الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية .(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن...

برنامج لمسات بيانية .(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)) هذه الآية الكريمة ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ اقصد يعني توسّط في المشي بين الإسراع والإبطاء، قال تعالى قبلها (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) والآن يوجهنا إلى الطريق المستقيم الصحيح في القصد والاعتدال في المشي وفي الكلام. القصد هو التوسّط بين الإسراع والإبطاء وإذا احتجت إلى الإسراع فأسرِع بقدر ما تحتاج لا تمشي مشياً متماوتاً وإنما مشية القصد والمتوسط لا مشية المتماوت ولا مشية المسرع كأنه يسابق بدون سبب ولا داع. ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ اغضض يعني اخفض، جاء بـ ﴿من﴾ ما قال اغضض صوتك، قال اغضض من صوتك للتبعيض فيخفض منه بحيث لا يكون مرتفعاً فيؤذي ولا يكون همساً فلا يُسمَع. لما نقول اغضض من صوتك أي اخفض منه قليلاً ولذلك عند الرسول  قال تعالى ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله﴾ ولذلك كان الصحابة لا يكاد يُسمع أصواتهم عند رسول الله . فرق بين خطاب عموم الناس غض من الصوت وأما عند الرسول  فتغض صوتك. قال ﴿واغضض من صوتك﴾ أي توسط في الصوت والحديث مثل التوسط في المشي. ثم ذكّره بما تستقبحه الآذان فقال ﴿إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ ذكّر من يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليه السامعون ذكّره بصوت الحمار ونُكره في النفس. إذن اغضض من صوتك أي اخفضه بعض الشيء أما يغضون أصواتهم فيعني يخفضه تماماً وحتى بعد نزول هذه الآية كان الصحابة لا يكاد يُسمع صوتهم أمام رسول الله . ولذلك (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) النور) استخدم القرآن الفعل غضّ مع البصر يغض من بصره أي يقلل أما يغض بصره فلا يرى شيئاً. *قال تعالى ﴿إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ استخدم الحمير في الآية مع أنه في مكان آخر استخدم ﴿حُمُر﴾ فما دلالة استخدام ﴿الحمير﴾؟ كلاهما جمع حمار، لكن القرآن استعمل كلمة الحمير للحُمُر الأهلية والحُمُر للوحشية هكذا خصصها. قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل) خصص هذا الجمع بالحُمُر الأهلية والحُمُر خصصها بالوحشية (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) المدثر) هذه الوحشية التي في الغابة. اللغة العربية لا تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الاستعمال القرآني. في القرآن كثيراً من الأمور خصصها بالجمع مثل الأعين والعيون، العيون عيون الماء والأعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية، واستخدام الموتى والأموات والميتون، الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) الزمر). كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الاستعمال القرآني. اللغة العربية قد تخصص مثلاً تخصص الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الأم، تستخدم خيلان جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الأم. الركاب والركبان، الركاب عامة للسفينة والخيل وغيرها أما الركبان فللإبل فقط، هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الاستعمال. فالحُمُر للوحشية والحمير للأهلية المستأنسة.

ﵟ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﵞ سورة لقمان - 19


Icon