في موضع آخر: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا﴾. وقال في موضع ثالث: ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَاد﴾. وقال في موضع رابع: ﴿وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ﴾. فلم الاختلاف في التعقيب على الموعد؟ الجواب: إن كل تعبير مناسب للسياق الذي وردت فيه الآية: 1 – فقد ذكر قبل آية النساء ما يعد الشيطان أولياءه من الغرور والخداع والإطماع بالباطل فقال: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا١١٩ يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا١٢٠ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِيصٗا﴾. ثم ذكر بعدها ما يعد الله المؤمنين فقال: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا١٢٢﴾ [النساء: 122]. فهذا وعد الله، وذاك وعد الشيطان، فذكر أن وعد الله حق، وليس كما يعد الشيطان أولياءه من الغرور والخداع والإطماع بالباطل، فإن معنى (غره) خدعه وأطمعه بالباطل. فوعد الله حق، ووعد الشيطان غرور. 2 – وأما آية مريم، فقد قال فيها: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا﴾ ذلك أنه ذكر وعد الرحمن عباده بالغيب فقال: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِيّٗا٦١﴾ [مريم: 61]. والغيب مجهول يرتاب به الكافرون، أيأتي أم لا؟ فقال: إنه مأتي يأتيكم وتأتونه. 3 – وقال في آية الزمر: ﴿وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ﴾. ذلك أنه ذكر خلف الإنسان لوعده في قوله سبحانه: ﴿۞وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ٨﴾ [الزمر: 8]. فقد وعد الإنسان ربه بالإنابة إليه عند مسه بالضر، فلما كشف عنه ضره وخوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه وأخلف وعده. فقال في الآية العشرين: ﴿لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ٢٠﴾. فقال: إن الله لا يخلف وعده تعريضًا بما وعد الإنسان ربه فأخلف. وهذا من لطيف المناسبة. 4 – وأما قوله سبحانه في الأحقاف: ﴿وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾. فهو مناسب لسياقه أيضًا. فإن الآية وردت في الصالحين من الأبناء، فقال سبحانه: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ١٦﴾ [الأحقاف: 16]. فقال: إن ذلك وعد الصدق. وورد بعدها ذكر الأبناء الكافرين المكذبين بيوم الدين، فقال فيهم: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ١٧﴾ [الأحقاف: 17]. فهؤلاء مكذبون بما كان يعدهم آباؤهم بالبعث ويقولون: ﴿مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ﴾. فهؤلاء يقولون: إن هذا الوعد كذب، وما هو إلا أساطير الأولين. فقال ربنا سبحانه: إن هذا الوعد وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. فناسب كل تعبير موضعه الذي ورد فيه. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 268: 271)

ﵟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﵞ سورة النساء - 122

ﵟ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﵞ سورة مريم - 61

ﵟ لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﵞ سورة الزمر - 20


Icon