تفسير سورة القمر

حومد
تفسير سورة سورة القمر من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عَنِ اقْتِرابِ السَّاعَةِ التِي تَقُومُ فيها القِيَامَةُ، وَيَنْتَهِي أَمْرُ الدُّنيا فِيها، وأنَّ مِنْ عَلاَمَاتِ اقتِرابِ السَّاعةِ انِشْقَاقَ القَمَرِ، واضْطِرابَ أَمْرِ الكَوْنِ.
وَقَالَ بَعْضُ المُفَسِّرينَ مُسْتَنِدينَ إِلى إِحاديثَ صَحِيحةٍ: إِنَّ حَادِثَ انِشِقَاقِ القَمَرِ قَدْ وَقَعَ فِعلاً قبلَ هِجرَةِ الرَّسولِ ﷺ بحوالي خَمْسِ سنينَ، فَقدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا الرَّسُولَ ﷺ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فأَراهُمُ القَمَرَ شِقَّينِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ (جَبَلَ مَكَّةَ) بَيْنَهما. وفي رِوايةٍ لابنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: انشَقَّ القَمرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِرْقَتينِ فرقةً على الجبلِ وفرقةً دُونَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: اشْهَدُوا. وَلكنَّ مُفَسِّرينَ آخرينَ يَرَوْنَ أَنَّ القَمرَ لم يَنْشَقَّ فَعْلاً. وأَنَّ الإِنشقاقَ سَيحدثُ حينَما يَقْتَرِبُ قِيَامُ السَّاعَةِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ تعالى اسْتَعْمَلَ صِيغَة المَاضِي في التَّعبيرِ عَنِ اقْتِرَابِ السَّاعةِ وانِشْقَاقِ القَمَرِ تَأْكِيداً إِلَى أَنَّ الحَدَثَينِ وَشِيكا الوُقُوعِ.
﴿آيَةً﴾
(٢) - وَإِذَا رَأَى هؤُلاءِ المُكَذِّبونُ حُجَّةً وَدَلِيلاً عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِكَ، أَعْرَضُوا عَنْها مُكَذِّبينَ بِها، وَقَالُوا: هذا الذِي رَأَيْنَاهُ هُوَ سِحرٌ سَحَرنَا بِهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ يَفْعَلُ ذلِكَ السِّحرَ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ.
مُسْتَمِرٌّ - دَائِمٌ أَوْ مُحْكَمٌ.
(٣) - وَكَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ، واتَّبَعُوا مَا أَمَرَتْهُم بِهِ أَهْوَاؤُهُمْ لجَهْلِهِمْ، وَسَخَافَةِ عُقُولِهِمْ، وَكُلُّ شَيءٍ يَنْتَهي إِلى غَايَةٍ تُنَاسِبُهُ، وَتَتَماثَلُ مَعَهُ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيها. وَأَمرُ هؤُلاءِ المُشْرِكِينَ سَيَنْتَهِي إِلى الفَشَلِ وَالخِدْلاَنِ في الدُّنيا، وَإِلى العَذابِ الأَبَدِيِّ في الآخِرَةِ. وَأَمْرُكَ سَيْنْتَهِي إِلى النَّصْرِ وَالعلوِّ يَا مُحَمَّدُ.
مُسْتَقِرٌّ - مُنْتَهٍ إِلى غَايَةٍ يَسْتَقِرُّ عَلَيهَا.
(٤) - وَلَقَدْ جَاءَ هؤُلاءِ المُشْرِكينَ مِنَ أَخْبَارِ الأُمَمِ السَّالِفَةِ التي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَمَا حَلَّ بِها، وَكَيفَ دَمَّرَهُمْ اللهُ تَعَالى تَدْمِيراً، مَا فِيهِ واعِظٌ وَزَاجِرٌ عَنِ الشِّرْكِ وَعَنِ التَّمادي فِي التَّكْذِيبِ.
مُزْدَجَر - ازْدِجَارٌ وانْتِهَارٌ وَرَدْعٌ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ.
﴿بَالِغَةٌ﴾
(٥) - وإِنَّ الذِي جَاءَهُم مِنَ الأَنْبَاءِ عَنْ مَصِيرِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ لَهُوَ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ في الهدَايةِ والإِرْشَادِ إِلى طَريقِ الحقِّ لمَنْ فَكَّرَ وَتَدَبَّرَ، وَلَكِنْ مَا الذِي تُغْنِيهِ النُّذُرُ، وَمَا الذي يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْها كُتِبَتْ عَلَيهِ الشَّقَاوَةُ، وَخَتَمَ اللهُ عَلَى سَمْعِه وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ؟ وَمَنْ ذا الذِي يَهْدِيه مِنْ بَعْدِ اللهِ؟
النُّذُرُ - الرُّسُلُ، أَوِ الأُمُورُ المُخَوِّفَةُ لَهُمْ.
(٦) - فأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هؤلاءِ المُشْرِكينَ، وَلا تُجَادِلْهم لأنَّ ذلِكَ لَنْ يُجدْيَ شَيْئاً، لأنَّهُمْ بَلَغُوا في العُتُوِّ والعِنَادِ حَدّاً لا يَقْتَنِعُونَ مَعَهُ بِحُجَّةٍ وَلاَ بِبُرْهَانٍ، وانْتَظِر مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ في يَوْمِ الحِسَابِ وَالعِقَابِ، يَوْمِ القِيَامةِ، وَهُوَ اليَومُ يَدْعُو فِيهِ الدَّاعي إِلى شَيءٍ مُنْكَرٍ فَظِيعٍ شَدِيدَ الهَوْلِ.
شَيءٍ نُكُرٍ - مُنْكَرٍ فَظِيعٍ - وَهُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ.
﴿أَبْصَارُهُمْ﴾
(٧) - وَحِينَ يَدْعُوا الدَّاعي، يَخْرُجُ الكَافِرُونَ في ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ القُبُورِ، وَأَبْصَارُهُم خَاشِعَةٌ ذليلةٌ، وَهُمْ يَسِيرُونَ وَكَأنَّهُم في انتِشَارِهِمْ، وَسُرْعَةِ سَيرِهِمْ، جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ في الآفَاقِ.
الأجْدَاثِ - القُبُورِ.
﴿الكافرون﴾
(٨) - وَيَتْبَعُونَ الدَّاعي، وَهُمْ مُسْرِعُونَ في سَيْرِهِمْ، لا يُخَالِفُونَ وَلاَ يَتَأخَّرونَ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (أَوْ يَقُولُونَ في أنفُسِهِمْ) : إِنَّ هذا اليَوْمَ لَيَوْمٌ عَسِيرٌ، شَدِيدُ الهَوْلِ.
مُهْطِعِينَ - مُسْرِعِينَ في مَشْيِهِمْ، وَهُمْ يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ.
يَوْمٌ عَسِرٌ - صَعْبٌ، شَدِيدٌ، لِعِظَمِ أَهْوَالِهِ.
(٩) - كَذَّبَتْ قَبْلَ هؤُلاءِ المُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، قَوْمُ نُوحٍ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ عَبْدُنَا نُوحٌ كَذَّبُوهُ، وَرَمَوْهُ بِالجُنُونِ، وَزَجَرُوهُ، وانتَهَرُوهُ، وَتَوَعَّدُوهُ، وَقَالُوا لَهُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومينَ - كَمَا جَاءَ في آيَةٍ أُخْرَى.
وَازْدُجِرَ - انْتَهِرَ وَزُجِرَ عَنْ تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ بِالسَّبِّ والإِيذَاءِ.
(١٠) - فَدَعَا نُوحٌ رَبَّهُ قَائِلاً: يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي غَلَبُونِي، وَإِنَّني ضَعِيفٌ لاَ أَسْتَطِيعُ مُقَاوَمَتَهُمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ مِنْهُمْ لِدِينِكَ، بِعِقابٍ مِنْ عِنْدِكَ، عَلَى كُفْرِهِمْ بِكَ، وَعَلى تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَكَ.
مَغْلُوبٌ - مَقْهُورٌ.
فَانْتَصِرْ - فَانْتَقِمْ أَنْتَ يَا رَبِّ مِنْهُمْ.
﴿أَبْوَابَ﴾
(١١) - فأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً غَزِيراً يَنْهَمِرُ انْهِمَاراً.
أَبْوابَ السَّماءِ - السَّحَابَ.
مُنْهَمِرٍ - يَنْصَبُّ بِشِدَّةٍ وَغَزَارَةٍ.
(١٢) - وَأَمَرْنَا الأَرْضَ بِأَنْ تَتَفَجَّرَ عُيُوناً وَيَنابيعَ، فَالتَقَى مَاءُ السَّماءِ مَعَ مَاءِ الأَرْضِ، عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ، اللهُ، وَهُوَ إِحْدَاثُ طُوفَانٍ يُهْلِكُ هؤُلاءِ الكَفَرَةَ الفَجَرَةَ.
فجَّرْنا الأَرْضََ عُيُوناً - شَقَقْنَاها.
أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ - أَمْرٍ قَدَّرْنَاهُ مِنَ الأَزَلِ - أَيْ هَلاَكِهِمْ بِالطُّوفَانِ.
﴿حَمَلْنَاهُ﴾ ﴿أَلْوَاحٍ﴾
(١٣) - وَأَنْقَذْنَا نُوحاً وَأَهْلَهُ، وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ في سَفِينَةٍ ذَاتِ ألْوَاحٍ ضَخْمَةٍ مِنَ الخَشَبِ مُثْبَتَةٍ بِمَسَامِيرَ.
دُسُرٍ - مَسَامِيرَ ضَخْمَةٍ تَشُدُّ الأَلْواحَ.
(١٤) - وَكَانَتِ السَّفِينَةُ تَجْري عَلَى وَجْهِ المَاءِ بِمَنْ فِيها، وَهِيَ بِمَرْأَى مِنَّا وَتَحْتَ حِفْظِنَا وَكَلاَءَتِنَا، وَكَانَ ذلِكَ مِنَّا جَزَاءً عَادِلاً لِنُوحٍ الذِي كَذَّبَهُ قَوْمُهُ.
تَجِري بِأَعْيُننا - بِحِفْظِنا وَرِعَايِتنا أَوْ بِأَمْرِنا.
﴿تَّرَكْنَاهَا﴾ ﴿آيَةً﴾
(١٥) - وَلَقَدْ تَرَكْنَا حَادِثةَ إِغْراقِ قَوْمِ نُوحٍ، وَإِنْجَاءَ الرَّسُولِ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ في السَّفِينَةِ عِبرَةً وَعِظَةً للأُمَمِ التَّالِيَةِ لِيَرَوا مَا فَعَلَ اللهُ بِالمُكَذِّبينَ، فَلا يَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِمْ.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنى هُوَ: أَنَّ اللهَ تَعَالى تَرَكَ السَّفِينَةَ مُلْقَاةً في الأَرْضِ أَمداً طَوِيلاً لِيَراهَا النَّاسُ وَيَتَّعِظُوا بِها)، وَلكِنْ هَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ بِتِلكَ المُعْجِزَةِ العَظِيمةِ، الحَرِيَّةِ بالتَّفكِير والتَّدَبُّر؟
تركْنَاها آيةً - أَبْقَيْنَاهَا عِظَةً وَعِبْرَةً.
(١٦) - وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالى الكَفَرَةَ المُعَانِدِينَ فَيَقُولُ لَهُمْ: كَيْفَ وَجَدْتُمْ عَذابيَ لِمَنْ كَفَرَ بي، وَكَذَّبَ رُسُلي، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِمَا جَاءَتْ بهِ نُذُري؟ وَكَيفَ انَتَصَرْتُ لِرُسُلي، وَأَهْلَكْتُ الكَافِرينَ المُعَانِدِينَ؟ لَقَدْ كَانَ أَخْذِي شَدِيداً وَعَذابِي أَلِيماً.
نُذُرِ - إِنْذَارِي.
﴿القرآن﴾
(١٧) - وَلَقَدْ جَعَلْنا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى، يَسِيرَ اللَّفْظِ، لِيَقْرأَهُ النَّاسُ وَيَتَدَبَّرُوا مَعَانِيَهُ، وَيَتَّعِظُوا بِما جَاءَ فِيهِ، وَلكِنْ هَلْ مَنْ مُتَّعظٍ بِهِ، مُزْدَجرٍ بِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟
(١٨) - وَلَقَدْ كَذَّبَتْ عَادٌ هُوداً فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِ، كَمَا فَعَلَ قَوْمُ نُوحٍ، فَكَيْفَ كَانَ عَذابي لمنْ كَفَرَ بِي، وَكَذَّبَ رُسُلي، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِما جَاءَتْ بِهِ نُذُرِي؟
وَكَيفَ انْتَصَرْتُ لِرُسُلِي، وَأَهْلَكْتُ الكَافِرينَ المُعَانِدِينَ؟ لَقَدْ كَانَ أَخْذِي شَدِيداً، وَعَذابِي أَلِيماً.
(١٩) - فَأَرْسَلْنا عَلَى عَادٍ، حِينَما تَمَادَوا في الكُفْرِ والطُّغْيَانِ، رِيحاً شَديدةً فَي عَصْفِهَا، وَفي بُرُودتِها، فِي أَيَّامِ شُؤْمٍ وَنَحْسٍ عَلَيهِمْ، اسْتَمَرَّتْ في هُبُوبها عَليهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيةَ أَيَّامٍ بِصُورَةٍ مُتَتَالِيةٍ حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ جَميعاً.
رِيحاً صَرْصَراً - شَدِيدَةَ البُرُودَةِ وَالهُبُوبِ.
يَوْمِ نَحْسٍ - يَوْمِ شُؤْمٍ.
مُسْتَمِرٍّ - دَائِمٍ نَحْسُهُ، أَوْ مُحْكَمٍ.
(٢٠) - تَقْتَلِعُ النَّاسَ وَتُلْقِيهِمْ هَلْكَى وَكَأَنَّهُمْ جُذُوعُ نَخْلٍ قَدِ انْقَلَعَتْ مِنْ مَغَارِسِها، وَأُلقِيَتْ في الأَرْضِ.
تنْزِعُ - تَقْتَلِعُ مِنَ المَغَارِسِ وَتَرْمِي إِلى الأَرْضِ.
أَعْجَازُ نَخْلٍ - أُصُولُهُ.
مُنَقَعِرٍ - مُنْقَلِعٍ مِنْ مَغْرِسِهِ.
(٢١) - ثُمَّ يُهدِّدُ اللهُ تَعَالى الكَفَرَةَ المُعَانِدينَ فَيَقُولُ: كَيفَ كَانَ عَذابِي لمنْ كَفَرَ بي، وَكَذَّبَ رُسُلي، وَلَم يَتَّعِظْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ نُذُرِي، وَكَيفَ انْتَصَرْتُ لِرُسلي، وَأَهْلَكْتُ الكُفَّارَ المُعَانِدينَ؟ لَقَدْ كَانَ أَخْذِي شَدِيداً، وَعَذابي أليماً.
﴿القرآن﴾
(٢٢) - وَلَقَدْ جَعَلْنَا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى، يَسِيرَ اللَفْظ، لِيَقْرأَهُ النَّاسُ وَيَتَدَبَّروا مَعَانَيه، وَيَتَّعِظوا بِمَا جَاءَ فِيه، وَلكِنْ هَلْ مِنْ مُتَّغِظٍ بهِ، مُزْدَجِرٍ بِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟
(٢٣) - كَذَّبَتْ ثَمْودُ رَسُولَهُمْ صَالحاً الذِي جَاءَهُمْ يُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللهِ وَبَأْسَهُ إِنْ أَصَرُّوا عَلَى الكُفْرِ والطُّغْيانِ، وَمَنْ كَذَّبَ رَسُولاً فَقَدْ كَذَّبَ الرُّسُلَ جَميعاً.
﴿وَاحِداً﴾ ﴿ضَلاَلٍ﴾
(٢٤) - إِنَّنا إِذا اتَّبَعْنا رَجُلاً وَاحِداً مِنّا، وَأَسْلَمْنا إِليهِ قِيَادَنا، وَآمَنَّا بِما يَدْعُونا إِليهِ، فَإِنَّنا إِذاً لَضَالُّونَ عَنِ الصِّراطِ السَّوِيِّ، فَاقِدُوا العُقُولِ.
سُعُرٍ - جُنُونٍ أَوْ شِدَّةِ العَذَابِ أَو شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ.
﴿أَأُلْقِيَ﴾
(٢٥) - أَأَنْزِلَ عَلَيهِ وَحْيُ اللهِ مِنْ بَيْنِنا، وَاخْتَارَهُ اللهُ لِيَكُونَ نَبِيَّهُ مِنْ دُونِنا، وَمَا هُوَ إِلاَّ بَشَرٌ مِنَّا وَلَيْسَ مَلَكاً؟ فَكَيفَ يَكُونُ ذلِكَ؟ إِنَّهُ بِلا شَكٍّ كَذَّابٌ مُتَجَاوِزُ الحَدِّ في كَذِبِهِ، يُريدُ بِادِّعَائِهِ النُّبُوَّةَ، وَإِنزَالَ الوَحْي عَلَيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سُلْطَانٌ وَمُلْكٌ عَلَينا.
الأَشِرُ - البَطِرُ والبَطَرُ هُوَ دَهَشٌ يَعْتَرِي الإِنْسَانَ مِنْ سُوءِ احْتِمَالِ النِّعْمَةِ، وَقِلَّةِ القِيَامِ بِحَقِّهَا.
(٢٦) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هؤُلاءِ المُكَذِّبينَ مُهَدِّداً وَمُتَوعِّداً فَيَقُولُ: إِنَّهُم سَيَعْلَمُونَ حِينَ يَنْزِلُ بِهِم العَذَابُ غَداً مَنْ هُوَ الكَذَّابُ البَطِرُ، أَهُوَ صَالحٌ رَسُولُ اللهِ، الذِي جَاءَ يَدْعُوهُمْ إِلى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لاَ يُريدُ عَلَى ذَلِكَ أَجْراً وَلاَ مَالاً، أَمْ هُمْ، وَهُمُ الكَفَرَةُ المُتَعَنِّتُونَ، المُتَكَبِّرُونَ عَنِ الحَقِّ؟
﴿مُرْسِلُواْ﴾
(٢٧) - إِنَّا سَنُخْرِجُ لَهُمُ النَّاقَةَ مِنَ الصَّخْرَةِ كَمَا طَلَبُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ صَالحٍ، لِتَكُونَ آيةً لَهُمْ، وَحُجَّةً عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِمْ، وَلِتُكُونَ فِتْنَةً واخْتِبَاراً لَهُمْ، أَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَيَتَّبِعُونَ رَسُولَ اللهِ، وَيُقْلِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيه مِنَ الكُفْرِ والطُّغْيَانِ والفَسَادِ في الأَرْضِ؟ أَمْ إِنَّهُم يَتَوَلَّوْنَ وَيُعْرِضُونَ؟ وَاصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ فَيُهْلِكهُمْ جَميعاً، وَيُنْجِيكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
فِتْنَةً لَهُمْ - امْتِحَاناً وابتِلاءً لَهُمْ.
(٢٨) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى أَنَّه أَمَرَ رَسُولَهُ صَالِحاً بأَنْ يُعْلِمَ قَوْمَه أَنَّ مَاءَ بِئْرِ القَرْيَةِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاقَةِ، يَوْمٌ للنَّاقَةِ وَيَوْمٌ لِلْقَومِ. وَكُلُّ حِصَّةٍ مِنْهُ يَحْضُرُ صَاحِبُها لِيأْخُذَها في اليَوْمِ المُخَصَّصِ لَهُ، فَتَحْضُرُ النَّاقَةَ يَوْماً، وَيَأْتُونَ هُمْ يَوْماً آخَرَ.
(وَقِيلَ إِنَّ حَيَوانَاتِ القَريةِ كَانَتْ تَنْفِرُ مِنَ النَّاقَةِ فَلاَ تَرِدُ المَاءَ إِذا كَانَتِ النَّاقَةُ عَليهِ، فَصَعُبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ).
قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ - مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ، هُمْ وَالنَّاقَةُ.
مُحْتَضَرٌ - يَحْضُرُ صَاحِبُهُ لأَخْذِهِ.
الشِّربُ - النَّصِيبُ أَوِ الحِصَّةُ مِنَ المَاءِ.
(٢٩) - فَمَلَّتْ ثَمُودُ هذِهِ القِسْمَةَ، وَاسْتَثْقَلَتْهَا، وَأَرادَتِ الخَلاَصَ مِنْها، فَنَادَوْا أَشْقَاهُمْ، وَحَثُّوهُ عَلَى قَتْلِ النَّاقَةِ، فَقَامَ بِذلِكَ الأَمرِ المُنْكَرِ، وَقَتَلَ نَاقَةَ اللهِ، بَعْدَ أَنْ ضَرَبَ قَوائِمَهَا، وَأَلْقَاهَا أَرْضاً ثُمَّ ذَبَحَها.
تَعَاطَى - اجْتَرأ عَلَى مُبَاشَرَةِ الأَمْرِ العَظِيمِ.
عَقَرَ النَّاقَةَ - ضَرَبَ قَوائِمَها وأَلْقَاهَا أَرْضاً ثمَّ ذَبَحَهَا.
(٣٠) - فَكَيفَ كَانَ عَذابي لِمَنْ كَفَرَ بي، وَكَذَّبَ رُسُلي، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ نُذُري، وَكَيْفَ انتَصَرْتُ لرُسُلِي وَأَهْلَكْتُ الكَافِرِينَ المُعَانِدينَ، لَقَدْ كَانَ أَخْذِي شَديداً وَعَذابي ألِيماً.
﴿وَاحِدَةً﴾
(٣١) - لَقَدْ أَرْسَلْنا عَلَيهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَهَلَكُوا جَمِيعاً، وَأَصْبَحُوا مُلقَيْنَ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ كَالعُشْبِ البَالي، الذِي يَجْمَعُهُ صَاحِبُ الحَظِيرةَ لماشِيتِهِ.
الهَشِيمُ - العُشْبُ اليَابِسُ المُتَفَتِّتُ.
المُحْتَظِرِ - صَاحِبِ الحَظِيرَةِ.
﴿القرآن﴾
(٣٢) - وَلَقَدْ جَعَلْنَا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى، يَسِيرَ اللَفْظِ لِيَقْرأَهُ النَّاسُ، وَيَتَدَبِّروا مَعَانيهَ، وَيَتَّعِظُوا بِمَا جَاءَ فِيهِ، وَلكِنْ هَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ بِهِ، مُزْدَجرٍ بِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟
(٣٣) - كَذَّبَ قَوْمُ لُوطٍ نَبِيَّهُم لُوطاً فِيما جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهم مِنْ آياتٍ، وَفِيما أَنْذَرَهُمْ بِهِ مِنْ عَذَابٍ.
﴿آلَ﴾ ﴿نَّجَّيْنَاهُم﴾
(٣٤) - إِنَّا عَاقَبنَاهُمْ بِإِرْسَالِ رِيحٍ تَحْمِلُ الحَصْبَاءَ، وَتَقْذِفُهُمْ بها حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ جَميعاً، إِلا آلَ لُوطٍ فَقَدْ أَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالى بِالخُرُوجِ مِنَ القَريةِ وَقْتَ السَّحَرِ، فَخَرَجُوا آخرَ الليْلِ، فَكَانَ في ذلِكَ نَجَاتُهُمْ مِنَ الهَلاَكِ.
حَاصِباً - رِيحاً تَرْمِيهِمْ بِالحَصْبَاءِ.
بِسَحَرٍ - وَقْتَ السَّحَرِ أيْ آخرَ الليْلِ.
(٣٥) - وَكَانَ إِنْجَاؤنا آلَ لُوطٍ مِنَ الهَلاَكِ الذِي حَلَّ بالقَوْمِ نِعْمَةً منَّا عَلَيهم، وَهكذا نَجْزِي مَنْ شَكَرَ نِعْمَتَنا عَلَيهِ بِالطَّاعَةِ.
(٣٦) - وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لُوطٌ، عَلَيهِ السَّلامُ بِأَنَّ اللهَ سَيُنْزِلُ بِهِمْ بَأْسَهُ وَعَذابَه إِذا اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ بما جَاءَهُمْ بهِ نَبيُّهُم، فَلَمْ يَهْتَمُّوا بِما قَالَهُ لَهُمْ، وَشَكُّوا فيهِ، وَتَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ.
بَطْشَتَنا - أَخذَتَنا الشَّدِيدَةِ بِالعَذَابِ.
تَمَارَوْا - شَكُّوا.
﴿رَاوَدُوهُ﴾
(٣٧) - وَجَاءَ قَومُ لُوطٍ إِلى لُوطٍ حِينَما عَلِمُوا أَنَّ لدَيهِ ضُيوفاً صِباحَ الوُجُوهِ، يَطلبونَ إِليهِ أن يُسَلِّمَهُمْ ضُيُوفَه ليفْعَلُوا الفَاحِشةَ فِيهِمْ (مِن إتيانِ الرِّجال شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ). ولمَّا أَلَحُّوا في طَلَبِهِم مِنْ لُوطٍ طَمَسَ اللهُ أَعْيُنَهُمْ فَلَمْ يَعُودُوا يَرَوْنَ شيئاً، فَانْصَرَفُوا إِلى مَنَازِلهم، وَهُمْ لاَ يَرَونَ طَريقَهم. وَقُلنا لَهُمْ ذُوقوا عَذابي الذِي أَنْذَرْتُكُمْ عََلَى لِسانِ رَسُولي، فَشَكَكْتُم فِيما قَالَه لَكُم وَلم تَتَّعِظُوا.
رَاودُوه عَنْ ضِيفِه - طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُمَكِّنَهمْ مِنْ فِعْلِ الفَاحِشَةِ بِضُيُوفِهِ.
فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ - أَعْمَينا أَعيُنَهُمْ أَوْ أَزَلْنا أَثرَها بِمَسْحِها.
(٣٨) - وَلَقَدْ نَزَلَ بِهِم العَذَابُ فِي وَقْتِ البُكُورِ، وَمَا زَالَ مُلِحاً عَلَيهِمْ مُسْتَمرّاً حَتَّى أَهْلَكَهُم جَميعاً، وَلم يُبقِ لَهُم في أَرْضِهِمْ مِنْ بَاقيةٍ.
مُسْتَقِرٌّ - دَائِمٌ مُسْتَمِرٌ.
البُكْرَةُ - وَقْتُ البكُورِ مِنَ اليَوْمِ، مِنَ الفَجْرِ حَتَّى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
(٣٩) - فَذُوقُوا جَزَاءَ أَفْعَالِكُمْ مِنْ عَذَابٍ عَاجِلٍ، وَمَا لَزِمَ مِنْ إِنْذَارِكُمْ مِنْ عَذابٍ آجِلٍ.
﴿القرآن﴾
(٤٠) - وَلَقَدْ جَعَلْنَا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى، يَسِيرَ اللَفْظِ لِيَقْرأَهُ النَّاسُ، وَيَتَدبَّروا مَعَانيَه، وَيتَّعِظُوا بِمَا جَاءَ فِيهِ، وَلكِنْ هَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ بهِ، مُزْدَجِرٍ بِهِ عَنْ مََعَاصِيهِ؟
﴿آلَ﴾
(٤١) - وَلَقَدْ جَاءَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَومِهِ بِآياتٍ بَيِّنَاتٍ، وَمُعْجِزاتٍ بَاهِراتٍ (وَهِيَ تِسْعُ آياتٍ: اليَدُ والعَصَا والطُّوفَانُ وَالجَرَادُ.. الخ) وفِيها إِنْذَارٌ وَتَحْذِيرٌ إِذا اسْتَمَرُّوا مُقِيمِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَفَسَادِهِمْ في الأَرْضِ.
﴿بِئَايَاتِنَا﴾ ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾
(٤٢) - فَكَذَّبُوا بِهَذِهِ الآيَاتِ كُلِّها، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ عَلَى كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ عِقَابَ العَزيزِ الذِي لا يُغَالَبُ وَلاَ يُقَاوَمُ، المُقْتَدِرِ غَيْرِ الضَّعِيفِ وَغَيرِ العَاجِزِ.
﴿أُوْلَئِكُمْ﴾
(٤٣) - أَكُفَّارُكُم، أَيَّها المُشْرِكُونَ مِنْ قُريشٍ، خَيْرٌ وأَفْضَلُ مِنْ كُفَّارِ الأُمَمِ السَّالِفَةِ الذِينَ أَبادَهُمُ اللهُ (أُولئِكُمْ)، أَمْ إِنَّكُمْ تَمْلِكُونَ بَرَاءَةً مِنَ اللهِ عَلى أَنَّهُ لَنْ يُوقِعَ بِكُمْ عَذَابَه وَنَكَالَهُ، فَأَنْتُمْ تَعْتَمِدُونَ عَلَى هذِهِ البَرَاءَةِ، وَتَطْمَئِنُّونَ إِليهَا؟
الزُّبُرِ - الصُّحُفِ أَوِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ.
(٤٤) - أَمْ يَقُولُ هؤلاءِ المُشْرِكُونَ: نَحْنُ وَاثِقُونَ بِقُوَّتِنَا وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِنا، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ يَدٌ أَنْ تَمْتَدَّ إِلينا بِسُوءٍ؟
نَحْنُ جَميعٌ - نَحْنُ جَمَاعَةٌ مُجْتَمِعٌ أَمْرُنا.
مُنْتَصِرٌ - مُمْتَنِعٌ لا يُغْلَبُ.
(٤٥) - وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَى مَقَالَةِ هؤُلاءِ المُشْرِكِينَ وَعَلَى حُجَجِهِم السَّالِفَةِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ سَيُهْزَمُونَ وَسَيُغْلَبُونَ وَيُوَلُّونَ الأَدْبَارَ حِينَ يَلْتَقِي جَمْعُهُم بِالمُؤْمِنينَ جُنْدِ اللهِ، وَقَدْ هُزِمُوا شَرَّ هَزِيمَةٍ في مَعْرَكَةِ بَدْرٍ.
يُوَلُّونَ الدُّبُرَ - يَنْهَزِمُونَ في المَعْرَكَةِ مُوَلِّين أَدْبَارَهُمْ لِعَدُوِّهِمْ.
(٤٦) - وَقِيَامُ السَّاعَةِ هُوَ الوَعْدُ الذِي وُعِدُوا بأَنْ يُلاقُوا العَذَابَ فِيهِ، وَالعَذابُ الذِي سَيَحِلُّ بِهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ أَشَدُّ هَؤْلاً، وَأَكْثرُ قَسْوَةً، مِنَ العَذابِ الذِي يُلاقُونَه في الدُّنيا.
السَّاعةُ - يَوْمُ القِيَامَةِ.
أَدْهَى وَأَمَرُّ - أَعْظَمُ دَاهِيةً وَأَفْظَعُ مَرَارَةً مِنْ عَذَابِ الدُّنْيا.
﴿ضَلاَلٍ﴾
(٤٧) - إِنَّ المُشْرِكِينَ لَفي ضَلاَلٍ عَنِ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ، وَلَفِي عمَايَةٍ عَنِ الهُدى في الدُّنيا، وَسَيكُونُ مَصِيرَهُمُ العَذَابُ في نَارِ جَهَنَّمَ المُسْتَعِرَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
سُعُرٍ - جَمْعِ سَعيرٍ وَهُوَ النَّارُ المُتَلَظِّيَةُ - أَوْ هُوَ الجُنُونُ.
(٤٨) - وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ في النَّارِ، وَيُجرُّونَ فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ تَقْريعاً وَتَوْبِيخاً: ذُوقوا حَرَّ نَارِ جَهَنَّمَ وآلامَها جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رُسُلَ رَبِّكمْ وَجَحْدِكُمْ بآياتِه.
سَقَرُ - اسْمٌ مِنْ أَسْماءِ جَهَنَّمَ.
المَسُّ - المُلاَمَسَةُ وَتَعْنِي هُنَا الحَرَّ.
﴿خَلَقْنَاهُ﴾
(٤٩) - يُخبِرُ اللهُ تَعَالى عَنْ نُفُوذِ قُدْرَتِهِ في خَلْقِهِ فَيَقُولُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الخَلائِقَ جَميعاً بِتَقْدِيرِنا، وَكَونَّاهَا عَلَى مُقْتَضَى الحِكْمَةِ البَالِغَةِ، وَبِحَسَبِ السُّنَنِ التِي وَضَعْنَاهَا في الخَلِيقَةِ.
وهذا مِثْلُ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ وَجَاءَ في الصَّحِيحِ " اسْتَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وَلا تَقُلْ لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - بِتَقْدِيرٍ سَابِقٍ، أَوْ مُقَدّراً مُحْكَماً.
﴿وَاحِدَةٌ﴾
(٥٠) - يُخْبرُ اللهُ تَعَالى عَنْ نُفُوذِ مشِيئِتهِ في خَلْقِهِ فيقولُ: إِذَا أردْنا أمْراً قُلْنَا لَهُ: كُنْ. فَإِذا هُوَ كَائِنٌ، في مِثْلِ لَمْحِ البَصَرِ دُونَ إبْطَاءٍ وَلاَ تَأخِيرٍ، وَلاَ يَحْتَاجُ أمْرُنا إلى تَأكِيدِهِ مَرَّةً أُخْرَى.
إلاّ وَاحِدَةٌ - كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ هيَ (كُنْ).
(٥١) - وَلَقَدْ أهْلَكْنَا، يَا مَعْشَرَ قُريشٍ، أمثَالَكُم وَأشْبَاهَكُمْ مِنَ المُكَذِّبينَ مِنَ الأمَمِ الخَالِيةِ، واسْتَأصَلنَا شَأفَتَهُم فَهَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ مِنْكُم بِمَا أَنْزَلْنَاهُ بِهؤلاءِ مِنَ العَذَابِ والدَّمَارِ، وَمَا قدَّرنَاهُ عَلَيهِمْ مِنَ الخِزْيِ، فَيُنِيبَ إلى ربِّه، وَيُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بهِ العَذَابُ؟
أشْيَاعَكُمْ - أمْثَالَكُمْ وأشْبَاهَكُمْ في الكُفْرِ.
(٥٢) - وَكُلُّ شَيءٍ يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ مَسْطُورٌ في الصُّحُفِ التي في أيْدِي المَلاَئِكَةِ الكِرامِ البَرَرةِ المُوَكَّلِينَ بِهِمْ، وَهُو مُحْصى عَلَيهِم، وَسَيَجِدُونَهُ يَوْمَ القِيَامةِ حَاضراً لِيُحَاسَبُوا عليهِ.
في الزُّبُر - مَسْطُورٌ في صُحُفِ المَلاَئِكَةِ.
(٥٣) - وَلاَ يَنْسَى المَلاَئِكَةُ الكِرَامُ أنْ يُثْبِتُوا في هذِهِ الصُّحُفِ جَميعَ أعْمالِهمْ صَغِيرِهَا وَكَبيرِهَا، وَحِينَما يَرَوْنَ، يَوْمَ القِيَامَةِ، صَحِيفَةَ أعْمالِهم يَقُولُ الكَافِرُونَ: يَا وَيْلَتَنا مَا لِهذا الكِتَابِ لا يُغادِرُ صَغِيرةً وَلاَ كَبيرةً إلا أحْصَاهَا.
" وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِزَوْجَتِهِ عَائِشَةَ، رضْوانُ اللهِ عَلَيها: يَا عَائِشَةُ إيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ طَالِباً " (أخْرَجَهُ أحْمَدُ وَالنِّسَائِي).
مُسْتَطَرٌ - مَسْطُورٌ وَمَكْتُوبٌ في اللْوحِ المَحْفُوظِ.
﴿جَنَّاتٍ﴾
(٥٤) - وَبَعْدَ أنْ أخْبَرَ اللهُ تَعَالى عَنْ حَالِ الأشْقِيَاءِ، في الآياتِ السَّابِقَاتِ، وَمَا يُلاَقُونَه مِنَ العَذابِ وَالسَّحْبِ عَلَى الوُجُوهِ في النَّارِ، ذَكَر هُنا حَالَ السُّعَداءِ، فَقَالَ: إنَّ المؤْمِنينَ المتَّقِينَ يَكُونُونَ في الجَنَّاتِ نَاعِمينَ في الظِّلالِ الوَارِفةِ، وَالمآكلِ الشَّهِيَّةِ، وَالمَشَارِبِ اللذِيذَةِ، مُتَمَتِّعِينَ بِمَنَاظِرِ المِيَاهِ المُتَدَفِّقَةِ، وَالأنْهارِ الجَارِيةِ في أرْضِ الجَنَّةِ.
نَهَرٍ - أَنْهَارٍ.
(٥٥) - في دَارِ كَرَامَةِ اللهِ تَعَالى وَرِضْوَانِهِ وَفَضْلِهِ وَامتِنَانِهِ وجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، عِنْدَ المَلِيكِ العَظِيمِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَأحْسَنَ خَلقَهُ وَتَقَدِيرَهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلا يُعْجِزُهُ شَيءٌ.
مَقْعَدِ صِدْقٍ - مَكَانٍ مُرْضٍ.
Icon