تفسير سورة يونس

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة يونس من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ آلر ﴾ ساكنة لأنها حروف جرت مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعهن في المعنى كمجاز ابتداء فواتح السور.
﴿ تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ ﴾ مجازها : هذه آيات الكتاب الحكيم، أي القرآن، قال الشاعر :
ما فَهم مِن الكِتاب أي آي القرآنِ
والحكيم : مجازه المُحكَم المبَّين الموضَّح، والعرب قد نضع فعيل في معنى مُفْعَل، وفي آية أخرى :﴿ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِبدٌ ﴾، مجازه : مُعَد، وقال أبو ذُوءَيب :
إِني غداة إذٍ ولم أَشعر خَلِيفُ
أي ولم أشعر أني مُحْلِف، من قولهم : أخلفتُ المَوْعدَ. ومجاز آيات مجاز أعلام الكتاب وعجائبه، وآياته أيضاً : فواصِله، والعرب يخاطبون بلفظ الغائب وهم يعنون الشاهد، وفي آية أخرى :﴿ آلم ذَلِكَ الكِتَابُ ﴾ مجازه : هذا القرآن، قال عَنْتَرة :
شَطَّتْ مَزارَ العاشقين فأَصبحتْ عَسِراً عَلَىَّ طِلابُكِ ابنةَ مَحْرَمِ
﴿ قَدَمَ صِدْقِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ مجازه : سابقة صدق عند ربهم، ويقال : له قدم في الإسلام وفي الجاهلية.
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ﴾ مجازه : ظَهر على العرش وعلا عليه، ويقال : استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت.
﴿ إلَيْه مَرْجِعُكمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً ﴾ وعْدَ اللهِ : منصوب لأنه مصدر في مِوضع ﴿ وَعَدَ اللهُ ﴾، وإذا كان المصدر في موضع فَعَل، نصبوه كقول كَعْب :
تَسْعَى الوشاةُ جَنابيْها وقِيلَهُمُ إنّك يا بْنَ أبي سُلْمَى لَمقتولُ
يقولون حكايةً عن أبي عمرو : وقِيلَهم منصوب لأنه في موضعِ ويقولون.
﴿ وَعَملُوا الصَّالِحَاتِ بالْقِسْطِ ﴾ أي بالعدل ﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ كل حار فهو حميم، قال المرَقِّشُ الأصغر من بني سَعْد بن مالِك :
وكلُ يومٍ لهَا مِقطرةٌ فيها كِباءٌ مُعدٍّ وحَميمُ
أي ماء حار يُستَحمّ به، كباءٌ مما تكبّيتَ به أي تبخَّرتَ وتجمَّرتَ سواء، وكبيً منقوص : هي الكُنَاسة والسُّباطة والكَساحة.
﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضيَاءً ﴾ وصفها بالمصدر، والعرب قد تصف المؤنثة بالمصدر وتسقط الهاء، كقولهم : إنما خلقت فلانة لك عذاباً وسجناً ونحو ذلك بغير الهاء.
قال :﴿ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾ مجازه : لا يخافون ولا يخشون، وقال :
إذا لسَعْته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعها وحالفها في بيت نوبٍ عوامِلِ
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا ﴾ أي دعاؤهم أي قولهم وكلامهم. ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَن الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ ﴾.
﴿ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ مجازه : لفُزغ ولقُطع ونُبذ إليهم، وقال أبو ذؤَيب :
وعَليهما مَسرودتانِ قضاهما داودُ أو صَنَعُ السَوابغِ تُبَّعُ
﴿ دَعَانَا لَجِنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أو قَائِماً ﴾ مجازه : دعانا على إحدى هذه الحلات، ومجاز دعانا لجنبه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك : دعانا وهو مضطجع لجنبه.
﴿ مَرَّ كَأَن لمَّ يَدْعُنَا ﴾ أي استمر فمضى.
﴿ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾ أي من عند نفسي.
﴿ وَلاَ أَدْرَكُمْ بِهِ ﴾ مجازه : ولا أفعلكم به ؛ من دريت أنا به.
﴿ عُمراً ﴾ أي حِيناً طويلاً، مجازه من قولهم : مضى علينا حين من الدهر، والعُمْر والعُمُر والعَمر ثلاث لغات.
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالاَ يَضُرُّهُم ولا يَنْفُعهُمْ وَيَقُولُون هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ﴾ مجازما ها هنا مجاز الذين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال : هؤلاء شفعاؤنا، ومثله في آية أخرى :﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاَءِ ينْطِقُونَ ﴾، وفي آية أخرى :﴿ إِنِّي رَأيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والقْمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجدين ﴾ والمستعمل في الكلام : ما تنطق هذه، ورأيتهن لي ساجدات، وقال :
تمزَّزتُها والدِّيكُ يدعو صباحَه إذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوا فتصَوَّبوا
وفي آية أخرى ﴿ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكَمْ لاَ يَحْطَمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ ﴾ والمستعمل : ادْخُلن مساكنكن لا يحطمنكن سليمان.
﴿ مِنْ بَعْدِ ضرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ في آيَاتِنَا ﴾ مجاز المكر ها هنا مجاز الجحود بها والرد لها.
﴿ قُلْ اللهُ أُسْرَعُ مَكْراً ﴾ أي أخداً وعُقوبة واستدراجاً لهم.
﴿ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ مجازه : دنوا للهلاك، ويقال : إنه محاط بك، والإدراكِ أي إنك مُدْرَك فُمهلكَ.
﴿ فَجَعَلّنَاهَا حَصِيداً ﴾ أي مستأصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء في هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال : حصائد الزرع، اللواتي تُحصَد.
﴿ وَلا يَرْهَقُ وُجوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ ﴾ يرهق : أي يغشى، والقَتَر جميع قَتَرة، وفي القرآن :﴿ تَرْهَقُها قَتَرةٌ ﴾، وهو الغبار قال الأخطل :
يَعلو القَناطِرَ يَبنيها ويهدمُها مسَوَّماً فوقَه الرايات والقَتَرُ
وقال الفرزدق :
متَوَّجٌ بِرِداء المُلكِ يَتْبعُه مَوجٌ تَرى فَوْقَه الراياتِ والفَتَرا
﴿ قِطَعاً من اللَّيْلِ مُظْلِماً ﴾ إذا أسكنت الطاء فمعناه بعضاً من الليل، والجميع : أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل، يقال : أتيته بقطع من الليل ؛ وهو في آية أخرى : بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ. ومن فتح الطاء فإنه يجعلها جميع قطعة والمعنيان واحد. ويجعل مظلماً من صفة الليل وينصبها على الحال وعلى أنها نكرة وصفت به معرفة.
﴿ هنَالكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفسٍ ﴾ أي تخْبُر وتجد. وتَتْلُو تتْبع.
﴿ أَمْ يَقولُونَ ﴾ مجاز أم ها هنا مجاز الواو ويقولون.
﴿ افْتَرَاه ﴾ أي اختلقه وابتشكه.
﴿ إِنْ أَتَاكمْ عَذَابُه بَيَاتاً ﴾ أي بيّتكم ليلا وأنتم بائتون.
﴿ إِذْ تُفِيضونَ فيهِ ﴾ أي تكِثرون وتلغَطون وتخلطِون.
﴿ وَمَا يعْزُفَ عَنْ رَبِّكَ ﴾ أي ما يغيب عنه، ويقال : أين عزب عقلك عنك.
﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ أي زنة نملة صغيرة، ويقال خذ هذا فإنه أخف مثقالاً، أي وزناً.
﴿ وَالنَّهَارَ مبْصِراً ﴾ له مجازان أحدهما : أن العرب وصعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل، والمعنى : أنه مفعول، لأنه ظرف يفعل فيه غيره لأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر، وفي القرآن :﴿ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها، قال جرير :
لقد لمتِنا يا أُمَّ غَيلانَ في السُّرى*** ونمتِ وما ليل المَطِيِّ بنائمِ
والليل لا ينام وإنما يُنام فيه، وقال رؤبة :
فنام ليلى وتجلَّى همِّي ***
﴿ إِنْ عِنْدَكمْ مِنْ سلْطانٍ بهذَا ﴾ مجازه : ما عندكم سلطان بهذا، ومن حروف الزوائد، ومجاز سلطان ها هنا : حجّةٌ وحقٌّ وبرهان.
﴿ ثمَّ لا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكمْ غُمَّةً ﴾ مجازها : ظلمة وضِيق وهمٌّ، قال العَجَّاج :
بل لو شَهدتَ الناس إذ تُكُمُوا بغمَّةٍ لو لم تُفرَّجْ غُمُّوا
تكمّوا : تُغُمِّدوا، يقال تكمِّيت فلاناً أي تغَمَّدته، وقد كميتَ شهادتك إذا كتمتها، وفارس كَمِيُّ وهو الذي لا يظهر شجاعته إلا عند الحاجة إلى ذلك.
﴿ ثمَّ اقْضُوا إليَّ وَلاَ تُنْظِرون ﴾ مجازه كمجاز الآية الأخرى :
﴿ وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ﴾ أي أمرناهم.
﴿ إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ ﴾ أي أشراف قومه.
﴿ أجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ أي لتصرفنا عنه وتميلنا وتلوينا عنه، ويقال : لفت عنقه. كقول رؤبة :
يَدُقُّ صُلّباتِ العِظامِ لَفْتِى لَفْتاً وتهزيعاً سَواءَ اللَّفْتِ
التهزيع : الدَّق ؛ واللَّفت : اللَّى.
﴿ قَالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ﴾ مجاز ما ها هنا : الذي ؛ ويزيد فيه قوم ألف الاستفهام، كقولك : آلسِّحر؟.
﴿ اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ﴾ أي أذهِب أَموالهم، ويقال : طمسَتْ عينُه وذهَبتْ، وطمسَت الريح على الديار.
﴿ واشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ مجازه ها هنا كمجاز ﴿ اشددِ البابَ ﴾، ألا نرى بعده :﴿ فَلاَ يُؤْمِنوا ﴾ جزمُ، لأنه دعاء عليهم، أي فلا يؤمننَّ.
﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ ﴾ مجازه : تبعهم، هما سواء.
﴿ بَغْياً وَعَدْواً ﴾ مجازه : عُدواناً.
﴿ فالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾ مجازه : نُلِقيك على نَجْوة، أي ارتفاع ليصر علماً أنه قد غَرق.
﴿ لتَكُونَ لَمِنْ خَلْفَكَ آيَةَ ﴾ أي علامة، ومجاز خلفك : بَعدك.
﴿ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ﴾ مجازه : المؤِلم وهو الموجع، والعرب تضع فعيل في موضع مُفْعِل، وقال في آية أخرى :﴿ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ أي مُبصِرٌ وقال عَمْرو بن مَعْد يَكْربَ.
أمِنْ رَيْحانة الداعي السميعُ ***
يريد المسُمِع. رَيْحانة : أخت عمرو بن مَعْد يكرب كان الصِّمّة أَغار عليها وذهب بها، وقال أبو عبيدة : كانت ريحانة أختَ عمرو وفسباها الصِّمّة وهي أم دُرَيد وخالد.
﴿ إِلا قَوْمَ يُونُسَ ﴾ مجاز إلاّ ها هنا مجاز الواو، كقولك : وقوم يونس لم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الأليم فآمنوا ف﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ ﴾، وقال في ذلك عَنَز بن دَجَاجةَ المازِنيُّ :
مَن كان أسرعَ في تَفَرُّقِ فالجٍ فلَبونُه جَرِبتْ معاً وأغدَّتِ
إِلاّ كنا شرةَ الذي ضَيَّعتمُ كالْغصن في غُلَوائِه المُتَنَبِّتِ
وقال الأعشى :
من مبلغٌ كِسْرَى إذا ما جئتَه عنِّي قوافٍ غارماتٍ شُرَّدا
إلاّ كخارجةَ المكلِّف نفسَه وابْنَي قَبِيصةَ أن أَغيبَ ويَشَهدا
أي وكخارجةَ وابنّي قَبِيصةَ ؛ ثم جاء معنى هذا ﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمَانهَا ﴾ مجازه : فهّلا كانت قرية إذا رأت بأسنا آمنت فكانت مثلَ قوم يونس. ولها مجاز آخر قالوا فيه :﴿ إِنَّ الّذينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يؤْمِنونَ وَلَوْ جَاءَتْهم كلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوا العَذَابَ الأَلِيمَ ﴾ ثم استثنى منهم فقال : إِلاّ أن قومَ يونسَ لمَّا رأوا العذاب آمنوا فنفعهم إيمانهم فكشفنا عنهم عذاب الخِزيِ.
ويقال : يونسْ ويؤنِس كأنه يُفعِل من : آنسَتُه.
﴿ فإِنَّمَا يَضِلٌّ عَلَيْهَا ﴾ مجازه : يضل لها أي لنفسه، وهداه لنفسه.
Icon