على المُحرم وغيره أن يحفظ لسانه وجوارحهُ.
ينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وغير المحرم كذلك ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) والمحرم من باب أولى، وجاء الحث على حفظ الجوارح في الحج تأكد ذلك، وأيضاً في سائر الأحوال والأوقات والأزمان؛ لكنه بالنسبة للحاج أولى، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما قيل أيضاً مثل هذا بالنسبة للصائم، وكثير من الناس تسول له نفسه أو تمنيه أنه يسلك هذا المسلك إذا حج، لا سيما وأن الحج يمكن أن يؤدى بأربعة أيام، فيقول الإنسان بإمكانه أن يملك نفسه ويملك جوارحه خلال الأربعة أيام لكن الواقع يشهد بهذا أو لا يشهد به؟ يشهد بضده، الواقع يشهد بضده ولو حرص الإنسان ما دامت أيامه معمورة بالقيل والقال فإنه لن يستطيع أن يملك نفسه في هذه الأيام، ولو اعتزل ولم يأته أحد لذهب يبحث عن من يتكلم معه فيما كان يتكلم به في طول حياته وأيام رخائه، وقد وجد من يغتاب الناس عشية عرفة، ووجد من يسب الناس ويشتمهم عشية عرفة؛ لأنه مشى على هذا في طول حياته، ما تعرف على الله في الرخاء ليعرف في مثل هذه الشدة، ووجد من يتابع النساء في عرفة؛ لأنه في سائر أيامه مشى على هذا، ويوجد من ينام عشية عرفة إلى أن تغرب الشمس؛ لأنه مفرط في بقية الأيام، والجزاء من جنس العمل، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [(46) سورة فصلت] هذا ما قدمت يداك، وهذا ما جنيت على نفسك، فعلى الإنسان أن يحرص على حفظ جوارحه طول حياته ليحفظ في مثل هذه الأيام، إذا كان الإنسان لا يستطيع عشية عرفة، أو في الاعتكاف، وجد من يغتاب في الاعتكاف، ووجد من ينام عن ليلة ترجى أن تكون ليلة القدر وهو معتكف؛ لأنه طول أيامه على هذه الحالة، وإذا كان ديدنه التأخر عن الصلوات، وهذا أمر مشاهد ومجرب، نسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عن الجميع، إذا كانت عادته أن يتأخر عن الصلوات وهذا ديدنه في شعبان وفي رجب وقبلها من الأشهر ثم خرج بعد أن أعلن عن الشهر، مغرب آخر يوم من رمضان، أعلن عن يوم العيد في الغالب أنه إذا كانت تفوته شيء من الصلوات في شعبان تفوته العشاء أو يفوته شيء منها ليلة العيد، وهو الآن خرج من المعتكف لماذا؟ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء.
ونعرف أناس يعني موجود -ولله الحمد- الأمة ما زال فيها خير، نعرف أناس لا فرق بين عشية عرفة وغيره، ولا بين الاعتكاف وغيره، هذا على طول العام هذه حاله، ولو قيل له: إن الروح تخرج الآن ما يمكن أن يزيد تسبيحه، وهذا موجود الآن -ولله الحمد- والخير في أمة محمد، لكن الإشكال في عموم الناس، لا سيما كثير من طلاب العلم، والله المستعان.
شُريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء، لماذا؟ لأنه طول أيامه هذه صفته، كيف يعان على مثل هذا وهو في طول أيامه مفرط؟ لا يمكن أن يعان الجزاء من جنس العمل ﴿جَزَاء وِفَاقًا﴾ [(26) سورة النبأ] وهل يقال: إن شريح في هذه الصفة يمدح أكثر من غيره ممن يتصدى كعطاء مثلاً يتصدى لإفتاء الناس؟ الآن السياق هذا سياق مدح، "وينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء" هذا سياق مدح و إلا ذم؟ مدح بلا شك؛ لكن أي شريح وإلا عطاء الذي يتصدى للناس ويبرز إليهم، ويفتيهم، ويصدرون عن رأيه في هذا الباب أو غيره من سادات الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة إلى يومنا هذا، هل نقول: على الإنسان أن يحفظ نفسه، وينزوي في زاوية ويكون كالحية الصماء مجرد تسبيح وذكر وتهليل وتلاوة وقيام وما أشبه ذلك أو نقول: يبرز للناس وينفعهم إما ببدنه، وهذا موجود ولله الحمد موجود بكثرة في الشباب أو بعلمه وهذا موجود في الشيوخ، والأمة ما زال فيها خير، ويوجد من هذا النوع الشيء الكثير، يعني لو قيل أن بعض الناس -هذا نادر- أنه يأتي إلى مكة وهذا ليس بمبالغة، يعني يأتي إلى مكة ويصلي في صحن الحرم، ولا ينظر إلى الكعبة مطأطئ الرأس في جلوسه في مشيه، في صلاته، في سائر أحواله، هذا موجود ما هذه بمبالغة، نعم موجود لكنها ندرة، هل نقول: أن مثل شريح كأنه الحية الصماء لا يتكلم إلا بذكر أو تلاوة أفضل من عطاء الذي يصدر الناس عن رأيه في هذه المسائل؟ نعم النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، لكن مثل شريح في هذه الصفة لا شك أنه أفضل ممن يصرف وقته ويبذل جهده في المباح، في الكلام المباح فضلاً عن الكلام المكروه أو المحرم، والله المستعان.
ﵟ جَزَاءً وِفَاقًا ﵞ سورة النبأ - 26