تفسير سورة آل عمران

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة آل عمران مدنية وآياتها ٢٠٠
والآن وقد ختمنا بفضل الله وكرمه سورة البقرة نشرع في سورة آل عمران، وبدايتها بعد بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الم، ( ١ ) اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، ( ٢ ) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، ( ٣ ) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾.
وهذه السورة التي هي أطول سورة في القرآن بعد سورة البقرة يدور محور الحديث في آياتها حول ثلاثة موضوعات رئيسية :
١- الموضوع الأول : تحديد معنى الدين ومعنى الإسلام، كقوله تعالى في هذه السورة ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ﴾.
٢- الموضوع الثاني : وصف حال المسلمين مع ربهم وموقفهم من تعاليم الدين وتكاليفه، كقوله تعالى في هذه السورة أيضا ﴿ كُنتُم خَيرَ اُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ، تأمرون بالمَعرُوفِ وتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ، وَتُؤمِنُونَ باللهِ ﴾
٣- الموضوع الثالث : التحذير المستمر من الثقة بغير المسلمين، وتوضيح ما ينجر للمسلمين من الأخطار والمتاعب إذا والوهم ووثقوا بهم في شؤونهم، كقوله تعالى في نفس السورة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾.

ومما يستلفت النظر في الثمن الأول من هذه السورة قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ﴾.
وقوله تعالى ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ وقوله تعالى ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( ١٤ ) ﴾. وسنعالج موضوع هذه الآيات الكريمة في أول مناسبة قادمة، عندما نواجه آيات أخرى تأتي تكميلا لها، أو تكون من نوعها وفي نفس موضوعها بحول الله وقوته، وبالله التوفيق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦:ومما يستلفت النظر في الثمن الأول من هذه السورة قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ﴾.
وقوله تعالى ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ وقوله تعالى ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ( ١٤ ) ﴾. وسنعالج موضوع هذه الآيات الكريمة في أول مناسبة قادمة، عندما نواجه آيات أخرى تأتي تكميلا لها، أو تكون من نوعها وفي نفس موضوعها بحول الله وقوته، وبالله التوفيق.


جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فهاهنا نجد القرآن الكريم يسجل حقيقة طبيعية فطر الله عليها البشر، ألا وهي حبهم للشهوات وميلهم إليها، فهذه غريزة غرزها الله في طبع الإنسان، إغراء له، من جهة، على تحقيق المخطط الإلهي الحكيم، ودفعا له، من جهة أخرى، إلى إبراز شخصيته المتميزة الخاصة على وجه سليم، وبذلك لا يتنكر الإسلام لشهوات الإنسان المجبول على حبها، ولا يزدريها فضلا عن أن يطاردها، وإنما يتدخل الإسلام لإحاطتها بما يلزم لها من التهذيب، حتى لا تكون شهوات وحشية، وبما يلزم لها من الضبط، حتى لا تبقى شهوات فوضوية.
وهذه الشهوات القوية في نفس الإنسان العادي هي شهوة النساء اللاتي يوفرن لأزواجهن جوا من المودة والرحمة والاستقرار.
وشهوة البنين الذين هم زينة البيوت، وعصارة الأعصاب، ولباب الجهود، وثمرة الحياة بالنسبة للوالدين، والخلف الصالح، والذكرى الطيبة التي تبقى من بعدهما شاهدا ناطقا على مرورهما بموكب الأحياء.
وشهوة المال الذي هو أكبر وسيلة لقضاء الحاجات، وستر العورات، وتوفير أنواع الشهوات بما فيها شهوة البر وإسداء المعروف وعمل الخير، وهاهنا وقع اختيار التعبير القرآني على كلمة ( القناطير المقنطرة ) إشارة إلى أن النهم إلى المال لا يقف في الإنسان العادي عند حد، مادام هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى جميع الشهوات، ومادامت الشهوات كلها تتوقف عليه، ولا تتم إلا عن طريقه بدءا وختاما.
ثم شهوة الخيل المسومة التي تستهوي ما لا يحصى من البشر في مختلف العصور، والتي احتفظت بقوة إغرائها وجاذبيتها حتى بين أرقى الأمم وأكثرها حضارة وغنى، فضلا عما دونها، فتقام لها الملاعب، وتنظم لها أسواق الرهان، ويبذل فيها من الأموال الطائلة ربحا وخسارة ما تسير بذكره الركبان.
وشهوة الأنعام والحرث المتلازمين ملازمة الظل لصاحبه، فهذه الشهوة ترضي من حاجات الإنسان وغرائزه ما لا يتصور بدونه وجود ولا نماء، بل أن قوام حياته متوقف عليها كل التوقف ومرتبط بها كل الارتباط.
وقد عبر كتاب الله عن هذه الشهوات جميعا بأنها ﴿ متاع الحياة الدنيا ﴾. وإذن فلا متاع في هذه الحياة دون الحصول على القدر الضروري والحد الأدنى منها، وإذن فلا حرج في حصول الإنسان على متاعه الضروري منها كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا ﴾.
وكل ما هنالك أن الله تعالى الذي خلق لعباده ما في الأرض جميعا، ودعاهم إلى تناول الطيبات من الرزق يعرض على المؤمنين من عباده أنواعا ألذ وأبقى، وأدوم وأخلد، من شهوات الدنيا جميعا، ويعلمهم أن في استطاعتهم أن يستمتعوا بها أيضا في الحياة الآخرة، إذا ما أعدوا أنفسهم لها، ولم يقصروا اهتمامهم على شهوات الحياة الدنيا وحدها، فانهمكوا فيها وتهالكوا عليها دون حساب، وهذا هو معنى قوله تعالى ﴿ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾.

الربع الأول من الحزب السادس
في المصحف الكريم
ما يلاحظ القارئ المنتبه أن أول آية في هذا الربع وهي قوله تعالى ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾. إلى آخر الآية، مرتبطة كل الارتباط ومتناسبة كل التناسب، مع آخر آية وردت في الربع الماضي الذي تناولناه بالأمس، وهي قوله تعالى ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فهاهنا نجد القرآن الكريم يسجل حقيقة طبيعية فطر الله عليها البشر، ألا وهي حبهم للشهوات وميلهم إليها، فهذه غريزة غرزها الله في طبع الإنسان، إغراء له، من جهة، على تحقيق المخطط الإلهي الحكيم، ودفعا له، من جهة أخرى، إلى إبراز شخصيته المتميزة الخاصة على وجه سليم، وبذلك لا يتنكر الإسلام لشهوات الإنسان المجبول على حبها، ولا يزدريها فضلا عن أن يطاردها، وإنما يتدخل الإسلام لإحاطتها بما يلزم لها من التهذيب، حتى لا تكون شهوات وحشية، وبما يلزم لها من الضبط، حتى لا تبقى شهوات فوضوية.
وهذه الشهوات القوية في نفس الإنسان العادي هي شهوة النساء اللاتي يوفرن لأزواجهن جوا من المودة والرحمة والاستقرار.
وشهوة البنين الذين هم زينة البيوت، وعصارة الأعصاب، ولباب الجهود، وثمرة الحياة بالنسبة للوالدين، والخلف الصالح، والذكرى الطيبة التي تبقى من بعدهما شاهدا ناطقا على مرورهما بموكب الأحياء.
وشهوة المال الذي هو أكبر وسيلة لقضاء الحاجات، وستر العورات، وتوفير أنواع الشهوات بما فيها شهوة البر وإسداء المعروف وعمل الخير، وهاهنا وقع اختيار التعبير القرآني على كلمة ( القناطير المقنطرة ) إشارة إلى أن النهم إلى المال لا يقف في الإنسان العادي عند حد، مادام هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى جميع الشهوات، ومادامت الشهوات كلها تتوقف عليه، ولا تتم إلا عن طريقه بدءا وختاما.
ثم شهوة الخيل المسومة التي تستهوي ما لا يحصى من البشر في مختلف العصور، والتي احتفظت بقوة إغرائها وجاذبيتها حتى بين أرقى الأمم وأكثرها حضارة وغنى، فضلا عما دونها، فتقام لها الملاعب، وتنظم لها أسواق الرهان، ويبذل فيها من الأموال الطائلة ربحا وخسارة ما تسير بذكره الركبان.
وشهوة الأنعام والحرث المتلازمين ملازمة الظل لصاحبه، فهذه الشهوة ترضي من حاجات الإنسان وغرائزه ما لا يتصور بدونه وجود ولا نماء، بل أن قوام حياته متوقف عليها كل التوقف ومرتبط بها كل الارتباط.
وقد عبر كتاب الله عن هذه الشهوات جميعا بأنها ﴿ متاع الحياة الدنيا ﴾. وإذن فلا متاع في هذه الحياة دون الحصول على القدر الضروري والحد الأدنى منها، وإذن فلا حرج في حصول الإنسان على متاعه الضروري منها كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا ﴾.
وكل ما هنالك أن الله تعالى الذي خلق لعباده ما في الأرض جميعا، ودعاهم إلى تناول الطيبات من الرزق يعرض على المؤمنين من عباده أنواعا ألذ وأبقى، وأدوم وأخلد، من شهوات الدنيا جميعا، ويعلمهم أن في استطاعتهم أن يستمتعوا بها أيضا في الحياة الآخرة، إذا ما أعدوا أنفسهم لها، ولم يقصروا اهتمامهم على شهوات الحياة الدنيا وحدها، فانهمكوا فيها وتهالكوا عليها دون حساب، وهذا هو معنى قوله تعالى ﴿ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾.


﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ﴾. أي هل أخبركم بما هو أفضل من شهوات الدنيا كلها ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ١٥ ) ﴾.
والواقع الذي يؤكده الإيمان الصحيح أن حياة الإنسان تمر بمرحلتين اثنتين :
المرحلة الأولى : مرحلة الحياة الدنيا، والله تعالى بسط مائدته فيها لعباده جميعا يتناولون منها ما يحفظ وجودهم، ويضمن بقاءهم واستمرارهم إلى اليوم الموعود.
والمرحلة الثانية : مرحلة الحياة الآخرة، والله تعالى أعد فيها للمؤمنين من عباده نعما أجل وأكمل، وادخر لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجعل نعمه عليهم فيها غير محدودة ولا منتهية.
وهاهنا تولت الآيات الكريمة عرضا لشهوات الدنيا، ثم أتبعته بوصف موجز لنعم الآخرة، والفرق بين الاثنين هو أن نساء الآخرة على خلاف نساء الدنيا ( أزواج مطهرة ) لا يصيبهن أي عارض يتنافى مع الطهر، ثم إن الآخرة لا تتوقف المتعة فيها على المال الذي هو الوسيلة الوحيدة في الدنيا للاقتناء والانتفاع، إذ أن أرزاقها وخيراتها ملك مشاع لجميع المتقين، ولذلك لم يذكر بين نعيمها لا ذهبا ولا فضة ولا قناطير مقنطرة، وإذا كانت مزارع الدنيا وبساتينها تحتاج إلى الحرث والحيوانات المساعدة عليه، فإن الجنات التي أعدها الله لعباده في الآخرة لا تتوقف على الحرث ولا على الحيوان المساعد فيه، بل هي هبة من الله خالصة للمؤمنين دون كد ولا تعب، ولا توقيت بموسم خاص.
وفوق هذا كله ففي الآخرة نعمة هي أجل النعم وأكبرها جميعا، لأنها تفوق جميع نعم الدنيا، وتفضل جميع نعم الآخرة الأخرى، ألا وهي نعمة ( رضوان الله ) الذي يخلع حلته على المقبولين الرضيين من عباده ( ورضوان من الله أكبر ) وهذه النعمة تتضمن كامل الإحسان وعظيم الامتنان، على من أكرمه الله بها من بني الإنسان، وترشحه للنظر إلى الملك الديان، بالإضافة إلى الخلود في نعيم الرحمان ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدَّنيّا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار( ١٦ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:الربع الأول من الحزب السادس
في المصحف الكريم
ما يلاحظ القارئ المنتبه أن أول آية في هذا الربع وهي قوله تعالى ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾. إلى آخر الآية، مرتبطة كل الارتباط ومتناسبة كل التناسب، مع آخر آية وردت في الربع الماضي الذي تناولناه بالأمس، وهي قوله تعالى ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فهاهنا نجد القرآن الكريم يسجل حقيقة طبيعية فطر الله عليها البشر، ألا وهي حبهم للشهوات وميلهم إليها، فهذه غريزة غرزها الله في طبع الإنسان، إغراء له، من جهة، على تحقيق المخطط الإلهي الحكيم، ودفعا له، من جهة أخرى، إلى إبراز شخصيته المتميزة الخاصة على وجه سليم، وبذلك لا يتنكر الإسلام لشهوات الإنسان المجبول على حبها، ولا يزدريها فضلا عن أن يطاردها، وإنما يتدخل الإسلام لإحاطتها بما يلزم لها من التهذيب، حتى لا تكون شهوات وحشية، وبما يلزم لها من الضبط، حتى لا تبقى شهوات فوضوية.
وهذه الشهوات القوية في نفس الإنسان العادي هي شهوة النساء اللاتي يوفرن لأزواجهن جوا من المودة والرحمة والاستقرار.
وشهوة البنين الذين هم زينة البيوت، وعصارة الأعصاب، ولباب الجهود، وثمرة الحياة بالنسبة للوالدين، والخلف الصالح، والذكرى الطيبة التي تبقى من بعدهما شاهدا ناطقا على مرورهما بموكب الأحياء.
وشهوة المال الذي هو أكبر وسيلة لقضاء الحاجات، وستر العورات، وتوفير أنواع الشهوات بما فيها شهوة البر وإسداء المعروف وعمل الخير، وهاهنا وقع اختيار التعبير القرآني على كلمة ( القناطير المقنطرة ) إشارة إلى أن النهم إلى المال لا يقف في الإنسان العادي عند حد، مادام هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى جميع الشهوات، ومادامت الشهوات كلها تتوقف عليه، ولا تتم إلا عن طريقه بدءا وختاما.
ثم شهوة الخيل المسومة التي تستهوي ما لا يحصى من البشر في مختلف العصور، والتي احتفظت بقوة إغرائها وجاذبيتها حتى بين أرقى الأمم وأكثرها حضارة وغنى، فضلا عما دونها، فتقام لها الملاعب، وتنظم لها أسواق الرهان، ويبذل فيها من الأموال الطائلة ربحا وخسارة ما تسير بذكره الركبان.
وشهوة الأنعام والحرث المتلازمين ملازمة الظل لصاحبه، فهذه الشهوة ترضي من حاجات الإنسان وغرائزه ما لا يتصور بدونه وجود ولا نماء، بل أن قوام حياته متوقف عليها كل التوقف ومرتبط بها كل الارتباط.
وقد عبر كتاب الله عن هذه الشهوات جميعا بأنها ﴿ متاع الحياة الدنيا ﴾. وإذن فلا متاع في هذه الحياة دون الحصول على القدر الضروري والحد الأدنى منها، وإذن فلا حرج في حصول الإنسان على متاعه الضروري منها كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا ﴾.
وكل ما هنالك أن الله تعالى الذي خلق لعباده ما في الأرض جميعا، ودعاهم إلى تناول الطيبات من الرزق يعرض على المؤمنين من عباده أنواعا ألذ وأبقى، وأدوم وأخلد، من شهوات الدنيا جميعا، ويعلمهم أن في استطاعتهم أن يستمتعوا بها أيضا في الحياة الآخرة، إذا ما أعدوا أنفسهم لها، ولم يقصروا اهتمامهم على شهوات الحياة الدنيا وحدها، فانهمكوا فيها وتهالكوا عليها دون حساب، وهذا هو معنى قوله تعالى ﴿ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾.


﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ﴾. أي هل أخبركم بما هو أفضل من شهوات الدنيا كلها ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ١٥ ) ﴾.
والواقع الذي يؤكده الإيمان الصحيح أن حياة الإنسان تمر بمرحلتين اثنتين :
المرحلة الأولى : مرحلة الحياة الدنيا، والله تعالى بسط مائدته فيها لعباده جميعا يتناولون منها ما يحفظ وجودهم، ويضمن بقاءهم واستمرارهم إلى اليوم الموعود.
والمرحلة الثانية : مرحلة الحياة الآخرة، والله تعالى أعد فيها للمؤمنين من عباده نعما أجل وأكمل، وادخر لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجعل نعمه عليهم فيها غير محدودة ولا منتهية.
وهاهنا تولت الآيات الكريمة عرضا لشهوات الدنيا، ثم أتبعته بوصف موجز لنعم الآخرة، والفرق بين الاثنين هو أن نساء الآخرة على خلاف نساء الدنيا ( أزواج مطهرة ) لا يصيبهن أي عارض يتنافى مع الطهر، ثم إن الآخرة لا تتوقف المتعة فيها على المال الذي هو الوسيلة الوحيدة في الدنيا للاقتناء والانتفاع، إذ أن أرزاقها وخيراتها ملك مشاع لجميع المتقين، ولذلك لم يذكر بين نعيمها لا ذهبا ولا فضة ولا قناطير مقنطرة، وإذا كانت مزارع الدنيا وبساتينها تحتاج إلى الحرث والحيوانات المساعدة عليه، فإن الجنات التي أعدها الله لعباده في الآخرة لا تتوقف على الحرث ولا على الحيوان المساعد فيه، بل هي هبة من الله خالصة للمؤمنين دون كد ولا تعب، ولا توقيت بموسم خاص.
وفوق هذا كله ففي الآخرة نعمة هي أجل النعم وأكبرها جميعا، لأنها تفوق جميع نعم الدنيا، وتفضل جميع نعم الآخرة الأخرى، ألا وهي نعمة ( رضوان الله ) الذي يخلع حلته على المقبولين الرضيين من عباده ( ورضوان من الله أكبر ) وهذه النعمة تتضمن كامل الإحسان وعظيم الامتنان، على من أكرمه الله بها من بني الإنسان، وترشحه للنظر إلى الملك الديان، بالإضافة إلى الخلود في نعيم الرحمان ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدَّنيّا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار( ١٦ ) ﴾.

ومما ينبغي التنبيه إليه من آيات هذا الربع قوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ( ٢٥ ) ﴾. فهذه الآية لها مناسبة مع قوله تعالى في الربع الماضي ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ ومع قوله تعالى في سورة الكهف ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعنَاهُم جَمعا ﴾ ومع قوله تعالى في سورة النساء ﴿ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعا ﴾، ومع قوله تعالى في سورة هود ﴿ ذَلِكَ يَومٌ مَّجمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ، وَذَلِكَ يَومٌ مَّشهُودٌ ﴾، ومع قوله تعالى في سورة الواقعة ﴿ قُلِ إِنَّ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ لَمَجمُوعُونَ إلَى مِيقَاتِ يَومٍ مَّعلُومٍ ﴾، ومع قوله تعالى في سورة التغابن ﴿ يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومٍ الجَمعِ ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ ﴾. وعلى هذا الأساس وفي هذا الإطار ينبغي تفسير قوله تعالى في سورة الشورى ﴿ وما َبَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَى جَمعِهِم إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾، أي جمعهم في يوم الجمع، فتفسير القرآن بالقرآن هو أفضل وجوه التفسير وأولاها بالصواب.
ومن مجموع هذه الآيات يتبين أن القرآن الكريم يعبر عن يوم الحشر بيوم الجمع، ويطلق كلمة الجمع على الحشر والحساب، وهذا الجمع يشمل بالضرورة جميع ذرية آدم، الذي جعله الله خليفة في الأرض، فحملت ذريته أمانة التكليف ﴿ فَمِنهُم ظَالِمٌ لِّنَفسِهِ، وَمِنهُم مُّقتَصِدٌ، وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإذنِ اللهِ ﴾، كما قال تعالى.
وتأتي في هذا الربع آية كريمة تؤكد معنى سابق الإيماء إليه في قصة طالوت وجالوت من سورة البقرة عند قوله تعالى ﴿ واللهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَّشَاءُ ﴾. وهذه الآية الثانية جاءت في صورة تلقين من الله لرسوله :﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير( ٢٦ ) ﴾. وهي تتضمن إثبات التدخل المستمر من طرف الحكمة الإلهية، والإرادة الربانية في تعديل موازين القوة، وتغيير نسب السلطة في العالم، على وجه يتحقق به مراد الله في خلقه، ويتحقق به خير البشر على العموم، وتصديقا لهذه الآية وتطبيقا لمقتضاها مكن الله المسلمين من مقاليد الأرض واستخلفهم، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.
ومن آيات هذا الربع التي ينبغي الوقوف عندها وقفة خاصة قوله تعالى :﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ( ٢٨ ) ﴾. ففي هذه الآية نهي صريح للمؤمنين عن مودة الكافرين والثقة بهم وموالاتهم القلبية، ولم يكتف الحق سبحانه وتعالى بإصدار النهي إلى المؤمنين عن موالاة الكافرين، بل أنذرهم بالتبرئ من كل من لا يمتثل هذا النهي البات. وبراءة الله من عبده معناها أن يكله إلى نفسه، وأن يخذله خذلانا مبينا، وقوله تعالى ﴿ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ استثناء من هذا الأصل يستند إليه الذين استضعفوا في الأرض، ممن وقع في قبضة الكافرين، وخاف على نفسه من شرهم في بعض البلدان وبعض الأوقات، فالمستضعف المغلوب على أمره أباح الشرع له أن يتقي شرهم بظاهره، لا بباطنه ولا بعمله، قال ابن عباس : " ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان ".
ثم عقبت الآية على هذا النهي الصريح، والبراءة المترتبة على مخالفته، بقوله تعالى ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفسَهُ ﴾ وهذا أقوى أساليب التحذير، وأشد أنواع الإنذارات إذ ما يفعل الإنسان الضعيف أمام تحذير القاهر الجبار، وهو في معنى قوله تعالى في سورة الإسراء ﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾
وقد ذكر القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري في كتابه " أحكام القرآن " أن عمر بن الخطاب نهى أبا موسى الأشعري عن ذمي كان استكتبه باليمن، وأمره بعزله، غير أن القاضي ابن العربي عاد فذكر أن الاستعانة بغير المسلم لا بأس بها إن كانت فيها فائدة محققة، وانفصل على ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب.
الربع الثاني من الحزب السادس
في المصحف الكريم
سبق لنا في بداية الحزب الخامس ضمن سورة البقرة قوله تعالى :﴿ تِلكَ الرُّسُلُ، فَضَّلنَا بَعْضَهُم عَلَى بَعضٍ، مِّنهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ، وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجَاتٍ، وآتينا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ ﴾ وفي هذا الربع الذي نحن بصدد تفسيره يتصدى القرآن الكريم بتفصيل أوفى لبيان قصة حمل مريم وقصة ميلاد ابنها عيسى، موضحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحق في أمرهما، مبطلا كل الأساطير والشبهات التي قامت من حولهما.
وأول آية في هذا الربع هي بمنزلة المدخل والتمهيد إلى هذه القصة المثيرة، الباعثة على مزيد من التأمل والاعتبار، والآية التمهيدية هنا تشير على وجه العموم إلى الأسرة الفاضلة التي برزت بواسطتها وعن طريقها إرادة الحق سبحانه وتعالى في مجال الخلق والإبداع، مجال الأمر والاتباع ﴿ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ﴾.
وهذه الأسرة الصالحة التي نفذت إرادة الله، وبلغت إلى الخلق أمره ونهيه، تعني أسرة الأنبياء والرسل، ممن أخذوا على عاتقهم هداية الخلق وتربيتهم، وتولوا نقل الأمانة التي اختار الله لحملها الإنسان، وعملوا على حفظها وصيانتها من كل ما قد يتسرب إليها، وقاموا بتجديد أمرها على مر الزمان.
وفي رأس القائمة لهذه الأسرة الروحية الكبرى التي تدين لها البشرية يرد اسم آدم، الأب الأول للبشر، واسم نوح، الرائد الأول للأنبياء والرسل، ثم يقع التنصيص بالخصوص على فرعين كريمين منها، تسللت فيهما وراثة النبوة وتناقلت في عقبهما الدعوة إلى الله والتبشير بدينه الحق، وهما آل إبراهيم وآل عمران، فهؤلاء جميعا انتدبهم الحق سبحانه وتعالى لتنفيذ إرادته وإبلاغ شريعته، وجزاء لهم على قيامهم بالواجب-طبقا لمقتضى الأمر الإلهي- فضلهم الله على العالمين، وخلد ذكرهم في الصالحين، وذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ( ٣٣ ) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( ٣٤ ) ﴾.
وها هنا يجب التنبيه إلى أن النظرة الإسلامية القرآنية في التفضيل والتفاوت بالنسبة لإنسان على آخر، وفريق على فريق، إنما تقوم في البداية، وتؤول في النهاية، إلى عوامل أخلاقية ونفسية بحتة، ترتبط بمجرد السلوك والعمل، فالتفضيل الإسلامي تفضيل معنوي روحي أخلاقي لا علاقة له بالجنس ولا باللون ولا بالبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص، على حد قوله تعالى ﴿ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم ﴾.
ومن طريف ما في هذه الآية الكريمة الإشارة الواضحة إلى الأثر العميق الذي تحدثه البيئة أيا كان مستواها على الأفراد المنتمين إليها، والمحتكين بها، فالتعقيب على الاصطفاء والاختيار بقوله تعالى ﴿ ذَرِّيَّةً بَعضُهَا مِن بَعْضِ ﴾ تنبيه إلى أن بيئة الصلاح والتقوى والبر، وتقدير المسؤولية، التي يعيش فيها الأبناء إلى جانب آبائهم، تؤثر في أبنائهم أبلغ وأعمق تأثير، وتطبعهم بطابع الاستقامة واليقظة، وتعدهم إعدادا خاصا لعمل الخير والتمسك بالفضيلة، وعلى العكس من ذلك بيئة الفساد والفسق والشر، والانحلال والإهمال، التي يعيش فيها الأبناء إلى جانب آبائهم، تترك في أبنائهم أثرا سيئا، لا يمحى، وتجعلهم أسرع الناس إلى المغامرة في مجالات الشر والرذيلة، تقليدا لآبائهم، وسيرا في طريقهم، وهكذا يحسن الأب الفاضل والأم الفاضلة إلى نفسهما وإلى ذريتهما أكبر إحسان، ويسيء الأب والأم المتنكران للفضيلة إلى نفسهما وذريتهما في حياتهما ومن بعد موتهما، أكبر إساءة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:سبق لنا في بداية الحزب الخامس ضمن سورة البقرة قوله تعالى :﴿ تِلكَ الرُّسُلُ، فَضَّلنَا بَعْضَهُم عَلَى بَعضٍ، مِّنهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ، وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجَاتٍ، وآتينا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ ﴾ وفي هذا الربع الذي نحن بصدد تفسيره يتصدى القرآن الكريم بتفصيل أوفى لبيان قصة حمل مريم وقصة ميلاد ابنها عيسى، موضحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحق في أمرهما، مبطلا كل الأساطير والشبهات التي قامت من حولهما.
وأول آية في هذا الربع هي بمنزلة المدخل والتمهيد إلى هذه القصة المثيرة، الباعثة على مزيد من التأمل والاعتبار، والآية التمهيدية هنا تشير على وجه العموم إلى الأسرة الفاضلة التي برزت بواسطتها وعن طريقها إرادة الحق سبحانه وتعالى في مجال الخلق والإبداع، مجال الأمر والاتباع ﴿ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ﴾.
وهذه الأسرة الصالحة التي نفذت إرادة الله، وبلغت إلى الخلق أمره ونهيه، تعني أسرة الأنبياء والرسل، ممن أخذوا على عاتقهم هداية الخلق وتربيتهم، وتولوا نقل الأمانة التي اختار الله لحملها الإنسان، وعملوا على حفظها وصيانتها من كل ما قد يتسرب إليها، وقاموا بتجديد أمرها على مر الزمان.
وفي رأس القائمة لهذه الأسرة الروحية الكبرى التي تدين لها البشرية يرد اسم آدم، الأب الأول للبشر، واسم نوح، الرائد الأول للأنبياء والرسل، ثم يقع التنصيص بالخصوص على فرعين كريمين منها، تسللت فيهما وراثة النبوة وتناقلت في عقبهما الدعوة إلى الله والتبشير بدينه الحق، وهما آل إبراهيم وآل عمران، فهؤلاء جميعا انتدبهم الحق سبحانه وتعالى لتنفيذ إرادته وإبلاغ شريعته، وجزاء لهم على قيامهم بالواجب-طبقا لمقتضى الأمر الإلهي- فضلهم الله على العالمين، وخلد ذكرهم في الصالحين، وذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ( ٣٣ ) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( ٣٤ ) ﴾.
وها هنا يجب التنبيه إلى أن النظرة الإسلامية القرآنية في التفضيل والتفاوت بالنسبة لإنسان على آخر، وفريق على فريق، إنما تقوم في البداية، وتؤول في النهاية، إلى عوامل أخلاقية ونفسية بحتة، ترتبط بمجرد السلوك والعمل، فالتفضيل الإسلامي تفضيل معنوي روحي أخلاقي لا علاقة له بالجنس ولا باللون ولا بالبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص، على حد قوله تعالى ﴿ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم ﴾.
ومن طريف ما في هذه الآية الكريمة الإشارة الواضحة إلى الأثر العميق الذي تحدثه البيئة أيا كان مستواها على الأفراد المنتمين إليها، والمحتكين بها، فالتعقيب على الاصطفاء والاختيار بقوله تعالى ﴿ ذَرِّيَّةً بَعضُهَا مِن بَعْضِ ﴾ تنبيه إلى أن بيئة الصلاح والتقوى والبر، وتقدير المسؤولية، التي يعيش فيها الأبناء إلى جانب آبائهم، تؤثر في أبنائهم أبلغ وأعمق تأثير، وتطبعهم بطابع الاستقامة واليقظة، وتعدهم إعدادا خاصا لعمل الخير والتمسك بالفضيلة، وعلى العكس من ذلك بيئة الفساد والفسق والشر، والانحلال والإهمال، التي يعيش فيها الأبناء إلى جانب آبائهم، تترك في أبنائهم أثرا سيئا، لا يمحى، وتجعلهم أسرع الناس إلى المغامرة في مجالات الشر والرذيلة، تقليدا لآبائهم، وسيرا في طريقهم، وهكذا يحسن الأب الفاضل والأم الفاضلة إلى نفسهما وإلى ذريتهما أكبر إحسان، ويسيء الأب والأم المتنكران للفضيلة إلى نفسهما وذريتهما في حياتهما ومن بعد موتهما، أكبر إساءة.

ثم تحكي الآية على لسان امرأة عمران أنها نذرت لله الجنين الذي كان في بطنها، وسألت منه سبحانه أن يتقبل منها نذرها وذلك قوله تعالى :
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( ٣٥ ) ﴾ ومعنى هذا أنها التزمت بأن تقدم جنينها ووليدها، الذي هو فلذة كبدها، إلى المعبد، هبة لله، وقربة إليه ابتغاء مرضاته، وذلك لما هي عليه من التقوى والنسك والتجرد لله، غير أن في تعبيرها كلمة جديرة بالتعليق ولفت النظر، ألا وهي كلمة ( محررا ) بعد قولها ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ﴾ فهذه الكلمة تعني عزم امرأة عمران بنية صادقة على أن تجعل جنينها ووليدها ( محررا ) من كل التكاليف العادية، والالتزامات العائلية واليومية، حتى يكرس حياته كلها لعبادة الله دون شاغل يشغله، لا من أمر نفسه ولا من أمر عائلته، كما تعني هذه الكلمة أن امرأة عمران تتمنى على الله أن يكون جنينها ووليدها عبدا خالصا لله، محررا من كل رق أو خضوع لسواه، بحيث لا يسلم وجهه إلا إليه، ولا يعتمد إلا عليه، إذ إن التعبد لله على وجهه الصحيح هو التحرر الكامل، نفسيا وأخلاقيا.
وقوله تعالى على لسان امرأة عمران ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾ لم يرد في سياق التنقيص من المرأة أو الحط منها، بل إن السياق العام الذي جاءت فيه نفس هذه الآية هو على العكس من ذلك سياق تكريم للمرأة وتمجيد لها في شخص امرأة عمران أم مريم، وفي شخص مريم أم عيسى، فهذا الربع كله تقريبا يتحدث في شخصهما عن الدرجة العليا عند الله والمكانة المرموقة عند الناس، اللتين تستطيع أن تصل إليهما المرأة، متى التزمت في سلوكها سيرة التقوى وطريق الصلاح.
وإذن فالمراد من آية ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾ إنما هو مجرد تقرير حقيقة فطرية وطبيعية، هي أن الله تعالى خلق الذكر لأمر، وخلق الأنثى لأمر آخر، وليس كل ما يمكن القيام به لأحدهما ممكنا للثاني، فطبيعتهما مختلفة، ومهمتهما متنوعة، وهما عنصران متكاملان، بحيث لا يكمل الذكر إلا بالأنثى، ولا تكمل الأنثى إلا بالذكر.
وهذا التكامل الضروري بينهما، الذي يحتاج إليه كل منهما يشمل جميع الجوانب، ولاسيما الجانب النفسي، والجانب الخلقي، والجانب الاجتماعي والتربوي الذي يرتبط به مصير النوع الإنساني عموما، ومصير الأسرة على الخصوص ﴿ يَاَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا، وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراَ وَنِسَاءً ﴾ -﴿ وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسكُمُ أَزوَاجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً ورَحمَةً ﴾ ومن هنا نستطيع أن نستشف ونكتشف سر الحكمة الإلهية في تكوين الأنثى تكوينا عضويا مختلف للتكوين العضوي الذي عليه الذكر، وذلك حتى يؤدي كل منهما في الحياة الوظيفة المعينة التي خصص لأدائها من عند الله.
ولو لم تكن في هذا التنويع حكمة مقصودة على الدوام والاستمرار، ولو كان الغرض إنشاء نوع متساو للقيام بوظائف عضوية واجتماعية واحدة لا تنويع فيها ولا اختلاف، لما عملت القدرة الإلهة على تصميم النوع الإنساني تصميما مختلفا، وعلى تكوين صنفين متغايرين من هذا النوع، هما نوع الذكر ونوع الأنثى، ولكان الإنسان كله إما ذكرا دون أنثى، أو أنثى دون ذكر، وهذا ما يخالف الفطرة ويناقض الحكمة تماما.
وقوله تعالى حكاية عن امرأة عمران بعدما وضعت ابنتها مريم ﴿ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( ٣٦ ) ﴾ فيه إشارة إلى ما ينبغي للأبوين من تحصين وليدهما بالدعاء الصالح والتوجيه الصالح، ابتداء من ساعة خروجه من بطن أمه، بحيث تكون تلك الفترة فترة ابتهاج وشكر لله، من جهة، وفترة ابتهال إلى الله ودعاء، من جهة أخرى.
وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه ) الحديث. ثم يقول أبو هريرة :( واقرؤوا إن شئتم : وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ).
وقوله تعالى حكاية عن زكرياء، كافل مريم في طفولتها، عندما دعا ربه بدوره ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء( ٣٨ ) ﴾ فيه توجيه لعباده المؤمنين حتى يملؤوا قلوبهم بمثل هذا الأمل والرجاء، وهو في نفس الوقت تنويه ( بالذرية الطيبة ) التي هي من نعم الله الكبرى الجديرة بالابتهال والدعاء، ومثل الرجل الذي لا ذرية له مثل الشجرة التي لا ثمرة لها.
غير أن الذرية المرغوبة والمطلوبة هي الذرية ( الطيبة ) كما في دعاء زكرياء، لا الذرية الخبيثة، " وطيب الذرية " مرجعه في أغلب الأحوال إلى طيب منبتها، أي إلى طيب الأسرة وحسن تربيتها، وإلى قدرتها على تحمل مسؤوليتها، من الوجهتين الروحية والمادية، الدينية والدنيوية، وإلا كانت الذرية نقمة لا نعمة، نقمة على نفسها أولا، ونقمة على أسرتها ثانيا، ونقمة على وطنها كله في نهاية الأمر، وعلى مثل هذا النوع من الذرية التي لا ينبغي أن يترك لها الحبل على الغارب ينطبق قوله تعالى :﴿ يَأيُّهَا الذِينَ امَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً ﴾ وذلك حتى لا يستشري فيها الفساد، ويضيع منها الرشاد، فينطبق عليها حينئذ قوله تعالى :﴿ إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولاَدِكُم عَدُواًّ لَكُم فاحذَرُوهُم ﴾.
ولب اللباب الذي تدور حوله القصة المفصلة في هذا الربع أمران أساسيان :
الأمر الأول : الرد على اليهود وإبطال ما اتهموا به مريم العذراء بنت عمران وأم عيسى، وذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ( ٤٢ ) ﴾ فإثبات القرآن الكريم لطهارة مريم إبطال لتهمة اليهود المغرضة، التي حاولوا إلصاقها بأم المسيح، ونقض لتهجمهم على عرضها من الأساس.
الأمر الثاني : الرد على النصارى، وتأكيد أن عيسى المسيح إنما هو ابن مريم وولدها، وليس ابن الله ولا ولده، كما يدعي النصارى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإثبات أن ولادة مريم لعيسى، دون أن يمسها بشر، أمر اقتضته حكمة الخالق البالغة، ونفذته قدرته الباهرة، التي لا يحدها حد ولا يقيدها قيد، وذلك قوله تعالى على لسان مريم نفسها ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٧ ) ﴾.
وسيأتي في الربع المقبل ما يوضح أن ولادة عيسى بهذه الطريقة ليس فيها ما يدعو إلى أي استغراب، فقد سبقتها سابقة أخرى أقدم وأروع وأعجب، وقد سلم بها الجميع، ولم يستغربها أحد من الناس، ألا وهي خلق آدم أب البشر، الذي خلقه الله دون أم ولا أب، فميلاد عيسى بن مريم من أم دون أب يعتبر أقل غرابة، وأبعد عن إثارة الدهشة بالنسبة إلى خلق آدم، وذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ﴾.
وهكذا يقف القرآن الكريم موقف الصدق والحق يرد لمريم العذراء اعتبارها، ويدفع عن عيسى بن مريم ما ألصقته به الخرافات والأساطير، فيغسل العار الذي ألحقه اليهود بمريم، ويرفع الوهم الذي ألحقه النصارى بعيسى ابن مريم، والظلم الذي ألحقوه بمقام العلي الأعلى، إذ جعلوا له الشريك والولد، وهو سبحانه ﴿ لَم يَلِد وَلَم يُولَد، وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُؤاً أَحَدٌ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:وقوله تعالى حكاية عن زكرياء، كافل مريم في طفولتها، عندما دعا ربه بدوره ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء( ٣٨ ) ﴾ فيه توجيه لعباده المؤمنين حتى يملؤوا قلوبهم بمثل هذا الأمل والرجاء، وهو في نفس الوقت تنويه ( بالذرية الطيبة ) التي هي من نعم الله الكبرى الجديرة بالابتهال والدعاء، ومثل الرجل الذي لا ذرية له مثل الشجرة التي لا ثمرة لها.
غير أن الذرية المرغوبة والمطلوبة هي الذرية ( الطيبة ) كما في دعاء زكرياء، لا الذرية الخبيثة، " وطيب الذرية " مرجعه في أغلب الأحوال إلى طيب منبتها، أي إلى طيب الأسرة وحسن تربيتها، وإلى قدرتها على تحمل مسؤوليتها، من الوجهتين الروحية والمادية، الدينية والدنيوية، وإلا كانت الذرية نقمة لا نعمة، نقمة على نفسها أولا، ونقمة على أسرتها ثانيا، ونقمة على وطنها كله في نهاية الأمر، وعلى مثل هذا النوع من الذرية التي لا ينبغي أن يترك لها الحبل على الغارب ينطبق قوله تعالى :﴿ يَأيُّهَا الذِينَ امَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً ﴾ وذلك حتى لا يستشري فيها الفساد، ويضيع منها الرشاد، فينطبق عليها حينئذ قوله تعالى :﴿ إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولاَدِكُم عَدُواًّ لَكُم فاحذَرُوهُم ﴾.
ولب اللباب الذي تدور حوله القصة المفصلة في هذا الربع أمران أساسيان :
الأمر الأول : الرد على اليهود وإبطال ما اتهموا به مريم العذراء بنت عمران وأم عيسى، وذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ( ٤٢ ) ﴾ فإثبات القرآن الكريم لطهارة مريم إبطال لتهمة اليهود المغرضة، التي حاولوا إلصاقها بأم المسيح، ونقض لتهجمهم على عرضها من الأساس.
الأمر الثاني : الرد على النصارى، وتأكيد أن عيسى المسيح إنما هو ابن مريم وولدها، وليس ابن الله ولا ولده، كما يدعي النصارى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإثبات أن ولادة مريم لعيسى، دون أن يمسها بشر، أمر اقتضته حكمة الخالق البالغة، ونفذته قدرته الباهرة، التي لا يحدها حد ولا يقيدها قيد، وذلك قوله تعالى على لسان مريم نفسها ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٧ ) ﴾.
وسيأتي في الربع المقبل ما يوضح أن ولادة عيسى بهذه الطريقة ليس فيها ما يدعو إلى أي استغراب، فقد سبقتها سابقة أخرى أقدم وأروع وأعجب، وقد سلم بها الجميع، ولم يستغربها أحد من الناس، ألا وهي خلق آدم أب البشر، الذي خلقه الله دون أم ولا أب، فميلاد عيسى بن مريم من أم دون أب يعتبر أقل غرابة، وأبعد عن إثارة الدهشة بالنسبة إلى خلق آدم، وذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ﴾.
وهكذا يقف القرآن الكريم موقف الصدق والحق يرد لمريم العذراء اعتبارها، ويدفع عن عيسى بن مريم ما ألصقته به الخرافات والأساطير، فيغسل العار الذي ألحقه اليهود بمريم، ويرفع الوهم الذي ألحقه النصارى بعيسى ابن مريم، والظلم الذي ألحقوه بمقام العلي الأعلى، إذ جعلوا له الشريك والولد، وهو سبحانه ﴿ لَم يَلِد وَلَم يُولَد، وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُؤاً أَحَدٌ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:وقوله تعالى حكاية عن زكرياء، كافل مريم في طفولتها، عندما دعا ربه بدوره ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء( ٣٨ ) ﴾ فيه توجيه لعباده المؤمنين حتى يملؤوا قلوبهم بمثل هذا الأمل والرجاء، وهو في نفس الوقت تنويه ( بالذرية الطيبة ) التي هي من نعم الله الكبرى الجديرة بالابتهال والدعاء، ومثل الرجل الذي لا ذرية له مثل الشجرة التي لا ثمرة لها.
غير أن الذرية المرغوبة والمطلوبة هي الذرية ( الطيبة ) كما في دعاء زكرياء، لا الذرية الخبيثة، " وطيب الذرية " مرجعه في أغلب الأحوال إلى طيب منبتها، أي إلى طيب الأسرة وحسن تربيتها، وإلى قدرتها على تحمل مسؤوليتها، من الوجهتين الروحية والمادية، الدينية والدنيوية، وإلا كانت الذرية نقمة لا نعمة، نقمة على نفسها أولا، ونقمة على أسرتها ثانيا، ونقمة على وطنها كله في نهاية الأمر، وعلى مثل هذا النوع من الذرية التي لا ينبغي أن يترك لها الحبل على الغارب ينطبق قوله تعالى :﴿ يَأيُّهَا الذِينَ امَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً ﴾ وذلك حتى لا يستشري فيها الفساد، ويضيع منها الرشاد، فينطبق عليها حينئذ قوله تعالى :﴿ إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولاَدِكُم عَدُواًّ لَكُم فاحذَرُوهُم ﴾.
ولب اللباب الذي تدور حوله القصة المفصلة في هذا الربع أمران أساسيان :
الأمر الأول : الرد على اليهود وإبطال ما اتهموا به مريم العذراء بنت عمران وأم عيسى، وذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ( ٤٢ ) ﴾ فإثبات القرآن الكريم لطهارة مريم إبطال لتهمة اليهود المغرضة، التي حاولوا إلصاقها بأم المسيح، ونقض لتهجمهم على عرضها من الأساس.
الأمر الثاني : الرد على النصارى، وتأكيد أن عيسى المسيح إنما هو ابن مريم وولدها، وليس ابن الله ولا ولده، كما يدعي النصارى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإثبات أن ولادة مريم لعيسى، دون أن يمسها بشر، أمر اقتضته حكمة الخالق البالغة، ونفذته قدرته الباهرة، التي لا يحدها حد ولا يقيدها قيد، وذلك قوله تعالى على لسان مريم نفسها ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ( ٤٧ ) ﴾.
وسيأتي في الربع المقبل ما يوضح أن ولادة عيسى بهذه الطريقة ليس فيها ما يدعو إلى أي استغراب، فقد سبقتها سابقة أخرى أقدم وأروع وأعجب، وقد سلم بها الجميع، ولم يستغربها أحد من الناس، ألا وهي خلق آدم أب البشر، الذي خلقه الله دون أم ولا أب، فميلاد عيسى بن مريم من أم دون أب يعتبر أقل غرابة، وأبعد عن إثارة الدهشة بالنسبة إلى خلق آدم، وذلك قوله تعالى ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ﴾.
وهكذا يقف القرآن الكريم موقف الصدق والحق يرد لمريم العذراء اعتبارها، ويدفع عن عيسى بن مريم ما ألصقته به الخرافات والأساطير، فيغسل العار الذي ألحقه اليهود بمريم، ويرفع الوهم الذي ألحقه النصارى بعيسى ابن مريم، والظلم الذي ألحقوه بمقام العلي الأعلى، إذ جعلوا له الشريك والولد، وهو سبحانه ﴿ لَم يَلِد وَلَم يُولَد، وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُؤاً أَحَدٌ ﴾.


الربع الثالث من الحزب السادس
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:في هذا الربع من سورة آل عمران وصف لموقف بني إسرائيل من نبيهم الجديد عيسى بن مريم، وإشارة إلى موقفه منهم عند وداعه لهم الوداع الأخير ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾.
وفيه أيضا تنظير وتمثيل لعيسى بآدم عليهما السلام، وفيه إشارة إلى مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بعد مناظرته لهم في شأن عيسى المسيح وأمه مريم العذراء، وإقامته الحجة عليهم، وإظهار ما آلت إليه عقيدتهم من تحريف وفساد ﴿ فَقُل تَعاَلَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم ونِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ( ٦١ ) ﴾.
وفيه دعوة عامة إلى جميع أهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم للدخول في الإسلام، الذي هو الدين الوحيد العام، والتنازل عن جميع الفوارق والخرافات والأوهام.
وفيه علاوة على ذلك-عودا على بدء-حديث جديد عن إبراهيم الخليل، وبراءته من اليهودية والنصرانية، فضلا عن الشرك والوثنية، وإثبات سند الإسلام المتصل بإبراهيم ورسالته، وكون الإسلام مجرد تجديد وإحياء لملته ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ( ٦٧ ) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( ٦٨ ) ﴾
والآن فلنوضح ما يسمح به الوقت من الآيات البينات.
فقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ﴾ جاء عقب الإشارة إلى أن الله قد بعثه إلى بني إسرائيل رسولا مصدقا لما بين يديه من التوراة، وليحل لهم، رحمة بهم، بعض الذي كان قد حرم عليهم قبل بعثته، مما وقع تحريمه عليهم عقابا لهم وتأديبا.
وقد أشارت الآيات السابقة في آخر الربع الماضي إلى المعجزات التي أيد الله بها عيسى، مما هو متناسب ومنسجم مع طبيعة المعجزة التي برزت في ميلاده من أم عذراء وبغير أب ﴿ وأُبرئ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.
غير أن جميع هذه الدلائل التي جاء بها عيسى على قوتها لم تؤثر في عقول بني إسرائيل، ولم تزعزعهم عن موقف التعصب والعناد إزاء عيسى ورسالته ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( ٥٤ ) ﴾ فلم يلبث عيسى عليه السلام أن أحس منهم الكفر وأخذ يبحث عمن يناصره ويسانده، لا جبنا ولا خوفا، ولكن ليجد عونا على تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وذلك هو قوله تعالى على لسان عيسى وحكاية عنه :( قال : مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ ؟ )
فما كان من العناية الإلهية إلا أن وفقت فريقا منهم للإيمان بعيسى، كما وفقت الأنصار من الأوس والخزرج إلى بيعة رسول الله ومناصرته في السراء والضراء، وطاعته في المنشط والمكره، وذلك قوله تعالى حكاية عن حواريي عيسى ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، ( ٥٢ ) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾.
فها هنا نضع اليد مرة أخرى على الوحدة القائمة بين رسالات الرسل ومواقف أتباعهم الصادقين، ونجد هذه الوحدة بارزة حتى في الألقاب والأسماء والاصطلاحات، فأتباع عيسى عليه السلام يسميهم القرآن ( أنصارا ) كما سمى أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه على النصرة، من الأوس والخزرج، أنصارا﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ ﴾
وكما نسمي نحن أنفسنا ( مسلمين ) فقد سمى الحواريون أنفسهم بنفس الاسم، إبرازا للصفة المهيمنة على حياة المؤمنين، والموجهة لهم في جميع أعمالهم وتصرفاتهم، ألا وهي صفة الطاعة المطلقة، والامتثال الكامل، والتسليم لتوجيهات الله وتعليماته في تدبير شؤونهم الخاصة والعامة، دون مناقشة منهم ولا اعتراض ولا تمرد ﴿ آمَنَّا باللهِ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾.
وكما أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بمجرد الإيمان القلبي والاعتقاد النظري الصرف، بل يطالبهم بإظهار شعائره، وتطبيق شرائعه، وإلا كان لهم من الإسلام مجرد الاسم، فإن حواريي عيسى الذين عرفوا حقيقة رسالته، وأدركوا طبيعتها على وجهها، أكدوا هذا المعنى الحيوي الذي يستلزمه مقتضى الإسلام، وسجلوه كما حكى الله عنهم قالوا لنبيهم ﴿ واشهَد بِأنّا مُسلِمُونَ ﴾
ثم اتجهوا إلى الخالق سبحانه وتعالى مؤكدين نفس المعنى قائلين فيما حكى عنهم القرآن الكريم :﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ واتَّبَعنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( ٥٣ ) ﴾ فاتباع المؤمنين لرسولهم، وتطبيقهم لشريعته على حياتهم اليومية الخاصة والعامة، هو وحده البرهان الناطق على قوة إيمانهم، وهو وحده المعيار الصحيح لصدق عقيدتهم، وهو وحده الأساس الذي تبنى عليه الشهادة لهم بأنهم من المسلمين، والذي يسجلون على أساسه في عداد ( الشاهدين ).
ولذلك كانت ( الشهادة ) مما بني عليه الإسلام، بل هي أول ما بني عليه كما قال صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ).
ولذلك كانت الشهادة أيضا عنصرا ضروريا في الأذان إلى الصلاة وعند إقامتها، ولذلك أيضا خصص من الصلاة جزء للتشهد فيها، فالتشهد تعبير دائم ونطق صريح شبيه بالأمر اليومي الذي تصدره قيادة الجيش إلى القوات العاملة فيه، مضمونه أن المؤمن المتشهد مقتنع كل الاقتناع بدينه، ملتزم له فكرا وقولا وعملا، وأنه مرتبط بإلهه ونبيه ارتباطا مستمرا، وأنه معتز بهذا الارتباط، وأنه مفتخر بهذا الانتساب وهذا الالتزام، أمام العالم أجمع، بما فيه من مسلمين وغير مسلمين، وإذا كانت الشهادة بمعناها العادي تتضمن اقتناع الشاهد بمحتواها، وحرصه التام على إبرازها وعدم كتمانها، وامتناعه من إدخال أي تبديل أو تغيير عليها، فما بالك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، التي هي أم الشهادات جميعا ؟
وقوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ دعوة لأهل الكتاب على اختلاف كتبهم ومللهم أولا، ولغيرهم ثانيا، إلى الاجتماع والاتحاد والدخول في حظيرة الإسلام، إذ إنه هو الدين الوحيد المتسلسل، عن طريق الوحي المنزل، إلى كافة الأنبياء والرسل، الذي يجب أن تجتمع عليه الكلمة، دون تفرقة في عقائده، ولا تفاوت بين أتباعه، بل على أساس الوحدة الروحية والإنسانية المجردة، والإجماع على الاعتراف بسلطة الله العليا وبتوجيهه الأسمى، ووضعها فوق كل سلطة وفوق كل توجيه، ثم تحرير عباد الله، من كل تبعية البشر، فمن أجابها فاز بالحسنى، ومن أهملها سقطت حجته وكان مسؤولا عن إهماله أمام الله ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( ٦٤ ) ﴾.

الربع الأخير من الحزب السادس
في المصحف الكريم
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
أما الأمانة المتعلقة بشؤون الدنيا فيشير إليها قوله تعالى :﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( ٧٥ ) ﴾
وهذه الآية الكريمة تصف في الأصل حال الكتابيين الذين كانوا يعايشون المسلمين بالمدينة وما حولها، وتبين أنهم ليسوا أهلا لثقة المسلمين، ولا أهلا لائتمانهم، إذ إن أولئك الكتابيين في مجموعهم لا يلتزمون جميعا الأمانة في معاملاتهم مع المسلمين، بل فيهم من يلتزمها حتى في المبلغ الكبير كالقنطار من الذهب والفضة، وفيهم من لا يلتزمها ولو في المبلغ الزهيد كالدينار الواحد وما ماثله.
وعدم التزام فريق منهم للأمانة يجعلهم جميعا عرضة للشك والريب، حيث لا يدري الذي يتعامل معهم هل أنه يتعامل مع أمين أو مع خائن، إذن فالأولى والأفضل للمسلمين، وهم في بداية تنظيم المجتمع الإسلامي وإقامة دعائم الدولة الإسلامية، أن لا يعرضوا أموالهم لخطر، وأن يكتفوا بالتعامل فيما بينهم، وأن يتركوا التعامل مع الكتابيين بالمرة.
وتأكيدا لهذا التوجه الإسلامي أشار كتاب الله إلى أن الكتابيين الذين لا يلتزمون الأمانة في معاملاتهم اختلقوا لذلك عذرا دينيا ومبررا شرعيا يبررون به خيانتهم للمسلمين، ألا وهو أن الأمانة الواجبة في المعاملات إنما تجب على أهل الكتاب فيما بينهم بعضهم مع بعض، لا فيما بينهم وبين غيرهم من المسلمين، وجاءت تسمية المسلمين على لسان أولئك الكتابيين في هذه الآية باسم ( الأميين ) وهم يقصدون بذلك من لم ينزل عليهم كتاب من عند الله، مما يبين استمرار عنادهم وإصرارهم على إنكار رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإنكار الوحي المنزل عليه، وبذلك قرروا أن أكلهم أموال المسلمين ليس بظلم، وإنما هو الحلال الطيب ﴿ ذّلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيسَ عَلَينَا فِي الأمِّيينَ سَبِيلٌ ﴾.
غير أن كتاب الله عاد على دعواهم بالنقض والإبطال، وبين أن الأمانة في المعاملة واجب ديني عليهم بالنسبة لجميع الناس، لا بالنسبة إليهم فيما بينهم وحدهم دون بقية الناس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وهُم يَعلَمُونَ( ٧٥ ) ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
وغني عن البيان أن استنكار القرآن الكريم لعدم التزام الأمانة في المعاملات لا يقتصر على أهل الكتاب دون من سواهم، بل يشملهم ويشمل غيرهم، وهذا هو السر في التعقيب بعد ذلك بالمبدأ العام الذي قرره الدستور القرآني الخالد، إذ قال ﴿ بَلَى مَن أَوفَى بِعَهدِهِ واتَّقى فَإنَّ اللهَ يُحِبُ المُتَّقِينَ( ٧٦ ) ﴾ وفي القرآن الكريم آيات متعددة تحض على الأمانة وتدعو إليها سيأتي التعليق عليها في مكانها إن شاء الله، منها قوله تعالى ﴿ إنَّ الله يَأمرُكُم أن تُودُّوا الأمَانَاتِ إلَى أَهلِهَا ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
ومما يتصل بموضوع الأمانة وبضدها الذي هو الخيانة ما يستعمله التجار لترويج تجارتهم من الأيمان الكاذبة، وقد كان ذلك شائعا بين تجار اليهود، واقتدى بهم غيرهم، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٧٧ ) ﴾.
فهنا يتصدى كتاب الله بالتوبيخ والإنذار للتجار المستغلين من أجل تلاعبهم بمصالح المؤمنين، ويبين لهم العقوبات الإلهية القاسية التي تنتظرهم في الدنيا والآخرة، جزاء تطاولهم على الله، وتلاعبهم باسمه الأقدس، وحلفهم الأيمان الفاجرة، من أجل ربح يحاولون الحصول عليه، وهو في الحقيقة منتهى الخسارة لهم، ومنتهى البوار لتجارتهم.
فقوله تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ﴾ معناه أنهم لا نصيب لهم في الجنة، وقوله تعالى ﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ ﴾ معناه أنهم سيكونون محل السخط والغضب والهوان، لدى الملك الديان، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ معناه لا يرحم ضراعتهم، ولا يقبل إغاثتهم، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ﴾ معناه أنه يتركهم على ما حشروا عليه من أدناس ذنوبهم وأوساخها، وهل بعد هذا العقاب على خيانة الأمانة واستغلال اسم الله الأقدس في الأيمان الفاجرة، من أجل تجارة خاسرة، عقاب أكبر وأخطر، ثم يأتي ختام هذه الآية بقوله تعالى :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي لهم عذاب مؤلم وموجع، وذلك زيادة في تأكيد العقوبات التي فصلتها الآية وأوضحتها، حتى يتجنبها من يريد لنفسه النجاة والخلاص. روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة يشنؤهم الله : التاجر الحلاف، والفقير المحتال، والبخيل المنان ).
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
وأما الأمانة المتعلقة بشؤون الدين فيشير إليها قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( ٧٨ ) ﴾ فهذه الآية تشير إلى استنكار الإسلام لما تواطأ عليه أحبار اليهود ورهبان النصارى من الزور والبهتان، فكم من عقائد سليمة حرفوها عن أصلها، وكم من عقائد باطلة وشعائر فاسدة أدمجوها في صلب الدين وليست منه، وكم من شرائع غيروها وبدلوها ترضية للأهواء والشهوات، وكشف كتاب الله عن تضليلهم وتزويرهم النقاب، فبين أن فريقا منهم ( يلوون ألسنتهم بالكتاب )، أي يتمتمون بعض الفقرات والجمل أمام أتباعهم، إيهاما لهم بأن ما يتمتمون به قول صحيح وارد في كتاب الله، لا مجرد قول من أقوالهم، وأنه من عند الله لا من عندياتهم.
ولا حاجة على التنبيه على أن ما استنكره القرآن الكريم من تحريف أحبار اليهود ورهبان النصارى للدين وتزييفهم للكتب المنزلة، وتقولهم على الله ما لم يقل، ومن استغلالهم للشعور الديني استغلالا فاحشا في سبيل أغراضهم وشهواتهم، وتضليل البسطاء من أتباعهم، كلها أمور لا يقبلها الله تعالى من أي أحد من علماء المسلمين، فالعالم المسلم يجب عليه أن يحتاط كل الاحتياط من الوقوع في المزالق، ويجب عليه أن يحرص كل الحرص على حفظ أمانة العلم الشريف، وأن يصونها-مهما كلفه الأمر- من التحريف والتزييف، وإلا حقت عليه كلمة العذاب، واندرج في زمرة من ﴿ يقولون على الله الكذب ﴾ بنص الكتاب.
وفي ختام هذا الحديث ينبغي لفت النظر إلى ما ذكره ( ابن العربي ) المعافري أثناء تفسيره لهذه الآيات في كتابه ( أحكام القرآن ) إذ قال ما نصه : " فائدتها-أي فائدة هذه الآية-النهي عن ائتمانهم على " مال " -يقصد أهل الكتاب-ثم زاد ابن العربي قائلا : وقال شيخنا أبو عبد الله العربي : فائدتها ألا يؤتمنوا على " دين " يدل عليه ما بعده من قوله ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ فأراد أن لا يؤتمنوا على نقل شئ من التوراة والإنجيل.
قال القاضي : " والصحيح عندي أنها في المال نص، وفي الدين سنة، فأفادت المعنيين لهذين الوجهين " انتهى كلام القاضي أبي بكر ( ابن العربي ).
وإذا كان أهل الكتاب لا يؤتمنون على التوراة والإنجيل، فيكون من باب أولى وأحرى أن لا يؤتمنوا على القرآن، كما هو الشأن في غلاة المستشرقين والرهبان، الذين تجب محاربة أرائهم الفاسدة، والوقوف في وجه انتشارها بين شبان المسلمين في مختلف البلدان.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
هذا الربع من سورة آل عمران يمس عدة موضوعات حيوية، من العبادات والمعاملات، ففي آياته البينات إشارة إلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدنيا، وإلى موضوع الأمانة بالنسبة لشؤون الدين، وفي آياته تحديد وتوكيد لما نادى به القرآن الكريم من إعفاء البشر من كل شيء زائد على العبودية لله، ومن تحريرهم من كل أنواع العبودية الأخرى التي تعارف عليها الناس لسواه ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ﴾.
وفي آياته تعريف للمؤمنين بما أخذه الله على النبيين السابقين، من ميثاق الإيمان والنصرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( ٨١ ) ﴾.
وفي آياته توضيح جديد لمعنى الإسلام، وإثبات أنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يرْجَعُونَ( ٨٣ ) ﴾- ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٨٥ ) ﴾.
وفي آياته إشارة إلى ما قد يصيب بعض ضعفاء الإيمان من ردة بعد إيمانهم تتبعها التوبة قبل الموت، أو يعقبها الإصرار عليها إلى حين الموت
﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِم ﴾ - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ، ( ٩٠ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾.
الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.


ولنأخذ الآن في إلقاء نظرة فاحصة على جملة من الآيات البينات في هذا الربع :
يقول الله تعالى :﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( ٩٩ ) ﴾ فهاهنا تنطق الآية الكريمة بما يضعه خصوم الإسلام في طريق انتشاره من العراقيل، وما يبثون ضده من الدعايات الباطلة، إذ يضربون من حوله سورا حديديا لا يستطيع أن يتخطاه المعجبون به والراغبون فيه، بل إن هذه الآية لتنطق بما هو أنكى وأشد، ألا وهو محاولة خصوم الإسلام أن يصدوا عنه ويخرجوا من حظيرته نفس المؤمنين الذين سبق لهم الإيمان به، فهم لا يحولون بين الإسلام وبين من لم يسلم بالمرة، بل إنهم يطمعون في إخراج المسلمين أنفسهم من دائرة الإسلام، ويحاولون ذلك عمليا، لا تمنيا، هذا وهم يعرفون أن الإسلام دين الحق والصدق، ولكنهم قوم بهت جبلوا على التضليل والتزييف والتعصب، وهم لا يفترون عن محاولاتهم المسمومة في الأوساط الإسلامية منذ اليوم الأول، ولعل ذلك هو السر في التعقيب بقوله تعالى مخاطبا لخصوم الإسلام :﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ( ٩٩ ) ﴾.
على أن هذا التعقيب فيه إيماء وإشارة إلى ما يلزم المسلمين من اليقظة والحذر، وعدم الغفلة عن دسائس خصوم الإسلام ومؤامراتهم ومحاولاتهم المضللة، وأساليبهم الملتوية، التي يرمون من ورائها إلى قتل الروح الإسلامية في نفوس المسلمين، وإلى تجريد حياتهم من كل المعاني والقيم الإسلامية، وإلى جعل المسلمين أشباحا بدون أرواح، وإلى إفراغ الإسلام من محتواه الإعتقادي، ومحتواه الشرعي، ومحتواه الأخلاقي، ومحتواه الاجتماعي، حتى يصبح دين الإسلام مجرد شبح من الأشباح ووهم من الأوهام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.


ثم يقول الله تعالى مخاطبا ومحذرا للمؤمنين، حكاما ومحكومين رؤساء ومرؤوسين، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ( ١٠٠ ) ﴾ فهذه الآية قول صدق وحق نطق به الحق سبحانه وتعالى، بحيث لا يحتمل معناها عند المؤمن بربه أدنى شك ولا ريب، وهي تعلن صراحة وبدون حجاب أن فريقا من أهل الكتاب يحاولون أن يجروا المسلمين إلى ما هم عليه من الآراء والأوضاع، وأنهم يستدرجون المسلمين إلى الثقة بهم، وإلى متابعتهم والسير في ركابهم، وإغرائهم بالدخول في طاعتهم، التي هي أكبر معصية يعصى بها الله، وليس ضروريا أن تكون الطاعة هنا طاعة المحكوم للحاكم والمغلوب للغالب، فهناك طاعة أخطر منها وأشد وقعا، هي طاعة القلب المظلم، الذي يمتلئ بحب الكفر والإعجاب بأهله، وطاعة الضمير الميت، الذي يتنكر للإسلام، ولا يتحرك للغيرة عليه أو الدفاع عنه.
فهذه الطاعة المعنوية التي تستولي على المشاعر، وتسخر الفكر والإرادة والضمير تسخيرا أعمى لصالح الكفر وأهله، هي التي تجعل من المؤمن كافرا بعد إيمانه، وهي التي تنقله من بيئة الإسلام إلى بيئة الكفر نقلة نهائية لا رجعة بعدها، حيث لا يتنفس الصعداء، ولا يحس بالانسجام والوئام إلا مع إخوانه الكافرين، وإن كان يحمل زورا وبهتانا " اسم محمد وأحمد " في مجتمع المسلمين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.


وبعدما سجل القرآن الكريم هذه الظاهرة الغريبة، وحذر المؤمنين من هذا الخطر البالغ فقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ( ١٠٠ ) ﴾ عاد مرة أخرى إلى أولئك المرتدين عن الإيمان، أو الذين هم في طريق الارتداد، يوجه إليهم خطابه، ويحذرهم عذابه، في لهجة من الاستنكار والتعجب والاستغراب، يتأثر لها أولو الألباب، فقال تعالى ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ أي ما هو الشيء الذي يبرر كفركم وآيات الله تتلى عليكم شهادة ناطقة، تفصل بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، وفيكم رسول الله يبين لكم العقائد الصحيحة من العقائد الباطلة، والشعائر السافلة من الشعائر الفاضلة، والشرائع العادلة من الشرائع الظالمة. على أنه إذا غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه، فإن كتاب الله الذي أنزل عليه حاضر أبدا لا يغيب، وناطق دائما لا يصمت، وشاهد في كل وقت لا يكذب.
ثم عقبت الآية على ذلك كله بقوله تعالى :﴿ وَمَن يَّعتَصِم باللهِ فَقَد هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ( ١٠١ ) ﴾ أي أن من التزم دين الله واهتدى بكتابه وتمسك بعهده كل التمسك، كان مضمون الهداية مضمون التوفيق، إذ إن نور الله يسعى بين يديه يسدده في خطواته، ويوجه حركاته وسكناته، وهذا المعنى يقتضي بحكم المفهوم أن من لم يعتصم بالله لا بد أن يفقد الهداية والنور، وأن تحيط به الظلمات من كل جانب، ظلمات بعضها فوق بعض، ﴿ ومَن لَّم يَجعَل اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ وذلك هو ما أشار إليه الأثر الوارد في فضائل القرآن ( من ابتغى الهدى في غيره أضله الله ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.


ويقول الله تعالى :﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾ ويقول سبحانه ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾،
هذه الآيات من سورة آل عمران تعالج موضوعا حيويا وجوهريا في الإسلام، قد عالجه القرآن الكريم وجدد القول في شأنه في عدة آيات وفي عدة سور، إذ به فضل الله المسلمين على غيرهم من الأمم، ألا وهو موضوع القيام بالدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قام الإسلام من أول نشأته على الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الخير بكافة وجوهه وبجميع أصنافه، وهذه الدعوة مترتبة في ذمم المسلمين وفي أعناقهم، عليهم واجب القيام بها في كل عصر نحو أنفسهم ونحو الناس أجمعين، ولا يعفيهم منها ولا يسمح لهم بالتقصير فيها أي شئ.
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو واجب جماعي على كافة المسلمين، بحيث يقوم به كل من استطاع منهم في دائرة المحيط الداخل تحت إشرافه، والذي له عليه سلطة ونفوذ، فعلى الأب أن يأمر أبناءه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى الزوج أن يأمر أهله وخدم بيته بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى المعلم أن يأمر تلامذته، والأستاذ أن يأمر طلابه، والشيخ أن يأمر مريديه، والعالم أن يأمر مستمعيه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى التاجر والصانع والعامل وصاحب العمل أن يأمر كل منهم بالمعروف وينهى عن المنكر، وهكذا كل في دائرة اختصاصه ومنطقة نفوذه، من أبسط شخص في الأمة إلى أقوى واحد فيها.
غير أن من وضع الله في أيديهم مقاليد الحكم، ومكنهم من زمام السلطة التنفيذية الفعلية، وبسط سلطانهم على الرقاب والأموال والأملاك بالحق من أمراء المؤمنين وولاة المسلمين، يقع عليهم أكبر عبء وأعظم مسؤولية في الزجر عن المناكر، إذ هم أقدر المسلمين جميعا على إحياء المعروف وإماتة المنكر، وهم الذين قيل في مثلهم ما جاء في الأثر :" إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن "، ومعنى هذا أن هناك أفرادا متمردين على الله لا تؤثر فيهم الموعظة الحسنة بالقرآن، وإنما يؤثر فيهم العقاب الرادع على يد السلطان.
وسوط العقاب على المنكر والوقوف في وجهه إنما يضعه قانون الإسلام، بصفته منبعا للاستقرار والنظام، في يد أمير المؤمنين وحده، ثم في أيدي أعوانه وخدامه من الولاة المتقين، لا سيما ولاة الحسبة المختصين، لكن بإذنه وأمره، ودون افتيات عليه، فهو وحده الذي يملك من بين المسلمين حق إيقاف المنكر بالقوة، ومتابعة أهله بالعقاب، حماية للملة، وصيانة للأمة.
قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) في تفسير هذه الآيات ما نصه :" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).
وفي هذا الحديث من غريب الفقه أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في البيان بالخير في الفعل، وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يبدأ باللسان والبيان، فإن لم يكن فباليد، يعني أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه، بنزعه عنه، وبجذبه منه، فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه، وذلك إنما هو الفتنة، وآئلا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعني بقوله ( وذلك أضعف الإيمان ) أنه ليس وراءه في التغيير درجة. انتهى المقصود منه والمراد، وعلى الله الاعتماد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٤:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.


ويقول الله تعالى :﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾ ويقول سبحانه ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾،
هذه الآيات من سورة آل عمران تعالج موضوعا حيويا وجوهريا في الإسلام، قد عالجه القرآن الكريم وجدد القول في شأنه في عدة آيات وفي عدة سور، إذ به فضل الله المسلمين على غيرهم من الأمم، ألا وهو موضوع القيام بالدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قام الإسلام من أول نشأته على الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الخير بكافة وجوهه وبجميع أصنافه، وهذه الدعوة مترتبة في ذمم المسلمين وفي أعناقهم، عليهم واجب القيام بها في كل عصر نحو أنفسهم ونحو الناس أجمعين، ولا يعفيهم منها ولا يسمح لهم بالتقصير فيها أي شئ.
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو واجب جماعي على كافة المسلمين، بحيث يقوم به كل من استطاع منهم في دائرة المحيط الداخل تحت إشرافه، والذي له عليه سلطة ونفوذ، فعلى الأب أن يأمر أبناءه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى الزوج أن يأمر أهله وخدم بيته بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى المعلم أن يأمر تلامذته، والأستاذ أن يأمر طلابه، والشيخ أن يأمر مريديه، والعالم أن يأمر مستمعيه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وعلى التاجر والصانع والعامل وصاحب العمل أن يأمر كل منهم بالمعروف وينهى عن المنكر، وهكذا كل في دائرة اختصاصه ومنطقة نفوذه، من أبسط شخص في الأمة إلى أقوى واحد فيها.
غير أن من وضع الله في أيديهم مقاليد الحكم، ومكنهم من زمام السلطة التنفيذية الفعلية، وبسط سلطانهم على الرقاب والأموال والأملاك بالحق من أمراء المؤمنين وولاة المسلمين، يقع عليهم أكبر عبء وأعظم مسؤولية في الزجر عن المناكر، إذ هم أقدر المسلمين جميعا على إحياء المعروف وإماتة المنكر، وهم الذين قيل في مثلهم ما جاء في الأثر :" إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن "، ومعنى هذا أن هناك أفرادا متمردين على الله لا تؤثر فيهم الموعظة الحسنة بالقرآن، وإنما يؤثر فيهم العقاب الرادع على يد السلطان.
وسوط العقاب على المنكر والوقوف في وجهه إنما يضعه قانون الإسلام، بصفته منبعا للاستقرار والنظام، في يد أمير المؤمنين وحده، ثم في أيدي أعوانه وخدامه من الولاة المتقين، لا سيما ولاة الحسبة المختصين، لكن بإذنه وأمره، ودون افتيات عليه، فهو وحده الذي يملك من بين المسلمين حق إيقاف المنكر بالقوة، ومتابعة أهله بالعقاب، حماية للملة، وصيانة للأمة.
قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) في تفسير هذه الآيات ما نصه :" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ).
وفي هذا الحديث من غريب الفقه أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في البيان بالخير في الفعل، وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يبدأ باللسان والبيان، فإن لم يكن فباليد، يعني أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه، بنزعه عنه، وبجذبه منه، فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه، وذلك إنما هو الفتنة، وآئلا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعني بقوله ( وذلك أضعف الإيمان ) أنه ليس وراءه في التغيير درجة. انتهى المقصود منه والمراد، وعلى الله الاعتماد.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:الربع الأول من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في هذا الربع من سورة آل عمران تتناول الآيات الكريمة موضوع الإنفاق والبر﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وموضوع الحلال والحرام من الأطعمة بالنسبة لبني إسرائيل ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾ وموضوع ملة إبراهيم ومقام إبراهيم ﴿ قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾-﴿ مَّقّامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ وموقف أهل الكتاب
من الإسلام وأتباعه، رغما عن كونه هو نفس الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم، ثم تتناول آيات هذا الربع وجوب الاعتصام بالإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا ﴾-﴿ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ( ١٠٢ ) ﴾. كما تتناول وصف الأمة التي تدعو إلى الخير، والتي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ١٠٤ ) ﴾. وتتناول أيضا ذم التفرق والاختلاف ﴿ ولاَ تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نعمَة اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُمُ أَعدَاءً فَألَّف بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَاناً ﴾- ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾، كما تنبه الآيات الكريمة إلى ما ينال المسلمين من أذى أهل الكتاب ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ وإلى ما يناله المسلمون من نصر عليهم وغلبة لهم في النهاية ﴿ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ( ١١١ ) ﴾.

الربع الثاني من الحزب السابع
في المصحف الكريم
يبتدئ هذا الربع من سورة آل عمران بوصف طائفة من أهل الكتاب لم تسلك مسلك العناد والجحود الذي سلكته بقية الطوائف، بل انفصلت عنها انفصالا تاما، وتنازلت عما كانت تعيش عليه من الأساطير والأوهام، وآمنت عن اقتناع وإخلاص برسالة الإسلام، ولم تلبث هذه الطائفة أن وجدت في دين الإسلام الحق ما يستجيب لرغباتها، ويستثمر جميع طاقاتها فرديا واجتماعيا، فمن تلاوة لكتاب الله تلاوة تدبر واعتبار، ولا سيما في لحظات السكون والهدوء خلال فترات الليل، ومن عبادة الله ومناجاة مقامه الأقدس، ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قياما بنشر الدعوة الإسلامية، ومساهمة في إصلاح المجتمع، وتطبيقا للمنهج الإسلامي على الحياة اليومية التي يحياها الناس، ومن قيام بأعمال البر وتسابق على مساعي الخير على اختلاف وجوهها، وذلك قوله تعالى في وصف هذه الطائفة تنويها بها، وتقديرا لموقفها ﴿ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، ( ١١٣ ) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ( ١١٤ ) ﴾.
وقوله تعالى عنهم :﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ هو مفتاح الانقلاب الروحي والنفسي الذي تم في حياتهم، وأساس السلوك الفردي والاجتماعي الذي تحولوا إليه فأصبحوا في الطليعة، ولم يتخلفوا عن الصف الإسلامي الأول خطوة واحدة.
وقوله تعالى :﴿ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾. هو الوسام الإلهي الذي أكرمهم الله به، جزاء ما تجلى في أحوالهم من إيمان وإسلام وإحسان.
ومن هنا ندرك أن وصف ( الصالح ) ولقب ( الصالحين ) يمكن -بناء على هذه الآية الكريمة- أن يناله كل مسلم آمن بربه حق الإيمان، والتزم في حياته الفردية والاجتماعية القيام بفرائض الإسلام وقربات الإحسان، وكان نصيرا للمعروف وعدوا للمنكر في كل زمان ومكان، فهذا الوصف الجميل وصف ( الصلاح ) وهذا اللقب الجليل ( لقب الصالح ) هما في متناول كل مسلم، من أي عصر، ومن أي جيل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٣:الربع الثاني من الحزب السابع
في المصحف الكريم
يبتدئ هذا الربع من سورة آل عمران بوصف طائفة من أهل الكتاب لم تسلك مسلك العناد والجحود الذي سلكته بقية الطوائف، بل انفصلت عنها انفصالا تاما، وتنازلت عما كانت تعيش عليه من الأساطير والأوهام، وآمنت عن اقتناع وإخلاص برسالة الإسلام، ولم تلبث هذه الطائفة أن وجدت في دين الإسلام الحق ما يستجيب لرغباتها، ويستثمر جميع طاقاتها فرديا واجتماعيا، فمن تلاوة لكتاب الله تلاوة تدبر واعتبار، ولا سيما في لحظات السكون والهدوء خلال فترات الليل، ومن عبادة الله ومناجاة مقامه الأقدس، ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قياما بنشر الدعوة الإسلامية، ومساهمة في إصلاح المجتمع، وتطبيقا للمنهج الإسلامي على الحياة اليومية التي يحياها الناس، ومن قيام بأعمال البر وتسابق على مساعي الخير على اختلاف وجوهها، وذلك قوله تعالى في وصف هذه الطائفة تنويها بها، وتقديرا لموقفها ﴿ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، ( ١١٣ ) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ( ١١٤ ) ﴾.
وقوله تعالى عنهم :﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ هو مفتاح الانقلاب الروحي والنفسي الذي تم في حياتهم، وأساس السلوك الفردي والاجتماعي الذي تحولوا إليه فأصبحوا في الطليعة، ولم يتخلفوا عن الصف الإسلامي الأول خطوة واحدة.
وقوله تعالى :﴿ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾. هو الوسام الإلهي الذي أكرمهم الله به، جزاء ما تجلى في أحوالهم من إيمان وإسلام وإحسان.
ومن هنا ندرك أن وصف ( الصالح ) ولقب ( الصالحين ) يمكن -بناء على هذه الآية الكريمة- أن يناله كل مسلم آمن بربه حق الإيمان، والتزم في حياته الفردية والاجتماعية القيام بفرائض الإسلام وقربات الإحسان، وكان نصيرا للمعروف وعدوا للمنكر في كل زمان ومكان، فهذا الوصف الجميل وصف ( الصلاح ) وهذا اللقب الجليل ( لقب الصالح ) هما في متناول كل مسلم، من أي عصر، ومن أي جيل.

ثم ينتقل الحديث إلى موضوع الإنفاق وعمل الخير، ولاسيما بيان الفرق بين ما يقدمه المؤمن، وما يقدمه الكافر في هذا المجال، فالكافرون الذين تمردوا على الله، ولم يسلموا وجوههم إليه ﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا ﴾-﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ أي أن نفقاتهم التي يرجون جزاءها يمحق الله ثوابها فيذهب هباء منثورا، مثل الحرث الذي أوشك على الحصاد إذا نفخ فيه الريح البارد، فإنه يجف وييبس ويحترق، ولا يبقى فيه أدنى نفع، لا ثمر ولا زرع.
وعلى العكس من ذلك المؤمنون بالله، الذين يعيشون في إطار التوجيهات الإلهية، والتعليمات النبوية، وهم في سلم مع الله، وطاعة لأمره ونهييه، فإن ما ينفقونه في سبيل الله، بنية خالصة ابتغاء رضاه، لا يضيع أبدا، بل يدخره لهم الحق سبحانه وتعالى ليوم المعاد، ويكون بين أيديهم زادا ونعم الزاد، وذلك قوله تعالى :﴿ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ( ١١٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٥:ثم ينتقل الحديث إلى موضوع الإنفاق وعمل الخير، ولاسيما بيان الفرق بين ما يقدمه المؤمن، وما يقدمه الكافر في هذا المجال، فالكافرون الذين تمردوا على الله، ولم يسلموا وجوههم إليه ﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا ﴾-﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ أي أن نفقاتهم التي يرجون جزاءها يمحق الله ثوابها فيذهب هباء منثورا، مثل الحرث الذي أوشك على الحصاد إذا نفخ فيه الريح البارد، فإنه يجف وييبس ويحترق، ولا يبقى فيه أدنى نفع، لا ثمر ولا زرع.
وعلى العكس من ذلك المؤمنون بالله، الذين يعيشون في إطار التوجيهات الإلهية، والتعليمات النبوية، وهم في سلم مع الله، وطاعة لأمره ونهييه، فإن ما ينفقونه في سبيل الله، بنية خالصة ابتغاء رضاه، لا يضيع أبدا، بل يدخره لهم الحق سبحانه وتعالى ليوم المعاد، ويكون بين أيديهم زادا ونعم الزاد، وذلك قوله تعالى :﴿ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ( ١١٥ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٥:ثم ينتقل الحديث إلى موضوع الإنفاق وعمل الخير، ولاسيما بيان الفرق بين ما يقدمه المؤمن، وما يقدمه الكافر في هذا المجال، فالكافرون الذين تمردوا على الله، ولم يسلموا وجوههم إليه ﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا ﴾-﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ أي أن نفقاتهم التي يرجون جزاءها يمحق الله ثوابها فيذهب هباء منثورا، مثل الحرث الذي أوشك على الحصاد إذا نفخ فيه الريح البارد، فإنه يجف وييبس ويحترق، ولا يبقى فيه أدنى نفع، لا ثمر ولا زرع.
وعلى العكس من ذلك المؤمنون بالله، الذين يعيشون في إطار التوجيهات الإلهية، والتعليمات النبوية، وهم في سلم مع الله، وطاعة لأمره ونهييه، فإن ما ينفقونه في سبيل الله، بنية خالصة ابتغاء رضاه، لا يضيع أبدا، بل يدخره لهم الحق سبحانه وتعالى ليوم المعاد، ويكون بين أيديهم زادا ونعم الزاد، وذلك قوله تعالى :﴿ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ( ١١٥ ) ﴾.

ومن هنا يعود كتاب الله إلى تحذير المؤمنين مرة أخرى من دسائس خصوم الإسلام، فينهاهم نهيا باتا عن اتخاذهم بطانة لهم من دون المؤمنين ويمنع المسلمين من الإفضاء إليهم بأسرارهم، وذلك حتى لا يستعين عليهم بها أعداؤهم.
ولا يقف كتاب الله عند هذا الحد، بل يكشف للمسلمين حقائق خصوم الإسلام الدفينة، ونواياهم الخفية، فهم بشهادة الله الذي يعلم السر والنجوى، حريصون كل الحرص على أن يبلبلوا أفكار المسلمين، ويجعلوها مضطربة متناقضة متشاكسة باستمرار، ليظل المسلمون على الدوام في حيرة واضطراب وبلبلة، ولا يهتدوا سبيلا.
وهم بشهادة كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يحملون للمسلمين بغضا دفينا، وكرها عميقا، وهذا البغض يتجلى في فلتات ألسنتهم، ويبرز على ملامحهم وفي انطباعاتهم، كلما جاءت مناسبة أو دعت ضرورة لبروزه.
ثم ينعى كتاب الله على السذج من المسلمين ما هم عليه من سذاجة يستغلها خصومهم إلى أقصى الحدود، حتى أنهم ليبادرون إلى محبة أولئك الخصوم الألداء، بينما خصومهم ثابتون على حقهم، ولا يتنازلون عن بغضهم للإسلام وأهله قيد شعرة، وهذه باختصار هي بعض المعاني التي اشتمل عليها قوله تعالى، مما يجب أن نتدبره بكامل الانتباه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ( ١١٨ ) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، ( ١١٩ ) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ( ١٢٠ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ﴾ أي بطانة من غيركم من أهل الأديان الأخرى، وبطانة الرجل هم خاصة صحبه الذين يطلعون على داخل أمره.
وقوله تعالى :﴿ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ ﴾ أي أنهم لا يتمنون للمسلمين إلا ما فيه إضرار بهم، وإعنات لهم، من أنواع الشقاء والضرر والفساد.
وقوله تعالى في التعقيب على هذه البيانات الإلهية والإنذارات السماوية ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ معناه أنه قد بين للمسلمين منابع الخطر وأسباب الضرر ليتجنبوها، ولا يقعوا في أشراكها، إن كان عندهم من العقل السليم، والرأي السديد ما يعالجون به شؤونهم، ويحفظون به كيانهم، وذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فإن وقعوا في مصايد الأعداء ومكايدهم بعد ذلك كانت المسؤولية عليهم وحدهم بدءا وختاما.
وقوله تعالى :﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ﴾ معناه أن المسلمين قوم متسامحون نزهاء لا يفرقون بين رسل الله، ولا بين كتبه المنزلة، فهم يؤمنون بجميع الرسل وبجميع رسالاتهم كما أوحى بها الله، بينما خصوم الإسلام على عنادهم ثابتون، وفي تعصبهم راسخون، وموقفهم من الإسلام ورسوله وكتابه موقف الكفر والتجاهل إن لم يكن موقف الازدراء والاحتقار، والكيد الظاهر والمكر الخفي، وهكذا يؤمن المسلمون بكل الكتب المنزلة على الشكل الأصلي الذي أنزلت عليه، بما فيها توراة موسى وإنجيل عيسى، بينما خصوم الإسلام لا يؤمن كل فريق منهم إلا بكتابه وحده، رغما عن تحريفه وتزييفه، دون بقية الكتب، وذلك لما هم عليه من تحيز وتعصب وضيق أفق.
وقوله تعالى :﴿ وإذا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ فيه تصوير كاشف لحالة خصوم الإسلام الذين يتساهل المسلمون فيجعلونهم بطانة لهم، وهذا التصوير يثبت أن غيظهم على المسلمين قد جاوز كل الحدود، إذ إن الإنسان العادي لا يعض أصابعه من الغيظ إلا إذا بلغ به الغيظ نهايته، وفقد وعيه بالمرة.
وقوله تعالى :﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ خطاب من الله لخصوم الإسلام المندسين بين المسلمين وفيه إيماء إلى ما يجب على المسلمين من اتخاذ الحيطة والحذر إزاء هذا النوع من الخصوم الماكرين، ولا شك أن أحسن حيطة يتخذها المسلمون إزاءهم هي الابتعاد عنهم ما أمكن، مادامت القلوب غير متصافية، والنفوس متجافية، كما بين الله ورسوله.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ( ١١٩ ) ﴾ تأكيد للمعاني السابقة وتثبيت لها في أذهان الغافلين من المؤمنين وتذكير لهم بإحدى البديهيات العقلية والدينية، ألا وهي أن الله جل جلاله هو العليم بذات الصدور، المطلع على دفائنها، وإذن فوصفه لخصوم الإسلام وأعدائه هو الوصف الوحيد المطابق للواقع، وهو الحقيقة الناطقة التي ليس لها من دافع، ولذلك يجب على المسلمين امتثال أوامر الله فيمن يصادقونه ومن يعادونه ﴿ وَمَن يَّتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَّلَمَ نَفسَهُ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:ومن هنا يعود كتاب الله إلى تحذير المؤمنين مرة أخرى من دسائس خصوم الإسلام، فينهاهم نهيا باتا عن اتخاذهم بطانة لهم من دون المؤمنين ويمنع المسلمين من الإفضاء إليهم بأسرارهم، وذلك حتى لا يستعين عليهم بها أعداؤهم.
ولا يقف كتاب الله عند هذا الحد، بل يكشف للمسلمين حقائق خصوم الإسلام الدفينة، ونواياهم الخفية، فهم بشهادة الله الذي يعلم السر والنجوى، حريصون كل الحرص على أن يبلبلوا أفكار المسلمين، ويجعلوها مضطربة متناقضة متشاكسة باستمرار، ليظل المسلمون على الدوام في حيرة واضطراب وبلبلة، ولا يهتدوا سبيلا.
وهم بشهادة كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يحملون للمسلمين بغضا دفينا، وكرها عميقا، وهذا البغض يتجلى في فلتات ألسنتهم، ويبرز على ملامحهم وفي انطباعاتهم، كلما جاءت مناسبة أو دعت ضرورة لبروزه.
ثم ينعى كتاب الله على السذج من المسلمين ما هم عليه من سذاجة يستغلها خصومهم إلى أقصى الحدود، حتى أنهم ليبادرون إلى محبة أولئك الخصوم الألداء، بينما خصومهم ثابتون على حقهم، ولا يتنازلون عن بغضهم للإسلام وأهله قيد شعرة، وهذه باختصار هي بعض المعاني التي اشتمل عليها قوله تعالى، مما يجب أن نتدبره بكامل الانتباه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ( ١١٨ ) هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، ( ١١٩ ) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ( ١٢٠ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ﴾ أي بطانة من غيركم من أهل الأديان الأخرى، وبطانة الرجل هم خاصة صحبه الذين يطلعون على داخل أمره.
وقوله تعالى :﴿ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ ﴾ أي أنهم لا يتمنون للمسلمين إلا ما فيه إضرار بهم، وإعنات لهم، من أنواع الشقاء والضرر والفساد.
وقوله تعالى في التعقيب على هذه البيانات الإلهية والإنذارات السماوية ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ معناه أنه قد بين للمسلمين منابع الخطر وأسباب الضرر ليتجنبوها، ولا يقعوا في أشراكها، إن كان عندهم من العقل السليم، والرأي السديد ما يعالجون به شؤونهم، ويحفظون به كيانهم، وذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فإن وقعوا في مصايد الأعداء ومكايدهم بعد ذلك كانت المسؤولية عليهم وحدهم بدءا وختاما.
وقوله تعالى :﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ﴾ معناه أن المسلمين قوم متسامحون نزهاء لا يفرقون بين رسل الله، ولا بين كتبه المنزلة، فهم يؤمنون بجميع الرسل وبجميع رسالاتهم كما أوحى بها الله، بينما خصوم الإسلام على عنادهم ثابتون، وفي تعصبهم راسخون، وموقفهم من الإسلام ورسوله وكتابه موقف الكفر والتجاهل إن لم يكن موقف الازدراء والاحتقار، والكيد الظاهر والمكر الخفي، وهكذا يؤمن المسلمون بكل الكتب المنزلة على الشكل الأصلي الذي أنزلت عليه، بما فيها توراة موسى وإنجيل عيسى، بينما خصوم الإسلام لا يؤمن كل فريق منهم إلا بكتابه وحده، رغما عن تحريفه وتزييفه، دون بقية الكتب، وذلك لما هم عليه من تحيز وتعصب وضيق أفق.
وقوله تعالى :﴿ وإذا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ فيه تصوير كاشف لحالة خصوم الإسلام الذين يتساهل المسلمون فيجعلونهم بطانة لهم، وهذا التصوير يثبت أن غيظهم على المسلمين قد جاوز كل الحدود، إذ إن الإنسان العادي لا يعض أصابعه من الغيظ إلا إذا بلغ به الغيظ نهايته، وفقد وعيه بالمرة.
وقوله تعالى :﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ خطاب من الله لخصوم الإسلام المندسين بين المسلمين وفيه إيماء إلى ما يجب على المسلمين من اتخاذ الحيطة والحذر إزاء هذا النوع من الخصوم الماكرين، ولا شك أن أحسن حيطة يتخذها المسلمون إزاءهم هي الابتعاد عنهم ما أمكن، مادامت القلوب غير متصافية، والنفوس متجافية، كما بين الله ورسوله.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ( ١١٩ ) ﴾ تأكيد للمعاني السابقة وتثبيت لها في أذهان الغافلين من المؤمنين وتذكير لهم بإحدى البديهيات العقلية والدينية، ألا وهي أن الله جل جلاله هو العليم بذات الصدور، المطلع على دفائنها، وإذن فوصفه لخصوم الإسلام وأعدائه هو الوصف الوحيد المطابق للواقع، وهو الحقيقة الناطقة التي ليس لها من دافع، ولذلك يجب على المسلمين امتثال أوامر الله فيمن يصادقونه ومن يعادونه ﴿ وَمَن يَّتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَّلَمَ نَفسَهُ ﴾.

ثم تنتقل الآيات الكريمة في هذا الربع وما بعده إلى موضوع جديد هو الحديث عن يوم أحد، ومقارنته بغزوة بدر ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ - ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾.
وفي هذه الآيات وصف كاشف لحالة المسلمين عندما ذاقوا في أحد مرارة الهزيمة بعدما ذاقوا في بدر حلاوة النصر، وفيها كذلك تحليل عميق لأسباب الهزيمة والنصر في كلتا الحالتين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢١:ثم تنتقل الآيات الكريمة في هذا الربع وما بعده إلى موضوع جديد هو الحديث عن يوم أحد، ومقارنته بغزوة بدر ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ - ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾.
وفي هذه الآيات وصف كاشف لحالة المسلمين عندما ذاقوا في أحد مرارة الهزيمة بعدما ذاقوا في بدر حلاوة النصر، وفيها كذلك تحليل عميق لأسباب الهزيمة والنصر في كلتا الحالتين.

والإشارة في هذا الربع بالخصوص إلى المدد الإلهي الذي أمد الله به المسلمين في بدر، إذ كانوا قلة في العدد والعدد، فتدخل جند الله من الملائكة المسومين، إلى جانب جند الله من الأنصار والمهاجرين، فحلت البشرى، واطمأنت القلوب، ونزل النصر من عند الله، فسقط في المعركة فريق من كفار قريش، ورجع بالخيبة منهم فريق آخر، وتاب منهم فريق ثالث، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ( ١٢٥ ) ﴾- أي معلمين بسيما القتال وعلامات المعركة- ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ( ١٢٦ ) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ، ( ١٢٧ ) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ( ١٢٨ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ يقابله قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة، سورة آل عمران :﴿ قُل إنَّ الأَمرَ كُلَّهُ لِلَهِ ﴾ وقوله تعالى في سورة الرعد :﴿ بَل لِلَّهِ الأمر جَمِيعاً ﴾ وهو جملة معترضة بين الجمل المعطوفة تؤكد أن الرسول عليه السلام إنما هو ممتثل لأمر الله، منفذ لحكمه في كل حال، وأن معركة الإسلام ليست معركة محمد بين عبد الله ولا معركة أصحابه، وإنما هي معركة الله الحاسمة، وفي سبيله، ومن أجله قائمة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٥:والإشارة في هذا الربع بالخصوص إلى المدد الإلهي الذي أمد الله به المسلمين في بدر، إذ كانوا قلة في العدد والعدد، فتدخل جند الله من الملائكة المسومين، إلى جانب جند الله من الأنصار والمهاجرين، فحلت البشرى، واطمأنت القلوب، ونزل النصر من عند الله، فسقط في المعركة فريق من كفار قريش، ورجع بالخيبة منهم فريق آخر، وتاب منهم فريق ثالث، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ( ١٢٥ ) ﴾- أي معلمين بسيما القتال وعلامات المعركة- ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ( ١٢٦ ) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ، ( ١٢٧ ) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ( ١٢٨ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ يقابله قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة، سورة آل عمران :﴿ قُل إنَّ الأَمرَ كُلَّهُ لِلَهِ ﴾ وقوله تعالى في سورة الرعد :﴿ بَل لِلَّهِ الأمر جَمِيعاً ﴾ وهو جملة معترضة بين الجمل المعطوفة تؤكد أن الرسول عليه السلام إنما هو ممتثل لأمر الله، منفذ لحكمه في كل حال، وأن معركة الإسلام ليست معركة محمد بين عبد الله ولا معركة أصحابه، وإنما هي معركة الله الحاسمة، وفي سبيله، ومن أجله قائمة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٥:والإشارة في هذا الربع بالخصوص إلى المدد الإلهي الذي أمد الله به المسلمين في بدر، إذ كانوا قلة في العدد والعدد، فتدخل جند الله من الملائكة المسومين، إلى جانب جند الله من الأنصار والمهاجرين، فحلت البشرى، واطمأنت القلوب، ونزل النصر من عند الله، فسقط في المعركة فريق من كفار قريش، ورجع بالخيبة منهم فريق آخر، وتاب منهم فريق ثالث، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ( ١٢٥ ) ﴾- أي معلمين بسيما القتال وعلامات المعركة- ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ( ١٢٦ ) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ، ( ١٢٧ ) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ( ١٢٨ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ يقابله قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة، سورة آل عمران :﴿ قُل إنَّ الأَمرَ كُلَّهُ لِلَهِ ﴾ وقوله تعالى في سورة الرعد :﴿ بَل لِلَّهِ الأمر جَمِيعاً ﴾ وهو جملة معترضة بين الجمل المعطوفة تؤكد أن الرسول عليه السلام إنما هو ممتثل لأمر الله، منفذ لحكمه في كل حال، وأن معركة الإسلام ليست معركة محمد بين عبد الله ولا معركة أصحابه، وإنما هي معركة الله الحاسمة، وفي سبيله، ومن أجله قائمة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٥:والإشارة في هذا الربع بالخصوص إلى المدد الإلهي الذي أمد الله به المسلمين في بدر، إذ كانوا قلة في العدد والعدد، فتدخل جند الله من الملائكة المسومين، إلى جانب جند الله من الأنصار والمهاجرين، فحلت البشرى، واطمأنت القلوب، ونزل النصر من عند الله، فسقط في المعركة فريق من كفار قريش، ورجع بالخيبة منهم فريق آخر، وتاب منهم فريق ثالث، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ( ١٢٥ ) ﴾- أي معلمين بسيما القتال وعلامات المعركة- ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، ( ١٢٦ ) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ، ( ١٢٧ ) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ( ١٢٨ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ يقابله قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة، سورة آل عمران :﴿ قُل إنَّ الأَمرَ كُلَّهُ لِلَهِ ﴾ وقوله تعالى في سورة الرعد :﴿ بَل لِلَّهِ الأمر جَمِيعاً ﴾ وهو جملة معترضة بين الجمل المعطوفة تؤكد أن الرسول عليه السلام إنما هو ممتثل لأمر الله، منفذ لحكمه في كل حال، وأن معركة الإسلام ليست معركة محمد بين عبد الله ولا معركة أصحابه، وإنما هي معركة الله الحاسمة، وفي سبيله، ومن أجله قائمة.

الربع الثالث من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في مطلع هذا الربع تجدد الآيات الكريمة حديثها عن معاملة المؤمنين فيما بينهم، فتصفهم بأوصافهم الكاشفة، وسماتهم المميزة، حتى يتمكن من يريد اللحاق بركبهم والانتماء إليهم، من السلوك على نهجهم، والسير في طريقهم، وذلك قوله تعالى :﴿ سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( ١٣٣ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٣٤ ) ﴾.
فها هنا يحدد القرآن الكريم تعريف المؤمن الجامع المانع، بكونه هو ( المتقي ) الذي يحتاط من الوقوع فيما يسخط الله، والذي يحذر من السقوط في هاوية الأهواء الباطلة، ومن الوقوع في شرك الشهوات الفاسدة.
ثم هو ( المحسن الكريم ) الذي لا يشح ولا يبخل بما رزقه الله، بل يحرص على الإنفاق مما أتاه في وجوه البر والخير، في حالتي الشدة والرخاء، والعسر واليسر.
ثم هو ( الذي إذا نزل به ما يدفعه إلى الغيظ ويحدوه إلى الغضب ) هدأ روعه، وألجم غضبه، ولم يجعل للغضب والغيظ سلطانا على نفسه، وبذلك يتفادى كل مظاهر الغيظ وآثار الغضب المادية والروحية في علاقاته مع الناس.
ثم هو ( الذي إذا أساء إليه المسيئون، وقصده بالإذاية المفسدون )، لم يقابل إساءتهم بمثلها، ولا إذايتهم بما هو من جنسها، بل قابل الإساءة بالغض والإحسان، والإذاية بالعفو والامتنان، فهذه هي خصال المؤمنين المتقين، وبها يدخلون في عداد المحسنين، ولذلك جاء التعقيب بقوله تعالى ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٣٤ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٣:الربع الثالث من الحزب السابع
في المصحف الكريم
في مطلع هذا الربع تجدد الآيات الكريمة حديثها عن معاملة المؤمنين فيما بينهم، فتصفهم بأوصافهم الكاشفة، وسماتهم المميزة، حتى يتمكن من يريد اللحاق بركبهم والانتماء إليهم، من السلوك على نهجهم، والسير في طريقهم، وذلك قوله تعالى :﴿ سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( ١٣٣ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٣٤ ) ﴾.
فها هنا يحدد القرآن الكريم تعريف المؤمن الجامع المانع، بكونه هو ( المتقي ) الذي يحتاط من الوقوع فيما يسخط الله، والذي يحذر من السقوط في هاوية الأهواء الباطلة، ومن الوقوع في شرك الشهوات الفاسدة.
ثم هو ( المحسن الكريم ) الذي لا يشح ولا يبخل بما رزقه الله، بل يحرص على الإنفاق مما أتاه في وجوه البر والخير، في حالتي الشدة والرخاء، والعسر واليسر.
ثم هو ( الذي إذا نزل به ما يدفعه إلى الغيظ ويحدوه إلى الغضب ) هدأ روعه، وألجم غضبه، ولم يجعل للغضب والغيظ سلطانا على نفسه، وبذلك يتفادى كل مظاهر الغيظ وآثار الغضب المادية والروحية في علاقاته مع الناس.
ثم هو ( الذي إذا أساء إليه المسيئون، وقصده بالإذاية المفسدون )، لم يقابل إساءتهم بمثلها، ولا إذايتهم بما هو من جنسها، بل قابل الإساءة بالغض والإحسان، والإذاية بالعفو والامتنان، فهذه هي خصال المؤمنين المتقين، وبها يدخلون في عداد المحسنين، ولذلك جاء التعقيب بقوله تعالى ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٣٤ ) ﴾.

ثم تواصل الآيات الكريمة وصف الحالة النفسية للمؤمنين عندما تزيغ قلوبهم عن الرشد، فيتورطون فجأة في إتيان فاحشة من الفواحش، وارتكاب ذنب من الذنوب. ذلك أن ضميرهم الحي لا يلبث أن يستيقظ في الحين، وبمجرد ما يستيقظ ضميرهم يذكرون الله قبل غيره، فيذكرون ما يجب عليهم من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويسألون الله غفران ذنوبهم، تائبين منها، نادمين عليها، مؤكدين بلسان الحال والمقال أن ما فعلون إنما هو هفوة منهم في وقت الغفلة والذهول، وأنهم لم يتعمدوا فعله على نية الإصرار والتحدي، وذلك قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ( ١٣٥ ) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ( ١٣٦ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٥:ثم تواصل الآيات الكريمة وصف الحالة النفسية للمؤمنين عندما تزيغ قلوبهم عن الرشد، فيتورطون فجأة في إتيان فاحشة من الفواحش، وارتكاب ذنب من الذنوب. ذلك أن ضميرهم الحي لا يلبث أن يستيقظ في الحين، وبمجرد ما يستيقظ ضميرهم يذكرون الله قبل غيره، فيذكرون ما يجب عليهم من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويسألون الله غفران ذنوبهم، تائبين منها، نادمين عليها، مؤكدين بلسان الحال والمقال أن ما فعلون إنما هو هفوة منهم في وقت الغفلة والذهول، وأنهم لم يتعمدوا فعله على نية الإصرار والتحدي، وذلك قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ( ١٣٥ ) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ( ١٣٦ ) ﴾.
ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧:ومن هنا ينتقل كتاب الله إلى الحديث بالخصوص عن يوم أحد، وما جلبت فيه بعض المواقف من متاعب للمسلمين، خصوصا ما وقع فيه من أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين بالأخص أسباب الهزيمة في هذا اليوم، كما يبين قبل ذلك أسباب النصر في غزوة بدر.
ويبتدئ الحديث في هذا الموضوع الخطير بتقرير مبدأ أساسي لا يختلف، هو أن لله سننا ثابتة في المجتمع تسير الحياة على مقتضاها مهما اختلفت القرون والأجيال.
وفي طليعة هذه السنن والقوانين الثابتة سنن النصر وسنن الهزيمة، أي مختلف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى كل منهما، ثم تقرير مبدأ آخر هو أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق، وإلى هذا المعنى يومئ قوله تعالى ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، ( ١٣٧ ) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، ( ١٣٨ ) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ( ١٣٩ ) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾.
وفي أثناء هذا العرض الرائع تشير الآيات الكريمة إلى ما جرت له سنة الله في خلقه من ابتلائهم وامتحانهم بالنكبات والهزات، حتى تتخلص مشاعرهم من كل دنس، وتتطهر نفوسهم من كل ضعف، وتبرز للعالم خصالهم الرفيعة التي انطووا عليها، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، ( ١٤٠ ) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، ( ١٤١ ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٢ ) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ( ١٤٣ ) ﴾ وتثبيتا لبعض المؤمنين الذين أصيبوا بصدمة في يوم أحد، بعد النصر الباهر الذي أحرزوا عليه في غزوة بدر يحكي لهم القرآن الكريم قصة الأنبياء السابقين، وأتباعهم من المؤمنين المجاهدين، وما لاقوا في سبيل الله من محن ومتاعب، وما بذلوه في نصرته من تضحيات جلى، وما كانوا عليه رغما عن ذلك من ثبات في الموقف، وقوة القلوب، واعتزاز أمام الأعداء، وما آتهم الله بعد ذلك من نصر في الدنيا، وجزاء في الآخرة، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ( ١٤٦ ) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، ( ١٤٧ ) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( ١٤٨ ) ﴾.

ثم يعد الحق سبحانه جنود الإسلام-ووعده حق وصدق-بأن العاقبة ستكون لهم، وأنه سيلقي الرعب في قلوب أعدائهم، ويغلبهم عليهم في المستقبل كما غلبهم عليهم في الماضي، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، ( ١٥٠ ) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ، ( ١٥١ ) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٠:ثم يعد الحق سبحانه جنود الإسلام-ووعده حق وصدق-بأن العاقبة ستكون لهم، وأنه سيلقي الرعب في قلوب أعدائهم، ويغلبهم عليهم في المستقبل كما غلبهم عليهم في الماضي، وذلك قوله تعالى :﴿ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، ( ١٥٠ ) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ، ( ١٥١ ) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ﴾.
وينتهي هذا الربع بوضع اليد على سبب المتاعب التي لقيها المسلمون يوم أحد، وذلك بغية تنبيه الجيل الإسلامي الأول إلى تجنب عوامل الهزيمة وأسبابها، بالنسبة لما ينتظره من جهاد طويل في سبيل الله، ثم تنبيه كل الأجيال الإسلامية اللاحقة إلى نفس العوامل والأسباب، حتى يتجنبها، ولا تبتلى بها ولا بنتائجها الحتمية، وهذه الأسباب يلخصها كتاب الله في أربعة أشياء :
١-الفشل الذي يصيب بعض ضعفاء النفوس، فيجرون الهزيمة على من معهم ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾.
٢- التنازع بين المحاربين وعدم الاتفاق فيما بينهم ﴿ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ ﴾.
٣- عصيان المحاربين لأوامر القيادة العليا وعدم تنفيذهم لتلك الأوامر تنفيذا حرفيا ﴿ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ﴾.
٤- اختلاف الوجهة وعدم الاتحاد في الهدف ﴿ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ﴾.
فهذه الأسباب الأربعة التي حددها كتاب الله أوضح تحديد هي الأسباب المباشرة في كل هزيمة لحقت المسلمين، في يوم أحد أولا، وفي كل الغزوات والفتوحات التي أخل فيها المسلمون بشروط النصر وأسبابه. واقرأوا إن شئتم قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾.
وفي ختام هذا الربع جاء التعقيب بآية كريمة تشير صراحة إلى أن الحق سبحانه وتعالى سوف يتولاهم بفضله وكرمه، وسينقذهم من العثرات إذا ما رجعوا إلى الله، وتمسكوا بهديه، واعتصموا بحبله، وعملوا بمقتضى سننه الثابتة في الكون، وذلك قوله تعالى :﴿ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ( ١٥٢ ) ﴾.
الربع الأخير من الحزب السابع
في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله يواصل الحديث عن يوم أحد، وما برز فيه من مواقف مختلفة، بل متناقضة أحيانا، تنبئ عن دخائل القوم، وتكشف الستار عما هم عليه من إيمان أو نفاق، ومن إيمان ضعيف أو إيمان قوي.
فهذه فئة تفر من قلب المعركة، دون أن تهتم بمن وراءها، وتلجأ إلى الجبل متحصنة به فوق الصخرة، ولا تستجيب لقائدها الأعلى، إذ لا تلبي نداء الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، بل تتركه معرضا لأذى المشركين وعدوانهم، وبدلا من أن تتخذه أسوة لها في الصبر والثبات، فتلتف حوله، وتثبت معه إلى النهاية، يدخلها الرعب، ويداخلها الشك في نفس الرسول، هل عصمه الله من المشركين ولا يزال على قيد الحياة، أم تمكن منه الأعداء، وذلك قوله تعالى تأنيبا لهذه الطائفة ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُم ﴾ فقد أخذ يدعوهم قائلا :( إلي عباد الله. إلي عباد الله ) لكنهم لم يسمعوا ولم يجيبوا.
ثم عقبت الآية على ذلك بقوله تعالى تأديبا لهذه الفئة ﴿ فَأَثَابَكُم غَمّاً بِغَمٍّ ﴾ أي فكان جزاء الله لكم أن ضاعف غمومكم، فزادكم غما على غم، والغم الأول غم الهزيمة التي أصابتهم، والغم الثاني غم معاودة المشركين الكرة، للهجوم عليهم في نفس الجبل، بعدما فروا إليه وتحصنوا به، والغم الثالث غم الدعاية الكاذبة التي روجها المشركون بين المسلمين، وفحواها أن الرسول قد قتل في المعركة، مما يدخل في حرب الأعصاب.
ثم نبهت الآية الكريمة إلى أن المؤمن الحق لا ينبغي له أن يحزن على ما فاته من نصر، ولا على ما أصابه من هزيمة، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم، تثبيتا لأنفسهم، وتطييبا لقلوبهم ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾-﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ ﴾.
وجاء بعد ذلك التعقيب بقوله تعالى مخاطبا لهم ﴿ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( ١٥٣ ) ﴾ أي أنه سبحانه مطلع على أعمالكم، عليم بنواياكم، لا يغيب عنه منها شئ.
وتناولت الآية بالوصف والتحليل حال طائفة من المؤمنين، وأخرى من المنافقين كانت قد اندست في المعركة يوم أحد بينهم وإلى جانبهم، فالطائفة الأولى من بعد انجلاء الغم الطارئ عليها عادت إليها الثقة والطمأنينة، حتى أصابها النعاس وهي مشتملة بسلاحها، مما يدل على مدى السكينة التي أنزلها الله في قلوبها، وذلك قوله تعالى في وصفها ممتنا عليها :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر ﴿ إِذ يُغشِيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنهُ ﴾.
والطائفة الثانية التي ملأ النفاق قلوبها واندست بين المؤمنين في هذه المعركة لم يراود أعينها النعاس بالمرة، وكيف يراودها النعاس وهي تعيش لحظات كلها قلق وجزع وخوف، وتهيمن عليها الخيالات والأوهام، وظن السوء بالله وبالإسلام، ﴿ وَارتَابَت قُلُوبُهُم فَهُم فِي رَيبِهِم يَتَرَدَّدُونَ ﴾ فهي ترى رأي العين أن المشركين قد هزموا المسلمين فعلا في هذه المعركة، وتستوحي نفاقها فلا يوحي إليها إلا أن الساعة الفاصلة والحاسمة بين الشرك والإسلام قد دقت ولات حين مفر، وبأن الإسلام وأهله قد باد وبادوا إلى الأبد، ولم يعد يهم أفراد هذه الطائفة شيء سوى أنفسهم، وذلك قوله تعالى في وصف نفاقها وجبنها وأنانيتها وسوء ظنها بالله وبرسوله ﴿ وطائفة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ ﴾ فيرد الله عليهم بقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾.
وفي هذا السياق يجدد كتاب الله مرة أخرى بيان الحكمة الإلهية في مثل هذه الهزات، فيقول :﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ على غرار ما سبق في الربع الماضي في قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء، وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ إلى آخر الآية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٣:لا يزال كتاب الله يواصل الحديث عن يوم أحد، وما برز فيه من مواقف مختلفة، بل متناقضة أحيانا، تنبئ عن دخائل القوم، وتكشف الستار عما هم عليه من إيمان أو نفاق، ومن إيمان ضعيف أو إيمان قوي.
فهذه فئة تفر من قلب المعركة، دون أن تهتم بمن وراءها، وتلجأ إلى الجبل متحصنة به فوق الصخرة، ولا تستجيب لقائدها الأعلى، إذ لا تلبي نداء الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، بل تتركه معرضا لأذى المشركين وعدوانهم، وبدلا من أن تتخذه أسوة لها في الصبر والثبات، فتلتف حوله، وتثبت معه إلى النهاية، يدخلها الرعب، ويداخلها الشك في نفس الرسول، هل عصمه الله من المشركين ولا يزال على قيد الحياة، أم تمكن منه الأعداء، وذلك قوله تعالى تأنيبا لهذه الطائفة ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُم ﴾ فقد أخذ يدعوهم قائلا :( إلي عباد الله. إلي عباد الله ) لكنهم لم يسمعوا ولم يجيبوا.
ثم عقبت الآية على ذلك بقوله تعالى تأديبا لهذه الفئة ﴿ فَأَثَابَكُم غَمّاً بِغَمٍّ ﴾ أي فكان جزاء الله لكم أن ضاعف غمومكم، فزادكم غما على غم، والغم الأول غم الهزيمة التي أصابتهم، والغم الثاني غم معاودة المشركين الكرة، للهجوم عليهم في نفس الجبل، بعدما فروا إليه وتحصنوا به، والغم الثالث غم الدعاية الكاذبة التي روجها المشركون بين المسلمين، وفحواها أن الرسول قد قتل في المعركة، مما يدخل في حرب الأعصاب.
ثم نبهت الآية الكريمة إلى أن المؤمن الحق لا ينبغي له أن يحزن على ما فاته من نصر، ولا على ما أصابه من هزيمة، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم، تثبيتا لأنفسهم، وتطييبا لقلوبهم ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾-﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ ﴾.
وجاء بعد ذلك التعقيب بقوله تعالى مخاطبا لهم ﴿ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( ١٥٣ ) ﴾ أي أنه سبحانه مطلع على أعمالكم، عليم بنواياكم، لا يغيب عنه منها شئ.
وتناولت الآية بالوصف والتحليل حال طائفة من المؤمنين، وأخرى من المنافقين كانت قد اندست في المعركة يوم أحد بينهم وإلى جانبهم، فالطائفة الأولى من بعد انجلاء الغم الطارئ عليها عادت إليها الثقة والطمأنينة، حتى أصابها النعاس وهي مشتملة بسلاحها، مما يدل على مدى السكينة التي أنزلها الله في قلوبها، وذلك قوله تعالى في وصفها ممتنا عليها :﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر ﴿ إِذ يُغشِيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنهُ ﴾.
والطائفة الثانية التي ملأ النفاق قلوبها واندست بين المؤمنين في هذه المعركة لم يراود أعينها النعاس بالمرة، وكيف يراودها النعاس وهي تعيش لحظات كلها قلق وجزع وخوف، وتهيمن عليها الخيالات والأوهام، وظن السوء بالله وبالإسلام، ﴿ وَارتَابَت قُلُوبُهُم فَهُم فِي رَيبِهِم يَتَرَدَّدُونَ ﴾ فهي ترى رأي العين أن المشركين قد هزموا المسلمين فعلا في هذه المعركة، وتستوحي نفاقها فلا يوحي إليها إلا أن الساعة الفاصلة والحاسمة بين الشرك والإسلام قد دقت ولات حين مفر، وبأن الإسلام وأهله قد باد وبادوا إلى الأبد، ولم يعد يهم أفراد هذه الطائفة شيء سوى أنفسهم، وذلك قوله تعالى في وصف نفاقها وجبنها وأنانيتها وسوء ظنها بالله وبرسوله ﴿ وطائفة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ ﴾ فيرد الله عليهم بقوله :﴿ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾.
وفي هذا السياق يجدد كتاب الله مرة أخرى بيان الحكمة الإلهية في مثل هذه الهزات، فيقول :﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ على غرار ما سبق في الربع الماضي في قوله تعالى :﴿ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء، وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ إلى آخر الآية.

وتتحدث آيات هذا الربع عن سبب إضافي من أسباب الهزيمة التي جرت يوم أحد، ألا وهو ما قد يكتسبه بعض المؤمنين من ذنوب قبل دخولهم في المعركة، فإن الذنب يظلم قلب المذنب، فلا يرى أي بصيص من النور، ويثقل كاهله حتى كأن على جسمه كابوسا يشل حركاته ويحول بينه وبين أي عمل مفيد، وذك قوله تعالى :﴿ إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ﴾ وقوله تعالى :﴿ أَوَلَّمَا أَصَابَتكُم مُّصِيبَةٌ قَد اَصَبتُم مِّثلَيهاَ قُلتُمُ أَنَّى هَذَا، قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُمُ ﴾ نظير قوله تعالى :﴿ بَل رَّانَ عَلَى قُلُوبِهم مَّا كَانُوا يَكسِبُونَ ﴾.
ثم يأتي التعقيب على ذلك بما يحيي فيهم الأمل والرجاء، ويدفع عنهم معرة المخالفة فيقول تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ( ١٥٥ ) ﴾.
وتهتم الآيات الكريمة اهتماما خاصا بفريق من المنافقين أدخلوا الفشل على المؤمنين من أول لحظة في يوم أحد، وهذا الفريق كان يتزعمه المنافق المدعو عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد فارق ركب رسول الله الذي كان يتألف من ألف رجل وهو لا يزال في أثناء الطريق بين المدينة وأحد، وتابعه ورجع معه ثلث الركب ممن ينطوون على النفاق، وكانوا حوالي ثلاثمائة نفر ونيف، فانفصلوا عن ركب رسول الله، وكان فريق من المؤمنين لا يزالون يظنون خيرا بزعيم المنافقين ومن معه من المتخلفين، إذ لم يكن قد انكشف نفاقهم بعد، فتبعوهم من ورائهم يحرضونهم على العودة للقتال بجانبهم، أو على الأقل لمساعدتهم فيما قد يحتاجون إليه، ولتكثير سوادهم أمام العدو.
فما كان من المنافقين وزعيمهم إلا أن تعللوا بأنهم لا يتوقعون من المشركين في هذا اليوم أي قتال، إذن فلا موجب لمواصلة السير في ركاب رسول الله.
وتحدث زعيم النفاق ابن أبي ابن سلول حديثا كشف به عن ذات نفسه، وعن موقفه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عنه معرضا به : " أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ".
وتحدث إليه عبد الله بن عمرو بن حرام، الذي تابعه لتحريضه ومن معه على العودة قائلا : " يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم " فأجابه حفيد ابن سلول ومن معه قائلين " لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن نرى أنه لا يكون قتال " فلما استعصوا على عبد الله بن عمرو وأبوا إلا الانصراف قال لهم :" أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله نبيه عنكم ".
فهذا الموقف المفاجئ والمربك الذي وقفه المنافقون يوم أحد من أول لحظة، بعدما بيتوه فيما بينهم لبث البلبلة في صفوف المسلمين، وإضعاف روحهم المعنوية أمام المشركين، هو الذي يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ، ( ١٦٧ ) الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( ١٦٨ ) ﴾.
وفي هذا الجو المكهرب والمثقل بالغيوم يتوجه الخطاب الإلهي إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صيغة ملؤها الرضى والتنويه : الرضى عن موقفه المدهش من المعركة العسكرية التي شنها المشركون " وهم العدو الخارجي " ومن المعركة النفسية التي شنها معهم المنافقون " وهم العدو الداخلي " والتنويه بما أتاه الله من لين العريكة وعفة اللسان، ومن رقة القلب وثبات الجنان، وتبيين ما لهذه الشمائل المحمدية التي أكرمه الله بها من تأثير عميق في تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفوفهم في السلم والحرب، وذلك قوله تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾.
ثم توجه الحق سبحانه وتعالى إلى نبيه يأمره بالعفو عمن أساء، وبالاستغفار لمن أذنب، ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾.
وأخيرا أراد الله أن يسن للأمة الإسلامية من بعد رسولها سنة قائمة، هي مفتاح نجاحها، وعنوان فلاحها أمد الدهر، ألا وهي شورى المسلمين في أمورهم، وجعل أمرهم شورى بينهم، وذلك قوله تعالى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾. هذا ورسول الله معصوم عن الخطأ، ومعصوم من الناس، ولكن الله أمره بالشورى لتكون سنة المسلمين من بعده، حتى يعالجوا شؤونهم في جو من الوفاق والوئام، لا اختلاف بعده ولا اصطدام، ولا فرقة من ورائه ولا انقسام.
ثم قال تعالى في ختام هذا الأمر الجليل :﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾. روى ابن مردويه في هذا السياق عن علي ابن طالب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( العزم ) فقال عليه الصلاة والسلام : " العزم مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ".
ومعنى الآية أنه بعد تبادل الآراء في ( الأمر ) من الأمور مع أهل الاختصاص فيه، والخبرة به، والانتهاء فيه إلى رأي ناضج سليم لا يبقى إلا الخروج من مرحلة الاستشارة إلى مرحلة التنفيذ.
وفي هذه المرحلة يتولى الرسول عليه الصلاة وللسلام وخلفاؤه من بعده تنفيذ الرأي المقبول، مع الاعتماد على الله في بلوغ النتائج المتوخاة حسب الزمان والمكان، حيث إن التحكم فيها والتوفيق إلى إبراز آثارها أمران خارجان عن إرادة الإنسان، وذلك معنى التوكل على الله في هذا المقام، فهو بالنسبة للاستشارة والشروع في التنفيذ مسك الختام ﴿ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٩:وتهتم الآيات الكريمة اهتماما خاصا بفريق من المنافقين أدخلوا الفشل على المؤمنين من أول لحظة في يوم أحد، وهذا الفريق كان يتزعمه المنافق المدعو عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد فارق ركب رسول الله الذي كان يتألف من ألف رجل وهو لا يزال في أثناء الطريق بين المدينة وأحد، وتابعه ورجع معه ثلث الركب ممن ينطوون على النفاق، وكانوا حوالي ثلاثمائة نفر ونيف، فانفصلوا عن ركب رسول الله، وكان فريق من المؤمنين لا يزالون يظنون خيرا بزعيم المنافقين ومن معه من المتخلفين، إذ لم يكن قد انكشف نفاقهم بعد، فتبعوهم من ورائهم يحرضونهم على العودة للقتال بجانبهم، أو على الأقل لمساعدتهم فيما قد يحتاجون إليه، ولتكثير سوادهم أمام العدو.
فما كان من المنافقين وزعيمهم إلا أن تعللوا بأنهم لا يتوقعون من المشركين في هذا اليوم أي قتال، إذن فلا موجب لمواصلة السير في ركاب رسول الله.
وتحدث زعيم النفاق ابن أبي ابن سلول حديثا كشف به عن ذات نفسه، وعن موقفه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عنه معرضا به :" أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ".
وتحدث إليه عبد الله بن عمرو بن حرام، الذي تابعه لتحريضه ومن معه على العودة قائلا :" يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم " فأجابه حفيد ابن سلول ومن معه قائلين " لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن نرى أنه لا يكون قتال " فلما استعصوا على عبد الله بن عمرو وأبوا إلا الانصراف قال لهم :" أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله نبيه عنكم ".
فهذا الموقف المفاجئ والمربك الذي وقفه المنافقون يوم أحد من أول لحظة، بعدما بيتوه فيما بينهم لبث البلبلة في صفوف المسلمين، وإضعاف روحهم المعنوية أمام المشركين، هو الذي يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ، ( ١٦٧ ) الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( ١٦٨ ) ﴾.
وفي هذا الجو المكهرب والمثقل بالغيوم يتوجه الخطاب الإلهي إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صيغة ملؤها الرضى والتنويه : الرضى عن موقفه المدهش من المعركة العسكرية التي شنها المشركون " وهم العدو الخارجي " ومن المعركة النفسية التي شنها معهم المنافقون " وهم العدو الداخلي " والتنويه بما أتاه الله من لين العريكة وعفة اللسان، ومن رقة القلب وثبات الجنان، وتبيين ما لهذه الشمائل المحمدية التي أكرمه الله بها من تأثير عميق في تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفوفهم في السلم والحرب، وذلك قوله تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾.
ثم توجه الحق سبحانه وتعالى إلى نبيه يأمره بالعفو عمن أساء، وبالاستغفار لمن أذنب، ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾.
وأخيرا أراد الله أن يسن للأمة الإسلامية من بعد رسولها سنة قائمة، هي مفتاح نجاحها، وعنوان فلاحها أمد الدهر، ألا وهي شورى المسلمين في أمورهم، وجعل أمرهم شورى بينهم، وذلك قوله تعالى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾. هذا ورسول الله معصوم عن الخطأ، ومعصوم من الناس، ولكن الله أمره بالشورى لتكون سنة المسلمين من بعده، حتى يعالجوا شؤونهم في جو من الوفاق والوئام، لا اختلاف بعده ولا اصطدام، ولا فرقة من ورائه ولا انقسام.
ثم قال تعالى في ختام هذا الأمر الجليل :﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾. روى ابن مردويه في هذا السياق عن علي ابن طالب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( العزم ) فقال عليه الصلاة والسلام :" العزم مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ".
ومعنى الآية أنه بعد تبادل الآراء في ( الأمر ) من الأمور مع أهل الاختصاص فيه، والخبرة به، والانتهاء فيه إلى رأي ناضج سليم لا يبقى إلا الخروج من مرحلة الاستشارة إلى مرحلة التنفيذ.
وفي هذه المرحلة يتولى الرسول عليه الصلاة وللسلام وخلفاؤه من بعده تنفيذ الرأي المقبول، مع الاعتماد على الله في بلوغ النتائج المتوخاة حسب الزمان والمكان، حيث إن التحكم فيها والتوفيق إلى إبراز آثارها أمران خارجان عن إرادة الإنسان، وذلك معنى التوكل على الله في هذا المقام، فهو بالنسبة للاستشارة والشروع في التنفيذ مسك الختام ﴿ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥٩:وتهتم الآيات الكريمة اهتماما خاصا بفريق من المنافقين أدخلوا الفشل على المؤمنين من أول لحظة في يوم أحد، وهذا الفريق كان يتزعمه المنافق المدعو عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد فارق ركب رسول الله الذي كان يتألف من ألف رجل وهو لا يزال في أثناء الطريق بين المدينة وأحد، وتابعه ورجع معه ثلث الركب ممن ينطوون على النفاق، وكانوا حوالي ثلاثمائة نفر ونيف، فانفصلوا عن ركب رسول الله، وكان فريق من المؤمنين لا يزالون يظنون خيرا بزعيم المنافقين ومن معه من المتخلفين، إذ لم يكن قد انكشف نفاقهم بعد، فتبعوهم من ورائهم يحرضونهم على العودة للقتال بجانبهم، أو على الأقل لمساعدتهم فيما قد يحتاجون إليه، ولتكثير سوادهم أمام العدو.
فما كان من المنافقين وزعيمهم إلا أن تعللوا بأنهم لا يتوقعون من المشركين في هذا اليوم أي قتال، إذن فلا موجب لمواصلة السير في ركاب رسول الله.
وتحدث زعيم النفاق ابن أبي ابن سلول حديثا كشف به عن ذات نفسه، وعن موقفه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عنه معرضا به :" أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس ".
وتحدث إليه عبد الله بن عمرو بن حرام، الذي تابعه لتحريضه ومن معه على العودة قائلا :" يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم " فأجابه حفيد ابن سلول ومن معه قائلين " لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن نرى أنه لا يكون قتال " فلما استعصوا على عبد الله بن عمرو وأبوا إلا الانصراف قال لهم :" أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله نبيه عنكم ".
فهذا الموقف المفاجئ والمربك الذي وقفه المنافقون يوم أحد من أول لحظة، بعدما بيتوه فيما بينهم لبث البلبلة في صفوف المسلمين، وإضعاف روحهم المعنوية أمام المشركين، هو الذي يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ، ( ١٦٧ ) الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( ١٦٨ ) ﴾.
وفي هذا الجو المكهرب والمثقل بالغيوم يتوجه الخطاب الإلهي إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في صيغة ملؤها الرضى والتنويه : الرضى عن موقفه المدهش من المعركة العسكرية التي شنها المشركون " وهم العدو الخارجي " ومن المعركة النفسية التي شنها معهم المنافقون " وهم العدو الداخلي " والتنويه بما أتاه الله من لين العريكة وعفة اللسان، ومن رقة القلب وثبات الجنان، وتبيين ما لهذه الشمائل المحمدية التي أكرمه الله بها من تأثير عميق في تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفوفهم في السلم والحرب، وذلك قوله تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾.
ثم توجه الحق سبحانه وتعالى إلى نبيه يأمره بالعفو عمن أساء، وبالاستغفار لمن أذنب، ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾.
وأخيرا أراد الله أن يسن للأمة الإسلامية من بعد رسولها سنة قائمة، هي مفتاح نجاحها، وعنوان فلاحها أمد الدهر، ألا وهي شورى المسلمين في أمورهم، وجعل أمرهم شورى بينهم، وذلك قوله تعالى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾. هذا ورسول الله معصوم عن الخطأ، ومعصوم من الناس، ولكن الله أمره بالشورى لتكون سنة المسلمين من بعده، حتى يعالجوا شؤونهم في جو من الوفاق والوئام، لا اختلاف بعده ولا اصطدام، ولا فرقة من ورائه ولا انقسام.
ثم قال تعالى في ختام هذا الأمر الجليل :﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾. روى ابن مردويه في هذا السياق عن علي ابن طالب قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( العزم ) فقال عليه الصلاة والسلام :" العزم مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ".
ومعنى الآية أنه بعد تبادل الآراء في ( الأمر ) من الأمور مع أهل الاختصاص فيه، والخبرة به، والانتهاء فيه إلى رأي ناضج سليم لا يبقى إلا الخروج من مرحلة الاستشارة إلى مرحلة التنفيذ.
وفي هذه المرحلة يتولى الرسول عليه الصلاة وللسلام وخلفاؤه من بعده تنفيذ الرأي المقبول، مع الاعتماد على الله في بلوغ النتائج المتوخاة حسب الزمان والمكان، حيث إن التحكم فيها والتوفيق إلى إبراز آثارها أمران خارجان عن إرادة الإنسان، وذلك معنى التوكل على الله في هذا المقام، فهو بالنسبة للاستشارة والشروع في التنفيذ مسك الختام ﴿ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ( ١٥٩ ) ﴾.

بعدما تولى كتاب الله في آخر آية من الربع الماضي الحديث عن شهداء المسلمين الذين قتلوا يوم أحد في سبيل الله، وأخبر بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، مبتهجون بمن سيلحق بركبهم، ويقتدي بهم في متابعة الجهاد والفوز بالشهادة، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( ١٦٩ )، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ( ١٧٠ ) ﴾.
بعدما تولى كتاب الله في آخر آية من الربع الماضي الحديث عن شهداء المسلمين الذين قتلوا يوم أحد في سبيل الله، وأخبر بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، مبتهجون بمن سيلحق بركبهم، ويقتدي بهم في متابعة الجهاد والفوز بالشهادة، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( ١٦٩ )، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ( ١٧٠ ) ﴾.
الربع الأول من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
بعدما تولى كتاب الله في آخر آية من الربع الماضي الحديث عن شهداء المسلمين الذين قتلوا يوم أحد في سبيل الله، وأخبر بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، مبتهجون بمن سيلحق بركبهم، ويقتدي بهم في متابعة الجهاد والفوز بالشهادة، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( ١٦٩ )، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ( ١٧٠ ) ﴾.
مضى كتاب الله في نفس السياق، وتولى في أول آية من هذا الربع الحديث عن أولئك المؤمنين الذين ينتظرهم إخوانهم الشهداء، عسى أن يلحقوا بهم من خلفهم، ويشاركوهم فيما آتاهم الله من نعمة، ومنحهم من فضل، جزاء إيمانهم بالله ورسوله، وجهادهم في سبيله، وتأسيهم بهم في بذل المهج رخيصة من أجله، وذلك قوله تعالى :﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ( ١٧١ ) ﴾.
ثم تصدت الآيات الكريمة لوصف هذا الصف الخاص من المؤمنين الذين استبشر بهم من سبقوهم من الشهداء، وذلك ابتداء من قوله تعالى :﴿ الْمُؤْمِنِينَ( ١٧١ ) الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾.
ولإدراك مغزى هذه الآيات وفهم معناها لابد من إلقاء بعض الأضواء على الحادثة التي ارتبطت بها.
ذلك أن مشركي قريش بعدما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد، وكروا راجعين إلى ديارهم، تحركت في نفوسهم الأحقاد، واشتغلت في قلوبهم نيران الحسرة والندم، وطغت عليهم روح الغرور والحمية، فأخذوا يرددون فيما بينهم مقالات خبيثة تكشف عن خطة جديدة ولئيمة، أخذت ترتسم في أذهانهم، بغية استئصال شأفة المسلمين، مثل قولهم : " لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا " ومثل قولهم : " أصبنا محمدا وأصحابه ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم ". فبلغ ذلك إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى ملاحقة المشركين من ورائهم، غير أنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن باللحاق به والسير في ركابه لهذا الغرض إلا لمن حضر موقعة أحد وثبت معه فيها، وعندما أذن مؤذن رسول الله في الناس كان يقول : " لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ".
ورغما عن الحالة الأليمة التي كان عليها أولئك المسلمون، إذ هم مثخنون بالجراح، ولا يزال شريط يوم أحد بأهواله يمر أمام أعينهم، فإنهم استجابوا لنداء رسول الله، لم يتخلف منهم أحد، طاعة لله، وفداء لرسوله، وكان الرسول يرمي من وراء ذلك إلى إفساد خطة المشركين الجديدة التي تناقلتها الأخبار، وإلى إلقاء الرعب في قلوبهم، بإبراز ما عليه المسلمون من جلد وقوة إيمان، وإظهار أن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، ولم يفت في عضدهم، وقد كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير في طليعة المسلمين الذين تعقبوا المشركين، فلما وصلوا إلى مكان يقال له " حمراء الأسد " على ثمانية أميال من المدينة رآهم المشركون فهالهم الأمر، وقذف الله الرعب في قلب زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، فانقلب وانقلبوا معه إلى مكة قافلين، بينما رجع رسول الله ومن معه إلى المدينة سالمين.
وفي هذه المناسبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد قذف الله في قلبه الرعب ورجع ".
والآن، وبعد الإتيان بهذا البيان الموجز نستطيع أن نتفهم الآيات الكريمة التي سجلت هذا الحادث الخطير، ووصفته ووصفت أبطاله بأوجز وصف وأروعه، وذلك قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ( ١٧٣ ) ﴾. ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( ١٧٥ ) ﴾. ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ( ١٧٤ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٢:ثم تصدت الآيات الكريمة لوصف هذا الصف الخاص من المؤمنين الذين استبشر بهم من سبقوهم من الشهداء، وذلك ابتداء من قوله تعالى :﴿ الْمُؤْمِنِينَ( ١٧١ ) الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾.
ولإدراك مغزى هذه الآيات وفهم معناها لابد من إلقاء بعض الأضواء على الحادثة التي ارتبطت بها.
ذلك أن مشركي قريش بعدما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد، وكروا راجعين إلى ديارهم، تحركت في نفوسهم الأحقاد، واشتغلت في قلوبهم نيران الحسرة والندم، وطغت عليهم روح الغرور والحمية، فأخذوا يرددون فيما بينهم مقالات خبيثة تكشف عن خطة جديدة ولئيمة، أخذت ترتسم في أذهانهم، بغية استئصال شأفة المسلمين، مثل قولهم :" لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا " ومثل قولهم :" أصبنا محمدا وأصحابه ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم ". فبلغ ذلك إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى ملاحقة المشركين من ورائهم، غير أنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن باللحاق به والسير في ركابه لهذا الغرض إلا لمن حضر موقعة أحد وثبت معه فيها، وعندما أذن مؤذن رسول الله في الناس كان يقول :" لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ".
ورغما عن الحالة الأليمة التي كان عليها أولئك المسلمون، إذ هم مثخنون بالجراح، ولا يزال شريط يوم أحد بأهواله يمر أمام أعينهم، فإنهم استجابوا لنداء رسول الله، لم يتخلف منهم أحد، طاعة لله، وفداء لرسوله، وكان الرسول يرمي من وراء ذلك إلى إفساد خطة المشركين الجديدة التي تناقلتها الأخبار، وإلى إلقاء الرعب في قلوبهم، بإبراز ما عليه المسلمون من جلد وقوة إيمان، وإظهار أن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، ولم يفت في عضدهم، وقد كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير في طليعة المسلمين الذين تعقبوا المشركين، فلما وصلوا إلى مكان يقال له " حمراء الأسد " على ثمانية أميال من المدينة رآهم المشركون فهالهم الأمر، وقذف الله الرعب في قلب زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، فانقلب وانقلبوا معه إلى مكة قافلين، بينما رجع رسول الله ومن معه إلى المدينة سالمين.
وفي هذه المناسبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد قذف الله في قلبه الرعب ورجع ".
والآن، وبعد الإتيان بهذا البيان الموجز نستطيع أن نتفهم الآيات الكريمة التي سجلت هذا الحادث الخطير، ووصفته ووصفت أبطاله بأوجز وصف وأروعه، وذلك قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ( ١٧٣ ) ﴾. ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( ١٧٥ ) ﴾. ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ( ١٧٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٢:ثم تصدت الآيات الكريمة لوصف هذا الصف الخاص من المؤمنين الذين استبشر بهم من سبقوهم من الشهداء، وذلك ابتداء من قوله تعالى :﴿ الْمُؤْمِنِينَ( ١٧١ ) الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾.
ولإدراك مغزى هذه الآيات وفهم معناها لابد من إلقاء بعض الأضواء على الحادثة التي ارتبطت بها.
ذلك أن مشركي قريش بعدما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد، وكروا راجعين إلى ديارهم، تحركت في نفوسهم الأحقاد، واشتغلت في قلوبهم نيران الحسرة والندم، وطغت عليهم روح الغرور والحمية، فأخذوا يرددون فيما بينهم مقالات خبيثة تكشف عن خطة جديدة ولئيمة، أخذت ترتسم في أذهانهم، بغية استئصال شأفة المسلمين، مثل قولهم :" لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا " ومثل قولهم :" أصبنا محمدا وأصحابه ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم ". فبلغ ذلك إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى ملاحقة المشركين من ورائهم، غير أنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن باللحاق به والسير في ركابه لهذا الغرض إلا لمن حضر موقعة أحد وثبت معه فيها، وعندما أذن مؤذن رسول الله في الناس كان يقول :" لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ".
ورغما عن الحالة الأليمة التي كان عليها أولئك المسلمون، إذ هم مثخنون بالجراح، ولا يزال شريط يوم أحد بأهواله يمر أمام أعينهم، فإنهم استجابوا لنداء رسول الله، لم يتخلف منهم أحد، طاعة لله، وفداء لرسوله، وكان الرسول يرمي من وراء ذلك إلى إفساد خطة المشركين الجديدة التي تناقلتها الأخبار، وإلى إلقاء الرعب في قلوبهم، بإبراز ما عليه المسلمون من جلد وقوة إيمان، وإظهار أن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، ولم يفت في عضدهم، وقد كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير في طليعة المسلمين الذين تعقبوا المشركين، فلما وصلوا إلى مكان يقال له " حمراء الأسد " على ثمانية أميال من المدينة رآهم المشركون فهالهم الأمر، وقذف الله الرعب في قلب زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، فانقلب وانقلبوا معه إلى مكة قافلين، بينما رجع رسول الله ومن معه إلى المدينة سالمين.
وفي هذه المناسبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد قذف الله في قلبه الرعب ورجع ".
والآن، وبعد الإتيان بهذا البيان الموجز نستطيع أن نتفهم الآيات الكريمة التي سجلت هذا الحادث الخطير، ووصفته ووصفت أبطاله بأوجز وصف وأروعه، وذلك قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ( ١٧٣ ) ﴾. ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( ١٧٥ ) ﴾. ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ( ١٧٤ ) ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٢:ثم تصدت الآيات الكريمة لوصف هذا الصف الخاص من المؤمنين الذين استبشر بهم من سبقوهم من الشهداء، وذلك ابتداء من قوله تعالى :﴿ الْمُؤْمِنِينَ( ١٧١ ) الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾. إلى قوله تعالى :﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾.
ولإدراك مغزى هذه الآيات وفهم معناها لابد من إلقاء بعض الأضواء على الحادثة التي ارتبطت بها.
ذلك أن مشركي قريش بعدما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد، وكروا راجعين إلى ديارهم، تحركت في نفوسهم الأحقاد، واشتغلت في قلوبهم نيران الحسرة والندم، وطغت عليهم روح الغرور والحمية، فأخذوا يرددون فيما بينهم مقالات خبيثة تكشف عن خطة جديدة ولئيمة، أخذت ترتسم في أذهانهم، بغية استئصال شأفة المسلمين، مثل قولهم :" لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا " ومثل قولهم :" أصبنا محمدا وأصحابه ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم ". فبلغ ذلك إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى ملاحقة المشركين من ورائهم، غير أنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن باللحاق به والسير في ركابه لهذا الغرض إلا لمن حضر موقعة أحد وثبت معه فيها، وعندما أذن مؤذن رسول الله في الناس كان يقول :" لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ".
ورغما عن الحالة الأليمة التي كان عليها أولئك المسلمون، إذ هم مثخنون بالجراح، ولا يزال شريط يوم أحد بأهواله يمر أمام أعينهم، فإنهم استجابوا لنداء رسول الله، لم يتخلف منهم أحد، طاعة لله، وفداء لرسوله، وكان الرسول يرمي من وراء ذلك إلى إفساد خطة المشركين الجديدة التي تناقلتها الأخبار، وإلى إلقاء الرعب في قلوبهم، بإبراز ما عليه المسلمون من جلد وقوة إيمان، وإظهار أن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، ولم يفت في عضدهم، وقد كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير في طليعة المسلمين الذين تعقبوا المشركين، فلما وصلوا إلى مكان يقال له " حمراء الأسد " على ثمانية أميال من المدينة رآهم المشركون فهالهم الأمر، وقذف الله الرعب في قلب زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، فانقلب وانقلبوا معه إلى مكة قافلين، بينما رجع رسول الله ومن معه إلى المدينة سالمين.
وفي هذه المناسبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد قذف الله في قلبه الرعب ورجع ".
والآن، وبعد الإتيان بهذا البيان الموجز نستطيع أن نتفهم الآيات الكريمة التي سجلت هذا الحادث الخطير، ووصفته ووصفت أبطاله بأوجز وصف وأروعه، وذلك قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ( ١٧٣ ) ﴾. ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( ١٧٥ ) ﴾. ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ( ١٧٤ ) ﴾.

وفي هذا السياق يجدد كتاب الله مرة أخرى بيان الحكمة الإلهية في ابتلاء المؤمنين وتمحيصهم بالنكبات والتضحيات، فيقول سبحانه وتعالى :﴿ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾. إذ في مثل هذه الوقائع والمواقع ترفع الحجب وتهتك الأستار. قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد، وقال قتادة : ميز بينهم بالهجرة والجهاد.
ومن الحديث عن المؤمنين الذين اتبعوا الشهداء بإحسان اتجه الخطاب الإلهي مباشرة إلى نبيه الأعظم يواسيه ويترفق به، في صيغة تدعو إلى السلوى والعزاء وترك الحزن جانبا، ذلك أن رسول الله –شفقة منه على الناس، وحرصا على خيرهم ونجاتهم- كان يحزن أشد الحزن لاستمرار المنحرفين في انحرافهم، وإصرار الكافرين على كفرهم ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤمِنِينَ ﴾.
ومضى الخطاب الإلهي يهدئ روع نبيه، ويجدد له الوعد بما ينتظره وأمته من الفتح المبين والنصر المكين. فلنستمع إلى الحق سبحانه وتعالى كيف يخاطب رسوله في هذا المقام :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ( ١٧٦ ) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ١٧٧ ) ﴾.
ومما يلاحظ هنا أن جملة ( لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً ) تكررت مرتين متتابعتين، في سياق هاتين الآيتين، إشارة إلى أن حزن رسول الله إنما كان من أجل الله لا من أجل نفسه، كما أنها تؤكد أن جميع المحاولات التي يحاولها الكافرون بالله وبدينه لن تقف عقبة كأداء في وجه انتشار الإسلام، ولن تحول دون انتصاره في مستقبل الأيام، فسينتشر دين الله في جميع أرجاء الأرض، وسيفرض وجوده على العالم، ولن تقف العقائد المضادة في وجه انتشاره زمنا طويلا ﴿ وَعدَ اللهِ حَقاًّ، وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٦:وفي هذا السياق يجدد كتاب الله مرة أخرى بيان الحكمة الإلهية في ابتلاء المؤمنين وتمحيصهم بالنكبات والتضحيات، فيقول سبحانه وتعالى :﴿ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾. إذ في مثل هذه الوقائع والمواقع ترفع الحجب وتهتك الأستار. قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد، وقال قتادة : ميز بينهم بالهجرة والجهاد.
ومن الحديث عن المؤمنين الذين اتبعوا الشهداء بإحسان اتجه الخطاب الإلهي مباشرة إلى نبيه الأعظم يواسيه ويترفق به، في صيغة تدعو إلى السلوى والعزاء وترك الحزن جانبا، ذلك أن رسول الله –شفقة منه على الناس، وحرصا على خيرهم ونجاتهم- كان يحزن أشد الحزن لاستمرار المنحرفين في انحرافهم، وإصرار الكافرين على كفرهم ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤمِنِينَ ﴾.
ومضى الخطاب الإلهي يهدئ روع نبيه، ويجدد له الوعد بما ينتظره وأمته من الفتح المبين والنصر المكين. فلنستمع إلى الحق سبحانه وتعالى كيف يخاطب رسوله في هذا المقام :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ( ١٧٦ ) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ١٧٧ ) ﴾.
ومما يلاحظ هنا أن جملة ( لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً ) تكررت مرتين متتابعتين، في سياق هاتين الآيتين، إشارة إلى أن حزن رسول الله إنما كان من أجل الله لا من أجل نفسه، كما أنها تؤكد أن جميع المحاولات التي يحاولها الكافرون بالله وبدينه لن تقف عقبة كأداء في وجه انتشار الإسلام، ولن تحول دون انتصاره في مستقبل الأيام، فسينتشر دين الله في جميع أرجاء الأرض، وسيفرض وجوده على العالم، ولن تقف العقائد المضادة في وجه انتشاره زمنا طويلا ﴿ وَعدَ اللهِ حَقاًّ، وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧٦:وفي هذا السياق يجدد كتاب الله مرة أخرى بيان الحكمة الإلهية في ابتلاء المؤمنين وتمحيصهم بالنكبات والتضحيات، فيقول سبحانه وتعالى :﴿ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾. إذ في مثل هذه الوقائع والمواقع ترفع الحجب وتهتك الأستار. قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد، وقال قتادة : ميز بينهم بالهجرة والجهاد.
ومن الحديث عن المؤمنين الذين اتبعوا الشهداء بإحسان اتجه الخطاب الإلهي مباشرة إلى نبيه الأعظم يواسيه ويترفق به، في صيغة تدعو إلى السلوى والعزاء وترك الحزن جانبا، ذلك أن رسول الله –شفقة منه على الناس، وحرصا على خيرهم ونجاتهم- كان يحزن أشد الحزن لاستمرار المنحرفين في انحرافهم، وإصرار الكافرين على كفرهم ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤمِنِينَ ﴾.
ومضى الخطاب الإلهي يهدئ روع نبيه، ويجدد له الوعد بما ينتظره وأمته من الفتح المبين والنصر المكين. فلنستمع إلى الحق سبحانه وتعالى كيف يخاطب رسوله في هذا المقام :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ( ١٧٦ ) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ١٧٧ ) ﴾.
ومما يلاحظ هنا أن جملة ( لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً ) تكررت مرتين متتابعتين، في سياق هاتين الآيتين، إشارة إلى أن حزن رسول الله إنما كان من أجل الله لا من أجل نفسه، كما أنها تؤكد أن جميع المحاولات التي يحاولها الكافرون بالله وبدينه لن تقف عقبة كأداء في وجه انتشار الإسلام، ولن تحول دون انتصاره في مستقبل الأيام، فسينتشر دين الله في جميع أرجاء الأرض، وسيفرض وجوده على العالم، ولن تقف العقائد المضادة في وجه انتشاره زمنا طويلا ﴿ وَعدَ اللهِ حَقاًّ، وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ﴾.

وفي هذا الربع آية كريمة تنعى على البخلاء بخلهم مرة أخرى، وتدعو المسلمين إلى البذل والإنفاق في سبيل الله، ترفيها عن أمتهم، وتدعيما لدولتهم، وتعرفهم بأن ما يكسبونه من ثروة إنما هو وديعة من الله بين أيديهم استخلفهم فيها، فلا ينبغي لهم أن يبخلوا بالعطاء من مال الله في سبيل الله، وذلك قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( ١٨٠ ) ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾. ليس معناه كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان أن الإسلام يحض على إهمال المصالح المادية المشروعة، أو أنه يدعو إلى الزهد في معالجة الشؤون الدنيوية الضرورية لحياة الإنسان الفردية والاجتماعية، بل إن كل ما يقوم به أود الفرد والجماعة من الضروريات والحاجيات، بل حتى التحسينيات والكماليات، يدعو الإسلام إلى اقتنائه، ويحض على تناوله، في عشرات الآيات ومختلف السور، كقوله تعالى في سورة البقرة ﴿ يَأيُّهَا الذِينَ آمنوا كُلُوا من طَّيِبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم واشكُرُوا لِلهِ ﴾. الآية، وقوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ قُل مَن حَرَّم زِينَةَ اللهِ التِي أَخرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِبَاتِ مِنَ الرِّزقِ ﴾.
وإنما المراد من قوله تعالى هنا :﴿ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ( ١٨٥ ) ﴾. وما شابهه أن يحافظ المسلم في حياته على التوازن بين المادة والروح، وأن ينظر إلى الحياة الدنيا نظرة واقعية، فيقدرها بقدرها، ويتناول ما هو لازم منها، ولا ينسى متطلبات الرحلة المنتظرة بعدها، والمرحلة الطويلة التي تعقبها، بل يتأهب لها، ويستعد لمواجهتها بالزاد الكافي، عن وعي تام، وبغاية الاهتمام، فبعد مفارقة دار التكليف والعمل، يكون زاد التقوى وحده هو معقد الرجاء والأمل.
الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٦:الربع الثاني من الحزب الثامن
في المصحف الكريم
يتناول القسم الأخير من سورة آل عمران في هذا الربع وصف الامتحان الإلهي الذي يتعرض له المؤمنون الصادقون. وعاقبة صبرهم عليه ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ الآية.
ويتناول وصف المدعين المتبجحين وجزاء ادعاءاتهم الكاذبة ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُّحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا ﴾ الآية.
ويتناول وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، ويسجل انطباعاتهم عن الكون والمكون، ويعرض نماذج من مناجاتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين ربهم ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ﴾- ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾- ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ إلى آخر الآيات.
ويتناول وصف فريق من أهل الكتاب آمنوا بالله وبالرسول ﴿ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾.
ويتناول حض المسلمين على الصبر والصلاة والمصابرة والرباط والتقوى حتى يكونوا من المفلحين :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ونظرا لكثرة الموضوعات في هذه الحصة سنعالج منها ما يتسع له الوقت، مؤجلين بقيتها إلى أول مناسبة قادمة إن شاء الله.
وإذن فلننظر في أول آية من هذا الربع، وهي قوله تعالى في خطاب المؤمنين ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ﴾.
كلنا يعلم أن الفضل كل الفضل في انتشار الدعوة الإسلامية وانتصارها والإقبال على اعتناقها في أطراف العالم إنما يرجع إلى ما بذله سلفنا الصالح بكل سخاء وبدون حساب، من جهود عظيمة وتضحيات جسيمة، خالصة لوجه الله، بالأرواح والأموال، وكل من له مسكة من العقل والعلم والدين يدرك بالبداهة أن كل شبر من دار الإسلام-على سعتها وترامي أطرافها-إنما هو تراب زكي معطر بدماء المجاهدين في سبيل الله، الذين أخذوا على عاتقهم هداية البشرية إلى دين الله، ثم استودعوه بين أيدينا، وتركوا أمر المحافظة عليه أمانة في أعناقنا، وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم قد ربى المسلمين أحسن تربية، وأعدهم أكمل إعداد، لتحمل أعباء الدعوة الإسلامية، والتضحية في سبيلها بالنفس والنفيس، وأن الخطاب الإلهي المذكور الذي وجهه الحق سبحانه وتعالى إليهم قد استجابوا له وتقبلوه أحسن قبول، وذلك مصداق قوله تعالى ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ وكلنا يعلم ما تعرض له الإسلام منذ نشأته الأولى، وما يتعرض له إلى الآن وحتى الآن، من الأذى البالغ والمكر السيئ الذي يوجهه إليه في شتى الأشكال مخالفوه من أهل الكتاب أولا، ومن غيرهم ثانيا، فمن تحريف لكتاب الله وتزييف لمعانيه، ومن تشويه لتاريخ الإسلام وعقائده، ومن تهجم على شعائره وشرائعه بالنقد السخيف والنقص الباطل، ومن محاولات متوالية لبلبلة أفكار المسلمين، وبث الحيرة والشك في نفوسهم، ونشر الإباحية والفوضى في أوساطهم، فضلا عما تعرض له الإسلام في بعض الأزمات والأوقات من إبادة الآثار الإسلامية، وقضاء على بدائع التراث الإسلامي، وضغط على العناصر الإسلامية لتندمج في غيرها مكرهة، أو تفنى وتبيد بالمرة.
وهكذا أثبت تاريخ الإسلام والتاريخ العام أن القرآن الكريم كان صادقا كل الصدق عندما قرر للمسلمين من أول يوم أنهم سيكونون عرضة للأذى من طرف أهل الكتاب وغيرهم، وأن هذا الأذى لن يكون قليلا وإنما سيكون أذى كثيرا، وذلك مصداق قوله تعالى وهو يخاطب المؤمنين خطابا مؤكدا ﴿ وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الّذِينَ أَشرَكُوا أّذىً كَثِيراً ﴾.
وبعد هذا الخبر الغيبي الصادق، والخطاب الإلهي المؤكد، المتضمن لما سيتعرض له المسلمون من ابتلاء وإيذاء، جاء التعقيب عليه بآية أخرى تنبه المسلمين إلى أن عدتهم الأولى للتغلب على ضعف أنفسهم وعلى أذى أعدائهم إنما هي الصبر والتقوى، وكلاهما من الأمور الشاقة التي لا يقوى عليها إلا أهل العزائم من أولي العزم ﴿ وَإن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور( ١٨٦ ) ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠ ) ﴾.
ولولا ما تحلى به سلفنا الصالح من صبر على القيام بالواجبات، وصبر على تحمل المكاره، وما التزموه من تقوى الله، التي جعلتهم يقظين حذرين من ذات أنفسهم، فضلا عن الحذر من أعدائهم، لما حققوا معجزة الفتح الروحي لعقيدة الإسلام، التي اكتسحت العقائد المخالفة في هذا العالم الإسلامي الفسيح، حيث يعيش المسلمون اليوم.
على أن كتاب الله طمأن في نفس الوقت رسوله والمؤمنين، على مصير الإسلام والمسلمين، ووعدهم بظهور دينه على الكافرين، فقال تعالى ﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧ ) ﴾
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، ( ١٩٠ ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( ١٩١ ) ﴾. فاتحة الآيات العشر، المعروفة في الإسلام بخواتيم سورة آل عمران، وهي الآيات التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقرأ بها إذا قام من الليل للتهجد قبل صلاة الصبح، وفي شأنها جاء الأثر ( ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها ).
وهذه الآية الأولى من العشر الخواتيم دعوة صريحة موجهة من الحق سبحانه وتعالى إلى المسلمين، ليستعملوا ما وهبهم الله من العقول في النظر إلى ملك الله، والتفكر في ملكوته، بغية التعرف عليهما، واكتشاف سننهما، وعن طريقهما يتعرفون إلى عظيم قدرته، ويلمون بدقيق حكمته.
وفي ذلك إيماء إلى أن الله تعالى لم يخلق الألباب والعقول لتبقى معطلة مشلولة دون أن تؤدي وظيفتها، وإنما خلقها وميز بها الإنسان عن غيره، ليصل بها إلى أعلى درجات العلم واليقين، في الحدود التي تسمح بها طبيعة التكوين البشري، ماديا وعقليا.
وقد كانت هذه الآية وما ماثلها هي نقطة الانطلاق بالنسبة للفكر الإسلامي في جميع البيئات والعصور، فانطلقت العقول من عقالها، وعالجت بالبحث والاكتشاف أكثر جنبات الكون وزواياه، وكان من ذلك التراث الإسلامي الذي لم يسبق له نظير في تاريخ الفكر، لا من جهة التنوع، ولا من جهة التعمق، ولا من جهة الأصالة والابتكار.
وقوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ ﴾، حكاية عن الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، هو تصوير كاشف للنهاية المنطقية والحتمية التي يصل إليها المفكر المؤمن عن طريق تأمله في الملك والملكوت، إذ تلوح له حكمة بديع السماوات والأرض وقدرته وعلمه على وجهها الكامل، وذلك منسجم مع قوله تعالى في سورة النساء :﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاءَ والأرضَ ومَا بَينَهُمَا لاَعِبينَ ﴾، وقوله تعالى في سورة الدخان-﴿ ومَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأرضَ ومَا بينَهُمَا لاَعِبينَ، مَا خَلَقنَاهُما إلآَّ بالحقِّ، ولَكِنَّ أَكُثرَهُم لاَ يَعلَمونَ ﴾،
وبعدما حكى كتاب الله هذا القول عن أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، إعجابا منهم بقدرته وحكمته، حكى قولهم أيضا في مناجاته ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ( ١٩٢ ) ﴾ إعرابا عن خوفهم من عقابه، وتجنبهم لأسباب خزيه وعذابه، ثم حكى قولهم في مناجاته ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ( ١٩٣ ) ﴾ شهادة على أنفسهم بالإيمان بالله ورسوله، وأملا في الالتحاق بركب ( الأبرار ) الأبرار الذين ضربوا الرقم القياسي في " البر " حتى عرفوا بوصفه بين الناس، إذ بروا بملتهم وأمتهم وأسرتهم برورا يشمل الآباء والأبناء والأرحام، وجميع أهل الإسلام.
وأخيرا حكى الحق سبحانه وتعالى قوله في مناجاته :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤ ) ﴾ ثقة منهم بوعد الله الذي جاء على ألسنة رسله، ذلك الوعد الذي ينتظره الأبرار الصالحون في موعده بكل ثقة واطمئنان.
وبعدما حكى كتاب الله نماذج من مناجاة المؤمنين الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه، وكشف النقاب عن دخائل نفوسهم، ومكنونات ضمائرهم، ليعرفهم على حقيقتهم إلى بقية الناس، عاد فأثبت أن الحق سبحانه وتعالى لم يخيب رجاءهم، بل حقق أملهم واستجاب دعاءهم، ووعد على لسان الحق سبحانه وتعالى أن لا يضيع عمل عامل منهم، ذكرا كان أو أنثى، مشيرا بذلك إلى أن باب الذكر والفكر مفتوح في وجه المؤمنين والمؤمنات على السواء، وأنه لا فرق بينهم في مجال التقرب إلى الله، والتسابق للحصول على رضاه، وذلك قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ( ١٩٥ ) ﴾.
وقوله تعالى في وصف الذين يذكرون الله ويتفكرون في خلقه :﴿ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ معناه بالأصالة أن هذا الصنف من المؤمنين قد بلغوا من الحساسية واليقظة والوعي ما جعلهم لا يغفلون أبدا، بل يستغرقون في الذكر والفكر في كل الأحوال، لا فرق عندهم بين قيام وقعود، ولا بين وقوف ومشي، ولا بين اضطجاع على الجنب واستلقاء على الظهر، إذ الفكر الذي يدفع إلى الذكر إنما هو جوهر روحاني، ومصباح نوراني، يستطيع أن يقوم بوظيفته في كل الأحوال، ولا يتعطل عنها بحال، كما يصدق بالتبع على ذكر الله في الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) وهذا هو من باب التيسير والتخفيف، بالنسبة لبعض الأعذار الطارئة على ا

Icon