الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية آية (٦٠) : (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ...

برنامج لمسات بيانية آية (٦٠) : ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ * اللعنة أرسلت إليهم تطاردهم في كل مكان في الدنيا ويوم القيامة، هذه مبالغة في الطرد من رحمته سبحانه وتعالى كما بالغوا في عنادهم، فهم ليس فقط لم يؤمنوا وإنما جحود وعصيان واتبعوا كل جبار عنيد، كل هذا بأعمالهم. * لغةً إذا حدث تأخير وتقدم فقيل واتبعوا في هذه الدنيا ويوم القيامة لعنة فهذه لعنة واحدة، أما هذا الترتيب المذكور في القرآن هما لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في يوم القيامة كقوله تعالى ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ﴾ . * في قوم هود قال ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ ولما ذكر قصة فرعون ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً﴾ لم يذكر الدنيا: إذا رجعنا إلى القصتين قصة هود وقصة فرعون المذكورتين في الموطن: - ذكر شيئاً من أمور الدنيا في قصة هود قال ﴿يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ هذه كلها في الدنيا لكن لم يذكر بالنسبة لفرعون شيئاً من أحوال الدنيا في قصة فرعون أصلًا، هذا أمر. - الأمر الآخر ذكر عقوبة فرعون يوم القيامة في هذا الموطن ولم يذكر شيئاً عن أمرهم في الدنيا ولا ما لحق بهم من العقوبة (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)) لأن الكلام كان على ما يلقون في يوم القيامة. - قوم هود ذكر أمرين ذكر عقوبتهم في الدنيا وهلاكهم يوم القيامة فناسب ذكر الدنيا بالنسبة لهود. فناسب بدقة متناهية ذكر الدنيا في قصة هود صراحة، وإضمارها في فرعون في موطن وإظهارها في موطن آخر في القصص حين ذكر عقوبة فرعون في الدنيا (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (٤٠)) فقال بعدها (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً (٤٢)) . - إذا أخذنا من الناحية الفنية قصة هود في السورة أطول من قصة فرعون، قصة هود إحدى عشرة آية بينما قصة فرعون أربع آيات في سورة هود، أيضًا ﴿فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا﴾ أطول من ﴿فِي هَـذِهِ﴾، فهذه تناسب التفصيل وهذه تناسب الإيجاز. * قال عن عاد ﴿وَأُتْبِعُواْ﴾ بالبناء للمجهول بينما مع فرعون في سورة القصص قال ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾ : - الكلام في قصة هود عن قوم عاد وليس على الله ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ﴾ قال ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾، بينما في القصص الكلام عن الله سبحانه وتعالى قال (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ .. (٤٠) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ .. (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)) . - الغريب أن كل آية مناسبة لبداية السورة التي وضعت فيها، بدأت سورة هود بالبناء للمجهول ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ بينما في استفتاح القصص (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣)) نسبه لنفسه، لو نرجع للقصتين قصة عاد وقصة فرعون كل واحدة في مكانها نلاحظ القصة في سورة القصص أكثرها في الإسناد إلى ضمير التعظيم، القصة عموماً ﴿فَأَخَذْنَاهُ﴾ ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾ ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾ ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾ ﴿آَتَيْنَا﴾ ﴿أَهْلَكْنَا﴾ ﴿قَضَيْنَا﴾ ﴿أَنْشَأْنَا﴾ ﴿نَادَيْنَا﴾ السورة كلها مبنية على ضمير التعظيم، بينما السياق في قصة هود في الكلام على الغائب كسَمْت عامّ ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ ما قال بآياتنا ﴿وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ﴾ ما قال رسلنا، ﴿كَفَرُواْ رَبَّهُمْ﴾ ما قال كفروا بنا، - حتى لو كنا نحسب ضمائر التعظيم البارزة والمستترة في القصص في قصة فرعون تحديدًا ٣١ ضمير ، في هود ضمائر التعظيم أربع ضمائر فقط. حتى السمة التعبيرية في القصة وفي السورة وفي البداية كلها تبين لنا الفرق. * ﴿كَفَرُواْ رَبَّهُمْ﴾ لم يقل بربهم مع أن التعبير في القرآن ﴿كَفَرُواْ بِاللّهِ﴾ : (كفر به) نقيض الإيمان فقط، كفره فيها دلالتان: الأولى جحود النعمة والثانية نقيض الإيمان بمعنى لم يؤمن به، واختار كفره هنا تحديداً لأن ذكر النِعم التي أنزلها عليهم فلم يشكروها فكفروها وكفروا بالله أيضًا أشركوا فجمع الاثنين. * ﴿أَلاَ بُعْدًا﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف، أي ابتعاد عن الدنيا وهلاكهم وابتعادهم عن رضى الله سبحانه وتعالى منه سبحانه وتعالى وبعداً لهم في جهنم. * ﴿أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ أليسوا هم قوم هود فلِمَ جاء التعبير على هذا التصريح؟ هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء والمؤرّخين، إذا كان عاد هم قوم هود أنفسهم ستكون بدل أو عطف بيان وهذا ممكن زيادة في الإيضاح، قسم يذهب إلى أن عاد عادان عاد الأولى والأخرى ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ نحن لا يعنينا هذا الأمر وإنما يعنينا ما يتعلق بالرسل. * في هذه الآية: - كرر حرف التنبيه ﴿ألا﴾ مرتين ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ وكرر اللعنة مرتين ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ذكر الدنيا مرتين مرة باسم الإشارة ﴿فِي هَـذِهِ﴾ ومرة بالتصريح ﴿الدُّنْيَا﴾، وكرر عاد مرتين ﴿أَلا إِنَّ عَادًا﴾ ﴿أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ﴾ ودلّل على عاد مرتين مرة باسمهم ﴿لِّعَادٍ﴾ ومرة ﴿قَوْمِ هُودٍ﴾ في آية واحدة.

ﵟ وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﵞ سورة هود - 60


Icon