الوقفات التدبرية

قوله تعالى: (قَالَ رَبُّ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا...

قوله تعالى: (قَالَ رَبُّ السَّموَاتِ وَالَأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كنْتُمْ مُوقِنِينَ) . إن قلتَ: كيف علَّق كونه ربُّ السموات والأرضِ، بكونِ فرعون وقومِه كانوا موقنين، مع أن هذا الشرط منتفٍ، والرُّبوبيةُ ثابتةٌ؟! قلتُ: معناه إن كنتم موقنين أن السمواتِ والأرضَ موجوداتٍ، وهذا الشرطُ موجود، و " إِن " نافية لا شرطيَّة. فإِن قلتَ: ذكرُ السمواتِ والأرض مستوعبٌ جميعَ المخلوقاتِ، فما فائدة قولهِ: " ربُّكُمْ وربُّ آبائكمُ الأوَّلين "؟ وقولِهِ " ربُّ المشرقِ والمغرب "؟! قلتُ: فائدتهما تمييزُهما في الاستدلال على وجود الصَّانع. أما الأول: فإِن أقربَ ما للِإنسان نفسُه، وما يشاهده من تغييراته، وانتقاله من ابتداء ولادته. وأمِّا الثاني: فلِمَا تضمِّنه ذكرُ المشرقِ والمغربِ وما بينهما، من بديع الحكمة في تصريف الليل والنهار، وتغيير الفصولِ بطلوع الشمس من المشرق، وغروبها في المغرب، على تقديرٍ مستقيم في فصول السنة. فإِن قلتَ: لمَ قال أوَّلاً ﴿إن كنتُمْ مُوقِنينَ﴾ وثانياً ﴿إنْ كنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ قلتُ: لاطَفَهم أولاً بقوله " إنْ كنتُم مُوقِنينَ " فلما رأى عنادهم خاشنَهم بقوله " إنْ كنتُمْ تَعْقِلُون " وعَارَضَ بِهِ قولَ فرعون ﴿إِنَّ رسُولَكُمُ الّذي أرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ .

ﵟ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﵞ سورة الشعراء - 24


Icon