الوقفات التدبرية

قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السموَاتُ وَالأرْض. .)...

قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السموَاتُ وَالأرْض. .) الآية. إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنَّ السمواتِ والأرضَ يَفْنيان، وذلكَ يُنافي الخلودَ الدائم؟! قلتُ: هذا خرج مَخْرج الألفاظ، التي يُعَبِّر العرب فيها عن إرادة الدوام، دون التأقيت، كقولهم: لا أفعل هذا ما اختلفَ الليلُ والنَّهارُ، وما دامتِ السمواتُ والأرضُ، يريد لا يفعلُه أبداً. أو أنهم خوطبوا على معتقدهم أنَّ السمواتِ والأرضَ لا يفنيان. أو أن المراد سمواتُ الآخرة وأرضُها، قال تعالى: " يوم تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرضِ والسَّمواتُ " وتلك دائمة لا تفنى. إن قلتَ: إذا كان المرادُ بما ذُكر الخلودُ الدائم، فما معنى الاستثناء في قوله " إلَّا ما شاء ربُّك "؟ قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب أهل النار (1) ، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، لأن أهل النَّار لا يُخلَّدون في عذابها وحده، بل يُعذَّبون بالزمهرير، وبأنواع أخَرَ من العذابِ، وبما هو أشدُّ من ذلك، وهو سَخَطُ اللَّهِ عليهم. وأهلُ الجنة لا يُخلَّدون في نعيمها وحده، بل يُنعَّمون بالرضوان، والنظرِ إلى وجهِه الكريم، وغير ذلك، كما دلَّ عليه قوله تعالى ﴿عَطَاءً غيرَ مَجْذُوذٍ﴾ . أو " إلّاَ " بمعنى غير، أي خالدين فيها ما دامت السَّمواتُ والأرضُ، غير ما شاء اللَّهُ من الزيادة عليهما، إلى ما لا نهاية له. أو " إلَّا " بمعنى الواو، كقوله تعالى (إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ) .

ﵟ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﵞ سورة هود - 107


Icon