تفسير سورة الأعراف

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٧ شرح إعراب سورة الأعراف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وأعن:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ قال الكسائي: أي هذا كتاب أنزل إليك، وقال الفراء «١» :
المعنى الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطّع كتاب أنزل إليك مجموعا. قال أبو إسحاق: هذا القول خطأ من ثلاث جهات: منها أنه لو كان كما قال لوجب أن يكون بعد هذه الحروف أبدا كتاب وقد قال الله جلّ وعزّ: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: ١، ٢] ومنها أنه لو كان كما قال ما لكانت «الم» في غير موضع كذا «حم»، ومنها أنه أضمر شيئين لأنه يحتاج أن يقدّر «الم» بعض حروف كتاب أنزل إليك ولا يكون هذا كقولك: اب ت ث ثمانية وعشرون حرفا، لأن هذا اسم للسورة كما تقول: الحمد سبع آيات والدليل على هذا أنه لا يجوز ط ظ ر ن ثمانية وعشرون حرفا. قال أبو جعفر: وقد أجاز الفراء هذا. فَلا يَكُنْ نهي وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من النون وحذفت الواو لسكونها وسكون النون وكانت أولى بالحذف لأن قبلها ضمة تدلّ عليها. حَرَجٌ اسم يكن والنهي في اللفظ للحرج وفي المعنى المخاطب. لِتُنْذِرَ بِهِ نصب بلام كي. وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ «٢» لم تنصرف لأن في آخرها ألف تأنيث وتكون في موضع رفع ونصب وخفض، الرفع عند البصريين على إضمار مبتدأ، وقال الكسائي: هي عطف على «كتاب»، والنصب عند البصريين على المصدر، وقال الكسائي: هي عطف على الهاء في «أنزلناه»، والخفض بمعنى للإنذار وذكرى للمؤمنين خفض باللام.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣]
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)
اتَّبِعُوا أمر وهو جزم عند الفراء وبناء عند سيبويه وَلا تَتَّبِعُوا جزم. مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٦٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٢٦٨.
مفعول ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث أي لا تعبدوا معه غيره قَلِيلًا نعت لظرف أو لمصدر. ما تَذَكَّرُونَ «١» تكون «ما» زائدة وتكون مع الفعل مصدرا والأصل تتذكّرون فأدغمت التاء في الذال لقربها منها وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي تذكرون فحذف التاء الثانية لاجتماع تاءين.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤)
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها في موضع رفع بالابتداء ويجوز النصب بإضمار فعل.
فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ قال الفراء «٢» : خفّفت الواو والمعنى أو وهم قائلون. قال أبو إسحاق: هذا خطأ إذا عاد الذكر استغني عن الواو تقول: جاءني زيد راكبا أو هو ماش ولا يحتاج إلى الواو.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥]
فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)
فَما كانَ دَعْواهُمْ خبر كان واسمها إِلَّا أَنْ قالُوا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦ الى ٧]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧)
فدلّ بهذا على أن الكفار يحاسبون وهذه لام القسم وحقيقتها أنها للتوكيد وكذا فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ خبر كان وبطل عمل ما.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨ الى ٩]
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)
وَالْوَزْنُ رفع بالابتداء الْحَقُّ خبره، ويجوز أن يكون الحق نعتا له والخبر يَوْمَئِذٍ ويجوز نصب الحق على المصدر. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ شرط وجوابه، وكذا وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ مصدر أي بظلمهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)
وقرأ الأعرج معائش «٣» بالهمز وكذا روى خارجة بن مصعب عن نافع. قال
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٢٦٨.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٧٢، والبحر المحيط ٤/ ٢٦٨.
(٣) وهي قراءة زيد بن علي والأعمش أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٢٧١، ومختصر ابن خالويه ٤٢.
أبو جعفر: والهمز لحن لا يجوز لأن الواحد معيشة فزدت ألف الجمع وهي ساكنة والياء ساكنة فلا بد من تحريك إذ لا سبيل إلى الحذف والألف لا تحرّك فحرّكت الياء بما كان يجب لها في الواحد ونظيره من الواو منارة ومناور ومقامة ومقاوم كما قال: [الطويل] ١٤٤-
وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن جرير ولا مولى جرير يقومها «١»
وكذا مصيبة ومصاوب هذا الجيد ولغة شاذّة مصايب. قال الأخفش: إنما جاز مصايب لأن الواحدة معتلّة. قال أبو إسحاق: هذا خطأ يلزمه أن يقول: مقايم، ولكن القول عندي أنه مثل وسادة وإسادة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
قال أبو جعفر: فقد ذكرنا معنى وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ استثناء من موجب. لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ في موضع الخبر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢]
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)
قالَ ما مَنَعَكَ ما في موضع رفع بالابتداء، وعند الكسائي بالعائد. والمعنى أيّ شيء منعك أَلَّا تَسْجُدَ في موضع نصب أي من أن تسجد. قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ابتداء وخبر. في أنا ثلاث لغات أفصحها: أنا فعلت بحذف الألف في الإدراج لأنها زائدة لبيان الحركة في الوقف. قال الفراء: وبعض بني قيس وربيعة يقولون: أنا فعلت بإثبات الألف في الإدراج. قال الكسائي: وبعض قضاعة يقولون: أان فعلت، مثل عان. وفي الوقف ثلاث لغات: أفصحها: أنا. قال الكسائي: ومن العرب من يقول: «أنه» قال الأخفش: ومن العرب من يقول: «أن» في الوقف.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦ الى ١٧]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي فيها ثلاثة أجوبة: يكون من الغيّ ويكون مثل أحمدت الرجل، وقيل: أغواه أي خيّبه. لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ أي لأقعدن لهم في الغيّ على
(١) الشاهد للأخطل في ديوانه ص ٢٣٣، وحماسة البحتري ص ٢١٢، والخصائص ٣/ ١٤٥، وشرح المفصل ١٠/ ٩٠، وللفرزدق في المقتضب ١/ ١٢٢، وبلا نسبة في شرح المفصل ١٠/ ٩٧، والمنصف ١/ ٣٠٦.
صراطك حذفت «على» كما حكى سيبويه: ضرب الظّهر والبطن وأنشد: [الكامل] ١٤٥-
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه فيه كما عسل الطّريق الثّعلب «١»
والتقدير على صراطك وفي صراطك وسمّي الدين صراطا لأنه الطريق إلى النجاة.
وأحسن ما قيل في معنى ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ في الضلالة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨]
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً على الحال وقرأ عاصم من رواية أبي بكر بن عيّاش لَمَنْ تَبِعَكَ «٢» بكسر اللام وأنكره بعض النحويين وتقديره- والله أعلم- من أجل من تبعك كما يقال: أكرمت فلانا لك وقد يكون المعنى: الدّحر لمن تبعك منهم. قال أبو إسحاق من قرأ «لمن تبعك» بفتح اللام فهي عنده لام قسم وهي توطئة لقوله لَأَمْلَأَنَّ وقال غيره: لمن تبعك هي لام توكيد لأملأنّ لام قسم الدليل على هذا أنه يجوز في غير القرآن حذف اللام الأولى ولا يجوز حذف الثانية، وفي الكلام معنى الشرط والمجازاة أي من تبعك عذّبته، ولو قلت: من تبعك أعذبه لم يجز إلّا أن تريد لأعذبنه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ نهي. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ جواب ويكون عطفا.
قال الأخفش: فَوَسْوَسَ لَهُمَا أي إليهما. ما وُورِيَ ويجوز في غير القرآن أوري مثل «أقّتت». إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ خبر تكونا و «أن» في موضع نصب بمعنى كراهة والكوفيون يقولون: لئلّا وقرأ يحيى بن أبي كثير والضحّاك إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ بكسر اللام ويجوز على هذه القراءة إسكانها ولا يجوز على القراءة الأولى لخفة الفتحة، وزعم أبو عبيد أن احتجاج يحيى بن أبي كثير بقوله وَمُلْكٍ لا يَبْلى [طه:
(١) الشاهد لساعدة بن جؤيّة الهذليّ في الكتاب ١/ ٦٩، وتخليص الشواهد ٥٠٣، وخزانة الأدب ٣/ ٨٣، والدرر ٣/ ٨٦، وشرح أشعار الهذليين ١١٢٠، وشرح التصريح ١/ ٣١٢، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥، ولسان العرب (وسط) و (عسل)، والمقاصد النحوية ٢/ ٥٤٤، ونوادر أبي زيد ص ١٥، وبلا نسبة في أسرار العربية ١٨٠، وجمهرة اللغة ٨٤٢، والخصائص ٣/ ٣١٩، وشرح الأشموني ١/ ١٩٧، ومغني اللبيب ص ١١، وهمع الهوامع ١/ ٢٠٠.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٤٢، وهي قراءة عاصم.
١٢٠] حجّة بيّنة ولكنّ الناس على تركها فلهذا تركناها «١». قال أبو جعفر: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ قراءة شاذة وقد أنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعل من الخطأ الفاحش وهل يجوز أن يتوهّم آدم صلّى الله عليه وسلّم أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين وإنما معنى وَمُلْكٍ لا يَبْلى المقام في ملك الجنّة والخلود فيه وقد بيّن الله جلّ وعز فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن فمنها هذا وهو إلّا أن يكونا ملكين ومنها وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام: ٥٠] ومنه لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
[النساء: ١٧٢] وقال الحسن: فضّل الله عزّ وجلّ الملائكة بالصور والأجنحة والكرامة، وقال غيره: فضّلهم الله جلّ وعزّ بالطاعة وترك المعصية فبهذا يقع التفضيل في كلّ شيء.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢١]
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١)
ليس «لكما» داخلا في الصلة وللنحويين فيه ثلاثة أقوال: قال هشام: التقدير إني ناصح لكما لمن الناصحين، وقال محمد بن يزيد: يكون لكما تبيينا كما تقول: مرحبا بك وبك مرحبا. قال محمد بن يزيد وقال المازني: وهو اختياري الألف واللام بمنزلتها في الرجل وليست بمعنى الذي ألا ترى أنك تقول: نعم القائم. ولا يجوز:
نعم الذي قام.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٢]
فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)
وقرأ الحسن فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما على واحدة والأجود الجمع ويجوز التثنية وقد ذكرناه في «سورة المائدة» «٢». وَطَفِقا «٣» ويجوز إسكان الفاء.
وحكى الأخفش طفق يطفق مثل ضرب يضرب وقرأ الحسن يَخْصِفانِ «٤» بكسر الخاء والأصل يختصفان فأدغم وكسر الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ ابن بريدة ويعقوب يَخْصِفانِ «٥» بفتح الخاء ألقى حركة التاء عليها، ويجوز يخصّفان بضم الياء من خصف يخصف والمعنى أنهما أمرا بترك اللّباس فبدت سوآتهما.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٣]
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
قالا رَبَّنا نداء مضاف والأصل يا ربنا وقيل في معنى «يا» معنى التعظيم.
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٤٢.
(٢) انظر المائدة: ٣١.
(٣) وقرأ أبو السّمال (وطفقا) بالفتح، انظر البحر المحيط ٤/ ٢٨١.
(٤) وهي قراءة الأعرج ومجاهد وابن وثاب أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٢٨١.
(٥) انظر البحر المحيط ٤/ ٢٨١، ومختصر ابن خالويه ٤٢. [.....]
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وقعت (إن) على (لم) لأن معناها مع ما بعدها الفعل الماضي.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٦]
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)
يا بَنِي آدَمَ نداء مضاف. قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وهو القطن والكتّان لأنهما يكونان من الماء الذي يكون من السماء، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وعاصم من رواية المفضّل الضبّي وأبو عمرو ومن رواية الحسين بن عليّ الجعفيّ ورياشا «١» ولم يحكه أبو عبيد إلا عن الحسن ولم يفسّر معناه وهو جمع ريش وهو ما كان من المال واللباس قال الفراء «٢» : ريش ورياش كما تقول: لبس ولباس وَلِباسُ التَّقْوى «٣» هذه قراءة أهل المدينة والكسائي، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم والأعمش وحمزة وَلِباسُ التَّقْوى بالرفع، والنصب على العطف وتم الكلام والرفع بالابتداء. وذلِكَ من نعته وخبر الابتداء خَيْرٌ ويجوز أن يكون «لباس» مرفوعا على إضمار مبتدأ أي وستر العورة ذلك لباس المتّقين وروي عن محمد بن يزيد أنه قال: الرفع والنصب حسنان إلّا أن النصب يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون ذلك إشارة إلى اللباس والآخر أن يكون إشارة إلى كل ما تقدّم فأما لباس التقوى ففيه قولان: أحدهما أن معنى أنزل لباس التقوى ما علّمه الله جلّ وعزّ وهدى به هذا في النصب، وفي الرفع على التمثيل، والقول الآخر أن معنى لباس التقوى لبس الصوف والخشن من الثياب مما يتواضع به لله جلّ وعزّ. وأولى ما قيل في النصب أنه معطوف و «ذلك» مبتدأ، أي ذلك الذي أنزلناه من اللباس والريش لباس التقوى خير من التقوى والتجرّد في طوافكم فإن رفعت فقرأت وَلِباسُ التَّقْوى فأولى ما قيل فيه أن ترفعه بالابتداء. وذلِكَ نعته أي ولباس التقوى ذلك الذي علمتموه خير لكم من لباس الثياب التي يواري سوآتكم ومن الرياش الذي أنزلناه إليكم فألبسوه ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ أي مما يدل على أنّ له خالقا. لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي ليكونوا على رجاء من التذكير.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)
يا بَنِي آدَمَ نداء مضاف. لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ نهي وهو مجاز مثل
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٢٨٣، ومختصر ابن خالويه ٤٣.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٧٥.
(٣) انظر تيسير الداني ٩٠.
وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢] أي كونوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت. كَما في موضع نصب نعت لمصدر. أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أب وأبة للمؤنث فعلى هذا قيل: أبوان ويقال في النداء: يا أبة للمذكر وبضم الهاء وبفتح.
يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما في موضع نصب على الحال ويكون مستأنفا. لِيُرِيَهُما نصب بلام إِنَّهُ يَراكُمْ الأصل يرأاكم ثم خفّفت الهمزة. هُوَ وَقَبِيلُهُ عطف على المضمر وهو توكيد وهذا يدلّ على أنه يقبح رأيتك وعمر وأنه ليس المضمر كالمظهر، وقيل:
إن قوله إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يدلّ على أن الجنّ لا يرون إلا في وقت نبيّ ليكون ذلك دلالة على نبوّته لأن الله جلّ وعزّ خلقهم خلقا لا يرون فيه وإنما يرون إذا نقلوا عن صورهم وذلك من المعجزات التي لا تكون إلّا في وقت الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ وحكى سيبويه: حيث. قال أبو إسحاق هي مبنيّة لعلّتين: إحداهما أنها لا تدلّ على موضع بعينه، والأخرى أنّ ما بعدها صلة لأنها لا تضاف ويقال: حوث وحوث وحكى الكوفيّون الكسر والإضافة. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي وصفناهم بهذا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٩]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)
كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الكاف في موضع نصب. أي تعودون كما بدأكم أي كما خلقكم أول مرّة يعيدكم. قال أبو إسحاق: هو متعلّق بما قبله أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٠]
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)
فَرِيقاً هَدى نصب بهدى. وَفَرِيقاً نصب بإضمار فعل أي وأضلّ فريقا وأنشد سيبويه «١» :[المنسرح] ١٤٦-
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا أملك رأس البعير إن نّفرا
والذّئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرّياح والمطرا
وقال الكسائي والفراء: التقدير يعودون فريقا هدى وفريقا أي يعودون فريقين.
قال الكسائي: وفي قراءة أبيّ تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم
(١) مرّ الشاهد رقم (١١٣).
الضلالة «١» قال الفراء: ولو كان مرفوعا لجاز وقرأ عيسى بن عمر أنّهم بفتح الهمزة بمعنى لأنهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٢]
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ابتداء وخبر أي هي خالصة يوم القيامة للذين آمنوا في الدنيا وهذه قراءة ابن عباس وبها قرأ نافع وسائر القراء يقرءون خالِصَةً على الحال أي يجب لهم في هذه الحال، وخبر الابتداء لِلَّذِينَ آمَنُوا والاختيار عند سيبويه النصب لتقدم الظرف. كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الكاف في موضع نصب نعت لمصدر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٣]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ نصب بوقوع الفعل عليها. ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل.
وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ قال الفراء «٢» : الإثم ما دون الحدّ، والبغي الاستطالة على الناس. قال أبو جعفر: فإمّا أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك وتحريم الخمر موجود نصّا في كتاب الله جل وعز وهو قوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: ٩٠] وحقيقة الإثم أنه جميع المعاصي كما قال: [الكامل] ١٤٧-
إنّي وجدت الأمر أرشده تقوى الإله، وشرّه الإثم «٣»
والبغي التجاوز في الظلم. وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ في موضع نصب عطف وكذا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يبيّن أن كلّ مشرك يقول على الله ما لا يعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٤]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أي الوقت المعلوم عند الله. لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ظرف زمان. وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فدلّ بهذا على أن المقتول إنما يقتل بأجله.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٧٦، والبحر المحيط ٤/ ٢٩٠.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٧٨.
(٣) الشاهد للمخبّل السعدي في ديوانه ص ٣١٦، ولسان العرب (ألا)، وديوان المفضليات ٢٢٤.

[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٥]

يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)
يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ شرط ودخلت النون توكيدا لدخول ما. فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ شرط وما بعده جوابه وهو وجوابه جواب الأول، وأصلح منكم وقيل المعنى فمن اتقى وأصلح فليطعم وحذف هذا ودلّ قوله جلّ وعزّ فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ إن المؤمنين يوم القيامة لا يخافون ولا يحزنون ولا يلحقهم رعب ولا فزع.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٦]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ابتداء. أُولئِكَ ابتداء ثان. أَصْحابُ النَّارِ خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ابتداء وخبر وكذا أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ لأن التقدير نائل لهم. حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ قال الخليل وسيبويه «١» في «حتّى» و «أمّا» و «إلا» لا يملن لأنهم حروف ففرق بينهنّ وبين الأسماء نحو حبلى وسكرى. قال أبو إسحاق:
تكتب «حتى» بالياء لأنها أشبهت سكرى ولو كتبت «إلا» بالياء لأشبهت «إلى» ولم تكتب «إما» بالياء لأنها «إن» ضمّت إليها «ما».
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٨]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨)
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ ظرف. حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا أي اجتمعوا وقرأ الأعمش تداركوا «٢» وهذا الأصل ثم وقع الإدغام فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ مجاهد حتى إذا أدركوا «٣» أي أدرك بعضهم بعضا. جَمِيعاً على الحال. قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما تجدون من العذاب.
(١) انظر الكتاب ٤/ ٢٤٨.
(٢) وهي قراءة ابن مسعود أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٢٩٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٢٩٨.

[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٩]

وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)
أي قد كفرتم وفعلتم كما فعلنا فليس تستحقون تخفيفا من العذاب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠)
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اسم «إن» والخبر في لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ هذه قراءة نافع وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي لا يفتح «١» بالباء على تذكير الجميع والتأنيث على تأنيث الجماعة والتخفيف يكون للقليل والكثير والتثقيل للكثير لا غير والتثقيل هنا أولى لأنه على الكثير أدلّ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤١]
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ التنوين عند سيبويه «٢» عوض من الياء وعند أصحابه عوض من الحركة. وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٢]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ابتداء والجملة الخبر ومعنى لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي إلا ما تقدر عليه وتتسع له.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٣]
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إن احتجت إلى جمع غلّ قلت: غلال. تَجْرِي في موضع نصب على الحال وقد يكون مستأنفا وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا فيه قولان:
أحدهما هدانا إلى ما أدّى إلى هذا، والقول الآخر أن المعنى الذي هدانا إلى الجنة بالتمكين لنا والتعريف. وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لام نفي. لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ «أن» في موضع رفع. وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ «أن» في موضع نصب مخفّفة من الثقيلة وقد يكون تفسيرا
(١) انظر تيسير الداني ٩٠.
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٣٤٢.
لما نودوا به فلا يكون لها موضع تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ابتداء وخبر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٤]
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ تميل من أجل الراء لأنها مخفوضة وهي بمنزلة حرفين ويجوز التفخيم. أَنْ قَدْ وَجَدْنا مثل «أن تلكم». فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا مفعولان. قالُوا نَعَمْ وقرأ الأعمش والكسائي قالُوا نَعَمْ «١» بكسر العين ويجوز على هذه اللغة إسكان العين. فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ «٢» أَنْ في موضع نصب على القراءتين ويجوز في المخففة أن لا يكون لها موضع وتكون مفسرة وحكى أبو عبيد أن الأعمش قرأ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ وحكى عصمة عن الأعمش أنه قرأ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ «٣» بكسر الهمزة فهذا على إضمار القول كما قرأ الكوفيون فناداه الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب إنّ الله.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٥]
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ في موضع خفض نعت للظالمين ويجوز الرفع والنصب على إضمار.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٦]
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وهو السّور الذي ذكره الله جلّ وعزّ. وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ أي وعلى أعراف السّور وهي شرفه ومنه عرف الفرس، وقد تكلّم العلماء في أصحاب الأعراف فقال قوم: هم ملائكة، وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم، ومن أحسن ما قيل فيه أنّ أصحاب الأعراف عدول القيامة وهم الشهداء من كل أمة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم فهم على السّور بين الجنة والنار وقال جلّ وعزّ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي سلمتم من العقوبة لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف أي لم يدخلوها بعد، وهم يطمعون على هذا التأويل وهم يعلمون أنّهم يدخلونها، وذلك معروف في اللغة أن يكون طمع بمعنى علم.
(١) انظر تيسير الداني ٩١.
(٢) انظر تيسير الداني ٩١، والبحر المحيط ٤/ ٣٠٣. [.....]
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٠٣.

[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٧]

وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)
وقد علموا أنه لا يجعلهم معهم فهذا سبيل التذلّل كما يقول أهل الجنة رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا [التحريم: ٨] ويقولون: «الحمد لله» على سبيل الشكر لله جلّ وعزّ ولهم في ذلك لذّة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٨]
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨)
أي من أهل النار.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٩]
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)
أَهؤُلاءِ إشارة إلى قوم المؤمنين الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة أي أقسمتم في الدنيا لا ينالهم الله في الآخرة برحمة يوبّخونهم بذلك وزيدوا غمّا بأن قيل لهم ادْخُلُوا الْجَنَّةَ وقرأ عكرمة دخلوا الجنة «١» بغير ألف والدال مفتوحة وقرأ طلحة بن مصرف أدخلوا الجنة «٢» بكسر الخاء على أنه فعل ماض.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٠]
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ مثل «أن تلكم الجنّة» وجمع تِلْقاءَ تلاقيّ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥١]
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً في موضع خفض نعت للكافرين وقد يكون رفعا ونصبا بإضمار كَما نَسُوا في موضع خفض بالكاف. وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ عطف عليه أي وكما كانوا بآياتنا يجحدون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٢]
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ أي بيّناه حتى يعرفه من تدبّره وقيل: فصّلناه أنزلناه متفرّقا. عَلى عِلْمٍ منّا به. هُدىً وَرَحْمَةً قال الفراء «٣» هو نصب على القطع. قال أبو
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٠٦، والمحتسب ١/ ٢٤٩.
(٢) وهي قراءة ابن وثاب والنخعي أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٣٠٦.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٠.
إسحاق: أي هاديا ذا رحمة فجعله حالا من الهاء التي في «فصّلناه». قال الكسائي والفراء: ويجوز هُدىً وَرَحْمَةً بالخفض «١». قال الفراء: مثل وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ [الأنعام: ٩٢]. قال أبو إسحاق: ويجوز «هدى ورحمة» بمعنى: هو هدى ورحمة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٣]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ بالهمز لأنه من آل يؤول وأهل المدينة يخفّفون الهمزة ويجعلونها ألفا، وفي معناه قولان: أحدهما هل ينظرون إلا ما وعدوا به في القرآن من العقاب والحساب، والقول الآخر هل ينظرون إلّا تأويله من النظر إلى يوم القيامة. يَوْمَ يَأْتِي نصب بيقول. فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ «من» زائدة للتوكيد. فَيَشْفَعُوا لَنا نصب لأنه جواب الاستفهام. أَوْ نُرَدُّ قال الفراء: المعنى أو هل نردّ وقال أبو إسحاق: هو عطف على المعنى أي هل يشفع لنا أحد أو نردّ وقرأ ابن أبي إسحاق أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ «٢» بنصبهما جميعا والمعنى إلّا أن نردّ كما قال امرؤ القيس: [الطويل] ١٤٨-
فقلت له لا تبك عينك إنّما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا «٣»
وقرأ الحسن أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ «٤» برفعهما جميعا والقراءة المجمع عليها أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ «٥». قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي لم ينتفعوا بها وكلّ من لم ينتفع فقد خسرها.
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ما كانوا يعبدونه من الأوثان.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٤]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤)
إِنَّ رَبَّكُمُ اسم «إنّ» (اللَّهُ) خبرها. الَّذِي نعت ويجوز في القرآن إن ربّكم الله
(١) في البحر المحيط ٤/ ٣٠٨ (بالخفض على البدل، وهي قراءة زيد بن عليّ).
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٤٤.
(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٦٦، والأزهية ١٢٢، وخزانة الأدب ٤/ ٢١٢، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٥٩، والكتاب ٣/ ٥١، وشرح المفصّل ٧/ ٢٢، والصاحبي في فقه اللغة ١٢٨، واللامات ص ٦٨، والمقتضب ٢/ ٢٨، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ٣١٣، والجنى الداني ص ٢٣١، والخصائص ١/ ٢٦٣، ورصف المباني ١٣٣، وشرح عمدة الحافظ ٦٤٤، واللمع ٢١١.
(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٤٤، والبحر المحيط ٤/ ٣٠٨.
(٥) هذه قراءة الجمهور، انظر البحر المحيط ٤/ ٣٠٨.
الذي يكون «الذي» الخبر. خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ولو أراد جلّ وعزّ خلقهما في أقلّ الأوقات لفعل ولكنّه علم أن ذلك أصلح ليظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يجعله له كالغشاء وهو في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون مستأنفا وكذا يَطْلُبُهُ حَثِيثاً نعت لمصدر محذوف. وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ قال الأخفش: هي معطوفة على السموات أي وخلق الشمس وروي عن عبد الله بن عامر وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ على الابتداء والخبر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٦]
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
اسم «إنّ» وخبرها «فأما قريب» ولم يقل قريبا ففيه ستة أقوال: من أحسنها أنّ الرحمة والرحم واحد وهي بمعنى العفو والغفران كما قال زياد الأعجم: [الكامل] ١٤٩-
إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا قبرا بمرو على الطّريق الواضح «١»
ومذهب الفراء «٢» أن قريبا إنما جاء بغير هاء ليفرق بين قريب من النسب وبينه، وقال من احتجّ له: كذا كلام العرب كما قال امرؤ القيس: [الطويل] ١٥٠-
له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم قريب ولا بسباسة ابنة يشكرا «٣»
قال أبو إسحاق: هذا خطأ لأن سبيل المذكر والمؤنّث أن يجريا على أفعالهما ومذهب أبي عبيدة «٤» أن تذكير قريب على تذكير المكان. قال علي بن سليمان: هذا خطأ ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا في القرآن كما تقول: إنّ زيدا قريبا منك.
قال أبو جعفر: والذي قاله أبو عبيدة قد أجاز سيبويه مثله على بعد كما قال لبيد:
[الكامل] ١٥١-
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه مولى المخافة خلفها وأمامها «٥»
فهذه ثلاثة أقوال، وقال الأخفش: يجوز أن يذكّر كما يذكّر بعض المؤنّث وأنشد: [المتقارب] ١٥٢-
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها «٦»
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٠).
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٠.
(٣) مرّ الشاهد رقم ٤٧.
(٤) انظر مجاز القرآن ١/ ٢١٦.
(٥) الشاهد للبيب بن ربيعة في ديوانه ص ٣١١، والكتاب ١/ ٤٧٥، وإصلاح المنطق ٧٧، والدرر ٣/ ١١٧، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧٠، وشرح المفصل ٢/ ١٢٩، ولسان العرب (أمم)، و (كلا)، و (ولي)، والمقتضب ٤/ ٣٤١، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٦٣، ولسان العرب (فرج). [.....]
(٦) الشاهد لعامر بن جوين في تخليص الشواهد ٤٨٣، والكتاب ٢/ ٤٢، وخزانة الأدب ١/ ٤٥، والدرر ٦/ ٢٦٨، وشرح التصريح ١/ ٢٧٨، وشرح شواهد الإيضاح ٣٣٩، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٤٣، ولسان العرب (أرض) و (بقل)، والمقاصد النحوية ٢/ ٤٦٤، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١/ ٣٥٢، وجواهر الأدب ١١٣، والخصائص ٢/ ٤١١، وشرح الأشموني ١/ ١٧٤، والردّ على النحاة ٩١، ورصف المباني ١٦٦، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٥٥٧، وشرح ابن عقيل ٢٤٤، وشرح المفصل ٥/ ٩٤، ولسان العرب (خضب) والمحتسب ٢/ ١١٢، ومغني اللبيب ٢/ ٦٥٦.
قال: ويجوز أن تكون الرحمة هاهنا للمطر، والقول السادس أن يكون هذا على النسب كما يقال: امرأة طالق وحائض.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٧]
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ ابتداء وخبر والرياح جمع ريح في أكثر العدد وفي أقلّه أرواح لأن الياء في ريح منقلبة من واو إذ كانت قبلها كسرة وهي ساكنة. بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ فيه ست قراءات «١» وسابعة تجوز: قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو نُشُراً بضم النون والشين وقرأ الحسن وقتادة نُشْراً بضم النون وإسكان الشين. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي نَشْراً بفتح النون وإسكان الشين وقرأ عاصم بُشْراً بالباء وإسكان الشين والتنوين وروي عنه بُشْراً بفتح الباء فهذه خمس قراءات، وقرأ محمد اليماني بشرى بين يدي رحمته في وزن حبلى، والقراءة السابعة بشرا «٢» بضم الباء والشين. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا معانيها في كتابنا المعاني وهي في موضع نصب على الحال وما كان منها مصدرا فهو مثل قوله: «قتلته صبرا». حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً يذكّر ويؤنّث وكذا كلّ جمع بينه وبين واحدته هاء ويجوز نعته بواحد فتقول: سحاب ثقيل وثقيلة. سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ وإلى بلد بمعنى واحد. كَذلِكَ الكاف في موضع نصب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٨]
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ رفع بالابتداء. يَخْرُجُ نَباتُهُ في موضع الخبر، وقرأ «٣» عيسى بن عمر يخرج نباته بإذن ربه بضم الياء والْبَلَدُ الطَّيِّبُ هو الطيّب تربته والذي خبث هو الذي في تربته حجارة وفي أرضه شوك شبّه سريع الفهم بالبلد الطيب. والبلد الذي خبث لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً نصب على الحال، وقرأ طلحة إِلَّا نَكِداً «٤» حذف الكسرة
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨١، والبحر المحيط ٤/ ٣٢٠، والمحتسب ١/ ٣٥٥، وتيسير الداني ٩١.
(٢) وهذه قراءة ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة، انظر البحر المحيط ٤/ ٣٢٠.
(٣) في البحر المحيط ٤/ ٣٢٢ قال: (وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر: يَخْرُجُ نَباتُهُ مبنيا للمفعول).
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٢٢.
لثقلها ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى ذا نكد وقرأ أبو جعفر إِلَّا نَكِداً فهذا مصدر بمعنى ذا نكد كما قال الخنساء: [البسيط] ١٥٣-
فإنّما هي إقبال وإدبار «١»
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٩]
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ الفاء تدلّ على أنّ الثاني بعد الأول يا قَوْمِ نداء مضاف ويجوز يا قومي على الأصل. اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هذه قراءة أبي عمرو وشيبة ونافع وعاصم وحمزة، وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش والكسائي وأبو جعفر غيره «٢» بالخفض وهو اختيار أبي عبيد. قال أبو عمرو: ولا أعرف الجر ولا النصب وقال عيسى بن عمر: النصب والجر جائزان. قال أبو جعفر: والرفع من جهتين: إحداهما أن يكون «غير» في موضع «إلّا» فتقول ما لكم إله إلّا الله وما لكم إله غير الله فعلى هذا الوجه لا يجوز الخفض لا يجوز: ما جاءني من أحد إلّا زيد لأن من لا يكون إلّا في الواجب. قال سيبويه: لأن «على» و «عن» لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان البتّة ثم قال: ولا «من» في الواجب، والوجه الآخر في الرفع أن يكون نعتا على الموضع أي ما لكم إله غيره والخفض على اللفظ، ويجوز النصب على الاستثناء وليس بكثير غير أنّ الكسائي والفراء أجازا نصب «غير» في كلّ موضع يحسن فيه «إلّا» في موضعها تمّ الكلام أو لم يتمّ، وأجازا ما جاءني غيرك. قال الفراء: هي لغة بعض بني أسد وقضاعة وأنشد: [البسيط] ١٥٤-
لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت حمامة في سحوق ذات أو قال «٣»
قال الكسائي: ولا يجوز جاءني غيرك لأنّ إلّا لا يقع هاهنا. قال أبو جعفر: لا يجوز عند البصريين نصب غير إذا لم يتمّ الكلام وذلك عندهم من أقبح اللحن. قال أبو إسحاق: وإنما استهواه- يعني الفراء- البيت الذي أنشده سيبويه منصوبا وإنما نصب غير في البيت لأنها مضافة إلى ما لا إعراب فيه فأما ما جاءني غيرك فلحن وخطأ.
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٢).
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٢٤.
(٣) الشاهد لأبي قيس بن الأسلت في ديوانه ص ٨٥، وجمهرة اللغة ١٣١٦، وخزانة الأدب ٣/ ٤٠٦، والدرر ٣/ ١٥٠، ولأبي قيس بن رفاعة في شرح أبيات سيبويه ٢/ ١٨٠، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٥٨، وشرح المفصل ٣/ ٨٠، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤/ ٦٥، والإنصاف ١/ ٢٨٧، وخزانة الأدب ٦/ ٥٣٢، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٥٠٧، وشرح التصريح ١/ ١٥، وشرح المفصّل ٣/ ٨١، والكتاب ٢/ ٣٤٤، ولسان العرب (نطق)، ومغني اللبيب ١/ ١٥٩، وهمع الهوامع ١/ ٢١٩.

[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٢]

أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)
أُبَلِّغُكُمْ «١» وأبلّغكم واحد كما يقال: أكرمه وكرّمه، وكما قال: [الطويل] ١٥٥-
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم «٢»
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٣]
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣)
أَوَعَجِبْتُمْ فتحت الواو لأنها واو عطف دخلت عليها ألف الاستفهام للتقرير وإنما سبيل الواو أن تدخل على حروف الاستفهام إلّا الألف لقوّتها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٥]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥)
وَإِلى عادٍ وإن شئت لم تصرفه يكون اسما للقبيلة كما قال جلّ وعزّ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى «٣» [النجم: ٥٠] ومن صرف جعله اسما للحيّ. أَخاهُمْ عطف وهو عطف البيان والتقدير وأرسلنا إلى عاد أخاهم هُوداً بدل والصرف وهو أعجميّ لخفّته لأنه على ثلاثة أحرف وقد يجوز أن يكون عربيا مشتقا من هاد يهود.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٧]
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧)
لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ ولو كان ليست جاز والتذكير لأنه مصدر وقد فرق بينه وبين الفعل.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٩]
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
خُلَفاءَ جمع خليفة على التذكير والمعنى وخلائف على اللفظ. وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً قال الفراء «٤» : ويروى أنّ أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم ستّين ذراعا.
ويجوز بَصْطَةً الصاد لأن بعدها طاء.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧١]
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)
(١) قراءة أبي عمرو، وباقي السبعة بالتشديد، انظر البحر المحيط ٤/ ٣٢٥، وتيسير الداني ٩١.
(٢) الشاهد عجز بيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٢، واللمع ص ٢١٥ وصدره:
«ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه»
(٣) انظر تيسير الداني ١٦٦، وهذه قراءة نافع وأبي عمرو.
(٤) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٤.
فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها وحذف المفعول الثاني أي سميتموها آلهة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٣]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)
وَإِلى ثَمُودَ لم ينصرف لأنه جعل اسما للقبيلة، وقال أبو حاتم: لم ينصرف لأنه أعجميّ وهذا غلط لأنه مشتقّ من الثمد وقد قرأ الفراء «١» أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ [هود:
٦٨] على أنه اسم للحيّ، وقرأ يحيى بن وثّاب وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً «٢» بالصرف.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٤]
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)
وقرأ الحسن وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ «٣» بفتح الحاء، وهي لغة وفيه حرف من حروف الحلق فلذلك جاء على فعل يفعل قرأ الأعمش ولا تعثوا «٤» بكسر التاء أخذا من عثي يعثى لا من عثا يعثو.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)
وَلُوطاً نصب لأنه عطف أي وأرسلنا لوطا ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى:
واذكروا، وكذا ما تقدّم من نظيره إلّا أن الفراء أجاز «٥» «وإلى عاد أخوهم هود» لأن له رافعا ولا يجوز عنده في لوط هذا. قال أبو إسحاق: زعم بعض النحويين يعني الفراء أن لوطا يكون مشتقا من لطت الحوض قال: وهذا خطأ لأن الأسماء الأعجمية لا تشتقّ. أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ استفهام فيه معنى التقرير. واختلف القراء في الذي بعده فقرأه
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠.
(٢) وهذه قراءة الأعمش أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٣٣٠، ومختصر لابن خالويه ٤٤. [.....]
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٤٤.
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٣٢.
(٥) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٣.
أبو عمر بالاستفهام إلّا أنه ليّن الهمزة فجعلها بين الهمزة والياء وقرأ عاصم وحمزة بالاستفهام أيضا غير أنهما حقّقا الهمزة فقرأ أانكم «١» وقرأ الكسائي ونافع الثاني بغير همزة وهو اختيار أبي عبيد، واحتجّ هو والكسائي جميعا بقوله عزّ وجل أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [الأنبياء: ٣٤] ولم يقل: أفهم وبقوله: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ [آل عمران: ١٤٤] ولم يقل: انقلبتم. قال أبو جعفر: وحكي عن محمد بن يزيد أنه كان يذهب إلى قول أبي عبيد والكسائي وهذا من أقبح الغلط لأنهما شبّها شيئين بما لا يشتبهان لأن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد فلا يكون فيهما استفهامان كالمبتدأ وخبره فلا يجوز: أفإن متّ أفهم الخالدون كمالا يجوز: أزيد أمنطلق وقصّة لوط صلّى الله عليه وسلّم فيها جملتان فلك أن تستفهم عن كل واحدة منهما ويجوز الحذف من الثانية لدلالة الأولى عليها إلا أن الاختيار تخفيف الهمزة الثانية وهذا قول الخليل وسيبويه. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ابتداء وخبر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٢]
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ ويكون الخبر أَنْ قالُوا فإذا نصبت فالاسم «أن قالوا» أي إلّا قولهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٣]
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ عطف على الهاء. إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من موجب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٤]
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً توكيد.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٥]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)
وَإِلى مَدْيَنَ لم تنصرف لأنها اسم مدينة وقيل: لأنها اسم قبيلة وقيل: للعجمة وأصحّها الأول. أَخاهُمْ عطف. فَأَوْفُوا الْكَيْلَ من أوفى ويقال: وفى وعلى هذه اللغة فأوفوا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٦]
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)
قال الأخفش وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ أي في كلّ صراط، وفلان بالبصرة وفي
(١) انظر تيسير الداني ٣٥.
البصرة واحد. تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ أي عن الطريق التي تؤدّي إلى طاعة الله جلّ وعزّ. وَتَبْغُونَها عِوَجاً مفعولان والتقدير يبغون لها عوجا. يقال: في الدين وفي الأمر عوج وفي العود عوج.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٧]
وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)
وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مذكّر على المعنى وعلى اللفظ كانت.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٩]
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩)
وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ «فيها» اسم يكون إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ في موضع نصب وفيه تقديران: قال أبو إسحاق: أي إلا بمشيئة الله جلّ وعزّ. قال: وهذا قول أهل السّنّة، والتقدير الآخر أنه استثناء ليس من الأول وفي معناه قولان: أحدهما: إلّا أن يشاء الله أن يتعبّدنا بشيء مما أنتم عليه، والقول الآخر: أن يكون مثل حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف: ٤٠].
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٣]
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وطلحة بن مصرف فكيف إيس على قوم كافرين «١» وهذه لغة تميم يقولون: أنا اضرب.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى مثل أو عجبتم وكذا أَوَأَمِنَ على هذه القراءة وروي عن نافع وجهان: روى قالون وأكثر الناس عنه أنه قرأ أَوَأَمِنَ «٢» بإسكان الواو، وروى عنه ورش أومن بتحريك الواو وإذهاب الهمزة والوجهان يرجعان إلى معنى واحد لأنه ألقى حركة الهمزة على الواو لمّا أراد تخفيفها وحذفها ومعنى أَوَهاهنا الخروج من شيء إلى شيء ونظيره قوله جلّ وعزّ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ [الإسراء: ٥٤].
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٤٩.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٥١.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٠]

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ بالياء فأن في موضع رفع على هذا وقرأ مجاهد وأبو عبد الرحمن بالنون أولم نهد «١» قال أبو عمرو والقراءة بالنون محال. قال أبو جعفر: يكون «أن» في موضع نصب على قراءة من قرأ بالنون بمعنى لأن أصبناهم ببعض ذنوبهم وتمّ الكلام ثم قال جلّ وعزّ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ ولا يكون معطوفا على أصبناهم لأن أصبناهم ماض ونطبع مستقبل، وأجاز الفراء «٢» العطف لأن المستقبل والماضي يقعان هاهنا بمعنى واحد.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠١]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١)
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ قال الأخفش أي فما كان ليحكم لهم بالإيمان بتكذيبهم أي ليسوا المؤمنين بتكذيبهم وقال غيره: هذا لقوم بأعيانهم كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ في موضع نصب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٢]
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ في موضع نصب فالمعنى وما وجدنا لأكثرهم عهدا ومن زائدة للتوكيد وفيه قولان: أحدهما أن يكون المعنى وما وجدنا لأكثرهم وفاء بالعهد أي وفاء عهد أي إذا عوهدوا لم يوفوا، والقول الثاني أن يكون العهد بمعنى الطاعة لأنّ على الإنسان الطاعة كما عليه الوفاء بالعهد. وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ الفراء يقول: المعنى وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين، وسيبويه يذهب إلى أنّ «إن» هذه هي الثقيلة خفّفت ولزمت اللام.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٥]
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥)
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هذه قراءة نافع وشيبة «٣»، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وأهل مكة وأهل الكوفة (على ألّا) «٤» مخفّفة بمعنى جدير وخلق يقال: فلان خليق بأن يفعل وجدير أن يفعل وعلى أن يفعل بمعنى واحد، ومعنى «حقيق عليّ»
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٥١.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٦.
(٣) انظر تيسير الداني ٩٢.
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٥٦.
واجب عليّ وأن على هذه القراءة في موضع رفع وهي في السواد موصولة في موضع ومفصولة في موضع. وقد تكلّم النحويون في ذلك فقال الملهم صاحب الأخفش سعيد ابن مسعد: من العرب من يدغم بغنّة ومنهم من يدغم بلا غنّة، فمن أدغم بغنّة كتبها مفصولة ومن أدغم بلا غنّة كتبها موصولة لأنه قد أذهب النون وما فيها من الغنّة، وقال القتبيّ: من نصب بها كتبها موصولة ومن لم ينصب بها كتبها مفصولة نحو أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا [طه: ٨٩] فهذه مفصولة لأن فيها إضمارا. قال أبو جعفر:
وسمعت أبا الحسن عليّ بن سليمان يقول لا يجوز أن يكتب من هذا شيء إلّا مفصولا لأنها «أن» دخلت عليها «لا».
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٧]
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ حذفت الواو لسكونها وسكون الألف ويجوز فألقى عصا هو فإذا هي بالواو بين الساكنين هاء. فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ابتداء وخبر، والمعنى مبين أنه ثعبان لا يلبس وهذه «إذا» التي للمفاجأة، تقول: خرجت فإذا عمرو جالس ويجوز النصب. قال الكسائي: لأن المعنى فاجأته. قال بعض البصريين لو كان كما قال لنصب الاسم. قال علي بن سليمان: سألت أبا العباس محمد بن يزيد كيف صارت «إذا» خبرا لجثّة فقال: هي هاهنا ظرف مكان قال علي بن سليمان: وهو عندي بمعنى الحدوث.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٠]
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ نصب بيريد. فَماذا تَأْمُرُونَ ويجوز أن يكون «قالوا» لفرعون وحده «فماذا تأمرون» كما يخاطب الجبّارون، ويجوز أن يكون «قالوا» له ولأصحابه و «ما» في موضع رفع على أنّ «ذا» بمعنى الذي وفي موضع نصب على أنّ (ما) و (ذا) شيء واحد.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١١]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١)
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ هذه قراءة أهل المدينة وعاصم والكسائي، وقرأ سائر أهل الكوفة أَرْجِهْ وَأَخاهُ «١» بإسكان الهاء، وقرأ عيسى بن عمر وأبو عمرو بن العلاء أرجئه وأخاه «٢» بهمزة ساكنة والهاء مضمومة. فالقراءة الأولى فيها ثلاثة أقوال: منها أن يكون على بدل الهمزة وقال الكسائي: تميم وأسد يقولون: أرجيت الأمر إذا أخّرته،
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٥٩، وتيسير الداني ٩٢.
(٢) انظر تيسير الداني ٩٢.
والقول الثالث قاله محمد بن يزيد قال: هو مأخوذ من رجا يرجو أي أطمعه ودعه يرجو وكسر الهاء على الاتباع ويجوز ضمّها على الأصل وإسكانها لحن ولا يجوز إلّا في شذوذ من الشعر والهمز جيد حسن لولا مخالفة السواد إلّا أنه يحتجّ لذلك بأنّ مثل هذا يحذف من الخط. وَأَخاهُ عطف على الهاء. حاشِرِينَ نصب بالفعل.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٢]
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
يَأْتُوكَ جزم لأنه جواب الأمر فلذلك حذفت منه النون، وقرأ الكوفيون إلّا عاصما بكلّ سحّار عليم «١» وقرأ سائر الناس ساحِرٍ وكذلك هو في السواد كلّه ويجب أن تجتنب مخالفة السواد.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٣]
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣)
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ وحذف ذكر الإرسال إليهم لعلم السامع.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٥]
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ «أن» في موضع نصب عند الكسائي والفراء «٢» كما قال: [البسيط] ١٥٦-
قالوا الرّكوب فقلنا تلك عادتنا»
قال الفراء: في الكلام حذف والمعنى: قال لهم موسى عليه السلام: إنكم لن تغلبوا ربّكم ولن تبطلوا آياته، وهذا من معجز القرآن الذي لا يأتي مثله في كلام الناس ولا يقدرون عليه يأتي باللفظ اليسير بجمع المعنى الكثير.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٦]
قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)
وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أي عظيم عندهم وليس بعظيم على الحقيقة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٧]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧)
وروي عن عاصم فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ مخفّفا ويجوز على هذه القراءة «تلقف لأنه من
(١) انظر تيسير الداني ٩٢، والبحر المحيط ٤/ ٣٦٠.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٨٩. [.....]
(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ١١٣، وخزانة الأدب ٨/ ٣٩٤، والدرر ٥/ ٨٠، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٦٥، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٧٦، والكتاب ٣/ ٥٦، والمحتسب ١/ ١٩٥، وبلا نسبة في همع الهوامع ٢/ ٦٠، وهو في الديوان:
لقف. ما يَأْفِكُونَ أي ما يكذبون لأنهم جاءوا بحبال وجعلوا فيها زئبقا حتّى تحرّكت وقالوا هذه حيّات.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١٩]
فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩)
وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ على الحال والفعل منه صغر يصغر صغرا وصغورا وصغارا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٠]
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠)
على الحال.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٦]
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦)
قال خارجة قرأ الحسن وَما تَنْقِمُ مِنَّا «١» قال الأخفش: هي لغة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٧]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧)
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ جواب الاستفهام، وقال الفراء: هو منصوب على الظرف، وفي قراءة أبيّ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وقد تركوا أن يعبدوك وَآلِهَتَكَ «٢». قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وسنقتّل على التكثير.
قال أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٠]
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ قال بالجوع، ومن العرب من يعرب النون في السنين وأنشد الفراء: [الوافر] ١٥٧-
«إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فإنا معشر نزل»
أرى مرّ السّنين أخذن منّي كما أخذ السّرار من الهلال «٣»
وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون ولكن أنشد في هذا ما لا يجوز غيره وهو قوله: [الوافر] ١٥٨-
وقد جاوزت رأس الأربعين «٤»
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٦٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٦٧، ومعاني الفراء ١/ ٣٩١.
(٣) الشاهد لجرير في ديوانه ٥٤٦، والدرر ١/ ١٣٥، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١/ ١٥٣، والمخصص ١٧/ ١٠٣، ولسان العرب (خضع)، والمقتضب ٤/ ٢٠٠، وهمع الهوامع ١/ ٤٧، وفي الديوان:
«رأت مرّ السنين»
(٤) الشاهد لسحيم بن وثيل في إصلاح المنطق ١٥٦، وتخليص الشواهد ص ٧٤، وتذكرة النحاة ٤٨٠، وخزانة الأدب ٨/ ٦١، وحماسة البحتري ١٣، والدرر ١/ ١٤٠، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٦٢٧، وشرح التصريح ١/ ٧٧، وشرح ابن عقيل ٤١، وشرح المفصل ٥/ ١١، ولسان العرب (نجذ) و (ربع)، و (دري)، والمقاصد النحوية ١/ ١٩١، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧/ ٢٤٨، وأوضح المسالك ١/ ٦١، وجواهر الأدب ١٥٥، وشرح الأشموني ١/ ٣٨، والمقتضب ٣/ ٣٣٢، وهمع الهوامع ١/ ٤٩، وصدره:
«وماذا تبتغي الشعراء منّي»
وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون: أقمت عنده سنينا يا هذا. مصروفا قال: وبنو تميم لا يصرفون ويقولون: مضت له سنين يا هذا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣١]
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١)
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ شرط. يَطَّيَّرُوا جوابه والأصل يتطيّروا فأدغمت التاء في الطاء وقرأ طلحة وعيسى تطيّروا «١» على أنه فعل ماض. ومعنى تطيّروا تشاءموا والأصل في هذا من الطير، ثم كثر استعمالهم إيّاه حتى قيل لكل من تشاءم: تطيّر.
وقرأ الحسن ألا إنّما طيرهم عند الله «٢» جمع طائر. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي لا يعلمون أنّ ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله جلّ وعزّ بذنوبهم لا من عند موسى صلّى الله عليه وسلّم وقومه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٢]
وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
وَقالُوا مَهْما وحكى الكوفيون مهما بمعناه. قال الخليل «٣» رحمه الله: الأصل «ما ما» الأولى للشرط والثانية التي تزاد في قولك: أينما تجلس أجلس، فكرهوا الجمع بين حرفين لفظهما واحد فأبدلوا من الألف هاء فقالوا: مهما. قال أبو إسحاق: قال بعضهم الأصل فيه «مه» أي اكفف. مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ شرط والجواب لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٣]
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣)
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ قال الأخفش: جمع طوفانة. وَالْجَرادَ جمع جرادة في المذكر والمؤنث فإن أردت الفصل قلت: رأيت جرادة ذكرا. وَالضَّفادِعَ جمع
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٧٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٧٠، ومختصر ابن خالويه ٤٥.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٦٨.
ضفدع. وَالدَّمَ عطف. قال أبو إسحاق آياتٍ مُفَصَّلاتٍ نصب على الحال. قال:
وتروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٧]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا مفعولان. الَّتِي بارَكْنا فِيها في موضع نصب لمشارق ومغارب ويجوز أن يكون خفضا نعتا للأرض وزعم الكسائي والفراء «١» أنّ الأصل في مشارق الأرض وفي مغاربها ثم حذف «في» فنصب. قال الفراء: وتوقع «أورثنا» على «التي»، وأجاز الفراء «٢» أن يكونا مفعولين كما تقدم. وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ رفع بفعلها. الْحُسْنى نعتها وروي عن عاصم كلمات ربّك الحسنى «٣».
وَما كانُوا يَعْرِشُونَ لغة فصيحة. قال الكسائي: وبنو تميم يقولون: «يعرشون» وبها قرأ عاصم ويقال أيضا: عكف يعكف ويعكف والمصدر منها جميعا على فعول.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٠]
قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠)
قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ مفعولان أحدهما بحرف والأصل أبغي لكم. إِلهاً نصب على البيان. وَهُوَ ابتداء والخبر فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤١]
وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)
وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ أي واذكروا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً مفعولان أي تمام ثلاثين ليلة. وقد ذكرنا واعدنا
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٩٧.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٤٥.
(٣) انظر تيسير الداني ٩٣، والبحر المحيط ٤/ ٣٧٦. وقراءة ابن عامر وأبي بكر بضم الراء، وباقي السبعة والحسن ومجاهد وأبي رجاء بكسر الراء.
ووعدنا في سورة البقرة وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ حذفت الهاء لأنه عدد لمؤنث. فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً الفائدة في هذا وقد علم أنّ ثلاثين وعشرا أربعون، أنه قد كان يجوز أن تكون العشر غير ليال فلما قال: أربعين ليلة علم أنها ليال، وقيل: هو توكيد، وجواب ثالث هو أحسنها قد كان يجوز أن تكون العشر تتمة لثلاثين فأفاد قوله: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أنّ العشر سوى الثلاثين. وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي على البدل، ويجوز «هارون» على النداء، وهو من خلف يخلف أي كن خليفة لي. ويقال: خلف الله عليه بخير إذا مات له من لا يعتاض منه الوالدان، وأخلف الله عليه إذا مات له من يعتاض منه الوالدان، وأخلف الله عليه إذا مات له من يعتاض منه الأخوة ومن أشبهم. وَأَصْلِحْ ألف قطع وكذا أَرِنِي.
فأما أَنْظُرْ فهي ألف النفس فلذلك قطعت وجزم أنظر لأنه جواب. فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ شرط والجواب فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة ويدلّ على صحتها دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا [الفجر: ٢١] وأنّ الجبل مذكّر، وقرأ أهل الكوفة جعله دكّاء «١» وتقديره في العربية فجعله مثل أرض دكّاء والمذكّر أدك وجمع دكّاء دكّاوات ودكّ. وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً على الحال فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ ويجوز الإدغام. سُبْحانَكَ مصدر. تُبْتُ إِلَيْكَ يقال: تاب إذا رجع، والتوبة أن يندم على ما كان منه وينوي أن لا يعاود ويقلع في الحال عن الفعل، فهذه ثلاث شرائط في التوبة. وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ابتداء وخبر، وقرأ نافع وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ «٢» بإثبات الألف في الإدراج والأولى حذفها في الإدراج، وإثباتها لغة شاذة خارجة عن القياس لأن الألف إنما جيء بها لبيان الفتحة وأنت إذا أدرجت لم تثبت فلا معنى للألف.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥)
فَخُذْ ما آتَيْتُكَ لا يقال: أوخذ وهو القياس كما يقال: أومر فلانا، لأنه سمع من العرب هكذا، وقيل: فيه علّة وهي أن الخاء من حروف الحلق وكذا الهمزة. فأما أومر فيقال، وعلى هذا قوله جلّ وعزّ: وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها فإذا قلت: مر فلانا فهذا الأكثر ويجوز أومر.
(١) انظر تيسير الداني ٩٣، والبحر المحيط ٤/ ٣٨٣.
(٢) انظر الإتحاف ١٣٨.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٦]

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦)
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ قراءة أهل المدينة وأهل البصرة وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصما الرشد «١» قال أبو عبيد: فرّق أبو عمرو بين الرّشد والرشد فقال: الرشد في الصلاح والرشد في الدين. قال أبو جعفر: وسيبويه يذهب إلى أن الرشد واحد مثل السّخط والسخط وكذا قال الكسائي. قال أبو جعفر: والصحيح عن أبي عمرو غير ما قال أبو عبيد. قال إسماعيل بن إسحاق حدّثنا نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو بن العلاء قال: إذا كان الرشد وسط الآية فهو مسكّن وإذا كان رأس الآية فهو محرّك قال أبو جعفر: يعني أبو عمرو برأس الآية نحو وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف:
١٠] فهما عنده لغتان بمعنى واحد، إلا أنه فتح هذا لتتفق الآيات. ويقال: رشد يرشد ورشد يرشد، وحكى سيبويه: رشد يرشد وحقيقة الرشد والرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد وهو ضدّ الخيبة وحقيقة الغيّ في اللغة الخيبة قال الله جلّ وعزّ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: ١٢١] وقال الشاعر: [الطويل] ١٥٩-
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغولا يعدم على الغيّ لايما «٢»
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٧]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ مبتدأ. والخبر حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ. هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ خبر ما لم يسمّ فاعله.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٨]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة، وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصما مِنْ حُلِيِّهِمْ «٣» بكسر الحاء، وقرأ يعقوب مِنْ حُلِيِّهِمْ بفتح الحاء والتخفيف. قال أبو جعفر: جمع حلي حليّ وحليّ مثل ثدي وثديّ والأصل حلويّ ثم أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمّها على الأصل. فأما عصيّ فالأصل فيها عصوّ لأنها من ذوات الواو ثم
(١) انظر تيسير الداني ٩٣. [.....]
(٢) مرّ الشاهد رقم (٥٦).
(٣) انظر تيسير الداني ٩٣.
أعلّت. عِجْلًا مفعول. جَسَداً نعت. لَهُ خُوارٌ رفع بالابتداء أو بالصفة يقال خار يخور خوارا إذا صاح وكذا جأر يجأر جؤارا، ويقال: خار يخور خورا إذا جبن وضعف. اتَّخَذُوهُ فحذف المفعول الثاني أي اتخذوه إلها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٩]
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩)
قال الأخفش: يقال: سقط في يده وأسقط ومن قال سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ فالمعنى عنده سقط الندم قالوا لئن لم ترحمنا ربّنا «١» شرط وفيه معنى القسم، وربّنا على النداء. ومن قرأ يَرْحَمْنا بالياء وَيَغْفِرْ لَنا بالياء ورَبُّنا رفع بفعله، ومن قرأ ترحمنا بالتاء وتغفر لنا بالتاء فهو ينصب ربّنا على النداء المضاف كأنه قال: يا ربّنا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٠]
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠)
غَضْبانَ نصب على الحال ولم ينصرف لأنّ مؤنثه غضبى. وحقيقة امتناع صرفه أنّ الألف والنون فيه بمنزلة ألفي التأنيث في قولك حمراء فالنون بدل كما يقال: في صنعاء صنعانيّ. أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ قال يعقوب: يقال: عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل استعجلته. وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أخذ برأسه، وأخذ رأسه واحد وكذا وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [المائدة: ٦] وقيل: إنما أخذ برأسه على جهة المسارّة لا غير فكره هارون صلّى الله عليه وسلّم أن يتوهّم من حضر لأن الأمر على خلاف ذلك فقال: ابن أمّ على الاستعطاف له لأنه أخوه لأمه وهذا موجود في كلام العرب كما قال: [الخفيف] ١٦٠-
يا ابن أمّي ويا شقيق نفسي «٢»
قرأ أهل المدينة وأبو عمرو ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ «٣» وقرأ أهل الكوفة ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٩٣، وتيسير الداني ٩٣، والبحر المحيط ٤/ ٣٩٢.
(٢) الشاهد لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٤٨، والدرر ٥/ ٥٧، وشرح التصريح ٢/ ١٧٩، والكتاب ٢/ ٢١٣، ولسان العرب (شقق)، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٢٢، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤/ ٤٠، وشرح الأشموني ٢/ ٤٥٧، وشرح قطر الندى ٢٠٧، وشرح المفصل ٢/ ١٢، والمقتضب ٤/ ٢٥٠، وهمع الهوامع ٢/ ٥٤، وعجزه:
«أنت خلّفتني لدهر شديد»
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٣٩٤، وتيسير الداني ٩٣، ومعاني الفراء ١/ ٣٩٤.
قال الكسائي والفراء «١» وأبو عبيد: يا ابن أمّ تقديره يا ابن أمّاه، وقال البصريون: هذا القول خطأ لأن الألف خفيفة لا تحذف ولكن جعل الاسمان اسما واحدا فصار كقولك: خمسة عشر أقبلوا. وقال الأخفش وأبو حاتم: يا ابن أمّ كما يقول: يا غلام غلام أقبل. قال أبو جعفر: يا غلام غلام لغة شاذة لأن الثاني ليس بمنادى فلا ينبغي أن تحذف منه الياء فالقراءة بكسر الميم على هذا القول بعيدة ولكن لها وجه حسن جيّد يكون بمنزلة قولك: يا خمسة عشر أقبلوا، لمّا جعل الاسمين اسما واحدا أضاف. إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي بنونين لأنه فعل مستقبل ويجوز الإدغام في غير القرآن. قرأ مجاهد ومالك بن دينار فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ بالتاء على تأنيث الجماعة ويجوز كسرها ويجوز التذكير على الجميع. وفيه شيء لطيف يقال: كيف نهى الأعداء عن الشماتة؟ فالجواب أن هذا مثل قوله جلّ وعزّ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٢] أي اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت وكما قالت العرب: لا أرينك هاهنا. والمعنى لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء. قال أبو عبيد: وحكيت عن حميد فَلا تُشْمِتْ «٢» بكسر الميم. قال أبو جعفر: ولا وجه لهذه القراءة لأنه إن كان من شمت وجب أن يقول: تشمت وإن كان من أشمت وجب أن يقول: تشمت.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥١]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي فأعاد حرف الجرّ لأنّ المضمر المخفوض لا يعطف عليه إلّا هكذا إلّا في شذوذ كما قرأ حمزة تساءلون به والأرحام «٣» [النساء: ١] فيجيء على هذا اغفر لي وأخي.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٢]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ اسم «إنّ» والخبر سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ والغضب من الله جلّ وعزّ العقوبة. وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا لأنهم أمروا أن يقتل بعضهم بعضا ورأوا أنهم قد ضلّوا. والأشبه بسياق الكلام أن يكون إنّ الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا. من كلام موسى صلّى الله عليه وسلّم أخبر الله جلّ وعزّ به عنه وتمّ الكلام ثم قال الله عزّ وجلّ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٣٩٤.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٣٩٤، والبحر المحيط ٤/ ٣٩٥.
(٣) انظر تيسير الداني ٧٨.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٣]

وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ابتداء، والخبر إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي لهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٤]
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)
وَفِي نُسْخَتِها هُدىً في موضع رفع بالابتداء. وَرَحْمَةٌ عطف عليه. لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ في اللام ثلاثة أقوال: قول الكوفيين: أنها زائدة. قال الكسائي: حدثني من سمع الفرزدق يقول: نقدت لها مائة درهم بمعنى نقدتها، وقال محمد ابن يزيد هي متعلقة بمصدر، وقال الأخفش سعيد: قال بعضهم: المعنى والذين هم من أجل ربّهم يرهبون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٥]
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥)
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا مفعولان أحدهما حذفت منه «من» وأنشد سيبويه:
[الطويل] ١٦١-
[و] منّا الّذي اختير الرّجال سماحة وجودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع «١»
فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي ماتوا. قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ أي أمتهم كما قال جلّ وعزّ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء: ١٧٦]. وَإِيَّايَ عطف والمعنى لو شئت أمتّنا قبل أن تخرج إلى الميقات فلم يتوهّم الناس علينا أنّنا أحدثنا خروجا عن طاعتك.
أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ استفهام فيه معنى النفي، وهكذا هو في كلام العرب وإذا كان نفيا كان بمعنى الإيجاب كما قال جرير: [الوافر] ١٦٢-
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح «٢»
(١) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٤١٨، والكتاب ١/ ٧٤، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٣١، وخزانة الأدب ٩/ ١١٣، والدرر ٢/ ٢٩١، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٢٤، وشرح شواهد المغني ١/ ١٢، ولسان العرب (خير)، وبلا نسبة في شرح المفصل ٨/ ٥١، والمقتضب ٤/ ٣٣٠، وهمع الهوامع ١/ ١٦٢.
(٢) الشاهد لجرير في ديوانه ٨٥، والجنى الداني ٣٢، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٢، ولسان العرب (نقص)، ومغني اللبيب ١/ ١٧، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٦٣، ورصف المباني ٤٦، وشرح المفصل ٨/ ١٢٣، والمقتضب ٣/ ٢٩٢.
إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي ما هذا إلا اختبارك وتعبّدك بما يشتدّ. تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ أي تضلّ بها الذين تشاء، والذين تشاء هم الذين لا يصبرون عند البلاء ولا يرضون وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ من صبر ورضي. أَنْتَ وَلِيُّنا ابتداء وخبر وكذا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٦]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)
وقرأ أبو وجزة السعدي «١» إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ «٢» يقال: هاد يهود، هذا المعروف، إذا تاب ويقال: ثوب مهوّد أي مرقّق مليّن. قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ أي الذين أشاء أي المستحقّين له. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي من دخل فيها لم تعجز عنه، وقيل: وسعت كلّ شيء من الخلق حتّى إنّ البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٧]
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ خفض على البدل من «الذين» الأول وإن شئت كان نعتا وكذا الَّذِي يَجِدُونَهُ «والذين هم» عطف، وقرأ أبو جعفر وأيّوب وابن عامر والضحّاك وضع عنهم آصارهم وهو جمع إصر، وأصله في اللغة الثقل وهو ما تعبّدوا به مما يثقل، وقيل: هو ما ألزموه من قطع ما أصابه البول، وقيل: هو ما كان يؤخذ عليهم من العهود إنّهم كانوا يطيعون الله جلّ وعزّ ويؤمنون بأنبيائه صلوات الله عليهم ويوالون أهل الطاعة ويعادون أهل المعصية قربوا أو بعدوا. قال الأخفش: وقرأ الجحدري وعيسى وَعَزَّرُوهُ «٣» بالتخفيف، وكذا وَعَزَّرْتُمُوهُمْ [المائدة: ١٢] قال أبو إسحاق: يقال: عزره يعزره ويعزره.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٩]
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)
يكون لمن آمن منهم، ويكون لقوم قد هلكوا أو لمن لحق عيسى صلّى الله عليه وسلّم فآمن به،
(١) أبو وجزة السعدي: يزيد بن عبيد المدني، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وكان شاعرا مجيدا (ت ١٣٠ هـ). ترجمته في غاية النهاية ٢/ ٣٨٢.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٤٦، والبحر المحيط ٤/ ٤٠٠، وهذه قراءة زيد بن علي أيضا.
(٣) وهذه قراءة قتادة وسليمان التيمي أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٠٣.
ومعنى يهدون بالحق يدعون الناس إلى الهداية وَبِهِ يَعْدِلُونَ في الحكم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٠]
وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠)
وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً التقدير اثنتي عشرة أمة فلهذا أجاز التأنيث. أَسْباطاً بدل من اثنتي عشرة. أُمَماً نعت لأسباط، والمعنى: جعلناهم اثنتي عشرة فرقة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦١ الى ١٦٢]
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢)
وروى معمر عن همّام بن منبّه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قول الله جلّ وعزّ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ قال: قالوا حبّة في شعرة حدّثنا أبو القاسم محمد بن جعفر القزويني قال: حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: أخبرنا سفيان عن معمر عن همّام بن منبّه عن أبي هريرة قالوا: حبّة في شعرة وقيل لهم وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً فدخلوا متورّكين على أستاههم. بِما كانُوا يَظْلِمُونَ مرفوع لأنه فعل مستقبل وموضعه نصب، و «ما» بمعنى المصدر أي بظلمهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٣]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ وإن خفّفت الهمزة قلت: وسلهم ألقيت حركتها على السين وحذفتها، الَّتِي في موضع خفض نعت للقرية. إِذْ في موضع نصب والمعنى سلهم عن وقت عدوا في السبت، وهذا سؤال توبيخ وتقرير. يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً على الحال. وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ «١» قد ذكرنا قول الكسائي وأبي عبيد أنّ معنى يسبتون يعظّمون السبت، وحقيقته في اللغة يعملون عمل السبت، يقال: سبت يسبت إذا استراح أو عمل عمل السبت، وأكثر العرب يقول: اليوم السبت وكذا الجمعة لأن العمل فيهما وتقول في سائر الأيام بالرفع: اليوم الاثنان والتقدير ولا تأتيهم يوم لا يسبتون، والظرف يضاف إلى
(١) انظر القراءات المختلفة ليسبتون في البحر المحيط ٤/ ٤٠٨. [.....]
الفعل عند سيبويه لكثرة استعمالهم إياه وعند أبي العباس لأن الفعل بمعنى المصدر، وقال أبو إسحاق هو على الحكاية أي يوم يقال هذا، ولا يفعل عند سيبويه نفي ليفعلنّ أو هو يفعل إذا أراد المستقبل. كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي نشدّد عليهم في العباد ونختبرهم والكاف في موضع نصب. بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بفسقهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٤]
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤)
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الأصل «لما» حذفت الألف لأنه استفهام، وقيل:
«ما» حرف خفض. فإذا أوقفت في غير القرآن قلت: لمه الهاء لبيان الحركة.
قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ «١» وقرأ عيسى وطلحة مَعْذِرَةً «٢» بالنصب. ونصبه عند الكسائي من جهتين: إحداهما أنه مصدر، والأخرى أن التقدير فعلنا ذلك معذرة.
وقد فرّق سيبويه «٣» بين الرفع والنصب وبيّن أنّ الرفع الاختيار فقال: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليمسوا عليه ولكنهم قيل لهم: لم تعظون؟ فقالوا: موعظتنا معذرة، ولو قال رجل لرجل: معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا يريد اعتذارا لنصب. وهذا من دقائق سيبويه رحمه الله ولطائفه التي لا يلحق فيها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٥]
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥)
الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ وفي هذا إحدى عشرة قراءة»
وكان الإعراب أولى بذكرها لما فيها من النحو ولأنه لا يضبط مثلها إلّا أهل الإعراب. قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بِعَذابٍ بَئِيسٍ على وزن فعيل، وقرأ أهل مكة بِعَذابٍ بَئِيسٍ بكسر الباء والوزن واحد، وقرأ أهل المدينة «٥» بِعَذابٍ بَئِيسٍ الباء مكسورة وبعدها ياء ساكنة والسين مكسورة منونة، وقرأ الحسن بعذاب بئس بما الباء مكسورة وبعدها همزة ساكنة والسين مفتوحة، وقرأ أبو عبد الرحمن المقرئ بعذاب بئس الباء مفتوحة والهمزة مكسورة والسين مكسورة منونة. قال يعقوب القارئ: عن بعض القراء
(١) انظر تيسير الداني ٩٣، وهي قراءة الجمهور.
(٢) انظر تيسير الداني ٩٣، والبحر المحيط ٤/ ٤٠٩.
(٣) انظر الكتاب ١/ ٣٨٢.
(٤) انظر الحجة لابن خالويه ١٤١، وتيسير الداني ٩٤، والبحر المحيط ٤/ ٤١٠.
(٥) انظر تيسير الداني ٩٤، والبحر المحيط ٤/ ٤١٠.
بعذاب بئس الباء مفتوحة والهمزة مكسورة والسين مفتوحة، وقرأ الأعمش بعذاب بيئس «١» على فيعل وروي عنه بيأس «٢» على فيعل، وروي عنه بعذاب بئس بباء مفتوحة وهمزة مشدّدة مكسورة والسين في هذا كلّه مكسورة منونة يعني قراءة الأعمش، وقرأ نصر بن عاصم «٣» بعذاب بيّس الباء مفتوحة وبعدها ياء مشددة بغير همز. قال يعقوب القارئ وجاء عن بعض القراء بعذاب بئيس الباء مكسورة وبعدها همزة ساكنة وبعدها ياء مفتوحة، فهذه إحدى عشرة قراءة. ومن قرأ بَئِيسٍ فهو عنده من بؤس فهو بئيس أي اشتدّ وكذا بئيس إلّا أنه كسر الباء لأن بعدها همزة مكسورة. وأما قراءة أهل المدينة ففيها ثلاثة أقوال: قال الكسائي: في تقديرها بئيس ثم خفّفت الهمزة كما يعمل أهل المدينة فاجتمعت ياءان فثقل ذلك فحذفوا إحداهما وألقوا حركتها على الباء فصارت بيس، وقال محمد بن يزيد: الأصل بئس ثم كسرت الباء لكسرة الهمزة فصارت بئس فحذفت الكسرة من الهمزة لثقلها فهذان قولان، وقال علي بن سليمان: العرب تقول جاء ببنات بيس أي بشيء رديء فمعنى «بعذاب بيس» بعذاب رديء. وأما قراءة الحسن فزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها قال: لأنه لا يقال: مررت برجل بئس حتى يقال: بئس الرجل وبئس رجلا. قال أبو جعفر: وهذا مردود من كلام أبي حاتم حكى النحويون إن فعلت كذا وكذا فيها ونعمت يريدون ونعمت الخصلة، فالتقدير على قراءة الحسن بعذاب بئس العذاب وبعذاب بئس على فعل مثل حذر. وقراءة الأعمش بيئس لا تجوز على قول البصريين لأنه لا يجيء مثل هذا في كلام العرب إلّا في المعتل المدغم نحو ميّت وسيّد. فأما بيأس فجائز عندهم لأن مثله صيرف وحيدر. وأما بئس فلا يكاد يعرف مثله في الصفات، وأما بيّس بغير همز فإنّما يجيء في ذوات الياء نحو بيّع، وأما بيأس فجائز ومثله جذيم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٦]
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦)
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا أي فلما تجاوزوا في معصية الله جلّ وعزّ. قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ يقال: خسأته فخسأ أي باعدته وطردته.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٨]
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)
مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ رفع بالابتداء. وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ منصوب على الظرف ولا نعلم أحدا رفعه.
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤١٠، والمحتسب ١/ ٢٦٤.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤١٠، وهذه قراءة ابن عباس وأبي بكر عن عاصم والأعمش.
(٣) نصر بن عاصم الليثي البصري النحوي، تابعي، عرض على أبي الأسود، وعرض عليه أبو عمرو، ويقال: إنه أول من نقط المصاحف (ت ١٠٠ هـ). ترجمته في غاية النهاية ٢/ ٣٣٦.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٩]

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا ولا يجوز إدغام الراء في اللام لأن فيها تكريرا ويجوز إدغام اللّام في الراء نحو بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين: ١٤]. وَإِنْ يَأْتِهِمْ جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الياء والجواب يَأْخُذُوهُ. قال الكسائي: وقرأ أبو عبد الرحمن وادّارسوا ما فيه «١» فأدغم التاء في الدال.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٠]
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ ابتداء والتقدير في خبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ منهم، وقرأ أبو العالية وعاصم وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ «٢» وكلام العرب على غير هذا يقولون: مسّكت وأمسكته وكذا القراءة وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة:
١٠] وقال كعب ابن زهير فجاء به على طبعه: [البسيط] ١٦٣-
فما تمسّك بالحبل الذي زعمت إلّا كما تمسك الماء الغرابيل «٣»
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧١]
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ أي واذكروا لهم. فَوْقَهُمْ ظرف. ظُلَّةٌ خبر كأن وأنّ في موضع خفض بالكاف، والكاف في موضع رفع الابتداء. والبر محمول على المعنى.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٣]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ بمعنى واذكروا، هذه الآية مشكلة وقد ذكرنا فيها شيئا وقد قال قوم: إنّ معنى وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم «٤» أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعضهم قالوا ومعنى وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ أي قال. وفي
(١) انظر المحتسب ١/ ٢٦٧، والبحر المحيط ٤/ ٤١٥.
(٢) انظر تيسير الداني ٩٤، والبحر المحيط ٤/ ٤١٦، وهذه قراءة عمر وأبي العالية وأبي بكر عن عاصم.
(٣) الشاهد لكعب بن زهير في ديوانه ص ٨، وتاج العروس (غربل).
(٤) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٢٩٨، والبحر المحيط ٤/ ٤٢٠.
الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم غير هذا القول. قال أبو جعفر: قرئ على جعفر بن محمد وأنا أسمع عن قتيبة عن مالك بن أنس عن زيد ابن أبي أنيسة إن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب أخبره عن مسلم ابن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عنها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله جلّ وعزّ خلق آدم فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّة فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّة فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتّى يموت على عمل أهل الجنة فيدخله الجنّة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتّى يموت فيدخله النار قال: وليس الله تعالى بظالم له في هذه الحال لأنه قد علم ما سيكون منه»
«١». قال أبو جعفر: والآية مع هذا مشكلة ونحن نتقصّى ما فيها. قال بعض العلماء: هي مخصوصة لأن الله جلّ وعزّ قال: مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ فخرج من هذا من كان من ولد آدم عليه السلام لصلبه. وقال جلّ وعزّ: أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ فخرج منها كل من لم يكن له آباء مشركون. ومعنى وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ قال لهم: بأن أرسل إليهم رسولا، وقيل:
بل هي عامة لجميع الناس لأن كلّ أحد يعلم أنه كان طفلا فغذّي وربّي وأن له مدبّرا وخالقا فهذا معنى وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ، ومعنى قالُوا بَلى أنّ ذلك واجب عليهم، وقيل هذا لمن كان من ظهور بني آدم عليه السلام وقد علم أنّ ولد آدم عليه السلام لصلبه كذا.
وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة (أن تقولوا) بالتاء معجمة من فوق، وقرأ عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير وأبو عمرو بن العلاء وابن محيصن وعاصم الجحدري وعيسى بن عمر أن يقولوا «٢» بالياء، و (أن) في موضع نصب في القراءتين جميعا بمعنى كراهة أن وعند الكوفيين بمعنى لئلا. أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ بمعنى لست تفعل هذا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٥]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ في موضع جزم عند الكوفيين فلذلك حذفت منه الواو. قال الفراء: واللام الجازمة محذوفة. وهو عند البصريين مبني على أصل الأفعال، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ أي من الخائنين.
(١) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير ١١/ ١٩٤.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٢٠. [.....]

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٦]

وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها أي لو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة بها أي بالعمل بها. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ابتداء وخبر وقيل: «مثل» هاهنا بمعنى صفة كما قال مَثَلُ الْجَنَّةِ [الرعد: ٣٥] وقيل: هو على بابه. إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ شرط وجوابه وهو في موضع الحال أي فمثله كمثل الكلب لاهثا، والمعنى أنه على شيء واحد لا يرعوي عن المعصية كمثل الكلب الذي هذه حاله، وقيل: المعنى أنه لا يرعوي عن أذى الناس كمثل الكلب لاهثا، ومعنى لاهث أنه يحرك لسانه وينبح. وفي هذه الآية أعظم الفائدة لمن تدبّرها وذلك أنّ فيها منعا منه التقليد لعالم إلا بحجة يبيّنها لأن الله جلّ وعزّ خبّر أنه أعطى هذا آياته فانسلخ منها فوجب أن يخاف مثل هذا على غيره وأن لا يقبل منه إلا بحجة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٧]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧)
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ قال الأخفش: فجعل مثل القوم مجازا. والتقدير: ساء مثلا مثل القوم والْقَوْمُ مرفوعون بالابتداء أو على إضمار مبتدأ. وقرأ عاصم الجحدري والأعمش (ساء مثل القوم) «١» رفع مثلا بساء.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٨]
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي شرط وجوابه وكذا وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٩]
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)
أي هم بمنزلة من لا يفقه لأنهم لا ينتفعون بها. أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ليست. بَلْ هاهنا رجوعا عن الأول ولكنّ المعنى هم كالأنعام وهم أضل من الأنعام لأنهم لا يهتدون إلى ثواب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٠]
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)
هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ يحيى بن وثاب
(١) هذه قراءة الحسن وعيسى بن عمر أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٢٤.
والأعمش وحمزة يلحدون «١» بفتح الياء والحاء، واللغة الفصيحة ألحد في دينه ولحد القبر. وقد تدخل كلّ واحدة منهما على الأخرى لأن المعنى معنى الميل. ومعنى يلحدون في أسمائه على ضربين: أحدهما أن يسموا غيره إلها والآخر أن يسمّوه بغير أسمائه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨١]
وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١)
فدلّ الله جلّ وعزّ بهذه الآية أنه لا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٢ الى ١٨٣]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الكيد من الله جلّ وعزّ هو عذابه إذا أتاهم من حيث لا يشعرون وهذا معنى الكيد في اللغة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٥]
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)
وَأَنْ عَسى في موضع خفض معطوف على ما قبله. (أن يكون) في موضع رفع.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٦]
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ شرط ومجازاة. وَنَذَرُهُمْ «٢» بالنون هذه قراءة أهل المدينة وفيها تقديران: أحدهما أن يكون معطوفا على ما يجب فيما بعد الفاء في المجازاة وكذا «ونذرهم»، وقراءة الكوفيين وَيَذَرُهُمْ «٣» بالياء والجزم معطوف على موضع الفاء. والمعنى لا تميتهم إذا عصوا حتى يحضر أجلهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٧]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أي عن الساعة التي تقوم فيها القيامة. أَيَّانَ مُرْساها أي يقولون: متى وقوعها؟ ومُرْساها في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه وبإضمار فعل
(١) انظر تيسير الداني ٩٤.
(٢) انظر تيسير الداني ٩٤، والبحر المحيط ٤/ ٤٣١.
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٣١.
عند أبي العباس ومرساها من أرساها، ومرساها من رست أي ثبتت ووقعت، ومنه وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ: ١٣]. قال قتادة: أي ثابتات. قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ابتداء وخبر. لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً مصدر في موضع الحال. يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أهل التفسير إن المعنى على التقديم والتأخير، وقال محمد بن يزيد المعنى يسألونك كأنك حفيّ بالمسألة عنها أي ملحّ يذهب إلى أنه ليس فيه تقديم ولا تأخير يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب فهو محفي وحفيّ على التكثير مثل مخصب وخصيب. قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ليس هذا تكريرا ولكن أحد العلمين لوقوعها، والآخر لكنها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٨]
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
ما شاءَ اللَّهُ في موضع نصب بالاستثناء والمعنى إلّا ما شاء الله أن يملكني، وأنشد سيبويه: [الطويل] ١٦٤-
مهما شاء بالناس يفعل «١»
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ من أحسن ما قيل فيه أن المعنى لو كنت أعلم الغيب ما يريد الله جلّ وعزّ مني من قبل أن يعرّفنيه لفعلته وقيل:
لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٩]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ابتداء وخبر وقد ذكرناه «٢» وقد قيل: إن المعنى هو الذي خلقكم من آدم عليه السلام ثم جعل منه زوجه إخبار. فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً كل ما كان في الجوف فهو حمل بالفتح وإذا كان على الظهر فهو حمل، وما كان في النخلة فهو حمل بالفتح. وقد حكى يعقوب في حمل النخلة الكسر. قال الأخفش: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ صارت ذات ثقل كما تقول: أثمر النخل. لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً أي سويا.
(١) الشاهد للأسود بن يعفر في ديوانه ٥٦، وسمط اللآلي ٩٣٥، والكتاب ٢/ ٢٥٤، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٦٤، وشرح التصريح ٢/ ١٩٠، ونوادر أبي زيد ١٥٩، وبلا نسبة في المقرب ١/ ١٨٨، وتمامه:
«ألا هل لهذا الدهر من متعلّل عن الناس، مهما شاء بالناس يفعل
»

(٢) مرّ في إعراب الآية ١٧٢.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٠]

فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً قيل: التقدير إيتاء صالحا، وهو ذكر وأنثى كما كانت حواء تلد. جَعَلا لَهُ قيل: يعني الذكر والأنثى الكافرين ويعني به الجنسين ودل على هذا فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ولم يقل: يشركان فهذا قول حسن، وقيل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ومن هيئة واحدة وشكل واحد وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها أي من جنسها فلمّا تغشّاها يعني الجنسين وعلى هذا القول لا يكون لآدم وحواء في الآية ذكر. قرأ أهل المدينة وعاصم جعلا له شركا «١» وقرأ أبو عمرو وسائر أهل الكوفة جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ «٢» وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى، وقال: كان يجب على هذه القراءة أن يكون جعلا لغيره شريكا لأنهما يقرّان أن الأصل لله جلّ وعزّ فإنما يجعلان لغيره الشرك. قال أبو جعفر: التأويل لمن قرأ القراءة الأولى جعلا له ذا شرك مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢].
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٣]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ قال الأخفش وإن تدعوا الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم. سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ قال أحمد بن يحيى: لأنه رأس آية يريد أنه قال «أم أنتم صامتون» ولم يقل أم صمتم. قال أبو جعفر: المعنى في «أم أنتم صامتون» وفي «أم صمتم» واحد. هذا قول سيبويه «٣».
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٤]
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اسم إنّ. عِبادٌ خبره. أَمْثالُكُمْ نعت، وحكى أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني أن سعيد بن جبير قرأ إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم «٤» بتخفيف «إن» وكسرها لالتقاء الساكنين ونصب «عبادا» بالتنوين ونصب «أمثالكم» قال: يريد ما الذين تدعون من دون الله بعباد أمثالكم أي هنّ حجارة وأصنام وخشب. قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا ينبغي أن يقرأ بها من ثلاث جهات إحداها أنها مخالفة للسواد، والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر «إن» إذا كانت بمعنى «ما» فيقول: إن زيد منطلق لأن عمل «ما» ضعيف و «إن» بمعناها فهي أضعف
(١) انظر تيسير الداني ٩٤، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٢٩٩، والبحر المحيط ٤/ ٤٣٦.
(٢) انظر تيسير الداني ٩٤، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٢٩٩، والبحر المحيط ٤/ ٤٣٦.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٧٣.
(٤) انظر المحتسب ١/ ٢٧٠، والبحر المحيط ٤/ ٤٤٠.
منها، والجهة الثالثة أن الكسائي زعم أنّ «إن» لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى «ما» إلّا أن يكون بعدها إيجاب كما قال جلّ وعزّ: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك:
٢٠] فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ الأصل أن تكون اللام مكسورة فحذفت الكسرة لثقلها وإن اللام قد اتصلت بما قبلها. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ خبر كنتم وفي اللام حذف والمعنى فادعوهم إلى أن يتّبعوكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أنّهم آلهة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٥]
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أنتم أفضل منهم فكيف تجدونهم وقرأ أبو جعفر وشيبة أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ «١»، وهي لغة. واليد والرّجل والأذن مؤنّثات يصغّرن بالهاء، وتزاد في اليد ياء في التصغير تردّ إلى أصلها. قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي الذين شركتموهم فجعلتم لهم قسطا من أموالكم. ثُمَّ كِيدُونِ والأصل كيدوني بالياء حذفت الياء لأن الكسرة تدلّ عليها وكذا فَلا تُنْظِرُونِ أي فلا تؤخرون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٦]
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦)
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ اسم «إنّ» وخبرها، وقرأ عاصم الجحدري إنّ وليّ الله الذي نزّل الكتاب «٢» يعني جبرئيل عليه السلام. ومعنى وليّي الله حافظي وناصري الله، ووليّ الشّيء الذي يحفظه ويمنع منه الضرر.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٧]
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧)
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مبتدأ والخبر لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٨]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى شرط فلذلك حذفت منه النون، والجواب لا يَسْمَعُوا.
وَتَراهُمْ مستأنف. يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ في موضع الحال ومعنى النظر فتح العينين إلى المنظور إليه وليس هو مثل الرؤية وخبّر عنهم بالواو لأن الخبر جرى على فعل من يعقل.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩٩]
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)
خُذِ الْعَفْوَ وهو اليسير. قال أبو عبد الله إبراهيم بن محمد: العفو الزكاة لأنها يسير من كثير، قال أبو جعفر: وهو من عفا إذا درس، وقد يقال: خذ العفو منه أي لا
(١) وهي قراءة نافع أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٤١، ومختصر ابن خالويه ٤٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٤٢، ومختصر ابن خالويه ٤٨.
تنقص عليه وسامحه. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وقرأ عيسى بن عمر بِالْعُرْفِ «١» أي المعروف ومعنى المعروف ما كان حسنا في العقل. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي إذا أقمت عليهم الحجّة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فأعرض عنهم صيانة له عنهم وترفعا لقدره عن مجاوبتهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٠]
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نزغ أي إن وسوس إليك الشيطان عند الغضب بما لا يحلّ. فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ لقولك عَلِيمٌ بما يجب في ذلك ويَنْزَغَنَّكَ في موضع جزم بالشرط وكّد بالنون وحسن ذلك لمّا دخلت «ما»، وحكى سيبويه: بألم ما تختننّه «٢».
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠١]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا أي اتّقوا المعاصي. إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ هذه قراءة أهل البصرة وأهل مكة، وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة طائفة وروي عن سعيد بن جبير طيّف «٣» بتشديد الياء. قال أبو جعفر: كلام العرب في مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف، وقال الكسائي: هو مخفّف من طيّف. قال أبو جعفر: ومعنى طيف في اللغة ما يتخيّل في القلب أو يرى في النوم وكذا معنى طائف، وقال أبو حاتم: سألت الأصمعيّ عن طيّف فقال: ليس في المصادر فيعل. قال أبو جعفر: ليس هذا بمصدر ولكن يكون بمعنى طائف، والمعنى: إنّ الذين اتّقوا المعاصي إذا لحقهم شيء من الشيطان تفكّروا في قدرة الله جلّ وعزّ في إنعامه عليهم فتركوا المعصية فإذا هم مستبصرون، وروي عن مجاهد تَذَكَّرُوا بتشديد الذال ولا وجه له في العربية.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٢]
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ قال أحمد بن جعفر: الضمير للمشركين. قال أبو حاتم: أي وإخوان المشركين وهم الشياطين. قال أبو إسحاق: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى لا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإخوانهم يمدونهم في
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٤٤، قال: بضم الراء.
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٥٨٠، وقد ورد المثل في خزانة الأدب ١/ ٤٠٣، ومجمع الأمثال ١/ ١٠٧، والمعنى:
لا يكون الختان إلا بألم، والمقصود أنه لا يدرك الخير إلا باحتمال المشقّة. [.....]
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٤٥.
الغي وأحسن ما قيل في هذا قول الضحاك وَإِخْوانُهُمْ أي إخوان الشياطين وهم الفجّار. يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ قال أي لا يتوبون ولا يرجعون، وعلى هذا يكون الضمير متّصلا، فهذا أولى في العربية. وقيل للفجار: إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم. وقرأ أهل المدينة يَمُدُّونَهُمْ بضم الياء، وجماعة من أهل اللغة ينكرون هذه القراءة منهم أبو حاتم وأبو عبيد. قال أبو حاتم: لا أعرف لها وجها إلّا أن يكون المعنى يزيدونهم من الغيّ، وهذا غير ما يسبق إلى القلوب، وحكى جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيد أنه يقال إذا أكثر شيء شيئا بنفسه: مدّه، وإذا أكثره بغيره قيل: أمدّه نحو يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [آل عمران: ١٢٥] وحكي عن محمد بن يزيد أنه احتجّ لقراءة أهل المدينة قال: يقال مددت له في كذا أي زيّنته له واستدعيته أن يفعله وأمددته في كذا أي أعنته برأي أو غير ذلك. وقرأ عاصم الجحدريّ: وإخوانهم يمادّونهم «١» في الغيّ.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٣]
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣)
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا بمعنى «هلّا» ولا يليها إلّا الفعل ظاهرا أو مضمرا.
هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ابتداء وخبر أي هذا الذي دللتكم به أنّ الله جلّ وعزّ واحد.
بصائر أي يستبصر به. وَهُدىً أي ودلالة. وَرَحْمَةٌ أي ونعمة
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٤]
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قال أبو جعفر: قد ذكرنا أنه يقال: إن هذا في الصلوات، وقيل: إنه في الخطبة، وفي اللغة يجب أن يكون في كل شيء إلّا أن يدلّ دليل على اختصاص شيء.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٥]
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً مصدر وقد يكون في موضع الحال وجمع خيفة خوف لأنها بمعنى الخوف، وحكى الفراء أنه يقال أيضا: خيّف. وقرأ أبو مجلز «٢» بالغدوّ والإيصال «٣» وهو مصدر أصلنا أي دخلنا في العشيّ وَالْآصالِ
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٤٦، ومختصر ابن خالويه ٤٨.
(٢) أبو مجلز: لاحق بن حميد السدوسي البصري، سمع الصحابة ابن عباس وابن عمر وغيرهما. وردت عنه الرواية في حروف القرآن (ت ١٠٦ هـ)، ترجمته في غاية النهاية ٢/ ٣٦٢.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٤٨، والبحر المحيط ٤/ ٤٤٩.
جمع أصل مثل طنب وأطناب، قال الأخفش: الآصال جمع أصيل مثل يمين وأيمان، وقال الفراء: أصل جمع أصيل وقد يكون أصل واحدا كما قال: [البسيط] ١٦٥- ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل «١»
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٦]
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ اسم «إنّ» وهم الملائكة صلوات الله عليهم قال أبو إسحاق: قال: عند ربك والله جلّ وعزّ بكل مكان لأنهم قريبون من رحمة الله جلّ وعزّ وكلّ قريب من رحمة الله جلّ وعزّ فهو عنده، وقال غيره: لأنهم في موضع لا ينفذ فيه إلّا حكم الله جلّ وعزّ، وقيل: لأنهم رسل الله كما يقال: عند الخليفة جيش كثير وَيُسَبِّحُونَهُ أي يعظّمونه وينزّهونه عن كلّ سوء. وَلَهُ يَسْجُدُونَ أي يذلّون خلاف أهل المعاصي.
(١) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٠٧، وتاج العروس (أصل)، وصدره:
«يوما بأطيب منها نشر رائحه»
Icon