تفسير سورة الأعراف

تفسير غريب القرآن للكواري
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري .
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿بَأْسُنَا﴾ عَذَابُنَا.
﴿بَيَاتًا﴾ لَيْلًا قَبْلَ أن يُصْبِحُوا.
﴿قَآئِلُونَ﴾ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وهي نومُ نِصْفِ النَّهَارِ للاسْتِرَاحَةِ.
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾ أَيْ: عَلَى الخَلْقِ كُلِّهِمْ ما عَمِلُوا بِعِلْمٍ منه تَعَالَى لأعمالهم.
﴿مَذْؤُومًا﴾ مَذْمُومًا، والذَّأْمُ: أَشَدُّ الْعَيْبِ.
﴿مَّدْحُورًا﴾ مَطْرُودًا.
﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ مِنَ اللِّبَاسِ الحِسِّيِّ؛ فَإِنَّ لباسَ التقوى يستمر مع العبد، لا يَبْلَى ولا يَبِيدُ، وهو جمالُ القلبِ والروحِ، أما اللباسُ الظَّاهِرِيُّ فغايتُه أن يسترَ العورةَ الظاهرةَ، في وقتٍ من الأوقات. أن يكون جمالًا للإنسان وليس وراءَ ذلك منه نَفْعٌ.
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ أَيِ: اسْتُرُوا عَوْرَاتِكُمْ عندَ الصلاةِ كُلِّهَا، فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، فَإِنَّ سَتْرَهَا زينةٌ للبَدَنِ، كما أَنَّ كَشْفَهَا يَجْعَلُ البدنَ قَبِيحًا مُشَوَّهًا، وقيل: اللباسُ: النظيفُ الحَسَنُ.
﴿حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ أي: حتى يدخلَ البعيرُ الَّذِي هُوَ أكبرُ الحيواناتِ جِسْمًا في خرق الإبرة الَّذِي هُوَ من أضيقِ الأشياءِ، وهذا مِنْ بابِ تعليقِ الشيءِ بالمُحَالِ.
﴿لهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ أي: فِرَاشٌ مِنْ تَحْتِهِمْ.
﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ جَمْعُ غَاشِيَةٍ، وهي الغِطَاءُ، أي: نيرانٌ تَغْشَاهُمْ وتحيط بهم مِنْ تحتهم ومِنْ فوقهم.
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾: وهذا من كَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلَى أَهْلِ الجنَّةِ بأن يَقْلَعَ الله الغِلَّ الَّذِي كان في قلوبهم والتنافسَ الَّذِي كان بَيْنَهُمْ، حتى يكونوا إخوانًا مُتَحَابِّينَ، وَأَخِلَّاءَ مُتَصَافِينَ.
﴿يَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾: أي مُنْحَرِفَةً صَادَّةً عن سواءِ السبيلِ.
﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ أي: بَيْنَ أصحابِ الجنةِ وأصحابِ النار حِجَابٌ يقال له الأعرافُ لا من الجنة ولا من النار، يُشْرِفُ عَلَى الدَّارَيْنِ، وينظر من عَلَيْهِ حالَ الفَرِيقَيْنِ، وعلى هذا الحجابِ رجالٌ يعرفون كُلًّا من أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ بعلاماتٍ.
﴿يَعْرِفُونَ كُلًا بِسِيمَاهُمْ﴾ السِّيَما: العَلَامَةُ، وَسِيمَا المؤمنين بَيَاضُ الوجوهِ وَنَضْرَتُهَا، فَوُجُوهُهُمْ مُسْفِرَةٌ ضاحكة مُسْتَبْشِرَةٌ، وَسِيمَا الكافرين سَوَادُ الوجوهِ، فَوُجُوهُهُمْ عليها غَبْرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتْرَةٌ.
﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾: أَوَّلُهَا يومُ الأحدِ وآخِرُهَا يومُ الجمعةِ، خَلَقَهُمَا وَأَوْدَعَ فيهما مِنْ أَمْرِهِ مَا أَوْدَعَ.
﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: العرشُ العظيمُ الَّذِي يَسَعُ السماواتِ والأرضَ، وما فيهما وما بينهما، استوى استواءً يليقُ بجَلَالِهِ، وعظمتِه وسلطانِه.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ يأتي بالليلِ عَلَى النهارِ فَيُغَطِّيهِ حتى يذهبَ بنُورِهِ.
﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ أي: سريعًا بلا انقطاعٍ كأنه لسرعةِ مُضِيِّهِ يَطْلُبُ النَّهَارَ، والمعنى: كلَّ ما جاء الليل ذَهَبَ النهارُ، وكلَّ ما جاء النهارُ ذَهَبَ الليلُ وهكذا أبدًا عَلَى الدوام حتى يقضي الله هذا الْعَالَمَ وينتقلَ العبادُ إلى دارٍ غيرِ هذه الدارِ.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ أي: بتسخيرِه وتدبيرِه الدالِّ عَلَى ما له من أوصافِ الكمالِ، فَخَلْقُهَا وَعِظَمُهَا دَالٌّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وما فيها من الإحكامِ والانتظامِ والإتقانِ، دَالّ عَلَى كمالِ حِكْمَتِهِ.
﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أي: خَوْفًا من عقابه، وَطَمَعًا في ثَوَابِهِ.
﴿بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي: الرياحُ الُمبَشِّرَاتُ بالغَيْثِ، التي تُثِيرُهُ بإذنِ اللهِ، فَيَسْتَبْشِرُ الخَلْقُ بِرَحْمَةِ اللهِ.
﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ﴾ أي: الرياحُ.
﴿سَحَابًا ثِقَالًا﴾ قد أَثَارَهُ بعضُها، وَأَلفَهُ ريحٌ أخرى وَأَلْقَحَتْهُ ريحٌ أُخْرَى.
﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ قد كَادَتْ تَهْلِكُ حَيَوَانَاتُهُ، وَكَادَ أَهْلُهُ أن يَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.
﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاء﴾ أي: الماءَ الغزيرَ من ذلك السحابِ، وَسَخَّرَ اللهُ له ريحًا تُدِرُّهُ، وريحًا تُفَرِّقُهُ بإذن الله.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أي: طَيِّبُ التُّرْبَةِ والمادةِ إذا نزل عَلَيْهِ المطرُ يخرجُ نَبَاتُهُ بإرادةِ اللهِ ومشيئتِه، فليستِ الأسبابُ مُسْتَقِلَّةً بوجودِ الأشياءِ حتى يأذنَ اللهُ بذلك.
﴿وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ إلا عَسِرًا بِمَشَقَّةٍ، والنَّكِدُ: الْعَسِرُ المُمْتَنِعُ عن إعطاءِ الخيرِ، فيكونُ نَبَاتًا خَاسًّا لا نَفْعَ فيه ولا بَرَكَةَ.
﴿الْفُلْكِ﴾ السفينةُ التي أَمَرَ اللهُ تعالى نُوحًا عَلَيْهِ السلامُ بِصُنْعِهَا.
﴿عَمِينَ﴾ عَمِيَتْ قُلُوبُهُمْ عن معرفةِ اللهِ، يقال: رَجُلٌ أَعْمَى في البصرِ، وعَمٍ في البصيرةِ.
﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ﴾ أي: أَنْزَلَكُمْ وَأَسْكَنَكُمْ، مُشْتَقٌّ من البَوْءِ وهو الرجوعُ؛ لأن المرءَ يَرْجِعُ إلى منزلِه ومسكنِه.
﴿تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا﴾ أي: مِنَ الأراضي السهلةِ التي ليست بجبالٍ.
﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا﴾ كما هُوَ مُشَاهَدٌ إلى الآن من آثَارِهِمْ التي في الجبالِ، من المساكنِ والحجرِ ونحوِها، وهي باقيةٌ ما بَقِيَتِ الجبالُ.
﴿فَاذْكُرُوا آلاء اللهِ﴾ أي: نِعَمَهُ وما خَوَّلَكُمْ من الفضلِ والرزقِ والقوةِ.
﴿ولاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ الْعُثُوُّ: أَشَدُّ الفَسَادِ، والمقصودُ: لا تُخَرِّبُوا في الأرضِ بالفسادِ والمعاصي.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ الزلزلةُ الشديدةُ، وَأَصْلُ الرَّجْفَةِ: حَرَكَةٌ شَدِيدَةٌ مع صَوْتٍ.
﴿جَاثِمِينَ﴾ أَصْلُ الجُثُومِ البُرُوكُ عَلَى الرُّكَبِ، وقيل: جَثَمَ الناسُ أي: قَعَدُوا لا حِرَاكَ بهم، وهو التعبيرُ الدقيقُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أن الواحدَ منهم إن كان واقفًا ظَلَّ عَلَى وُقُوفِهِ، وإن كان قاعدًا ظَلَّ عَلَى قعوده، وإن كان نائمًا ظَلَّ عَلَى نومه، فالجاثمُ هُوَ مَنْ لَزِمَ مكانَه فلم يَبْرَحْ أو لَصِقَ بالأَرْضِ.
﴿شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء﴾ أي: تَذَرُونَ النساءَ التي خلقهن اللهُ لكم، وفيهن المستمتَعُ الموافقُ للشهوةِ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أدبارِ الرجالِ، التي هي غايةُ ما يكون من الشناعةِ والخَبَثِ.
﴿الْغَابِرِينَ﴾ أي الهَالِكِينَ، والغابرُ يُطْلَقُ عَلَى المنقَضِي، وَيُطْلَقُ عَلَى الباقي؛ فهو من أسماءِ الأضدادِ وَأَشْهَرُ إِطْلَاقَيْهِ هُوَ المُنْقَضِي، ولذلك يقال: غَبَرَ بمعنى هَلَكَ، وهو المراد هنا، أي: كانت من الهالكين وَهَلَكَتْ مع مَنْ هَلَكَ، ويطلق عَلَى الباقي فيكون قوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ أي: الباقينَ في عذابِ الله.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا﴾ أي حجارةً حارَّةً شديدةً، مِنْ سِجِّيلٍ، وَجَعَلَ اللهُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا.
﴿لاَ تَبْخَسُوا﴾ أي: لا تَنْقُصُوا، وهو يكون في السلعةِ بالتعييبِ والتزهيدِ فيها، أو المخادعةِ عن القيمة، والاحتيالِ في التَّزَيُّدِ في الكيلِ والنقصانِ منه، وكلّ ذلك من أَكْلِ المالِ بالباطل، وهو مَنْهِيٌّ عنه في كلِّ الأممِ السابقةِ.
﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي: تَبْغُونَ سبيلَ اللهِ تكون مُعْوَجَّةً، وتُمِيلُونَهَا اتِّبَاعًا لأهوائكم.
﴿إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ أي: نَمَّاكُمْ بما أَنْعَمَ عليكم من الزوجاتِ، والنسلِ، والصحةِ، وَإِدْرَارِ الأَرْزَاقِ.
﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا﴾ أي: يَمْتَنِعُ عَلَى مِثْلِنَا أن نعودَ فيها؛ فَإِنَّ هذا مِنَ المُحَالِ، فَآيَسَهُمْ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ مِنْ كَوْنِهِ يُوَافِقُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَمِنْ جِهَةِ أنهم كَارِهُونَ لها مُبْغِضُونَ لما هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
﴿افْتَحْ بَيْنَنَا﴾ أَيِ: احْكُمْ بَيْنَنَا، وأهل عُمانَ يُسَمُّونَ القَاضِي الفَاتِحَ؛ لأنه يَفْتَحُ مَوَاضِعَ الحَقِّ.
﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ وَفَتْحُهُ تعالى لعبادِه نَوْعَانِ: فَتْحُ الْعِلْمِ، يَتَبَيَّنُ بِهِ الحقُّ من الباطل، والهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَمَنْ هُوَ المُسْتَقِيمُ عَلَى الصراطِ مِمَّنْ هُوَ مُنْحَرِفٌ.
النوع الثاني: فَتْحُهُ بالجزاءِ وإيقاعِ العقوبةِ عَلَى الظَّالِمينَ، والنجاةِ والإكرامِ للصالحين.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ أي الزلزلةُ الشديدةُ.
﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ﴾ أي لم يُقِيمُوا إقامةً مُقْتَرِنَةً بِتَنَعُّمِ العَيْشِ.
﴿فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ أَحْزَنُ، والمرادُ: كَيْفَ أَحْزَنُ عَلَى قوم لا خيرَ فيهم أَتَاهُمُ الخيرُ فَرَدُّوهُ ولم يَقْبَلُوهُ، ولا يليق بهم إلا الشرُّ، فهؤلاء غيرُ حَقِيقِينَ أن يُحْزَنَ عليهم، بل يُفْرَحُ بإهلاكهم وَمَحْقِهِمْ فَيُعَاذُ بكَ اللهم من الخِزْيِ والفضيحةِ.
﴿عَفَوا﴾ حتى كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أموالُهم، يقال: عفا الشَّعْرُ إذا كَثُرَ وَطَالَ.
﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ﴾ حيث يَسْتَدْرِجُهُمْ من حيث لا يعلمون وَيُمْلِي لهم، إن كَيْدَهُ مَتِينٌ.
﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾ أي: وَمَا وَجَدْنَا لأكثرِ الأممِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهم الرسلُ مِنْ عَهْدٍ، أي: من ثباتِ والتزامِ الوصية لله التي أَوْصَى بها جميعَ العالمَين، ولا انْقَادُوا لأوامره التي سَاقَهَا إليهم عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ.
﴿حَقِيقٌ﴾ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وهو مُشْتَقٌّ مِنْ حَقَّ بمعنى وَجَبَ وَثَبَتَ أي مُتَعَيِّنٌ وَوَاجِبٌ عَلَى قولِ الحقِّ عَلَى الله، وقيل: حريصٌ.
﴿لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي: مَاهِرٌ في سِحْرِهِ.
﴿أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ أخِّرْ، وقيل: احْبِسْهُمَا وَأَمْهِلْهُمَا.
﴿تَلْقَفُ﴾ تَلْقَفُ وَتَلْهَمُ وَتَلْقَمُ: بمعنًى واحدٍ، أي: تَبْتَلِعُ.
﴿يَأْفِكُونَ﴾ يَكْذِبُونَ: أي: بَلَعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَتَوْا به من السحر، وأصل الإفكِ قَلْبُ الشيءِ عن غير وجهه الأصلي، ومنه قيل للكذاب أفَّاك؛ لأنه يَقْلِبُ الكلامَ عن وجهه الصحيح إلى الباطل، فالإفكُ يكون في القول بالكذب، ويكون في العمل بالسحر.
﴿وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ أي: حقيرين قَدِ اضْمَحَلَّ باطِلُهُمْ، وَتَلَاشَى سِحْرُهُمْ، ولم يحصل لهم المقصودُ الَّذِي ظَنُّوا حُصُولَهُ.
﴿وَمَا تَنقِمُ﴾ وما تَكْرَهُ منا، وما تعيب علينا، وليس لنا ذنبٌ تُعَذِّبُنَا عليه.
﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ أي: أَفِضْ علينا صَبْرًا عظيمًا؛ لأن هذه محنةٌ عظيمةٌ.
﴿نَسْتَحْيِي﴾ أي: نُبْقِي، والاستحياءُ مبالغةٌ في الإحياء؛ فالسين والتاء فيه للمبالغة.
﴿بِالسِّنِينَ﴾ أي: بالجدب والقحط يقال: أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ؛ أي: جَدْبٌ، وتقديره: جَدْبُ سَنَةٍ.
﴿الحَسَنَةُ﴾ النِّعْمَةُ والرخاءُ والخصبُ وزيادةُ الثمراتِ.
﴿يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ أي: يتشاءموا، وأصلُ التطيرِ التشاؤمُ، أي: أَلْصَقُوا الشرَّ الَّذِي نَالَهُمْ بوجودهم، وقالوا: ما أَصَابَنَا هذا البلاءُ إلا بِسَبَبِهِمْ.
﴿طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ﴾ أي: أن البلاءَ الَّذِي نزل بهم إنما هُوَ مقسومٌ لهم من عند الله، ومُقَدَّرٌ عليهم في علمه بسبب فسادِهم وسوءِ عِنَادِهِمْ.
﴿الطُّوفَانَ﴾ هُوَ السيلُ الغالبُ من الماء الَّذِي يغمرُ جهاتٍ كثيرةً وَيَطْغَى عَلَى المنازلِ والمزارعِ.
﴿القُمَّلَ﴾ السوسُ الَّذِي يَظْهَرُ في القمح فَأَكَلَ حُبُوبَهُمْ.
﴿الضَّفَادِعَ﴾ فقد كانت كثيرةً فَأَفْسَدَتْ مَنَازِلَهُمْ.
﴿الدَّمَ﴾ اخْتَلَطَ بِمَائِهِمْ، وقيل: سَالَ النِّيلُ عليهم دَمًا.
﴿الرِّجْزُ﴾ العذابُ.
﴿يَنكُثُونَ﴾ أي: يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ الَّذِي قَطَعُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ويُصِرُّون عَلَى الفسادِ والعنادِ، والنكثُ في الأصل: نَقْضُ الغَزْلِ، ثم اسْتُعْمِلَ في نقضِ العهدِ.
﴿الْيَمِّ﴾ البحرُ الَّذِي لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَسُمِّيَ البحرُ يَمًّا؛ لأنه يُقْصَدُ، والتيممُ القصدُ.
﴿يَعْرِشُونَ﴾ مِنَ الْعَرْشِ أي: يَبْنُونَ، أو من العريش أي عروش العنب.
﴿جَاوَزْنَا﴾ المجاوزةُ: البعدُ عن المكان عَقِبَ المرورِ فيه، يقال: جَاوَزَ بمعنى جَازَ.
﴿يَعْكُفُونَ﴾ يُقِيمُونَ.
﴿مُتَبَّرٌ﴾ أي: هَالِكٌ خَاسِرٌ، وَالتّبْرُ وَالتَّبَارُ: هُوَ الهلاكُ، وَالتَّتْبِيرُ: هُوَ الإهلاكُ والتدميرُ.
﴿بَلاء﴾ مِنْحَةٌ، أو مِحْنَةٌ.
﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ أي: انْهَالَ مثل الرَّمْلِ، وانزعاجًا من رؤية الله وعدمِ ثبوتِه لها.
﴿صَعِقًا﴾ أي: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ في حالةِ إغماءٍ، وَقِيلَ مَيْتًا.
﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ أي: بِجِدٍّ وَحَزْمٍ وَنَشَاطٍ.
﴿خُوَارٌ﴾ صَوْتُ الْبَقَرِ.
﴿سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ﴾ نَدِمُوا عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ.
﴿لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ أي: يَخَافُونَ مِنْهُ وَيَخْشَوْنَهُ.
﴿لِمِيقَاتِنَا﴾ الميقاتُ الَّذِي وقَّتَهُ اللهُ لِأَخْذِ التَّوْرَاةِ.
﴿هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي: تُبْنَا إِلَيْكَ.
﴿إِصْرَهُمْ﴾ يَعْنِي ثِقَلَهُمْ، وَأَصْلُ الْإِصْرِ: الثِّقْلُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ أي: يَحْبِسُهُ عن الحركةِ لِثَقَلِهِ، والمرادُ به هُنَا: التكاليفُ الصعبةُ.
﴿الأَغْلاَلَ﴾ وهي الأحكامُ الشَّاقَّةُ، كوجوبِ قَتْلِ النفسِ في التوبةِ، وَقَطْعِ موضعِ النجاسةِ من الثوبِ، وتعيينِ القصاصِ عَلَى القاتلِ، وتحريمِ أَخْذِ الديةِ وغيرِ ذلك.
﴿أَسْبَاطًا﴾ السِّبْطُ: الجماعةُ أو القبيلةُ الراجعونَ إلى أَصْلٍ واحدٍ، والمعروفُ أن السِّبْطَ هُوَ ابنُ البنتِ، وَقَدْ تُطْلَقُ هذه اللفظةُ عَلَى ابنِ الابنِ، وَلَكِنْ هي في الأساس لابْنِ البنتِ، ولذلك سُمِّيَ الحسنُ والحسينُ سِبْطَيْ رسولِ اللهِ - ﷺ -.
﴿انبَجَسَتْ﴾ أي انْفَجَرَتْ، وقيل: أَوَّلُ الاِنْفِجَارِ.
﴿حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ قُرْبَ الْبَحْرِ.
﴿شُرَّعًا﴾ ظَاهِرَة عَلَى الماءِ.
﴿بَئِيسٍ﴾ أي: شَدِيدٌ من البأسِ وهو الشِّدَّةُ.
﴿عَتَوْاْ﴾ فلما أَبَوْا أن يرجعوا عن المعصية، وَالْعُتُوُّ عبارة عن الإباءِ والعصيانِ.
﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ أي بِالْيُسْرِ وَالْعُسْرِ.
﴿خَلَفَ﴾ بالإِسْكَانِ والتحريك: مَنْ يَأْتِي بعد غيرِه صَالحًا أو طَالحًا، وَذَكَرَ بعضُهم أن الغالبَ في الإسكان أنه يَخْتَصُّ بالطالح، والتحريكُ بالصالح كالولد الصالح.
﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى﴾ الْعَرَضُ: جميعُ متاعِ الدنيا، والأدنى أَفْعَلُ تفضيلٍ مِنْ فِعْلِ «دَنَا»، والدنيا مؤنثُ الأَدْنَى، والأَدْنَى هُوَ الأَقْرَبُ، والدنيا هي القربى، وسمي عَرَضُ الدنيا أَدْنَى لِقُرْبِهِ وَخِسَّتِهِ وَفَنَائِهِ.
﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ أي: قَرَأُوا ما في التوراةِ.
﴿يُمَسَّكُونَ﴾ يَتَمَسَّكُونَ بالتوراةِ، والمرادُ بالتمسكِ بالكتابِ: العملُ بما فيه من تحليلِ حَلَالِهِ وتحريمِ حَرَامِهِ وإقامةِ حُدُودِهِ.
﴿نَتَقْنَا الجَبَلَ﴾ أي: قَلَعْنَا وَرَفَعْنَا جبلَ الطُّورِ فوقَ بني إسرائيل.
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أي: أَخْرَجَ من أصلابهم ذريتَهم، وَجَعَلَهُمْ يتناسلون ويتوالدون، قَرْنًا بعد قَرْنٍ.
﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾: أي: وحين أخرجهم من بطونِ أمهاتِهم، وأصلابِ آبائهم، قَرَّرَهُمْ بإثباتِ ربوبيته، بِمَا أَوْدَعَهُ في فِطَرِهِمْ من الإقرارِ بأنه رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ وَمَلِيكُهُمْ.
﴿قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ قَدْ أَقْرَرْنَا بذلك، فإن الله تعالى قد فَطَرَ عبادَه عَلَى الدِّينِ الحنيفِ القَيِّمِ، فَكُلُّ واحدٍ مَفْطُورٌ عَلَى ذلك، ولكنَّ الفطرةَ قد تُغَيَّرُ وتُبَدَّلُ بما يَطْرَأُ عَلَى العقولِ من العقائدِ الفاسدةِ.
﴿انسَلَخَ مِنْهَا﴾ أي: خَرَجَ منها وَكَفَرَ بها.
﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾ أي: لَحِقَهُ وَأَدْرَكَهُ لِيُزَيِّنَ له الشرَّ، وقيل: تَسَلَّطَ عَلَيْهِ حين خَرَجَ من الحصنِ الحصينِ، وصار إلى أسفلِ سَافِلِينَ فَأَزَّهُ إلى المعاصي أَزًّا.
﴿فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ أي: الضَّالِّينَ الْكَافِرِينَ.
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ بأن نُوَفِّقُهُ للعمل بها فيرتفعُ في الدنيا والآخرة، فَيَتَحَصَّنُ من أعدائه.
﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾ أي: إلى الشهواتِ السفليةِ والمقاصدِ الدنيويةِ.
﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾ أي: لا يزال لَاهِثًا فِي كُلِّ حَالٍ، وهذا لا يزال حَرِيصًا حِرْصًا قَاطِعًا قَلْبَهُ لا يَسُدُّ فَاقَتَهُ شيءٌ مِنَ الدُّنْيَا.
﴿ذَرَأْنَا﴾ خَلَقْنَا.
﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ أي: كالبهائم التي فَقَدَتِ العقولَ بِإِيثَارِهِمْ ما يَفْنَى عَلَى ما يَبْقَى، بل هم أَضَلُّ من البهائم؛ لأن البهائمَ مُسْتَعْمَلَةٌ فيما خُلِقَتْ له، ولها آذانٌ تُدْرِكُ بها مَضَرَّتَهَا من مَنْفَعَتِهَا، فلذلك كانتْ أَحْسَنَ حَالًا منهم.
﴿أُمْلِي﴾ أُمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ مُدَّةَ أَعْمَارِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ.
﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ مَتَى وُقُوعُهَا.
﴿حَفِيٌّ﴾ كأنكَ عَالِمٌ بها كثيرُ السؤالِ عنها، والحفيُّ المُسْتَقْصِي في السؤالِ.
﴿تَغَشَّاهَا﴾ جَامَعَهَا؛ إِذْ قَدَّرَ البَارِي أن يكون من تلك الشهوةِ وذلك الجماعِ النَّسْلُ.
﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾ وذلك ابتداءُ الحمل، لا تُحِسُّ به الأنثى ولا يُثْقِلُهَا.
﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ أي: لم تَتَفَطَّنْ له ولم تُفَكِّرْ في شأنه، فهي ذاهبةٌ جائيةٌ تقضي حَوَائِجَهَا لخفةِ الحَمْلِ في الأشهرِ الأولَى.
﴿فَلَمَّا أَثْقَلَت﴾ أَيْ: صَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ بِكَبَرِ الْوَلَدِ في بَطْنِهَا.
﴿دَعَوَا اللهَ﴾ أي دَعَا الزَّوْجَانِ ربَّهُمَا.
﴿يَنزَغَنَّكَ﴾ أَصْلُ النَّزْغِ: الإزعاجُ بالحركة إلى الشرِّ والإفسادِ، يقال: نزغتُ بَيْنَ القومِ إذا أفسدتَ بَيْنَهُمْ، وَنَزْغُ الشيطانِ وَسْوَسَتُهُ، والمعنى: وَإِمَّا يُصِيبَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَسْوَسَةٌ.
﴿طَائِفٌ﴾ معنى الطائف في الأصل: الشيءُ يَلُمُّ بالإنسانِ، والمرادُ هنا لمَّةُ الشيطانِ وَوَسْوَسَتُهُ، والمعنى: إن الَّذِينَ اتقوا الشركَ والمعاصيَ إذا لَحِقَهُمْ شيءٌ من وسوسةِ الشيطانِ تَفَكَّرُوا في قدرةِ الله عليهم، وإنعامِه إليهم فتركوا المعصيةَ.
﴿لاَ يُقْصِرُونَ﴾ أي: لا يَكُفُّ الشياطينُ عن إِغْوَائِهِمْ.
﴿لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا﴾ أي: هَلَّا اخْتَرَعْتَ الآياتِ مِنْ عِنْدِكَ.
﴿بَصَآئِرُ﴾ دلائلُ وَحِجَجٌ مِنْ رَبِّكُمْ تُبَصِّرُكُمْ وجوهَ الحَقِّ، وَأَصْلُ البصائرِ من الإبصارِ، وهو ظهورُ الشيءِ حتى يُبْصِرَهُ الإِنْسَانُ، وَلمَّا كان القرآنُ سَبَبًا لبصائرِ العقولِ في دلائلِ التوحيدِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسمُ البَصَائِرِ.
﴿تَضَرُّعًا﴾ أي: تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا.
﴿وَخِيفَةً﴾ أي: خَوْفًا من الله، فالخيفةُ مَصْدَرٌ كالخَوْفِ.
﴿الْغُدُوِّ﴾ جَمْعُ: غُدْوَةٍ، وهي ما بَيْنَ صلاةِ الفجرِ إلى طلوعِ الشمسِ.
﴿الآصَالِ﴾ جَمْعُ أُصُلٍ، والأُصُلُ: جمع أَصِيلٍ، وهو ما بعد العَصرِ إلى الغروب، والمعنى: اذْكُرْ ربَّكَ في الصباحِ والمساءِ، وقيل: المرادُ إدامة الذِّكْرِ للهِ تعالى.
205
سُورة الأنفَال
Icon