تفسير سورة الأنفال

الدر المنثور
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ

أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال :« لما كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيعة، فأتيت به النبي فقال » اذهب فاطرحه في القبض. فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا يسيراً حتى نزلت سورة الأنفال. فقال لي رسول الله : اذهب فخذ سيفك « ».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه « عن سعد قال : قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهل لي هذا السيف؟ قال : إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه. فوضعته ثم رجعت قلت : عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي، إذا رجل يدعوني من ورائي قلت : قد أنزل الله في شيء؟ قال : كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإني قد وهب لي فهو لك »، وأنزل الله هذه الآية ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ﴾.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : نزلت في أربع آيات. بر الوالدين، والنفل، والثلث، وتحريم الخمر.
وأخرج الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال :« نزلت في أربع آيات من كتاب الله، كانت أمي حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمداً ﷺ : فأنزل الله ﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ﴾ [ لقمان : ١٥ ]، والثانية أني كنت أخذت سيفاً أعجبني فقلت : يا رسول الله هب لي هذا، فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾، والثالثة إني مرضت فأتاني رسول الله فقلت : يا رسول الله إني أريد أن أقسم مالي أفأوصي بالنصف؟ قال :» لا. فقلت : الثلث... ؟ فسكت فكان الثلث بعده جائزاً، والرابعة اني شربت الخمر مع قوم من الأنصار فضرب رجل منهم أنفي بلحيي جمل، فأتيت النبي، فأنزل الله تحريم الخمر « ».
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد قال :« أصاب رسول الله ﷺ غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به رسول الله ﷺ فقلت : نفلني هذا السيف فأنا من علمت. فقال » رده من حيث أخذته فرجعت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لأمتني نفسي، فرجعت إليه فقلت : اعطنيه. فشدَّ لي صوته وقال : رده من حيث أخذته. فأنزل الله ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ « ».
404
وأخرج ابن مردويه عن سعد قال : نفلني النبي ﷺ يوم بدر سيفا، ونزل في النفل.
وأخرج الطيالسي وأبو نعيم في المعرفة من طريق مصعب بن سعد عن سعد قال : أصبت سيفاً يوم بدر، فأتيت به النبي ﷺ فقلت : يا رسول الله نفلنيه، فقال « ضعه من حيث أخذته، فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ وهي قراءة عبد الله هكذا الأنفال ».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال؟ فقال : فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل فساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله ﷺ فقسمه رسول الله ﷺ بين المسلمين عن براءة، يقول : عن سواء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال « خرجنا مع رسول الله ﷺ فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم الله العدوّ، فانطلقت طائفة في آثارهم منهزمون يقتلون، واكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله ﷺ لا يصيب العدوّ منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب. وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ : لستم بأحق بها منا، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله ﷺ : لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله ﷺ وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرة واشتغلنا به، فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾ فقسمها رسول الله ﷺ بين المسلمين، وكان رسول الله ﷺ إذا أغار في أرض العدوّ ونفل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكل الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قويُّ المسلمين على ضعيفهم ».
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال « بعث رسول الله ﷺ سرية فنصرها الله وفتح عليها، فكان من أتاه بشيء نفله من الخمس، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون ويقتلون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئاً. فقالوا : يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم من الغنيمة؟ فسكت رسول الله ﷺ ونزل ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ الآية. فدعاهم رسول الله ﷺ فقال : ردوا ما أخذتم واقتسموه بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك. قالوا : قد احتسبنا وأكلنا؟ قال : احتسبوا ذلك ».
405
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن الناس سألوا النبي ﷺ الغنائم يوم بدر فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ ».
وأخرج ابن مردويه عن أبيه عن جده قال : لم ينفل النبي ﷺ بعد إذ أنزلت عليه ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ إلا من الخمس، فإنه نفل يوم خيبر من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن حبيب بن مسلمة الفهري قال : كان رسول الله ﷺ ينفل الثلث بعد الخمس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال النبي ﷺ « من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا. فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردأً ولو كان منكم شيء لَلَجَأْتم إلينا، فاختصموا إلى النبي، فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ﴾ فقسم الغنائم بينهم بالسوية ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس قال :« لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ » من قتل قتيلاً فله كذا، ومن جاء بأسير فله كذا. فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين، فقال : يا رسول الله إنك قد وعدتنا. فقام سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك، فتشاجروا فنزل القرآن ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ وكان أصحاب عبد الله يقرأونها ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فيما تشاجرتم به ﴾ فسلموا الغنيمة لرسول الله ﷺ، ونزل القرآن ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] إلى آخر الآية « ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس « أن رسول الله ﷺ بعث سرية، فمكث ضعفاء الناس في العسكر، فأصاب أهل السرية غنائم، فقسمها رسول الله بينهم كلهم، فقال أهل السرية : يقاسمنا هؤلاء الضعفاء وكانوا في العسكر لم يشخصوا معنا؟ فقال رسول الله ﷺ » وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟ « فأنزل الله ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ ».
406
وأخرج ابن مردويه عن عائشة « أن النبي ﷺ لما انصرف من بدر وقدم المدينة، أنزل الله عليه سورة الأنفال، فعاتبه في إحلال غنيمة بدر، وذلك أن رسول الله ﷺ قسمها بين أصحابه لما كان بهم من الحاجة إليها واختلافهم في النفل، يقول الله ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ﴾ فردها الله على رسوله فقسمها بينهم على السواء، فكان في ذلك تقوى الله وطاعته، وطاعة رسوله وصلاح ذات البين ».
وأخرج ابن جرير عن مجاهد « إنهم سألوا النبي عن الخمس بعد الأربعة الأخماس؟ فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ قال : كان هذا يوم بدر.
وأخرج النحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير. « ان سعداً ورجلاً من الأنصار خرجاً يتنفلان، فوجدا سيفاً ملقى فخرّا عليه جميعاً، فقال سعد : هو لي. وقال الأنصاري : هو لي. قال : لا أسلمه حتى آتي رسول الله ﷺ، فأتياه فقصا عليه القصة، فقال رسول الله ﷺ » ليس لك يا سعد ولا للأنصاري ولكنه لي، فنزلت ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ﴾ يقول : سلما السيف إلى رسول الله ﷺ، ثم نسخت هذه الآية فقال ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] « ».
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنحاس في ناسخه عن ابن عمر « أن رسول الله ﷺ بعث سرية قبل نجد، فغنموا ابلاً كثيراً فصارت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً ».
وأخرج ابن عساكر من طريق مكحول عن الحجاج بن سهيل النصري وقيل إن له صحبة قال : لما كان يوم بدر قاتلت طائفة من المسلمين وثبتت طائفة عند رسول الله، فجاءت الطائفة التي قاتلت بالاسلاب وأشياء أصابوها، فقسمت الغنيمة بينهم ولم يقسم للطائفة التي لم تقاتل. فقالت الطائفة التي لم تقاتل : اقسموا لنا. فأبت وكان بينهم في ذلك كلام، فأنزل الله ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾ فكان صلاح ذات بينهم إن ردوا الذي كانوا أعطوا ما كانوا أخذوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ﴾ قال « الأنفال : المغانم، كان لرسول الله ﷺ خالصة ليس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول.
407
فسألوا رسول الله ﷺ أن يعطيهم منها شيئاً. فأنزل الله ﴿ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال ﴾ لي جعلتها لرسولي ليس لكم منه شيء ﴿ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾ إلى قوله ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ ثم أنزل الله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] الآية. ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، والمهاجرين في سبيل الله، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء. للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم «.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ قال : هي الغنائم، ثم نسخها ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] الآية.
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال؟ فقال : الفرس من النفل، والسلب من النفل، فأعاد المسئلة فقال ابن عباس : ذلك أيضاً، ثم قال الرجل : الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه، فقال ابن عباس : هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر. وفي لفظ : فقال : ما أحوجك إلى من يضربك كما فعل عمر بصبيغ العراقي، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : الأنفال : المغانم، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها، فيرد القوي على الضعيف.
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء في قوله ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي ﷺ يصنع به ما شاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال؟ فقال : تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله ﷺ.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن المسيب »
أن النبي ﷺ لم يكن ينفل إلا من الخمس «.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن المسيب قال : ما كانوا ينفلون إلا الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال : لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس.
وأخرج عبد الرزاق عن أنس. أن أميراً من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه، فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : هي في قراءة ابن مسعود »
يسئلونك الأنفال «.
408
وأخرج ابن مردويه من طريق شقيق عن ابن مسعود أنه قرأ ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ قال : الفيء، ما أصيب من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو للنبي ﷺ خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله ﴿ يسئلونك عن الأنفال ﴾ قال : ما أصابت السرايا.
وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن مجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرؤنها « يسئلونك الأنفال ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله ﴿ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾ قال : هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله، وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ وأصلحوا ذات بينكم ﴾ قال : لا تستبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : كان صلاح ذات بينهم إن ردت الغنائم، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله ﷺ وبين من قاتل وغنم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله ﴿ وأطيعوا الله ورسوله ﴾ قال : طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة.
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال « بينا رسول الله ﷺ جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله : أعط أخاك مظلمته. قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء. قال : يا رب يحمل عني من أوزاري. وفاضت عينا رسول الله ﷺ بالبكاء، ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم. فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا؟! قال : هذا لمن أعطى الثمن، قال : يا رب من يملك ثمنه؟ قال : أنت. قال : بماذا؟ قال : بعفوك عن أخيك. قال : يا رب قد عفوت عنه. قال : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال رسول الله ﷺ : اتقوا الله وأصلحوا ذاتْ بينكم، فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ».
409
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم هانىء أخت علي بن أبي طالب قالت : قال النبي ﷺ « أخبرك أن الله تبارك وتعالى وتقدس يجمع الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فمن يدري أي الطرفين؟ فقالت : الله ورسوله أعلم... ! ثم ينادي مناد من تحت العرش يا أهل التوحيد. فيشرئبون، ثم ينادي : يا أهل التوحيد. ثم ينادي الثالثة إن الله قد عفا عنكم، فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظلامات الدنيا، ثم ينادي : يا أهل التوحيد يعفو بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب ».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم، فليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب ».
410
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ قال : فرقت قلوبهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ قال : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم، فاخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ فأدوا فرائضه.
وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير وأبو الشيخ من طريق شهر بن حوشب عن أبي الدرداء قال : إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر أما تجد قشعريرة؟ قلت : بلى. قال : فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عائشة قالت : ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة، فإذا وجد أحدكم فليدع عند ذلك.
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال : قال فلان : إني لأعلم متى يستجاب لي. قالوا : ومن أين يعلم ذاك؟ قال : إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي، وفاضت عيناي، فذاك حين يستجاب لي.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن السدي في قوله ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ قال : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية، فيقال له : اتق الله. فيجل قلبه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ زادتهم إيماناً ﴾ قال : تصديقاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله ﴿ زادتهم إيماناً ﴾ قال : زادتهم خشية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ﴿ زادتهم إيماناً ﴾ قال : الإِيمان يزيد وينقص، وهو قول وعمل.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن عيينة قال : نطق القرآن بزيادة الإِيمان ونقصانه قوله ﴿ زادتهم إيماناً ﴾ فهذه زيادة الأيمان، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ يقول : لا يرجون غيره.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير قال : التوكل على الله جماع الإِيمان.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : التوكل جماع الإِيمان.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال : التوكل على الله نصف الإِيمان.
أخرج أبو الشيخ عن حسان بن عطية قال : إن الايمان في كتاب الله صار إلى العمل فقال ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ﴾ ثم صيرهم إلى العمل فقال ﴿ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : برئوا من الكفر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : خالصاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : استحقوا الايمان بحق فاحقه الله لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن الضريس عن أبي سنان قال : سئل عمرو بن مرة عن قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : انما نزل القرآن بلسان العرب كقولك : فلان سيد حقاً وفي القوم سادة، وفلان شاعر حقاً وفي القوم شعراء.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق في قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : كان قوم يسرون الكفر ويظهرون الإِيمان، وقوم يسرون الايمان ويظهرونه، فأراد الله أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء فقال ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ حتى انتهى إلى قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ الذين يسرون الايمان ويظهرونه لا هؤلاء الذين يسرون الكفر ويظهرون الايمان.
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة في قوله ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ قال : فضل بعضهم على بعض وكلٌ مؤمنون.
وأخرج الطبراني « عن الحارث بن مالك الأنصاري. انه مر برسول الله فقال له » كيف أصبحت يا حارث؟ قال : أصبحت مؤمناً حقاً. قال : انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي، واظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. قال : يا حارث عرفت فالزم ثلاثاً « ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ لهم درجات ﴾ يعني فضائل ورحمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ﴿ لهم درجات عند ربهم ﴾ قال : أعمال رفيعة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ لهم درجات ﴾ قال : أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ومغفرة قال : بترك الذنوب ﴿ ورزق كريم ﴾ قال الأعمال الصالحة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا سمعت الله يقول ﴿ ورزق كريم ﴾ فهي الجنة.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال :« قال لنا رسول الله ﷺ ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال » ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا، فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله ﷺ أن نتعادّ ففعلنا، فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فأخبرنا النبي ﷺ بعدّتنا، فسر بذلك وحمد الله وقال : عدة أصحاب طالوت. فقال : ما ترون في القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم؟ فقلنا : يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير، ثم قال : ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى ﴿ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] فأنزل الله ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ﴾ إلى قوله ﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ﴾ فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين - اما القوم واما العير - طابت أنفسنا، ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا، فقال رسول الله ﷺ : اللهم إني أنشدك وعدك. فقال ابن رواحة : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك - ورسول الله أفضل من أن نشير عليه - إن الله أجل وأعظم من أن تَنْشُدَهُ وعده. فقال : يا ابن رواحة لأنْشُدَنَّ اللهَ وعده فإن الله لا يخلف الميعاد، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله ﷺ في وجوه القوم فانهزموا، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ [ الأنفال : ١٧ ] فقلنا وأسرنا. فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن تكون لك اسرى، فانما نحن داعون مؤلفون؟ فقلنا معشر الأنصار : انما يحمل عمر على ما قال حسد لنا. فنام رسول الله ﷺ ثم استيقظ، ثم قال : ادعو إلي عمر فدعي له، فقال له : إن الله قد أنزل عليَّ ﴿ ما كان لنبي أن تكون له أسرى ﴾ [ الأنفال : ٥٦ ] الآية « ».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال « خرج رسول الله ﷺ إلى بدر، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا انهم كذا وكذا، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ايانا تريد.
413
.. ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لَنَسيرَنَّ معك، ولا نكونَنَّ كالذين قالوا لموسى ﴿ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت. فنزل القرآن على قول سعد ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ إلى قوله ﴿ ويقطع دابر الكافرين ﴾ وإنما رسول الله ﷺ يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال «.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ قال : كذلك أخرجك ربك إلى قوله ﴿ يجادلونك في الحق ﴾ قال : القتال.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ قال : خروج النبي ﷺ إلى بدر ﴿ وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ﴾ قال : لطلب المشركين ﴿ يجادلونك في الحق بعدما تبين ﴾ انك لا تصنع إلا ما أمرك الله به ﴿ كأنما يساقون إلى الموت ﴾ حين قيل هم المشركون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما شاور النبي ﷺ في لقاء العدوّ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر، أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الايمان، فأنزل الله ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ إلى قوله ﴿ وهم ينظرون ﴾ أي كراهية لقاء المشركين.
وأخرج البزار وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال : نزل الإِسلام بالكره والشدّة فوجدنا خير الخير في الكره، خرجنا مع النبي ﷺ من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر، وخرجنا مع رسول الله ﷺ إلى بدر على الحال التي ذكر الله ﴿ وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ﴾ إلى قوله ﴿ وهم ينظرون ﴾ فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره.
وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال : كان رجل من أصحاب رسول الله ﷺ يفسر ﴿ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ﴾ خروج رسول الله ﷺ إلى العير.
414
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وموسى بن عقبة قالا « مكث رسول الله ﷺ بعد قتل ابن الحضرمي شهرين، ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير لقريش من الشام ومعها سبعون راكباً من بطون قريش كلها وفيهم مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص، وكانوا تجاراً بالشام ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال : كانت عيرهم ألف بعير ولم يكن لأحد من قريش أوقية فما فوقها إلا بعث بها مع أبي سفيان إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك كان تخلف عن بدر فلم يشهده، فذكروا لرسول الله ﷺ وأصحابه وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك، وقتل ابن الحضرمي وأسر الرجلين عثمان والحكم، فلما ذكر عير أبي سفيان لرسول الله ﷺ، بعث رسول الله ﷺ عدي بن أبي الزغباء الأنصاري من بني غنم وأصله من جهينة وبسبس - يعني ابن عمرو - إلى العير عينا له، فسارا حتى أتيا حياً من جهينة قريباً من ساحل البحر، فسألوهم عن العير وعن تجار قريش، فأخبروهما بخبر القوم، فرجعا إلى رسول الله ﷺ فأخبراه فاستنفر المسلمين للعير وذلك في رمضان.
وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوّف من رسول الله ﷺ وأصحابه، فقال : أحسوا من محمد فأخبروه خبر الراكبين عدي بن أبي الزغباء وبسبب، وأشاروا له إلى مناخهما فقال أبو سفيان : خذوا من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى، فقال : هذه علائف أهل يثرب وهذه عيون محمد وأصحابه، فساروا سراعاً خائفين للطلب، وبعث أبو سفيان رجلاً من بني غفار يقال له ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه فإنه قد استنفر أصحابه ليعرضوا لنا، وكانت عاتكة بنت عبد المطلب ساكنة بمكة وهي عمة رسول الله ﷺ، وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب، فرأت رؤيا قبل بدر وقبل قدوم ضمضم عليهم ففزعت منها، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها، فجاءها العباس فقالت : رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها وخشيت على قومك منها الهلكة. قال : وماذا رأيت؟ قالت : لن أحدثك حتى تعاهدني أنك لا تذكرها، فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحب، فلما عاهدها العباس فقالت : رأيت راكباً أقبل من أعلى مكة على راحلته يصيح بأعلى صوته : يا آل غدر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث، فأقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته، فصاح ثلاث صيحات ومال عليه الرجال والنساء والصبيان، وفزع له الناس أشد الفزع قال : ثم أراه مثل على ظهر الكعبة على راحلته، فصاح ثلاث صيحات فقال : يا آل غدر ويا آل فجر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث، ثم أراه مثل على ظهر أبي قبيس كذلك يقول : يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة، ثم عمد إلى صخرة فنزعها من أصلها، ثم أرسلها على أهل مكة فأقبلت الصخرة لها حس شديد حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت، فلا أعلم بمكة داراً ولا بيتاً إلا وقد دخلتها فلقة من تلك الصخرة، فقد خشيت على قومك.
ففزع العباس من رؤياها، ثم خرج من عندها فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر تلك الليلة - وكان الوليد خليلاً للعباس - فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، وذكرها عتبة لأخيه شيبة، فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل بن هشام واستفاض في أهل مكة، فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت، فوجد في المسجد أبا جهل، وعتبة، وشيبة بن ربيعة، وأمية، وأبي ابني خلف، وزمعة بن الأسود، وأبا البختري، في نفر من قريش يتحدثون، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل : يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فهلم إلينا، فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم فقال له أبو جهل : ما رؤيا رأتها عاتكة؟! فقال : ما رأت من شيء. فقال أبو جهل : أما رضيتم يا بني هاشم كذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء، انا وإياكم كفرسي رهان فاستبقنا المجد منذ حين، فلما تحاكت الركب قلتم منا نبي فما بقي إلا أن تقولوا منا نبية، فما أعلم في قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجل منكم، وأذاه أشد الأذى وقال أبو جهل : زعمت عاتكة أن الراكب قال : اخرجوا في ليلتين أو ثلاث، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم وكتبت سجلاً إنكم أكذب أهل بيت في العرب رجلاً وامرأة، أما رضيتم يا بني قصي إن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والوفادة حتى جئتمونا بنبي منكم؟ فقال العباس : هل أنت مُنْتَه ٍفإن الكذب منك ومن أهل بيتك؟ فقال من حضرهما : ما كنت يا أبا الفضل جهولاً خرقاً. ولقي العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديداً.
فلما كان مساء الليلة التي رأت عاتكة فيها الرؤيا، جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان، وهو ضمضم بن عمرو الغفاري فصاح وقال : يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان فاحرزوا عيركم، ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة، وقال العباس : هذا زعمتم كذا وكذب عاتكة فنفروا على كل صعب وذلول، وقال أبو جهل : أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة، سيعلم أنمنع عيرنا أم لا. فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقوا مائة فرس، ولم يتركوا كارهاً للخروج يظنون أنه في قهر محمد وأصحابه، ولا مسلماً يعلمون اسلامه، ولا أحداً من بني هاشم إلا من لا يتهمون إلا أشخصوه معهم، فكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب في آخرين، فهنالك يقول طالب بن أبي طالب :»
إما يخرجن طالب بمقنب من هذه المقانب في نفر مقاتل يحارب وليكن المسلوب غير السالب والراجع المغلوب غير الغالب فساروا حتى نزلوا الجحفة نزلوها عشاء يتزودون من الماء ومنهم رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف يقال له جهيم بن الصلت بن مخرمة فوضع حهيم رأسه فأغفى ثم فزع فقال لأصحابه : هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا ؟ فقالوا : لا إنك مجنون
فقال : قد وقف علي فارس آنفا ! فقال : قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف فعد أشرافا من كفار قريش
فقال له أصحابه : إنما لعب بك الشيطان ورفع حديث جهيم إلى أبي جهل فقال : قد جئتم بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل
ثم ذكر لرسول الله ﷺ عير قريش جاءت من الشام وفيها أبو سفيان بن حري ومخرمة بن نوفل وعمرو بن العاصي وجماعة من قريش فخرج إليهم رسول الله ﷺ فسلك حين خرج إلى بدر على نقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع فنفر رسول الله ﷺ حين نفر ومعه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا وفي رواية ابن فليح : ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام فخرج في رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه المدينة ومعه المسلمون لا يريدون إلا العير فسلك على نقب بني دينار والمسلمون غير معدين من الظهر إنما خرجوا على النواضح يعتقب الرجل منهم على البعير الواحد وكان زميل رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة فهم معه ليس مهعهم إلا بعير واحد فساروا حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة - والمسلمون يسيرون - فوافقه نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فسأله عن أبي سفيان ؟ فقال : لا علم لي به
فلما يئسوا من خبره فقالوا له : سلم على النبي ﷺ فقال : وفيكم رسول الله
415
صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : نعم
قال : أيكم هو ؟ فأشاروا له إليه فقال الأعرابي : أنت رسول الله كما تقول ؟ قال : نعم
قال : إن كنت رسول الله كما تزعم فحدثني بما في بطن ناقتي هذه ؟ فغضب رجل من الأنصارمن بني عبد الأشهل يقال له سلمة بن سلامة بن وقش فقال للأعرابي : وقعت على ناقتك فحملت منك
فكره رسول الله ﷺ ما قال سلمة حين سمعه أفحش فأعرض عنه ثم سار رسول الله ﷺ لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش فقال رسول الله ﷺ : أشيروا علينا في أمرنا ومسيرنا ؟ فقال أبو بكر : يا رسول اله أنا أعلم الناس بمسافة الأرض أخبرنا عدي بن أبي الزغباء أن العير كانت بوادي كذا وكذا فكانا وإياهم فرسخان إلى بدر
ثم قال : أشيروا علي ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعدد له عدته
فقال رسول الله ﷺ : أشيروا علي ؟ فقال المقداد بن عمرو : إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون المائدة الآية ٢٤ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون
فقال رسول الله : أشيروا علي ؟ فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارة النبي أصحابه فيشيرون فيرجع إلى المشورة ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه على ما يريد من أمره فقال سعد بن معاذ لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ولا يرونها حقا عليهم إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : يا رسول الله فاظعن حيث شئت وخذ من أموالنا ما شئت ثم أعطنا ما شئت وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت وما ائتمرت من أمر فأمرنا بأمرك فيه تبع فوالله لو سرت حتى تبلغ البركة من ذي يمن لسرنا معك
فلما قال ذلك سعد قال رسول الله ﷺ : سيروا على اسم الله فإني قد رأيت مصارع القوم فعمد لبدر
وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر وكتب إلى قريش حين خالف مسير رسول الله ﷺ ورأى أن قد أحرز ما معه وأمرهم أن يرجعوا فإنما أخرجتم لتحرزوا ركبكم فقد أحرز لكم فلقيهم هذا الخبر بالجحفة
فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم فيها ونطعم من حضرنا من العرب فإنه لن يرانا أحد فيقاتلنا
فكره ذلك الأخنس بن شريق فأحب أن يرجعوا وأشار عليهم بالرجعة فأبوا وعصوا وأخذتهم حمية الجاهلية فلما يئس الأخنس من رجوع قريش أكب على بني زهرة فأطاعوه فرجعوا فلم يشهد أحد منهم بدرا واغتبطوا برأي الأخنس وتبركوا به فلم يزل فيهم مطاعا حتى مات وأرادت بنو هاشم الرجوع فيمن رجع فاشتد عليهم أبو جهل وقال : والله لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع
وسار رسول الله ﷺ حتى نزل أدنى شيء من بدر ثم بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وبسبسا الأنصاري في عصابة من أصحابه فقال لهم : اندفعوا إلى هذه الظراب وهي في ناحية بدر فإني أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب الذي يعلى الظراب فانطلقوا متوشحي السيوف فوجدوا وارد قريش عند القليب الذي ذكر رسول الله ﷺ فأخذوا غلامين أحدهما لبني الحجاج بن الأسود والآخر لأبي العاصي يقال له أسلم وأفلت أصحابهما قبل قريش فأقبلوا بهما حتى أتوا بهما رسول الله ﷺ وهو في معرشة دون الماء فجعلوا يسألون العبدين عن أبي سفيان وأصحابه لا يرون إلا أنهم لهم فطفقا يحدثانهم عن قريش ومن خرج منهم وعن رؤوسهم فيكذبونهما وهم أكره شيء للذي يخبرانه وكانوا يطمعون بأبي سفيان وأصحابه ويكرهون قريشا وكان رسول الله ﷺ قائما يصلي يسمع ويرى الذي يصنعون بالعبدين فجعل العبدان إذا أذلقوهما بالضرب يقولان نعم هذا أبو سفيان والركب كما قال الله تعالى أسفل منكم قال الله إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا الأنفال الآية٤٢ قال فطفقوا إذا قال العبد إن هذه قريش قد جاءتكم كذبوهما وإذا قالا هذا أبو سفيان تركوهما
فلما رأى رسول الله ﷺ صنيعهم بهما سلم من صلاته وقال : ماذا أخبراكم ؟ قالوا : أخبرانا أن قريشا قد جاءت
قال : فإنهما قد صدقا والله إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا خرجت قريش لتحرز ركبها وخافوكم عليهم ثم دعا رسول الله العبدين فسألهما ؟ فأخبراه بقريش وقالا : لا علم لنا بأبي سفيان فسألهما رسول الله ﷺ كم القوم ؟ قالا : لا ندري والله هم كثير
فزعموا أن رسول الله قال : من أطعمهم أمس ؟ فسميا رجلا من القوم
قال : كم نحر لهم ؟ قالا : عشر جزائر
قال : فمن أطعمهم أول أمس ؟ فسميا رجلا آخر من القوم
قال : كم نحر لهم ؟ قالا : تسعا
فزعموا أن رسول الله قال : القوم ما بين التسعمائة والألف يعتبر ذلك بتسع جزائر ينحرونها يوما وعشر ينحرونها يوما
فقام رسول الله ﷺ فقال : أشيروا علي في المسير ؟ فقام الحباب بن المنذر أحد بني سلمة فقال : يا رسول الله أنا عالم بها وبقلبها إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة فتنزل إليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها
فقال رسول الله ﷺ : سيروا فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم فوقع في قلوب ناس كثير الخوف وكان فيهم من تخاذل من تخويف الشيطان فسار رسول الله ﷺ والمسلمون مسابقين إلى الماء وسار المشركون سراعا يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم المسير والمنزل وكانت بطحاء فسبق المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل فاقتحم القوم في القليب فما حوها حتى كثر ماؤها وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه قال رسول الله ﷺ : هذه مصارعهم إن شاء الله بالغداة
وأنزل الله إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام الأنفال الآية ١١
ثم صف رسول الله على الحياض فلما طلع المشركون قال رسول الله ﷺ : اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني - ورسول الله ﷺ ممسك بعضد أبي بكر يقول : اللهم إني أسألك ما وعدتني - فقال أبو بكر : أبشر فوالذي نفسي بيده لنيجزن الله لك ما وعدك
فاستنصر المسلمون الله واستعانوه فاستجاب الله لنبيه وللمسلمين وأقبل المشكون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءهم قد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم لما أخبرهم من مسير بني كنانة وأنزل الله ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس الأنفال الآية ٤٧ هذه الآية والتي بعدها
وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة من مع محمد ﷺ : غر هؤلاء دينهم
فأنزل الله ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم الطلاق الآية ٣
وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال له : هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت ؟ قال عتبة فأفعل ماذا ؟ قال : تجير بين الناس وتحمل دم ابن الحضرمي وبما أصاب محمد من تلك العير فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل
قال عتبة : نعم قد فعلت ونعما قلت ونعما دعوت إليه فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها
فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم فيه وركب عتبة جملا له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال : يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عيركم تلك وأنا أتحمل بوفاء ذلك ودعوا هذا الرجل فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه أو ابن أخيه أو ابن عمه فيورث ذلك فيهم احنا وضغائن وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم وإن كان نبيا لم تقتلون النبي فتيسئوا به ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم ولا آمن أن يكون لكم الدبرة عليهم فحسده أبو جهل على مقالته وأبى الله إلا أن ينفذ أمره وعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي - وهو أخو المقتول - فقال : هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك يزعم أنك قابلها أفلا تسحيون من ذلك أن تقبلوا الدية ؟ فزعموا أن النبي ﷺ قال وهو ينظر إلى عتبة : إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا
فلما حرض أبو جهل قريشا على القتال أمر النساء يعولن عمر
فقمن يصحن : واعمراه واعمراه
! تحريضا على القتال فاجتمعت قريش على القتال فقال عتبة لأبي جهل : سيعلم اليوم أي الأمرين أرشد
وأخذت قريش مصاف هذا القتال وقالوا لعمير بن وهب : اركب فاحذر محمدا وأصحابه
فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله ﷺ وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال : حذرتهم بثلثمائة مقاتل زادوا شيئا أو نقصوا شيئا وحذرت سبعين بعيرا ونحو ذلك ولكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو كمين فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حولهم ثم رجعوا فقالوا : لا مدد لهم ولا كمين وإنما هم أكلة جزور وقالوا لعمير حرش بين القوم فحمل عمير على الصف بمائة فارس
واضطجع رسول الله ﷺ وقال لأصحابه : لا تقاتلوا حتى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فلما نظر بعض القوم إلى بعض جعل أبو بكر يقول : يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا
! فاستيقظ رسول الله ﷺ وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض ولو أراه عددا كثيرا لفشلوا وتنازعوا في الأمر كما قال الله وقام رسول الله ﷺ في الناس فوعظهم وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم
فقام عمير بن الحمام من عجين كان يعجنه لأصحابه حين سمع قول النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إن لي الجنة إن قتلت ؟ قال : نعم
فشد على أعداء الله مكانه فاستشهد وكان أول قتيل قتل ثم أقبل الأسود بن عبد الأسد المخزومي يحلف بآلهته ليشربن من الحوض الذي صنع محمد وليهدمنه فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب فضرب رجله فقطعها فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض وأتبعه حمزة حتى قتله ثم نزل عتبة بن ربيعة عن جمله ونادى : هل من مبارز ولحقه أخوه شيبة والوليد ابنه فناديا يسألان المبارزة فقام إليهم ثلاثة من الأنصار فاستحيا النبي ﷺ من ذلك فناداهم أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم
فقام حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب فقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة وقتل علي الوليد وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي فحمل حتى توفي بالصفراء وعند ذلك نذرت هند بنت عتبة لتأكلن من كبد حمزة إن قدرت عليها فكان قتل هؤلاء النفر قبل إلتقاء الجمعين
وعج المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب ورفع رسول الله ﷺ يديه إلى الله يسأله ما وعده ويسأله
416
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ﴾ قال « أقبلت عير أهل مكة من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله ﷺ يريد العير، فبلغ أهل مكة ذلك فخرجوا فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها رسول الله ﷺ وأصحابه، فسبقت العير رسول الله ﷺ، وكان الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخصر نفراً، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله ﷺ، سار رسول الله ﷺ بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي ﷺ والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم، يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين، وأمطر الله عليهم مطراً شديداً فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان واشف الرمل من إصابة المطر، ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه ﷺ والمؤمنين بألف من الملائكة عليهم السلام، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وجاء إبليس في جند معه راية في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين ﴿ لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ﴾ [ الأنفال : ٤٨ ] فلما اصطف القوم قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله ﷺ يديه فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة في الأرض فلن تعبد في الأرض أبداً. فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب فأرم به وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشيعته فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال : إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله والله شديد العقاب، فذلك حين رأى الملائكة ».
417
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ﴾ قال : الطائفتان احداهما أبو سفيان أقبل بالعير من الشام، والطائفة الأخرى أبو جهل بن هشام معه نفر من قريش، فكره المسلمون الشوكة والقتال وأحبوا أن يلتقوا العير، وأراد الله ما أراد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ﴾ قال : هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب محمد ﷺ إن العير كانت لهم وإن القتال صرف عنهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه ﴿ ويقطع دابر الكافرين ﴾ أي يستأصلهم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قيل لرسول الله ﷺ حين فرغ من بدر : عليك العير ليس دونها شيء، فناداه العباس رضي الله عنه وهو في وثاقه أسير : أنه لا يصلح لك. قال : ولم؟ قال : لأن الله إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك. قال : صدقت.
418
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو عوانة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال « حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر النبي ﷺ إلى أصحابه وهم ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل نبي الله ﷺ ثم مد يده وجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله تعالى ﴿ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ﴾.
فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً، واستشار رسول الله ﷺ أبا بكر وعمر وعلياً رضي الله عنهم؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضداً. فقال رسول الله ﷺ : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت : ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه حتى يعلم الله تعالى أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر رضي الله عنه : فغدوت إلى النبي ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه وهما يبكيان. فقلت : يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما... ؟! قال النبي ﷺ : الذي عرض على أصحابك من أخذ الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة الشجرة قريبة، وأنزل الله تعالى ﴿ ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾ [ الأنفال : ٦٧ ] إلى قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم ﴾ من الفداء ثم أحل لهم الغنائم، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله ﷺ : وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه. فأنزل الله تعالى ﴿ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ﴾ [ آل عمران : ١٦٥ ] بأخذكم الفداء. قال ابن عباس رضي الله عنهما : بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالصوت فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خطم وشق وجهه كضربة السوط، فاحضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله ﷺ فقال : صدقت، ذاك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين »
.
419
وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال : نزل جبريل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي ﷺ وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي ﷺ وأنا في الميسرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة رضي الله عنه « أن رسول الله قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب ».
وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : ما أمد النبي ﷺ بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله تعالى في الأنفال، وما ذكر الثلاثة آلاف أو الخمسة آلاف إلا بشرى، ثم أمدوا بالألف ما أمدوا بأكثر منه.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه وكان من أهل بدر قال :« جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال » من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها. قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة « ».
وأخرج أبو الشيخ عن عطية بن قيس رضي الله عنه قال : وقف جبريل عليه السلام على فرس أخضر أنثى قد علاه الغبار، وبيد جبريل عليه السلام رمح وعليه درع فقال : يا محمد إن الله بعثني إليك فأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت؟ فقال رسول الله ﷺ : نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ مردفين ﴾ يقال : المدد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ مردفين ﴾ يقال : المدد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ مردفين ﴾ قال : وراء كل ملك ملك.
420
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه قال : كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف، وهم مدد المسلمين في ثغورهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ مردفين ﴾ قال : ممدين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ مردفين ﴾ قال : متتابعين، أمدهم الله تعالى بألف، ثم بثلاثة، ثم أكملهم خمسة آلاف ﴿ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم ﴾ قال : يعني نزول الملائكة عليهم السلام قال : وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال : أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة عليهم السلام كانوا معنا، وأما بعد ذلك فالله أعلم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه ﴿ مردفين ﴾ قال : بعضهم على أثر بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وما جعله الله إلا بشرى ﴾ قال : إنما جعلهم الله يستبشر بهم.
421
أخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ﷺ يصلي تحت الشجرة حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ يغشاكم النعاس أمنة منه ﴾ قال : بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ أمنة ﴾ قال : أمنا من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : النعاس في الرأس، والنوم في القلب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين. نعاس يوم بدر، ونعاس يوم أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله ﴿ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ﴾ قال : طس كان يوم بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ﴾ قال : المطر : أنزله عليهم قبل النعاس فاطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : بعث الله السماء وكان الوادي دهساً، وأصاب رسول الله ﷺ وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال : أتزعمون أن فيكم نبياً وإنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ﴿ رجز الشيطان ﴾ قال : وسوسته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وليربط على قلوبكم ﴾ قال : بالصبر ﴿ ويثبت به الأقدام ﴾ قال : كان ببطن الوادي دهاس، فلما مطر اشتد الرملة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ﴿ ويثبت به الأقدام ﴾ قال : حتى يشتد على الرمل، وهو وجه الأرض.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يصلي تلك الليلة ليلة بدر، ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد، وأصابهم تلك الليلة مطر شديد، فذلك قوله ﴿ ويثبت به الأقدام ﴾.
أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال : سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول : إنه لم يقل الله لشيء أنه معه إلا للملائكة يوم بدر. قال : إني معكم بالنصر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : قال أبي : يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين؟ فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم : أتزعمون أن فيكم النبي ﷺ وإنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي ﷺ : فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت أقدامهم، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام، ونفر النبي ﷺ بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه.
فقال عتبة : يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم، وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون، فإن يكن محمد صادقاً فأنتم أسعد الناس بصدقه، وإن يك كاذباً فأنتم أحق من حقن دمه. فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له : قد امتلأت أحشاؤك رعباً. فقال له عتبة : سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه.
فنزل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا : ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم. فقام غلمة من بني الخزرج فاجلسهم النبي ﷺ ثم قال : يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم - والنبي منكم - غلمة بني الخزرج؟ فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة : تكلموا نعرفكم، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم. فقال حمزة رضي الله عنه : أنا أسد الله وأسد رسول الله ﷺ. فقال له عتبة : كفء كريم. فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله، ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي الله عنه فقتله، ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه، وكر حمزة على عتبة فقتله، فقام النبي ﷺ فقال »
اللهم ربنا أَنْزَلْتَ عليَّ الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد « فأتاه جبريل عليه السلام، فأنزل عليه ﴿ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ﴾ [ آل عمران : ١٢٤ ] فأوحى الله إلى الملائكة ﴿ إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ﴾ فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبراً، فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى الله : إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا، وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول : ابشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال : إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد ﷺ وأصحابه، ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوا وخذوهم أخذاً »
.
423
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « لما حضر القتال ورسول الله ﷺ رافع يديه يسأل الله النصر، ويقول : اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك، ولا يقوم لك دين، وأبو بكر رضي الله عنه يقول : والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك، فأنزل الله تعالى ألفاً من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو، وقال رسول الله ﷺ : أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثناياه النقع، يقول : أتاك نصر الله إذ دعوته ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.
424
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ يقول : الرؤوس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله ﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ قال : اضربوا الأعناق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ يقول : اضربوا الرقاب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ قال : كل مفصل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ قال : أضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ قال : أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله. قال : فأنشدني في كلتيهما؟ قال : نعم، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي :
فنعم فوارس الهيجاء قومي إذا علق الأعنة بالبنان
وقال الهذلي في الجسد :
لها أسد شاكي البنان مقذف له لبد أظفاره لم تقلم
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي الله عنه قال : بينا أنا أتبع رجلاً من المشركين يوم بدر، فاهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه، فعرفت أن قد قتلته غيري.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه ﴿ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ﴾ قال : ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل.
425
أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال : إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي : الفئة رسول الله ﷺ. فقلت : إن الله تعالى يقول ﴿ إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ﴾ قال : إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : إنها كانت لأهل بدر خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ الآية. قال : نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر، وأنا فئة لكل مسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله ﷺ.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : نزلت في أهل بدر خاصة، ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله ﷺ ويتركوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : إنما كانت يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : ذاك في يوم بدر.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال : إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : يرون أن ذلك في بدر، ألا ترى أنه يقول ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال : أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار. قال : ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله ﴿ فقد باء بغضب من الله ﴾ فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال
426
﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ﴾ [ آل عمران : ١٥٥ ] ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال ﴿ ثم وليتم مدبرين ﴾ [ التوبة : ٢٥ ]. ﴿ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ﴾ [ التوبة : ٢٧ ].
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : يعني يوم بدر خاصة منهزماً ﴿ إلا متحرفاً لقتال ﴾ يعني مستطرداً يريد الكرة على المشركين ﴿ أو متحيزاً إلى فئة ﴾ يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة ﴿ فقد باء بغضب من الله ﴾ يقول : استوجب سخطاً من الله ﴿ ومأواه جهنم وبئس المصير ﴾ فهذا يوم بدر خاصة، كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين، وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : المتحرف : المتقدم في أصحابه، إنه يرى غرة من العدو فيصيبها، والمتحيز : الفار إلى رسول الله ﷺ وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال : وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد ﷺ أن لا يفروا، وإنما كان النبي ﷺ ثبتهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ قال : هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال ﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ].
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال ﴿ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :« كنا في غزاة، فحاص الناس حيصه قلنا : كيف نلقى النبي ﷺ وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟! فأتينا النبي ﷺ قبل صلاة الفجر، فخرج فقال » من القوم... ؟ فقلنا : نحن الفرارون. فقال : لا بل أنتم العكارون. فقبلنا يده فقال : أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين، ثم قرأ ﴿ إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة ﴾ « ».
وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النبي ﷺ قالت : كنت أوضىء النبي ﷺ أفرغ على يديه، إذ دخل عليه رجل فقال : يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك.
427
قال « لا تفر يوم الزحف، فإنه من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ».
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من فر من اثنين فقد فر.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :« لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار... ﴾ الآية. قال لنا رسول الله ﷺ » قاتلوا كما قال الله « ».
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي ﷺ « أنه استعاذ من سبع موتات. موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف ».
وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه « أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً ».
وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله ﷺ عن أبيه عن جده « أنه سمع رسول الله يقول : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف ».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله « من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثاً غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفاً، وله حكم الرفع. والله تعالى أعلم.
428
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ فلم تقتلوهم ﴾ قال : لأصحاب محمد ﷺ حين قال هذا قتلت وهذا قتلت ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ قال : محمد ﷺ حين حصب الكفار.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ﴾ قال : رماهم يوم بدر بالحصباء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : ما وقع شيء من الحصباء إلا في عين رجل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ قال : هذا يوم بدر، أخذ رسول الله ﷺ ثلاث حصيات فرمى بحصاة بين أظهرهم، فقال : شاهت الوجوه فانهزموا.
وأخرج ابن عساكر عن محكول رضي الله عنه قال : لما كرَّ علي وحمزة على شيبة بن ربيعة، غضب المشركون وقالوا : اثنان بواحد؟! فاشتغل القتال، فقال رسول الله ﷺ « اللهم إنك أمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك، وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله تعالى، فذلك قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال « لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله ﷺ بتلك الحصباء وقال : شاهت الوجوه. فانهزمنا، فذلك قول الله تعالى ﴿ وما رميت إذ رميت ﴾ الآية ».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال :« سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست، فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله ﷺ فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا، فذلك قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ﴾ قال : قال رسول الله ﷺ لعلي رضي الله عنه » ناولني قبضة من حصباء. فناوله فرمى بها في وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت هذه الآية ﴿ وما رميت إذ رميت ﴾ الآية « ».
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي رضي الله عنهما قالا : لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله ﷺ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه.
429
فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله ﷺ يقتلونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله ﷺ، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ إلى قوله ﴿ سميع عليم ﴾ «.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله ﷺ، واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه، فقال لهم رسول الله ﷺ »
استأخروا فاستأخروا، فأخذ رسول الله ﷺ حربته في يده، فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعاً من أضلاعه، فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حين ولوا قافلين، فطفقوا يقولون : لا بأس، فقال أبي حين قالوا له ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه، قال ابن المسيب رضي الله عنه : وفي ذلك أنزل الله تعالى ﴿ وما رميت إذ رميت... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري رضي الله عنهما قالا : أنزلت في رمية رسول الله ﷺ يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته، فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بها بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ قال : حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له : إن يك الأجحش. قال : أليس قال : أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه « أن رسول الله - يوم ابن أبي الحقيق - دعا بقوس : فأتى بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها. فجاءوه بقوس كيداء، فرمى رسول الله ﷺ الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ ».
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ ولكن الله رمى ﴾ أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله تعالى من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم ﴿ وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً ﴾ أي يعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم عدوّهم مع كثرة عدوّهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته.
430
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير. أن أبا جهل قال حين التقى القوم : اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة. فكان ذلك استفتاحاً منه، فنزلت ﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ إن تستفتحوا ﴾ يعني المشركين، إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه قال : قال أبو جهل يوم بدر : اللهم انصر إحدى الفئتين، وأفضل الفئتين، وخير الفئتين. فنزلت ﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾.
وأخرج أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ « إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنهم فئتهم من الله شيئاً ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ قال : كفار قريش في قولهم : ربنا افتح بيننا وبين محمد ﷺ وأصحابه. ففتح بينهم يوم بدر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء في يوم بدر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن تنتهوا ﴾ قال : عن قتال محمد ﷺ ﴿ وإن تعودوا نعد ﴾ قال : إن تستفتحوا الثانية افتح لمحمد ﷺ ﴿ وأن الله مع المؤمنين ﴾ قال : مع محمد ﷺ وأصحابه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه ﴿ وإن تعودوا نعد ﴾ يقول : نعد لكم بالأسر والقتل.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وهم لا يسمعون ﴾ قال : عاصون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله ﴿ إن شر الدواب عند الله ﴾ قال : هم الكفار.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إن شر الدواب عند الله ﴾ قال : هم نفر من قريش من بني عبد الدار.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ قال : لا يتبعون الحق.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : أنزلت في حي من أحياء العرب من بني عبد الدار.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث وقومه.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ إن شر الدواب عند الله ﴾ قال : الدواب الخلق، وقرأ ﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ﴾ [ فاطر : ٤٥ ]. ﴿ وما من دابة في الأرض إلا على رزقها ﴾ [ هود : ٦ ] قال : هذا يدخل في هذا.
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ﴾ أي لأعد لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ ولو أسمعهم ﴾ بعد أن يعلم أن لا خير فيهم ما نفعهم بعد أن ينفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : قالوا : نحن صم عما يدعونا إليه محمد لا نسمعه بكم لا نجيبه فيه بتصديق، قتلوا جميعاً بأحد، وكانوا أصحاب اللواء يوم أحد.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إذا دعاكم لما يحييكم ﴾ قال : هو هذا القرآن فيه الحياة والتقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ إذا دعاكم لما يحييكم ﴾ أي للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل، وقوّاكم بها بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وحشيش بن أصرم في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله، ويحول بين الكافر وبين الإِيمان وطاعة الله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« سألت النبي ﷺ عن هذه الآية ﴿ يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال » يحول بين المؤمن والكفر، ويحول بين الكافر وبين الهدى « ».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : يحول بين الكافر وبين أن يعي باباً من الخير أو يعمله أو يهتدي له.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : علمه يحول بين المرء وقلبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غالب الخلجي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله ﴿ يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : يحول بين المؤمن وبين معصيته التي تستوجب بها الهلكة، فلا بد لابن آدم أن يصيب دون ذلك، ولا يدخل على قلبه الموبقات التي يستوجب بها دار الفاسقين، ويحول بين الكافر وبين طاعته ما يستوجب ما يصيب أولياءه من الخير شيئاً، وكان ذلك في العلم السابق الذي ينتهي إليه أمر الله تعالى، وتستقر عنده أعمال العباد.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي غالب قال :« سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله ﴿ يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : قد سبقت بها عند رسول الله ﷺ إذ وصف لهم عن القضاء قال لعمر رضي الله عنه وغيره ممن سأله من أصحابه » اعمل فكل ميسر. قال : وما ذاك التيسير؟ قال : صاحب النار ميسر لعمل النار، وصاحب الجنة ميسر لعمل الجنة « ».
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أنه سمع غلاماً يدعو : اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه فحل بيني وبين الخطايا فلا أعمل بسوء منها. فقال عمر رضي الله عنه : رحمك الله، ودعا له بخير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال : في القرب منه.
أخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن مطرف قال : قلنا للزبير : يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال : الزبير رضي الله عنه : إنا قرأنا على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر، وعمر وعثمان رضي الله عنهم ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾، ولم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن الزبير رضي الله عنه قال : لقد قرأنا زماناً وما نرى إنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ قال : البلاء، والأمر الذي هو كائن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ قال : نزلت في علي وعثمان وطلحة والزبير.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : أما والله لقد علم أقوام حين نزلت أنه سيخص بها قوم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : علم - والله - ذو الألباب من أصحاب محمد ﷺ حين نزلت هذه الآية أنه سيكون فتن.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : نزلت في أصحاب محمد ﷺ خاصة.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال : هذه نزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا، فكان من المقتولين طلحة والزبير وهما من أهل بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ قال : أخبرت أنهم أصحاب الجمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ قال : تصيب الظالم والصالح عامة.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ واتقوا فتنة... ﴾ الآية. قال : أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب.
أخرج ابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ واذكروا إذ أنتم قليل... ﴾ الآية. قال : كان هذا الحي أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً، وأعراه جلوداً، وأبينه ضلالة، معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم. لا والله ما في بلادهم يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات منهم ردى في النار، يؤكلون ولا يأكلون. لا والله ما نعلم قبيلا ًمن حاضر الأرض يومئذ كان أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإِسلام فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكاً على رقاب الناس، وبالإِسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ﴿ يتخطفكم الناس ﴾ قال : في الجاهلية بمكة فآواكم إلى الإِسلام.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه في قوله ﴿ يتخطفكم الناس ﴾ قال : الناس إذ ذاك : فارس والروم.
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما « عن رسول الله ﷺ في قوله ﴿ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ﴾ قيل : يا رسول الله ومن الناس؟ قال » أهل فارس « ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فآواكم ﴾ قال : إلى الأنصار بالمدينة ﴿ وأيدكم بنصره ﴾ قال : يوم بدر.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي ﷺ فقال : إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا. فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان : إن محمداً ﷺ يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله ﴿ لا تخونوا الله والرسول ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية ﴿ لا تخونوا الله والرسول ﴾ في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فنزلت قال أبو لبابة رضي الله عنه : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله.
وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري رضي الله عنه في قوله ﴿ لا تخونوا الله والرسول... ﴾ الآية. قال « نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، بعثه رسول الله ﷺ فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فقال أبو لبابة رضي الله عنه : لا والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب عليّ، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه، ثم تاب الله عليه فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك. قال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يحلني. فجاء فحله بيده ».
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ بعث أبا لبابة رضي الله عنه إلى قريظة وكان حليفاً لهم، فأومأ بيده أي الذبح، فأنزل الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ﴾ فقال رسول الله ﷺ لأمرأة أبي لبابة. أيصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة؟ فقالت : إنه ليصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله. فبعث إليه فأتاه فقال : يا رسول الله والله إني لأصلي وأصوم وأغتسل من الجنابة. وإنما نهست إلى النساء والصبيان فوقعت لهم ما زالت في قلبي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله ».
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ﴾ قال : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نسختها الآية التي في براءة ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم ﴾ [ التوبة : ١٠٢ ].
وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال « لما كان شأن بني قريظة، بعث إليهم النبي ﷺ علياً رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس، انتهى إليهم وقعوا في رسول الله ﷺ، وجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله ﷺ على فرس أبلق، فقالت عائشة رضي الله عنها : فلكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ مسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام، فقلت : هذا دحية يا رسول الله؟ قال : هذا جبريل.
438
فقال : يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله ﷺ : فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل عليه السلام : إني أدخل فرسي هذا عليهم، فركب رسول الله ﷺ فرساً معروراً، فلما رآه علي رضي الله عنه قال : يا رسول الله لا عليك أن لا تأتيهم فإنهم يشتمونك. فقال : كلا إنها ستكون تحية، فأتاهم النبي ﷺ فقال : يا أخوة القردة والخنازير. فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً... ؟! فقالوا : لا ننزل على حكم محمد ﷺ ولكننا ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا فحكم فيهم : أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم. فقال رسول الله ﷺ : بذلك طرقني الملك سحراً، فنزل فيهم ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ﴾ نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، أشار إلى بني قريظة حين قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، لا تفعلوا فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه «.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ لا تخونوا الله ﴾ قال : بترك فرائضه ﴿ والرسول ﴾ بترك سنته وارتكاب معصيته ﴿ وتخونوا أماناتكم ﴾ يقول : لا تنقصوها والأمانة التي ائتمن الله عليها العباد.
وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه.
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله ﴿ لا تخونوا الله والرسول ﴾ هو الإِخلال بالسلاح في المغازي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول ﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ قال : فتنة الاختبار اختبرهم وقرأ قول الله تعالى ﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ].
439
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يجعل لكم فرقاناً ﴾ قال : نجاة.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يجعل لكم فرقاناً ﴾ قال : نصراً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ يجعل لكم فرقاناً ﴾ يقول : مخرجاً في الدنيا والآخرة.
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ﴾ قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي ﷺ - وقال بعضهم : بل اقتلوه، وقال بعضهم : بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه ﷺ على ذلك، فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي ﷺ، وخرج النبي ﷺ حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً رضي الله عنه يحسبونه النبي ﷺ، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه علياً رضي الله عنه رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا؟ قال : لا أدري... ! فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نفراً من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد، سمعت بما اجتمعتم له فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح. قالوا : أجل فادخل فدخل معهم فقال : انظروا في شأن هذا الرجل - فوالله - ليوشكن أن يواتيكم في أمركم بأمره. فقال قائل : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير ونابغة، فإنما هو كأحدهم فقال عدوّ الله الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي، والله ليخرجن رائد من محبسه لأصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا في غير هذا الرأي. فقال قائل : فأخرجوه من بين أظهركم فاستريحوا منه، فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وأين وقع، وإذا غاب عنكم أذاه استرحتم منه فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذه القلوب بما تستمع من حديث؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب لتجتمعن إليه، ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا : صدق - والله - فانظروا رأياً غير هذا. فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره.
441
قالوا : وما هذا؟ قال : تأخذوا من كل قبيلة غلاماً وسطاً شاباً مهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربوه به - يعني ضربة رجل واحد - فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم، وإنهم إذا أرادوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي : هذا - والله - هو الرأي، القول ما قال الفتى لا أرى غيره، فتفرقوا على ذلك وهم مجتمعون له. فأتى جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله ﷺ في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك في الخروج وأمرهم بالهجرة وافترض عليهم القتال، فأنزل الله ﴿ أُذن للذين يقاتلون ﴾ [ الحج : ٣٩ ] فكانت هاتان الآيتان أول ما نزل في الحرب، وأنزل بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ الآية.
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال « لما ائتمروا بالنبي ﷺ ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي. قال : نعم الرب ربك استوص به خيراً... ! قال : أنا استوصي به بل هو يستوصي بي ».
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير رضي الله عنه عن المطلب بن أبي وداعة « أنا أبا طالب قال للنبي ﷺ : ما يأتمر بك قومك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي. قال : نعم الرب ربك فاستوص به خيراً... ! قال : أنا أستوصي به بل هو يستوصي بي : فنزلت ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ قال : هي مكية.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :« سئل النبي ﷺ عن الأيام، سئل عن يوم السبت فقال » هو يوم مكر وخديعة «. قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : فيه مكرت قريش في دار الندوة إذ قال الله ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ ليثبتوك ﴾ يعني ليوثقوك.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي ﷺ فقالوا : لا يدخل عليكم أحد ليس منكم، فدخل معهم الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد، فتشاوروا فقال أحدهم : نخرجه : فقال الشيطان : بئسما رأى هذا هو قد كاد أن يفسد فيما بينكم وهو بين أظهركم فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس ثم حملهم عليكم يقاتلونكم.
442
قالوا : نعم ما رأى هذا... ! فأطلع الله نبيه ﷺ على ذلك، فخرج هو وأبو بكر رضي الله عنه إلى غار في جبل يقال له ثور، وقام علي بن أبي طالب على فراش النبي ﷺ وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي ﷺ، فلما أصبحوا ثاروا إليه فإذا هم بعلي رضي الله عنه. فقالوا : أين صاحبك؟ فقال : لا أدري... ! فاقتصوا أثره حتى بلغوا الغار ثم رجعوا، ومكث فيه هو وأبو بكر رضي الله عنه ثلاث ليال.
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه. أن قريشاً اجتمعت في بيت وقالوا : لا يدخل معكم اليوم إلا من هو منكم، فجاء إبليس فقال له : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد وأنا ابن أختكم. فقالوا : ابن أخت القوم منهم. فقال بعضهم : أوثقوه. فقال : أيرضى بنو هاشم بذلك؟ فقال بعضهم : أخرجوه. فقال : يؤويه غيركم. فقال أبو جهل : ليجتمع من كل بني أب رجل فيقتلوه. فقال إبليس : هذا الأمر الذي قال الفتى. فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ﴾ إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ﴾ قال : كفار قريش أرادوا ذلك بمحمد ﷺ قبل أن يخرج من مكة.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : شرى علي رضي الله عنه نفسه ولبس ثوب النبي ﷺ ثم نام مكانه، وكان المشركون يحسبون أنه رسول الله ﷺ، وكانت من قريش تريد أن تقتل النبي ﷺ، فجعلوا يرمقون علياً ويرونه النبي ﷺ، وجعل علي رضي الله عنه يتصور فإذا هو علي رضي الله عنه، فقالوا : إنك للئيم، إنك لتتصوّر وكان صاحبك لا يتصوّرك ولقد استنكرناه منك.
وأخرج الحاكم وصححه عن علي بن الحسين رضي الله عنه وقال في ذلك :
443
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال « قتل النبي ﷺ يوم بدر صبراً عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله أسيري. فقال رسول الله ﷺ : إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول : وفيه أنزلت هذه الآية ﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم، فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي ﷺ والقرآن فقال :﴿ قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين ﴾.
أخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبو جهل بن هشام ﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ فنزلت ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : ذكر لنا أنها أنزلت في أبي جهل بن هشام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ﴾ قال : نزلت في النضر بن الحارث.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : نزلت في النضر ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ﴾ ﴿ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ﴾ [ ص : ١٦ ]. ﴿ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ] و ﴿ سأل سائل بعذاب واقع ﴾ [ المعارج : ١ ] قال عطاء رضي الله عنه : لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله.
وأخرج ابن مروديه عن بريدة رضي الله عنه قال : رأيت عمرو بن العاص واقفاً على فرس يوم أحد وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فاخسف بي وبفرسي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك لا شريك لك لبيك. فيقول النبي ﷺ : قد، قد. ويقولون : لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقولون : غفرانك غفرانك. فأنزل الله تعالى ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم... ﴾ الآية. فقال ابن عباس رضي الله عنه : كان فيهم أمانان النبي ﷺ والاستغفار، فذهب النبي ﷺ وبقي الاستغفار ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ قال : هو عذاب الآخرة وذلك عذاب الدنيا.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض : محمد ﷺ أكرمه الله من بيننا ﴿ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء... ﴾ الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا : غفرانك اللهم. فأنزل الله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ إلى قوله ﴿ لا يعلمون ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبزى رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ بمكة، فأنزل الله ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ فخرج رسول الله ﷺ إلى المدينة، فأنزل الله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ فلما خرجوا أنزل الله { وما لهم ألا يعذبهم الله.
445
.. } الآية فأذن في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية رضي الله عنه في قوله ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ يعني المشركين حتى يخرجك منهم ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ قال : يعني المؤمنين، ثم أعاد المشركين فقال ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ يقول : لو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين. وفي قوله ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ﴾ يقول : وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ قال : بين أظهرهم ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ يقول : وما كان الله معذبهم وهو لا يزال الرجل منهم يدخل في الإِسلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ قال : وهم يدخلون في الإِسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار رضي الله عنه قال : سئل سعيد بن جبير رضي الله عنه عن الاستغفار؟ فقال : قال الله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ يقول : يعملون على الغفران، وعلمت أن ناساً سيدخلون جهنم ممن يستغفرون بألسنتهم ممن يدعي الإِسلام وسائر الملل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن رضي الله عنهما في قوله ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ قالا : نسختها الآية التي تليها ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والحصر.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ يعني أهل مكة ﴿ وما كان الله معذبهم ﴾ وفيهم المؤمنون يستغفرون.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن قتادة رضي الله عنه قال : إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داءكم فذنوبكم، وأما دواؤكم فالاستغفار.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن كعب رضي الله عنه قال : إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحتقره ولا يندم عليه ولا يستغفر منه، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود، ويذنب الذنب فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله تعالى حتى يعفو له.
وأخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ
446
« أنزل الله علي أمانين لأمتي ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة ».
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم، فأمان قبضه الله تعالى إليه، وأمان بقي فيكم قوله ﴿ وما كان الله ليعذبهم... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى رضي الله عنه قال : إنه قد كان فيكم أمانان، مضى أحدهما وبقي الآخر ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ فأما رسول الله ﷺ فقد مضى لسبيله، وأما الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان في هذه الأمة أمانان : رسول الله ﷺ، والاستغفار، فذهب أمان - يعني رسول الله ﷺ - وبقي أمان، يعني الاستغفار.
وأخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ».
وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الشيطان قال : وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال الرب : وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ».
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال :« من أكثر من الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب ».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ».
وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار فافعلوا، فإنه ليس شيء أنجح عند الله ولا أحب إليه منه ».
وأخرج أحمد في الزهد عن مغيث بن أسماء رضي الله عنه قال : كان رجل ممن كان قبلكم يعمل بالمعاصي، فبينما هو ذات يوم يسير إذ تفكر فيما سلف منه فقال : اللهم غفرانك.
447
فادركه الموت على تلك الحال فغفر له.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : طوبى لمن وجد في صحيفته بنداً من الاستغفار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : من قال : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه خمس مرات، غفر له وإن كان عليه مثل زبد البحر.
وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال « انكسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ، فصلى رسول الله، فقام فلم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده، ثم قال : رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم، رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك. ففرغ رسول الله ﷺ من صلاته وقد انمخضت الشمس ».
وأخرج الديلمي عن عثمان ابن أبي العاص قال : قال رسول الله « في الأرض أمانان : أنا امان، والاستغفار أمان، وأنا مذهوب بي ويبقى أمان الاستغفار، فعليكم بالاستغفار عند كل حدث وذنب ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ قال : ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ يقول : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإِيمان : وهو الاستغفار. وقال للكافر ﴿ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾ [ آل عمران : ١٧٩ ] فيميز الله أهل السعادة من أهل الشقاوة ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ فعذبهم يوم بدر بالسيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ ثم استثنى أهل الشرك فقال ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس وأبو الشيخ عن الضحاك ﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ قال : المشركين الذين بمكة ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ قال : المؤمنين بمكة ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ قال : كفار مكة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ قال : عذابهم فتح مكة.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ وهم يجحدون آيات الله ويكذبون رسله، وإن كان فيهم ما يدعون.
448
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ وهم يصدون عن المسجد الحرام ﴾ أي من آمن بالله وعبده أنت ومن اتبعك. ﴿ وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ﴾ الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده، أي أنت ومن آمن بك.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إن أولياؤه إلا المتقون ﴾ قال : من كانوا حيث كانوا.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه. « أن النبي ﷺ قال لعمر رضي الله عنه :» اجمع لي قومك، فجمعهم فلما حضروا باب النبي ﷺ دخل عمر رضي الله عنه عليه فقال : قد جمعت لك قومي. فسمع ذلك الأنصار فقالوا : قد نزل في قريش الوحي. فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي ﷺ فقام بين أظهرهم فقال : هل فيكم من غيركم؟ قالوا : نعم، فينا حليفنا وابن أختنا وموالينا. قال النبي ﷺ : حليفنا منا، وابن أختنا منا، ومولانا منا، أنتم تسمعون أن أوليائي منكم إلا المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك، وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم « ».
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه. أن رسول الله ﷺ قال « إن أوليائي يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب، فلا يأتيني الناس بالأعمال، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم فأقول هكذا وهكذا إلا وأعرض في كل عطفيه ».
وأخرج ابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال :« سئل رسول الله ﷺ من آلك؟ فقال : كل تقي، وتلا رسول الله ﷺ ﴿ إن أولياؤه إلا المتقون ﴾ ».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ».
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، إن رسول الله ﷺ قال :« إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا ».
449
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كانت قريش يعارضون النبي ﷺ في الطواف، يستهزءون ويصفرون ويصفقون، فنزلت ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ﴾.
وأخرج أبو الشيخ عن نبيط - وكان من الصحابة رضي الله عنه - في قوله ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت... ﴾ الآية. قال : كانوا يطوفون بالبيت الحرام وهم يصفرون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة تصفر وتصفق، فأنزل الله ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ﴾ قال : والمكاء الصفير، وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق، وأنزل فيهم ﴿ قل من حرم زينة الله ﴾ [ الأعراف : ٣٢ ] الآية.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ إلا مكاء وتصدية ﴾ قال : المكاء، صوت القنبرة. والتصدية، صوت العصافير وهو التصفيق. وذلك أن رسول الله ﷺ كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة، كان يصلي قائماً بين الحجر والركن اليماني، فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء، والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ ققال : نعم، أما سمعت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول :
نقوم إلى الصلاة إذا دعينا... وهمتك التصدي والمكاء
وقال آخر من الشعراء في التصدية :
حتى تنبهنا سحيراً... قبل تصدية العصافير
وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عن ابن عباس رضي الله عنه قال : المكاء، الصفير. كان أحدهما يضع يده على الأخرى ثم يصفر.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إلا مكاء وتصدية ﴾ قال : المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : المكاء، إدخال أصابعهم في أفواههم. والتصدية، الصفير يخلطون بذلك كله على محمد ﷺ صلاته.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : المكاء، الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ إلا مكاء ﴾ قال : كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن ﴿ وتصدية ﴾ قال : صدهم الناس.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ﴾ فالمكاء، مثل نفخ البوق. والتصدية، طوافهم على الشمال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ﴾ قال : يعني أهل بدر، عذبهم الله بالقتل والاسر.
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال : حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حيان، وعاصم بن عمرو بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمر، قالوا : لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة. فقالوا : يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثأراً. ففعلوا. ففيهم كما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنزل الله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ﴾ إلى قوله ﴿ والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ﴾ قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم... ﴾ إلى قوله ﴿ أولئك هم الخاسرون ﴾ قال : في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل... ﴾ الآية. قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله ﷺ سوى من استجاش من العرب، فأنزل الله هذه الآية، وهم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه :
وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى ومن طاف بالبيت العتيق والحجر
رسول الإِله خاف أن يمكروا به فنجاه ذو الطول الإِله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا وفي حفظ من الله وفي ستر
وبت اراعيه وما يتهمونني وقد وطنت نفسي على القتل والاسر
وجئنا إلى موج من البحر وسطه أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن نصية ثلاث مئين إن كثرن فأربع
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة في قوله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ﴾ قال : نزلت في أبي سفيان، أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالاً من ذهب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ﴾ وهو محمد ﷺ ﴿ فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ﴾ يقول : ندامة يوم القيامة.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾ يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله ﷺ ففعلوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شهر بن عطية رضي الله عنه ﴿ ليميز الله الخبيث من الطيب ﴾ قال : يميز يوم القيامة ما كان لله من عمل صالح في الدنيا، ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ فيركمه جميعاً ﴾ قال : يجمعه جميعاً.
وأخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال « لما جعل الله الإِسلام في قلبي، أتيت النبي ﷺ فقلت : ابسط يدك فلأبايعك. فبسط يمينه فقبضت يدي. قال : مالك... ؟! قلت : أردت أن اشترط. قال : قال : تشترط قلت : ان يغفر لي. قال : أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال : لا يؤخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم، وذلك أن الله تعالى يقول ﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ فقد مضت سنة الأوّلين ﴾ قال : في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك.
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : ثم وضع مقاسم الفيء واعلمه. قال ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ بعد الذي مضى من بدر ﴿ فأن لله خمسه وللرسول... ﴾ إلى آخر الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ قال : المخيط من شيء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال : إنما المال ثلاثة : مغنم، أو فيء، أو صدقة. فليس فيه درهم إلا بين الله موضعه. قال في المغنم ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله ﴾ تحرجاً عليهم، وقال في الفيء ﴿ كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ﴾ [ الحشر : ٧ ] وقال في الصدقة ﴿ فريضة من الله والله عليم حكيم ﴾ [ التوبة : ٦٠ ].
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال : سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب بن الحنفية عن قول الله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ قال : هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة ﴿ وللرسول ولذي القربى ﴾ فاختلفوا بعد رسول الله ﷺ في هذين السهمين. قال قائل : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل : سهم النبي للخليفة من بعده. واجتمع رأي أصحاب رسول الله ﷺ على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله تعالى، فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله ﷺ إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ﴾ قال : قوله ﴿ فأن لله خمسه ﴾ مفتاح كلام ﴿ لله ما في السموات وما في الأرض ﴾ [ البقرة : ٢٨٤ ] فجعل الله سهم الله والرسول واحداً ﴿ ولذي القربى ﴾ فجعل هذين السهمين قوّة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيره، وجعل الأربعة أسهم الباقية، للفرس سهمين، ولراكبه سهم، وللراجل سهم.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فأن لله خمسه ﴾ يقول : هو لله، ثم قسم الخمس خمسة أخماس ﴿ وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس.
453
فأربعة منها بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس، فربع لله ولرسوله ولذي القربى - يعني قرابة رسول الله ﷺ - فما كان لله وللرسول، فهو لقرابة النبي ﷺ ولم يأخذ النبي من الخمس شيئاً، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء... ﴾ الآية. قال : كان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله ﷺ على خمسة أسهم، فيعزل سهماً منه ويقسم أربعة أسهم بين الناس - يعني لمن شهد الوقعة - ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سمى لله تعالى : لا تجعلوا لله نصيباً، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم. سهم للنبي ﷺ، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء... ﴾ قال : كان النبي ﷺ وذو قرابته لا يأكلون من الصدقات شيئاً لا يحل لهم، فللنبي ﷺ خمس الخمس، ولذي قراباته خمس الخمس، ولليتامى مثل ذلك، وللمساكين مثل ذلك، ولابن السبيل مثل ذلك.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : كان سهم النبي ﷺ يدعى الصفى، إن شاء عبداً وإن شاء فرساً، يختاره قبل الخمس، ويضرب له بسهمه ان شهد وإن غاب، وكانت صفية ابنة حيي من الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في الآية قال : خمس الله والرسول واحد، إن كان النبي ﷺ يحمل فيه ويصنع فيه ما شاء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ تناول شيئاً من الأرض أو وبرة من بعير فقال : والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم ».
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله ﷺ يقسم ما افتتح على خمسة أخماس. فأربعة منها لمن شهده، ويأخذ الخمس خمس الله فيقسمه على ستة أسهم.
454
فسهم لله، وسهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وكان النبي ﷺ يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله، وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة، ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله، وسهم ذي القربى لقرابته، يضع رسول الله ﷺ فيهم مع سهمهم مع البأس، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم، يضعه رسول الله ﷺ فيمن شاء وحيث شاء، ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة إلا سهم، ولرسول الله ﷺ سهمه مع سهام الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال : سألت عبد الله بن بريدة رضي الله عنه في قوله ﴿ فأن لله خمسه وللرسول ﴾ قال : الذي لله لنبيه، والذي للرسول لأزواجه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي رضي الله عنه ﴿ ولذي القربى ﴾ قال : هم بنو عبد المطلب.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما. إن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه : انا كنا نرى أناهم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلها ذوو قربى.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه : إنا كنا نرى اناهم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : ويقول : لمن تراه. فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو لقربى رسول الله ﷺ، قسمه لهم رسول الله ﷺ، وقد كان عمر رضي الله عنه عرض علينا من ذلك عرضاً رأينا دون حقنا. فرددناه عليه وأبينا أن نقبله، وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم، وأن يقضي عن غارمهم، وأن يعطي فقيرهم، وأبى أن يزيدهم على ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت علياً رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين، أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم؟ فقال : أما أبو بكر رضي الله عنه فلم تكن في ولايته أخماس، وأما عمر رضي الله عنه فلم يزل يدفعه إليّ في كل خمس حتى كان خمس السوس وجند نيسابور. فقال وأنا عنده : هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس، وقد أحل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت : نعم. فوثب العباس بن عبد المطلب فقال : لا تعرض في الذي لنا. فقلت : ألسنا أحق من المسلمين وشفع أمير المؤمنين؟ فقبضه، فوالله ما قبضناه ولا صدرت عليه في ولاية عثمان رضي الله عنه، ثم أنشأ علي رضي الله عنه يحدث فقال : إن الله حرم الصدقة على رسوله فعوضه سهماً من الخمس عوضاً عما حرم عليه، وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله ﷺ سهماً عوضاً مما حرم عليهم.
455
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ « رغبت لكم عن غسالة الأيدي، لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم ».
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر « أن النبي ﷺ قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال « قسم رسول الله سهم ذي القربى على بني هاشم وبني المطلب، قال : فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه، فقلنا : يا رسول الله، هؤلاء اخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت اخواننا من بني المطلب، أعطيتهم دوننا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب؟ فقال : إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإِسلام ».
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : آل محمد ﷺ الذين أعطوا الخمس. آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ يعني من المشركين ﴿ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ﴾ يعني قرابة النبي ﷺ ﴿ واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ يعني الضيف، وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي ﷺ أخرجوا خُمْسَهُ فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع، فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي ﷺ، فما كان لله فهو للرسول والقرابة وكان للنبي ﷺ نصيب رجل من القرابة، والربع الثاني للنبي ﷺ، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل، ويعمدون إلى التي بقيت فيقسمونها على سهمانهم، فلما توفي النبي ﷺ رد أبو بكر رضي الله تعالى عنه نصيب القرابة، فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى، وبقي نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وأخرج ابن أبي شيبة والبغوي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان « عن رجل من بلقين عن ابن عم له قال : قلت : يا رسول الله، ما تقول في هذا المال؟ قال » لله خمسه، وأربعة أخماسه لهؤلاء - يعني المسلمين - قلت : فهل أحد أحق به من أحد؟ قال : لا، ولو انتزعت سهماً من جنبك لم تكن بأحق به من أخيك المسلم « ».
456
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردوبه والبيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن النبي ﷺ كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم، فلما نزلت ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء... ﴾ الآية. ترك التنفل وجعل ذلك في خمس الخمس، وهو سهم الله وسهم النبي ﷺ ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك بن عبد الله الحنفي رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند عثمان رضي الله عنه قال : من ههنا من أهل الشام؟ فقمت؟ فقال : أبلغ معاوية إذا غنم غنيمة أن يأخذ خمسة أسهم فيكتب على كل سهم منها : لله ثم ليقرع فحيثما خرج منها فليأخذه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي الله عنه ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ قال : سهم الله وسهم النبي ﷺ واحد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : في المغنم خمس لله وسهم النبي ﷺ بالصفى، كان يصطفى له في المغنم خير رأس من السبي إن سبي وإلا غيره، ثم يخرج الخمس، ثم يضرب له بسهمه شهد أو غاب مع المسلمين بعد الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه. أنه سئل عن قوله ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ وقوله ﴿ ما أفاء الله على رسوله ﴾ [ الحشر : ٧ ] ما الفيء، وما الغنيمة؟ قال : إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم فأخذوهم عنوة، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة، وأما الأرض : فهو فيء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سفيان قال : الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة، فهو لمن سمى الله وأربعة أخماس لمن شهدها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أنه سئل : كيف كان رسول الله يصنع في الخمس؟ قال : كان يحمل الرجل سهماً في سبيل الله، ثم الرجل، ثم الرجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان للنبي ﷺ شيء واحد في المغنم يصطفيه لنفسه، أما خادم واما فرس، ثم نصيبه بعد ذلك من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سلمنا الأنفال لله ورسوله، ولم يخمس رسول الله ﷺ بدراً، ونزلت بعد ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ فاستقبل رسول الله ﷺ بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر.
457
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله، ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس؟ فولانيه.
وأخرج الحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال : ولاني رسول الله ﷺ خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول رضي الله عنه رفعه إلى النبي ﷺ قال « لا سهم من الخيل إلا لفرسين، وإن كان معه ألف فرس إذا دخل بها أرض العدوّ، قال : قسم رسول الله ﷺ يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهم ».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما « ان رسول الله ﷺ جعل للفارس سهمين، وللراجل سهما ».
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه. أوصى بالخمس وقال : أوصي بما رضي الله به لنفسه، ثم قال ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأَن لله خمسه ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه في قوله ﴿ إن كنتم آمنتم بالله ﴾ يقول : أقرُّوا بحكمي ﴿ وما أنزلنا على عبدنا ﴾ يقول : وما أنزلت على محمد ﷺ في القسمة ﴿ يوم الفرقان ﴾ يوم بدر ﴿ يوم التقى الجمعان ﴾ جمع المسلمين وجمع المشركين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يوم الفرقان ﴾ قال : هو يوم بدر، وبدر : ماء بين مكة والمدينة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يوم الفرقان ﴾ قال : هو يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
وأخرج سعيد بن منصور ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله ﴿ يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ﴾ قال : كانت بدر لسبع عشرة مضت من شهر رمضان.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة، لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج ابن جرير عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : أمر رسول الله ﷺ بالقتل في آي من القرآن، فكان أوّل مشهد شهده رسول الله ﷺ بدراً، وكان رئيس المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فالتقوا يوم الجمعة ببدر لسبع أو ست عشرة ليلة مضت من رمضان، وأصحاب رسول الله ﷺ ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون بين الألف والتسعمائة، وكان ذلك يوم الفرقان : يوم فرق الله بين الحق والباطل، فكان أول قتيل قتل يومئذ مهجع مولى عمر ورجل من الأنصار، وهزم الله يومئذ المشركين فقتل منهم زيادة على سبعين رجلاً وأسر منهم مثل ذلك.
458
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال : كانت بدر لسبع عشرة من رمضان في يوم جمعة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. أنه سئل أي ليلة كانت ليلة بدر؟ فقال : هي ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة بقيت من رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن ربيعة البدري قال : كان يوم بدر يوم الاثنين لسبع عشرة من رمضان.
459
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ﴿ إذ أنتم بالعدوة الدنيا ﴾ قال : شاطىء الوادي ﴿ والركب أسفل منكم ﴾ قال : أبو سفيان.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ أنتم بالعدوة الدنيا... ﴾ الآية. قال : العدوة الدنيا : شفير الوادي الأدنى، والعدوة القصوى : شفير الوادي الأقصى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ والركب أسفل منكم ﴾ قال : كان أبو سفيان أسفل الوادي في سبعين راكباً. ونفرت قريش وكانت تسعمائة وخمسين، فبعث أبو سفيان إلى قريش وهم بالجحفة : إني قد جاوزت القوم فارجعوا. قالوا : والله لا نرجع حتى نأتي ماء بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ والركب أسفل منكم ﴾ قال : أبو سفيان وأصحابه مقبلين من الشام تجاراً لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر أصحاب النبي ﷺ بكفار قريش، ولا كفار قريش، بهم حتى التقوا على ماء بدر، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد ﷺ وأسروهم.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ وهم بالعدوة القصوى ﴾ من الوادي إلى مكة ﴿ والركب أسفل منكم ﴾ يعني أبا سفيان وغيره، وهي أسفل من ذلك نحو الساحل ﴿ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ﴾ أي ولو كان على ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما التقيتم ﴿ ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ﴾ أي ليقضي ما أراد بقدرته من اعزاز الإِسلام وأهله واذلال الكفر وأهله من غير ملأ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه، فأخرجه الله ومن معه إلى العير لا يريد غيرها، وأخرج قريشاً من مكة لا يريدون إلا الدفع عن عيرهم، ثم ألف بين القوم على الحرب وكانوا لا يريدون إلا العير، فقال في ذلك ﴿ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ﴾ ليفصل بين الحق والباطل ﴿ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة ﴾ أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ﴾ قال : أراه الله إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبي ﷺ أصحابه بذلك وكان تثبيتاً لهم.
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه « أن رسول الله ﷺ عدل صفوف أصحابه يوم بدر ورجع إلى العريش، فدخله ومعنا أبو بكر رضي الله عنه، وقد خفق رسول الله ﷺ خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال : أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله. هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع ».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ﴾ قال : لاختلفتم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ولكن الله سلم ﴾ أي أتم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ولكن الله سلم ﴾ يقول : سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لقد قللوا في أعيينا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين؟ قال : لا، بل مائة، حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه؟ قال : كنا ألفاً.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ﴾ قال : حضض بعضهم على بعض.
أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ « لا تتمنوا لقاء العدوّ وأسالوا الله العافية، فإن لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيراً، فإذا جلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : ما من شيء أحب إلى الله من قراءة القرآن والذكر، ولولا ذلك ما أمر الله الناس بالصلاة والقتال : ألا ترون أنه قد أمر الناس بالذكر عند القتال فقال ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ﴾.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون، عند الضراب بالسيوف.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر رضي الله عنه قال : أشد الأعمال ثلاثة : ذكر الله على كل حال، وانصافك من نفسك، ومواساة الأخ في المال.
وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قال : لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم ستبلون بهم وسلوا الله العافية، فإذا جاءوكم يبرقون ويرجفون ويصيحون بالأرض، الأرض جلوساً ثم قولوا : اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت، فإذا دنوا منكم فثوروا إليهم واعلموا أن الجنة تحت البارقة ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال : وجب الانصات والذكر عند الرجف، ثم تلا ﴿ واذكروا الله كثيراً ﴾.
وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم رضي الله عنه قال :« لما ودع رسول الله ﷺ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال ابن رواحة : يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك؟ قال » إنك قادم غداً بلداً السجود به قليل فأكثر السجود. قال : زدني. قال : اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب. قال : زدني. قال : يا ابن رواحة فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدة. فقال ابن رواحة رضي الله عنه : لا أسألك عن شيء بعدها « ».
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « ثِنيتان لا تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً ».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ كان يكره الصوت عند القتال ».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون الصوت عند القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال : كان أصحاب محمد ﷺ يستحبون خفض الصوت عند ثلاث. عند القتال، وعند القرآن، وعند الجنائز.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه « أن النبي ﷺ كان يكره رفع الصوت عند ثلاث. عند الجنازة، وإذا التقى الزحفان، وعند قراءة القرآن ».
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ﴾ قال : يقول : لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وتذهب ريحكم ﴾ قال : نصركم، وقد ذهب ريح أصحاب محمد ﷺ حين نازعوه يوم أُحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ وتذهب ريحكم ﴾ قال : الريح النصر، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ، وإذا كان كذلك لم يكن لهم قوام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا كان عند القتال لم يقاتل أول النهار وآخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ﴾ يعني المشركين الذين قاتلوا رسول الله ﷺ يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله تعالى ﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ﴾ قال : أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال « كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله ﷺ يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر، وقد قيل لهم يومئذ : ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم، فقالوا : لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا، وذُكِرَ لنا أن نبي الله قال يومئذ : اللهم إن قريشاً قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك، وذكر لنا أنه قال يومئذ :﴿ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم... ﴾ ».
أخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ﴾ قال : قريش يوم بدر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان ﴿ لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ﴾ وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين فلما رأى جبريل انتزع يد، وولى مدبراً هو وشيعته، فقال الرجل : يا سراقة انك جار لنا؟! فقال ﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ وذلك حين رأى الملائكة ﴿ إني أخاف الله والله شديد العقاب ﴾ قال : ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين فقال المشركون : وما هؤلاء ﴿ غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ﴾.
وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله ﷺ ساعة، ثم سري عنه فبشر الناس بجبريل عليه السلام في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر ميسرة، وإسرافيل في جند آخر ألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يجير المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، فلما أبصر عدوّ الله الملائكة ﴿ نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ﴾ فتشبت به الحارث، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال : يا رب موعدك الذي وعدتني.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن رفاعة بن رافع الأنصار رضي الله عنه قال : لما رأى إبليس ما يفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك، فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هارباً حتى ألقى نفسه في البحر، فرفع يديه فقال : اللهم إني أسألك نظرتك إياي.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أنزل الله تعالى على نبيه ﷺ بمكة ﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾ [ القمر : ٤٥ ] فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أي جمع يهزم؟! - وذلك قبل بدر - فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش، نظرت إلى رسول الله ﷺ في آثارهم مصلتاً بالسيف ويقول :﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾ فكانت بيوم بدر، فأنزل الله فيهم ﴿ حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ﴾ [ المؤمنون : ٢٤ ] الآية.
466
وأنزل الله ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً ﴾ [ إبراهيم : ٢٨ ] الآية. ورماهم رسول الله ﷺ فوسعهم الرمية، وملأت أعينهم وأفواههم حتى أن الرجل ليقتل وهو يقذي عينيه وفاه، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ [ الأنفال : ١٧ ] وأنزل الله في إبليس ﴿ فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ﴾ وقال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر ﴿ غر هؤلاء دينهم ﴾ فأنزل الله ﴿ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ﴾.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ قال : أرى جبريل عليه السلام معتجراً بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ قال : ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة، وقال ﴿ إني أخاف الله ﴾ وكذب عدو الله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوّة له به ولا منعة له.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال : ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك، فأنكر أن يكون شيء من ذلك.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عبادة بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : كان الذي رآه نكص حين نكص الحارث بن هشام، أو عمرو بن وهب الجمحي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إذ يقول المنافقون ﴾ قال : وهم يومئذ في المسلمين.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ﴾ قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال : هم قوم كانوا أقروا بالإِسلام وهم بمكة، ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا المسلمين قالوا ﴿ غر هؤلاء دينهم ﴾.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في الآية قال : كان أناس من أهل مكة تكلموا بالإِسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا وفد المسلمين قالوا ﴿ غر هؤلاء دينهم ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحق رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ﴾ قال : هم الفئة الذين خرجوا مع قريش، احتبسهم آباؤهم فخرجوا وهم على الارتياب، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله ﷺ قالوا ﴿ غر هؤلاء دينهم ﴾ حين قدموا على ما قدموا عليه من قلة عددهم وكثرة عدوّهم، وهم فئة من قريش مسمون خمسة : قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه.
467
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ﴾ قال : الذين قتلهم الله ببدر من المشركين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : آيتان يبشر بهما الكافر عند موته ﴿ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وأدبارهم ﴾ قال : وأشباههم ولكن الله كريم يكني.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ قال : نعمة الله : محمد ﷺ، أنعم الله بها على قريش فكفروا فنقله إلى الأنصار.
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : نزلت ﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ﴾ في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم ﴾ قال : قريظة يوم الخندق مالأوا على محمد ﷺ أعداءه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال : نكل بهم من بعدهم.
وأخرج ابن جريرعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال : نكل بهم من وراءهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال : نكل بهم الذين خلفهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال : أنذرهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال : اصنع بهم كما تصنع بهؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ لعلهم يذكرون ﴾ يقول : لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : دخل جبريل عليه السلام على رسول الله ﷺ فقال : قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فان الله قد أذن لك في قريظة، وأنزل فيهم ﴿ وإما تخافن من قوم خيانة ﴾ الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإما تخافن من قوم خيانة ﴾ قال : قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإما تخافن من قوم خيانة... ﴾ الآية. قال : من عاهد رسول الله ﷺ إن خفت أن يختانوك ويغدروا فتأتيهم فانبذ إليهم على سواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : لا تقاتل عدوّك حتى تنبذ إليهم على سواء ﴿ إن الله لا يحب الخائنين ﴾.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن سليم بن عامر رضي الله عنه قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير حتى يكون قريباً من أرضهم، فإذا انقضت المدة أغار عليهم، فجاءه عمرو بن عبسة فقال : الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله ﷺ يقول « من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء » قال : فرجع معاوية بالجيوش.
وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال : ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء. من عاهدته فوفى بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلماً كان أو كافراً، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إنهم لا يعجزون ﴾ يقول : لا يفوتونا.
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأب يعقوب اسحق بن إبراهيم القراب في كتاب فضل الرمي. والبيهقي في شعب الإِيمان عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : سمعت النبي ﷺ يقول وهو على المنبر « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة، ألا أن القوة الرمي ألا أن القوّة الرمي قالها ثلاثاً ».
وأخرج ابن المنذر عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه « سمعت رسول الله ﷺ يقول ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾ ألا إن القوّة الرمي ثلاثاً، إن الأرض ستفتح لكم وتكفون المؤنة، فلا يعجزنَّ أحدكم أن يلهو باسهمه ».
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. أنه تلا هذه الآية ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ قال : ألا أن القوّة الرمي.
وأخرج ابن المنذر عن مكحول رضي الله عنه قال : ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة، فتعلموا الرمي فإني سمعت الله تعالى يقول ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ قال : فالرمي من القوّة.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ قال : الرمي والسيوف والسلاح.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ قال : أمرهم بإعداد الخيل.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ﴾ قال : القوّة ذكور الخيل، والرباط الإِناث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ قال : القوّة ذكور الخيل، ورباط الخيل الإِناث.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في الآية قال : القوّة الفرس إلى السهم فما دونه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم ﴾ قال : تخزون به عدو الله وعدوكم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن النبي ﷺ مر بقوم وهم يرمون، فقال : رميا بني إسمعيل لقد كان أبوكم رامياً ».
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول
471
« إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة. صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله. وقال : ارموا واركبوا وان ترموا خير من أن تركبوا، وقال : كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة، رمية عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق، ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإِيمان عن حرام بن معاوية قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يجاورنكم خنزير، ولا يرفع فيكم صليب، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر، وأدبوا الخيل، وامشوا بين الفرقتين.
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج النبي ﷺ وقوم من أسلم يرمون فقال « ارموا بني اسمعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع ابن الأدرع. فأمسك القوم فسألهم؟ فقالوا : يا رسول الله من كنت معه غلب. قال : ارموا وأنا معكم كلكم ».
وأخرج أحمد والبخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : خرج رسول الله ﷺ على قوم من أسلم يتناضلون في السوق فقال « ارموا يا بني اسمعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان - لاحد الفريقين - فأمسكوا بأيديهم فقال : ارموا... ! قالوا : يا رسول الله كيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال : ارموا وأنا معكم كلكم ».
وأخرج الحاكم وصححه عن محمد بن إياس بن سلمة عن أبيه عن جده « أن رسول الله ﷺ مر على ناس ينتضلون فقال : حسن اللهم مرتين أو ثلاثاً، ارموا وأنا مع ابن الأدرع. فأمسك القوم قال : ارموا وأنا معكم جميعاً، فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضاً ».
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم والقراب في فضل الرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ قال : كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة. انتضالك بقوسك، وتأديبك فرسك، وملاعبتك أهلك فإنها من الحق، وقال عليه السلام : انتضلوا واركبوا وان تنتضلوا أحب إليَّ، إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة. صانعه محتسباً، والمعين به، والرامي به في سبيل الله تعالى ».
وأخرج الحاكم وصححه والقراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال : حاصرنا قصر الطائف، فسمعت رسول الله ﷺ يقول :« من رمى بسهم في سبيل الله فله عدل محرر » قال : فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً.
وأخرج ابن ماجة والحاكم والقراب عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه
472
« سمعت رسول الله ﷺ يقول : من رمى العدوّ بسهم فبلغ سهمه أو أخطأ أو أصاب فعدل رقبة ».
وأخرج الحاكم عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم بدر قال لنا رسول الله ﷺ « إذا أكثبوكم فارموا بالنبل واستبقوا نبلكم ».
وأخرج الحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص « أن رسول الله ﷺ قال يوم أحد : أنبلوا سعد، أرم يا سعد رمى الله لك، فداك أبي وأمي ».
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة بنت سعد رضي الله عنها عن أبيها أنه قال :
ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي
وأخرج الثقفي في فوائده عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قال : لا تحضر الملائكة من اللهو شيئاً إلا ثلاثة. لهو الرجل مع امرأته، وإجراء الخيل، والنضال ».
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ « الملائكة تشهد ثلاثاً. الرمي، والرهان، وملاعبة الرجل أهله ».
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ قال : ارموا واركبوا الخيل، وان ترموا أحب إليَّ، كل لهو لهاية المؤمن باطل إلا ثلاث خلال. رميك عن قوسك، وتأديبك فرسك، وملاعبتك أهلك فإنهن من الحق ».
وأخرج النسائي والبزار والبغوي والبارودي والطبراني والقراب وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت جابر بن عبدالله وجابر بن عمير الأنصاري يرتميان، فمل أحدهما فجلس فقال الآخر : كسلت... ؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول « كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو إلا أربع خصال. مشي الرجل بين الغرضين، وتأديب فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة ».
وأخرج القراب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة. الرامي، والممد به، والمحتسب له ».
وأخرج القراب عن حذيفة رضي الله عنه قال : كتب عمر رضي الله عنه إلى الشام : أيها الناس ارموا واركبوا والرمي أحب إلي من الركوب، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول « إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة من عمله في سبيله، ومن قوّي به في سبيل الله تعالى ».
وأخرج القراب عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال « نعم لهو المؤمن الرمي، ومن ترك الرمي بعدما علمه فهو نعمة تركها ».
473
وأخرج القراب عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : لا أترك الرمي أبداً ولو كانت يدي مقطوعة بعد شيء سمعته من رسول الله ﷺ « سمعت رسول الله ﷺ يقول » من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني «.
وأخرج القراب عن مكحول يرفعه إلى النبي ﷺ قال »
كل لهو باطل إلا ركوب الخيل، والرمي، ولهو الرجل مع امرأته، فعليكم بركوب الخيل والرمي، والرمي أحبهما إليَّ «.
وأخرج القراب من طريق مكحول عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال »
اللهو في ثلاث : تأديبك فرسك، ورميك بقوسك، وملاعبتك أهلك «.
وأخرج القراب من طريق مكحول. أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل الشام : أن علموا أولادكم السباحة والفروسية.
وأخرج القراب عن سليمان التيمي قال »
كان رسول الله ﷺ يعجبه أن يكون الرجل سابحاً رامياً «.
وأخرج القراب عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ »
من رمى بسهم في سبيل الله فأصاب أو أخطأ أو قصر فكأنما أعتق رقبة كانت فكاكاً له من النار «.
وأخرج القراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال : حضرنا مع رسول الله ﷺ قصر الطائف، فسمعته يقول »
من رمى بسهم في سبيل الله قصر أو بلغ كانت له درجة في الجنة «.
وأخرج القراب عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ »
قاتلوا أهل الصقع، فمن بلغ منهم فله درجة في الجنة. قالوا : يا رسول الله ما الدرجة؟ قال : ما بين الدرجتين خمسمائة عام «.
وأخرج الطبراني والقراب عن أبي عمرة الأنصاري رضي الله عنه »
سمعت رسول الله ﷺ يقول : من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ أو قصر كان السهم نوراً يوم القيامة «.
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ »
أحب اللهو إلى الله إجراء الخيل، والرمي بالنبل، ولعبكم مع أزواجكم «.
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن سعد رضي الله عنه قال : عليكم بالرمي فإنه خير، أو من خير لهوكم.
وأخرج أبو عوانة عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : تعلموا الرمي فإنه خير لعبكم.
وأخرج البزار عن جابر رضي الله عنه »
أن النبي ﷺ مر على قوم وهم يرمون فقال : ارموا بني إسمعيل فإن أباكم كان رامياً «.
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه
474
« أن النبي ﷺ قال : من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها ».
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قال : لا تحضر الملائكة من لهوكم إلا الرهان والنضال ».
وأخرج البزار بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « من رمى رمية في سبيل الله قصر أو بلغ كان له مثل أجر أربعة أناس من ولد اسمعيل اليوم ».
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « من رمى بسهم في سبيل الله كان له نور يوم القيامة ».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « كل لهو يكره إلا ملاعبة الرجل امرأته، ومشيه بين الهدفين، وتعليمه فرسه ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي ».
وأخرج ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « تعلموا الرمي فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة ».
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « من مشى بين العرضين كان له بكل خطوة حسنة ».
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ « ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي بها همه ».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ « علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل ».
وأخرج ابن منده في المعرفة عن بكر بن عبدالله بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه « سمعت رسول الله ﷺ يقول : من شاب شيبة في الإِسلام كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله كان له عدل رقبة ».
وأخرج عبد الرزاق عن أبي أمامة رضي الله عنه. أنه سمع النبي ﷺ يقول :« من شاب شيبة في الإِسلام كان له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب كان له عدل رقبة من ولد إسمعيل ».
475
وأخرج أحمد عن مرة بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال :« من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة بين الدرجتين مائة عام، ومن رمى بسهم في سبيل الله كان كمن أعتق رقبة ».
وأخرج الخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إن الله ليدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة : صانعه محسباً صنعته، والرامي به، والمقوي به ».
وأخرج الواقدي عن مسلم بن جندب رضي الله عنه قال : أول من ركب الخيل إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخرت له «.
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً لا تطاق حتى سخرت له »
.
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً لا تركب، فأول من ركبها اسمعيل عليه السلام، فبذلك سميت العراب.
وأخرج أحمد بن سليمان والنجاد في جزئه المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش، فلما أذن الله تعالى لإِبراهيم واسمعيل برفع القواعد من البيت قال الله تعالى : إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما، ثم أوحى الله إلى اسمعيل عليه السلام : إن أخرج فادع بذلك الكنز، فخرج اسمعيل عليه السلام إلى أجناد وكان موطناً منه وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، فألهمه الله الدعاء فلم يبق على وجه الأرض فرس إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وذللها له، فاركبوها واعدوها فإنها ميامين، وإنها ميراث أبيكم اسمعيل عليه السلام.
وأخرج الثعلبي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « لما أراد الله أن يخلق الخيل قال للريح الجنوب : إني خالق منك خلقاً فاجعله عزاً لأوليائي، ومذلة على أعدائي، وجمالاً لأهل طاعتي فقالت الريح : اخلق فقبض منها قبضة فخلق فرساً فقال له : خلقتك عربياً، وجعلت الخير معقوداً بناصيتك، والغنائم مجموعة على ظهرك، عطفت عليك صاحبك وجعلتك تطير بلا جناح، فأنت للطلب وأنت للهرب، وسأجعل على ظهرك رجالاً يسبحوني ويحمدوني ويهللوني، تسبحن إذا سبحوا وتهللن إذا هللوا وتكبرن إذا كبروا. فقال رسول الله ﷺ : ما من تسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة يكبرها صاحبها فتسمعه الا تجيبه بمثلها، ثم قال : سمعت الملائكة صنعة الفرس وعاينوا خلقها، قالت : رب نحن ملائكتك نسبحك ونحمدك فماذا لنا؟ فخلق الله لها خيلاً بلقاً أعناقها كأعناق البخت، فلما أرسل الله الفرس إلى الأرض واستوت قدماه على الأرض، صهل فقيل : بوركت من دابة أذل بصهيلك المشركين، أذل به أعناقهم، وأملأ به آذانهم، وارعب به قلوبهم، فلما عرض الله على آدم من كل شيء قال له : اختر من خلقي ما شئت؟ فاختار الفرس قال له : اخترت لعزكَ وعز، ولدك، خالداً ما خلدوا وباقياً ما بقوا، بركتي عليك وعليهم ما خلقت خلقاً أحب إليّ منك ومنهم ».
476
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما. مثله سواء.
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ قال : الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر، ورجل ربطها تغنياً ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإِسلام فهي على ذلك وزر ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والخيل ثلاثة : خيل أجر، وخيل وزر، وخيل ستر. فأما خيل ستر فمن اتخذها تعففاً وتكرماً وتجملاً ولم ينس حق بطونها وظهورها في عسره ويسره، وأما خيل الأجر فمن ارتبطها في سبيل الله فإنها لا تغيب في بطونها شيئاً إلا كان له أجر حتى ذكر أرواثها وأبوالها، ولا تعدو في واد شوطاً أو شوطين إلا كان في ميزانه، وأما خيل الوزر فمن ارتبطها تبذخاً على الناس فإنها لا تغيب في بطونها شيئاً إلا كان وزر عليه حتى ذكر أرواثها وأبوالها، ولا تعدو في واد شوطاً أو شوطين إلا كان عليه وزر ».
وأخرج مالك وأحمد بن حنبل والطيالسي وابن شيبة البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن رسول الله ﷺ قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عروة البارقي رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. قيل : يا رسول الله وما ذاك؟ قال : الأجر والغنيمة ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال « رأيت النبي ﷺ يلوي ناصية فرسه باصبعه ويقول : الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة ».
477
وأخرج النسائي وأبو مسلم الكشي في سننه عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، قيل : يا رسول الله وما ذاك؟ قال : الأجر والغنيمة ».
وأخرج الطبراني والآجري في كتاب النصيحة عن أبي كبشة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة ».
وأخرج الطبراني عن سوادة بن الربيع الجرمي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله ﷺ فأمرني بذود، وقال « عليك بالخيل فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « الخيل في نواصيها الخير والمغنم إلى يوم القيامة، ونواصيها أذناها وأذنابها مذابها ».
وأخرج ابن سعد في الطبقات وابن منده في الصحابة عن يزيد بن عبدالله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال :« الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كباسط كفيه في الصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما « أن رسول الله ﷺ قال : الخيل معقود في نواصيها الخير أبداً إلى يوم القيامة، فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتساباً في سبيل الله فإن شبعها وجوعها وريَّها وظمأها وأبوالها وأرواثها فلاح في موازينه يوم القيامة، ومن ربطها رياء وسمعة وفخراً ومرحاً فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة ».
وأخرج أبو بكر بن عاصم في الجهاد والقاضي عمر بن الحسن الاشناني في بعض تاريخه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها، فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة وقلدوها ولا تقلدوها إلا وتار ».
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن زياد بن مسلم الغفاري رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ كان يقول : الخيل ثلاثة، فمن ارتبطها في سبيل الله وجهاد عدوه كان شبعها وجوعها وريها وعطشها وجريها وعرقها وأرواثها وأبوالها أجراً في ميزانه يوم القيامة، ومن ارتبطها للجمال فليس له إلا ذاك ومن ارتبطها فخراً ورياء كان مثل ما نص في الأول وزراً في ميزانه يوم القيامة ».
478
وأخرج الطبراني والآجري في الشريعة والنصيحة عن خباب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن، وفرس للإِنسان، وفرس للشيطان. فأما فرس الرحمن، فما أعد في سبيل الله وقوتل عليه أعداء الله، وأما فرس الإِنسان، فما استبطن ويحمل عليه، وأما فرس الشيطان، فما قومر عليه ». وأخرجه ابن أبي شيبة عن خباب موقوفاً.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال « الخيل ثلاثة : فرس للرحمن، وفرس للإِنسان، وفرس للشيطان. فأما فرس الرحمن، فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله، وأما فرس الشيطان، فالذي يقامر أي يراهن عليه، وأما فرس الإِنسان، فالفرس يرتبطها الإِنسان يلتمس بطنها فهي ستر من فقر ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد من طريق أبي عمرو الشيباني رضي الله عنه عن رجل من الأنصار عن النبي ﷺ قال « الخيل ثلاثة : فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر ورعايته أجر وعلفه أجر، وفرس يعالق فيه الرجل ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر، وفرس للبطنة، فعسى أن يكون سدداً من الفقر إن شاء الله تعالى ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « البركة في نواصي الخيل ».
وأخرج النسائي عن أنس رضي الله عنه قال « لم يكن شيء أحب إلى رسول الله ﷺ بعد النساء من الخيل ».
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال « ما كان شي أحب إلى رسول الله ﷺ من الخيل. ثم قال : اللهم غفرا إلا النساء ».
وأخرج الدمياطي في كتاب الخيل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول « من حبس فرساً في سبيل الله، كان سترة من النار ».
وأخرج ابن أبي عاصم في الجهاد عن يزيد بن عبدالله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ « في الخيل وأبوالها وأرواثها كف من مسك الجنة ».
وأخرج ابن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك ».
وأخرج ابن ماجة وابن أبي عاصم عن تميم الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :
479
« من ارتبط فرساً في سبيل الله ثم عالج علفه بيده، كان له بكل حبة حسنة ».
وأخرج أحمد وابن أبي عاصم عن تميم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« ما من امرىء مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلفه عليه الا كتب الله تعالى له بكل حبة حسنة ».
وأخرج ابن ماجة وابن أبي عاصم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « لا يدخل الجنة سيء الملكة. قالوا : يا رسول الله، أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين وأيامى؟ قال : بلى، فاكرموهم بكرامة أولادكم، واطعموهم مما تأكلون. قالوا : فما ينفعنا في الدنيا؟ قال : فرس تربطه تقاتل عليه في سبيل الله، ومملوك يكفيك فإذا كفاك فهو أخوك ».
وأخرج أبو عبدالله الحسين بن اسمعيل المحاملي عن سلمان رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يرتبط فرساً إذا أطاق ذلك ».
وأخرج ابن أبي عاصم عن سوادة بن الربيع رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « ارتبطوا الخيل، فإن الخيل في نواصيها الخير ».
وأخرج ابن أبي عاصم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« من ارتبط فرساً في سبيل الله، كانت النفقة عليه كالمادِّ يده بصدقة لا يقطعها ».
وأخرج أبو طاهر المخلص عن ابن الحنظلية رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وصاحبها يعان عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها ».
وأخرج أحمد وأبو داود وابن أبي عاصم والحاكم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إن المنفق على الخيل في سبيل الله، كباسط يده بالصدقة لا يقبضها ».
وأخرج البخاري والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال « من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديق موعود الله كان شبعه وريه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة ».
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال « ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحر بدعوتين، يقول : اللهم كما خوّلتني من خوّلتني من بني آدم فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه ».
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي ﷺ كان يسمي الأنثى من الخيل فرساً ».
480
وأخرج الطبراني عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول « من أطرق مسلماً فرساً فأعقب له الفرس، كتب الله له أجر سبعين فرساً يحمل عليها في سبيل الله، وإن لم تعقب له كان له كأجر سبعين فرساً يحمل عليه في سبيل الله ».
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما تعاطى الناس بينهم شيئاً قط أفضل من الطرق، يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره، ويطرق الرجل فحله فيجري له أجره، ويطرق الرجل كبشه فيجري له أجره «.
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن معاوية بن خديج رضي الله عنه. أنه لما افتتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها خيولهم، فمر معاوية بأبي ذر رضي الله عنه وهو يمرغ فرساً له، فسلم عليه ووقف ثم قال : يا أبا ذر، ما هذا الفرس؟ قال : فرس لي لا أراه إلا مستجاباً. قال : وهل تدعو الخيل وتجاب؟ قال : نعم، ليس من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ربه فيقول : رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده : اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله وولده، فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب، ولا أرى فرسي هذا إلا مستجاباً.
وأخرج أبو عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال »
أصاب رسول الله ﷺ وسلم فرساً من جدس حي من اليمن، فأعطاه رجلاً من الأنصار وقال : إذا نزلت فأنزل قريباً مني فإني أسار إلى صهيله، ففقده ليلة فسأل عنه فقال : يا رسول الله، إنا خصيناه. فقال : مثلت به يقولها ثلاثاً، الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، أعرافها ادفاؤها وأذنابها مذابها، التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين «.
وأخرج أبو عبيدة عن مكحول رضي الله عنه قال :»
نهى رسول الله ﷺ عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها وقال « أما أذنابها فمذابها، وأما أعرافها فادفاؤها، وأما نواصيها ففيها الخير » «.
وأخرج أبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال »
لا تلهبوا أذناب الخيل، ولا تجزوا أعرافها ونواصيها، فإن البركة في نواصيها، ودفاؤها في أعرافها، وأذنابها مذابها «.
وأخرج أبو داود عن عتبة بن عبد الله السلمي رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :»
لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فأما أذنابها مذابها، ومعارفها ادفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير «.
وأخرج ابن سعد عن أبي واقد أنه بلغه »
أن النبي ﷺ قام إلى فرسه فمسح وجهه بكم قميصه فقالوا : يا رسول الله أبقميصك؟ قال : إن جبريل عاتبني في الخيل «.
481
وأخرج أبو عبيدة من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار « أن رسول الله ﷺ مسح بطرف ردائه وجه فرسه وقال : إني عتبت الليلة في اذلة الخيل ».
وأخرج أبو عبيدة عن عبدالله بن دينار رضي الله عنه قال « مسح رسول الله ﷺ وجه فرسه بثوبه، وقال : إن جبريل بات الليلة يعاتبني في اذلة الخيل ».
وأخرج أبو داود في المراسيل عن الوضين بن عطاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها ».
وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « أكرموا الخيل وجللوها ».
وأخرج الحسن بن عرفة عن مجاهد رضي الله عنه قال :« أبصر رسول الله ﷺ إنساناً ضرب وجه فرسه ولعنه فقال » هذه مع تلك، إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله، فجعل الرجل يقاتل عليه ويحمل إلى أن كبر وضعف وجعل يقول : اشهدوا اشهدوا « ».
وأخرج أبو نصر يوسف بن عمر القاضي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ قضى في عين الفرس ربع ثمنه ».
وأخرج محمد بن يعقوب الخلي في كتاب الفروسية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما من ليلة إلا ينزل ملك من السماء يحبس عن دواب الغزاة الكلال، إلا دابة في عنقها جرس.
وأخرج ابن سعد وأبو داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكنافها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل ».
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال « يمن الخيل في شقرها ».
وأخرج الواقدي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ﷺ « خير الخيل الشقر، وإلا فالأدهم أغر محجل ثلاث طليق اليمنى ».
وأخرج أبو عبيدة عن الشعبي رضي الله عنه في حديث رفعه أنه قال « التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى ».
وأخرج الحسن بن عرفة عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال :« جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال :» إني أريد أن أبتاع فرساً. فقال له رسول الله ﷺ : عليك به كميتاً وأدهم أقراح ارثم محجل ثلاث طليق اليمنى « ».
482
وأخرج أبو عبيدة وابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إن خير الخيل الحو ».
وأخرج ابن عرفة عن نافع بن جبير رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال « اليمن في الخيل في كل احوى احم ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « كان رسول الله ﷺ يكره الشكال من الخيل ». وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال :« خير الخيل الأدهم الأقرح المحجل الأرثم طلق اليد اليمنى، فإن لم يكن ادهم فكميت على هذه النسبة ».
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إذا أردت أن تغتزي فاشتر فرساً أدهم أغر محجلاً مطلق اليمنى، فإنك تغنم وتسلم ».
وأخرج سعد والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن قانع في معجمه والطبراني وأبو الشيخ وابن منده والروياني في مسنده وابن مردويه وابن عساكر عن يزيد بن عبدالله بن عريب عن أبيه عن جده « عن النبي ﷺ قال : في قوله ﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ﴾ قال :» هم الجن، ولا يخبل الشيطان إنساناً في داره فرس عتيق « ».
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الهدى عن أبيه عمن حدثه « عن النبي ﷺ في قوله ﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ﴾ قال :» هم الجن، فمن ارتبط حصاناً من الخيل لم يتخلل منزله شيطان « ».
وأخرج ابن المنذر عن سليمان بن موسى رضي الله عنه في قوله ﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ﴾ ولن يخبل الشيطان إنساناً في داره فرس عتيق.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وآخرين من دونهم ﴾ يعني الشيطان لا يستطيع ناصية فرس لأن النبي ﷺ قال « الخيل معقود في نواصيها الخير فلا يستطيعه شيطان أبداً ».
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وآخرين من دونهم ﴾ قال : قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله ﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ﴾ قال : يعني المنافقين ﴿ الله يعلمهم ﴾ يقول : الله يعلم ما في قلوب المنافقين من النفاق الذي يسرون.
483
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله ﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ﴾ قال : هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم، لأنهم معكم يقولون : لا إله إلا الله ويغزون معكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ وآخرين من دونهم ﴾ قال : أهل فارس.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان رضي الله عنه في قوله ﴿ وآخرين من دونهم ﴾ قال : قال ابن اليمان رضي الله عنه : هم الشياطين التي في الدور.
484
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم ﴾ قال : قريظة.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ قال : نزلت في بني قريظة، نسختها ﴿ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم... ﴾ [ محمد : ٣٥ ] إلى آخر الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه « أن النبي كان يقرأ ﴿ وإن جنحوا للسلم ﴾ ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم ﴾ قال : الطاعة.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ قال : إن رضوا فارض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ يقول : إذا أرادوا الصلح فأرده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. أنه قرأ « وإن جنحوا للسلم » يعني بالخفض وهو الصلح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مبشر بن عبيد رضي الله عنهما أنه قرأ « وإن جنحوا للسلم » يعني بفتح السين يعني الصلح.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ قال : نسختها هذه الآية ﴿ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] إلى قوله ﴿ صاغرون ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن جنحوا للسلم ﴾ أي الصلح ﴿ فاجنح لها ﴾ قال : كانت قبل براءة، وكان النبي يوادع الناس إلى أجل، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلهم، ثم نسخ ذلك في براءة فقال ﴿ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ [ التوبة : ٥ ] وقال :﴿ قاتلوا المشركين كافة ﴾ [ التوبة : ٣٦ ] نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره أن يقاتلهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويسلموا، وأن لا يقبلوا منهم إلا ذلك، وكل عهد كان في هذه السورة وغيرها وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتواعدون به، فإن براءة جاءت بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم قبلها على كل حال حتى يقولوا لا إله إلا الله.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن يردوا أن يخدعوك ﴾ قال : قريظة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ﴾ قال : الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله ﴿ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ﴾ الآية قال : نزلت في الأنصار.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ﴾ قال : هم الأنصار.
وأخرج ابن عساكرعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مكتوب على العرش : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي، وذلك قوله ﴿ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ﴾.
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الاخوان والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه. أن هذه الآية نزلت في المتحابين ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ﴾.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب واللفظ له، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قرابة الرحم تقطع، ومنة المنعم تكفر، ولم نر مثل تقارب القلوب. يقول الله ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ﴾ وذلك موجود في الشعر قال الشاعر : ولكن ذا القربى الذي ان دعوته... أجاب : ومن يرمي العدوّ الذي ترمي
إذا مت ذو القربى إليك برحمه فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ومن ذلك قول القائل :
ولقد صحبت الناس ثم خبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً وإذ المودّة أقرب الأسباب
قال البيهقي : هكذا وجدته موصولاً بقول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا أدري قوله وذلك موجود في الشعر من قوله أو من قبل من قبله من الرواة.
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : النعمة تكفر، والرحم يقطع، وإن الله تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم تلا ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم... ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : إذا لقي الرجل أخاه فصافحه، تحاتت الذنوب بينهما كما ينثر الريح الورق. فقال رجل : إن هذا من العمل اليسير. فقال : ألم تسمع الله قال ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ﴾.
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال : كتب إلي قتادة : إن يكن الدهر فرق بيننا فإن ألفة الله الذي ألف بين المسلمين قريب.
أخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : قد انتصف القوم منا اليوم، وأنزل الله ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أسلم مع النبي ﷺ تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة، ثم إن عمر رضي الله عنه أسلم، فصاروا أربعين فنزل ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما أسلم مع النبي ﷺ ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة، ثم أسلم مع النبي ﷺ عمر نزلت ﴿ يا أيها النبي حسبك الله... ﴾ الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه، أنزل الله في إسلامه ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ﴾.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه في قوله ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾ قال : فقال : نزلت في الأنصار.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في قوله ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾ قال : حسبك الله وحسبك من اتبعك.
وأخرج أبو محمد اسمعيل بن علي الحطبي في الأول من تحديثه من طريق طارق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أسلمت رابع أربعين، فنزلت ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾.
وأخرج عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : يقول : حسبك الله والمؤمنون.
أخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق سفيان عن عمرو بن دينارعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً ﴾ فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، وأن لا يفر عشرون من مائتين، ثم نزلت ﴿ الآن خفف الله عنكم... ﴾ الآية. فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان : وقال ابن شبرمة رضي الله عنه : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا، إن كانا رجلين أمرهما وإن كانا ثلاثة فهو في سعة من تركهم.
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف ﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ﴾ فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وأخرج اسحق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : افترض أن يقاتل كل رجل عشرة، فثقل ذلك عليهم وشق عليهم، فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين، فأنزل الله في ذلك ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : افترض عليهم أن يقاتل كل رجل عشرة، فثقل ذلك عليهم وشق عليهم، فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين، فأنزل الله في ذلك ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ إلى آخر الآيات.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ﴾ ثقلت على المسلمين فاعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفاً، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى، فقال ﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً... ﴾ الآية. قال : فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم، ثم عاتبهم في الأسارى وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء عليهم السلام يأكل مغنماً من عدوّ هو لله.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن يكن منكم عشرون صابرون.
488
.. } الآية. قال : ففرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم، فجهد الناس ذلك وشق عليهم، فنزلت الآية ﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ إلى قوله ﴿ ألفين ﴾ ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، ونقص من الصبر بقدر ما تخفف عنهم من العدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ إن يكن منكم عشرون... ﴾ الآية. قال : كان يوم بدر، جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم، فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك، فنزلت ﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ يعني بعد قتال بدر.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ قال : نزلت في أهل بدر، شدد عليهم فجاءت الرخصة بعد.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : هذا لأصحاب محمد ﷺ يوم بدر جعل الله كل رجل منهم يقاتل عشرة من الكفار، فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين تخفيف من الله تعالى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمير رضي الله عنهما في قوله ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ قال : نزلت فينا أصحاب محمد ﷺ.
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن عدي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن رسول الله ﷺ قرأ ﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً ﴾ رفع ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي. أنه قرأ ﴿ وعلم أن فيكم ضعفاً ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ « أنه قرأ ﴿ وعلم أن فيكم ضعفاً ﴾ وقرأ كل شيء في القرآن ضعف ».
489
أخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه « أن النبي ﷺ قرأ ﴿ أن يكون له أسرى ﴾ ».
وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال :« استشار النبي ﷺ الناس في الأسارى يوم بدر فقال : إن الله أمكنكم منهم، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله، اضرب أعناقهم؟ فأعرض عنه النبي ﷺ فقال :» يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس. فقام عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله، اضرب أعناقهم؟ فأعرض عنه النبي ﷺ، ثم عاد فقال مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : يا رسول الله، نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، فنزل ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ [ الأنفال : ٦٨ ] الآية «.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية قال »
استشار رسول الله ﷺ أبا بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله، قد أعطاك الظفر ونصرك عليهم ففادهم، فيكون عوناً لأصحابك، واستشار عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله، أضرب أعناقهم. فقال رسول الله ﷺ : رحمكما الله... !ما أشبهكما باثنين مضيا قبلكما : نوح وإبراهيم، أما نوح فقال ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ﴾ [ نوح : الآية ٢٦ ] وأما إبراهيم فإنه يقول ﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ] «.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :»
لما كان يوم بدر جيء بالأسارى فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فأضرب أعناقهم. وقال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه : أنظروا وادياً كثير الحطب فاضرمه عليهم ناراً. فقال العباس رضي الله عنه وهو يسمع ما يقول : قطعت رحمك. فدخل النبي ﷺ ولم يرد عليهم شيئاً فقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر رضي الله عنه؟ وقال أناس : يأخذ بقول عمر رضي الله عنه؟ فخرج رسول الله ﷺ فقال : إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال ﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ ومثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ] ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال ﴿ ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴾ [ يونس : ٨٨ ] أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق. فقال عبدالله رضي الله عنه : يا رسول الله، الا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإِسلام، فسكت رسول الله ﷺ فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله ﷺ : إلا سهيل بن بيضاء، فأنزل الله تعالى ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾ إلى آخر الآيتين «.
490
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : فضل عمر رضي الله عنه عن الناس بأربع : بذكره الأسارى يوم بدر فأمر بقتلهم فأنزل الله ﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾، وبذكره الحجاب، أمر نساء النبي ﷺ فقالت زينب رضي الله عنها : وإنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟ فأنزل الله ﴿ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ]، ودعوة نبي الله اللهم أيد الإِسلام بعمر، ورأيه في أبي بكر رضي عنه كان أول الناس بايعه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « استشار النبي ﷺ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أسارى بدر، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، استبق قومك وخذ الفداء. وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله، اقتلهم. فقال رسول الله ﷺ : لو اجتمعتما ما عصيتكما، فأنزل الله ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ الآية ».
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ للأسارى يوم بدر « إن شئتم فاقتلوهم وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم، فكان آخر السبعين ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد يوم اليمامة ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة عن أبي عبيدة رضي الله عنه قال « نزل جبريل عليه السلام على النبي يوم بدر فقال : إن ربك يخبرك إن شئت أن تقتل هؤلاء الأسارى وان شئت أن تفادي بهم ويقتل من أصحابك مثلهم، فاستشار أصحابه، فقالوا : نفاديهم فنقوى بهم ويكرم الله بالشهادة من يشاء ».
491
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما استشار النبي ﷺ الناس من أسارى بدر : قال رسول الله ﷺ « ملكان من الملائكة أحدهما أحلى من الشهد والآخر أمر من الصبر، ونبيان من الأنبياء أحدهما أحلى على قومه من الشهد والآخر أمر على قومه من الصبر، فإما النبيان فنوح قال ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ]، وأما الآخر فإبراهيم إذ قال ﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ]، وأما الملكان فجبريل وميكائيل، هذا صاحب الشدة وهذا صاحب اللين. ومثلهما في أمتي، أبو بكر وعمر ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن النبي ﷺ قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : ألا أخبركما بمثليكما في الملائكة ومثليكما في الأنبياء، مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال ﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ] ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح قال ﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ] ».
وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن النبي ﷺ لما أشار أبو بكر رضي الله عنه فقال : قومك وعشيرتك، فخل سبيلهم، فاستشار عمر رضي الله عنه فقال : اقتلهم. ففاداهم رسول الله ﷺ، فأنزل الله ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى... ﴾ الآية. فلقي رسول الله ﷺ عمر رضي الله عنه فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك شر ».
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال « لما أسر الأسارى يوم بدر، أسر العباس فيمن أسر، أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال : لم أنم الليلة من أجل عمي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه، فقال له عمر : فآتيهم؟ قال : نعم. فأتى عمر رضي الله عنه الأنصار فقال لهم : ارسلوا العباس. فقالوا : لا والله لا نرسله. فقال لهم عمر رضي الله عنه : فإن كان لرسول الله ﷺ رضا؟ قالوا : فإن كان لرسول الله ﷺ رضا فخذه. فأخذه عمر رضي الله عنه، فلما صار في يده قال له : يا عباس، أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله ﷺ يعجبه إسلامك. قال : فاستشار رسول الله ﷺ أبا بكر رضي الله عنه، فقال أبو بكر رضي الله عنه : عشيرتك فأرسلهم، فاستشار عمر رضي الله عنه فقال : اقتلهم. ففاداهم رسول الله، فأنزل الله ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ الآية ».
492
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه « أن النبي ﷺ لم يقتل يوم بدر صبراً إلا ثلاثة. عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحرث، وطعمة بن عدي، وكان النضر أسره المقداد ».
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال « اختلف الناس في أسارى بدر، فاستشار النبي ﷺ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فادهم. وقال عمر رضي الله عنه : اقتلهم. قال قائل : أرادوا قتل رسول الله ﷺ، وهدم الإِسلام ويأمره أبو بكر بالفداء... ! وقال قائل : لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمره بقتلهم... ! فأخذ رسول الله ﷺ بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله ﷺ، فأنزل الله ﴿ ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾ فقال رسول الله ﷺ : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر ».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها قبل أن تحل لهم، فقال رسول الله ﷺ « إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس قبلكم، كان النبي وأصحابه إذا غنموا جمعوها ونزلت نار من السماء فأهلكتها، فأنزل الله هذه الآية ﴿ لولا كتاب من الله سبق... ﴾ إلى آخر الآيتين ».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : يقول لولا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم ﴿ لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾ قال : وكان العباس بن عبد المطلب يقول : أعطاني الله هذه الآية ﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ﴾ [ الأنفال : ٧٠ ] وأعطاني بما أخذ مني أربعين أوقية أربعين عبداً.
وأخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾ يعني غنائم بدر قبل أن يحلها لهم يقول : لولا أني أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم عذاب عظيم.
493
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ قال : ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى ﴿ فإمَّا منَّا بعد وإما فداء ﴾ [ محمد : ٤ ] فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم، وفي قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم ﴿ لمسكم فيما أخذتم ﴾ من الأسارى ﴿ عذاب عظيم، فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ﴾ قال : وكان الله تعالى قد كتب في أم الكتاب المغانم والأسارى حلالاً لمحمد ﷺ وأمته ولم يكن أحله لأمة قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ حتى يثخن في الأرض ﴾ يقول : حتى يظهروا على الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : الإِثخان هو القتل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾ قال : نزلت الرخصة بعد، إنْ شئتَ فمنّ وإنْ شئتَ ففاد.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ قال : أراد أصحاب محمد ﷺ يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ يعني الخراج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال : ليس أحد يعمل عملاً يريد به وجه الله يأخذ عليه شيئاً من عرض الدنيا إلا كان حظه منه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : لو لم يكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا لخشينا على أنفسنا، إن الله يقول ﴿ تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ﴾ أريدوا ما أراد الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : سبق لهم المغفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : سبق لأهل بدر من السعادة ﴿ لمسكم فيما أخذتم ﴾ قال : من الفداء ﴿ عذاب عظيم ﴾.
494
وأخرج النسائي وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا المعصية.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن خيثمة رضي الله عنه قال : كان سعد رضي الله عنه جالساً ذات يوم وعنده نفر من أصحابه إذ ذكر رجلاً فنالوا منه، فقال : مهلاً عن أصحاب رسول الله ﷺ، فإنا أذنبنا مع رسول الله ﷺ ذنباً، فأنزل الله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : فكنا نرى أنها رحمة من الله سبقت لنا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : في أنه لا يعذب أحداً حتى يبين له ويتقدم إليه.
وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ».
وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي، ونصرت بالرعب فيرعب العدوّ وهو مني مسيرة شهر، وقال لي : سل تعطه. فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأحلت لأمتي الغنائم ».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال :« لم تكن الغنائم تحل لأحد كان قبلنا، فطيبها الله لنا لما علم الله من ضعفنا »، فأنزل الله فيما سبق من كتابه إحلال الغنائم ﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾ فقالوا : والله يا رسول الله، لا نأخذ لهم قليلاً ولا كثيراً حتى نعلم أحلال هو أم حرام؟ فطيبه الله لهم، فأنزل الله تعالى ﴿ فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم ﴾ فلما أحل الله لهم فداهم وأموالهم. قال الأسارى : ما لنا عند الله من خير قد قتلنا وأسرنا، فأنزل الله يبشرهم ﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ﴾ [ الأنفال : ٧٠ ] إلى قوله ﴿ والله عليم حكيم ﴾ [ الأنفال : ٧١ ].
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كانت الغنائم قبل أن يبعث النبي ﷺ في الأمم، إذا أصابوا منه جعلوه في القربان وحرم الله عليهم أن يأكلوا منها قليلاً أو كثيراً، حرم ذلك على كل نبي وعلى أمته، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلون منه ولا يأخذون منه قليلاً ولا كثيراً إلا عذبهم الله عليه، وكان الله حرمه عليهم تحريماً شديداً فلم يحله لنبي إلا لمحمد ﷺ، قد كان سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال، فذلك قوله يوم بدر في أخذه الفداء من الأسارى ﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ﴾.
495
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس رضي الله عنهما، لما رغبوا في الفداء أنزلت ﴿ ما كان لنبي... ﴾ إلى قوله ﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ الآية. قال : سبق من الله رحمته لمن شهد بدراً، فتجاوز الله عنهم وأحلها لهم.
496
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت « لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم. بعثت زينب بنت رسول الله ﷺ قلادة لها في فداء زوجها، فلما رآها رسول الله ﷺ رق رقة شديدة، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها؟ وقال العباس رضي الله عنه : إني كنت مسلماً يا رسول الله. قال : الله أعلم بإسلامك، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وحليفك عتبة بن عمر، وقال : ما ذاك عندي يا رسول الله. قال : فأين الذي دفنت أنت وأم الفضل؟ فقلت لها : إن أصبت فإن هذا المال لبني. فقال : والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها، فاحسب لي ما أحببتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال : افعل. ففدي نفسه وابني أخويه وحليفه، ونزلت ﴿ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ﴾ فأعطاني مكان العشرين أوقية في الإِسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال نصرت به مع ما أرجو من مغفرة الله ».
وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى « أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه بعث إلى رسول الله ﷺ مالاً أكثر منه فنثر على حصير، وجاء الناس فجعل رسول الله ﷺ يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن، فجاء العباس فقال : يا رسول الله، إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر، أعطني من هذا المال، فقال : خذ، فحثى في قميصه ثم ذهب ينصرف فلم يستطع، فرفع رأسه وقال : يا رسول الله، أرفع علي. فتبسم رسول الله ﷺ وهو يقول : أما أخذ ما وعد الله فقد نجز ولا أدري الأخرى ﴿ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم ﴾ هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة ».
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أسر رسول الله ﷺ يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب، وجعل على العباس مائة أوقية، وعلى عقيل ثمانين أوقية، فقال العباس رضي الله عنه : لقد تركتني فقير قريش ما بقيت؟ فأنزل الله ﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ﴾ حين ذكرت لرسول الله ﷺ إسلامي وسألته أن يقاسمني بالعشرين أوقية التي أخذت مني، فعوّضني الله منها عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمالي مع ما أرجو من رحمة الله ومغفرته.
497
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان العباس رضي الله عنه قد أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال حين نزلت ﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ﴾، لقد أعطاني خصلتين ما أحب أن لي بهما الدنيا، إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبداً، وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ قل لمن في أيديكم من الأسرى ﴾ قال : عباس وأصحابه قالوا للنبي ﷺ : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله، فنزل ﴿ إن يعلم الله في قلوبكم خيراً ﴾ أي إيماناً وتصديقاً يخلف لكم خيراً مما أصبت منكم، ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه، فكان عباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وإن لي ما في الدنيا من شيء، فلقد أعطاني الله خيراً مما أخذ مني مائة ضعف، وأرجو أن يكون غفر لي.
وأخرج ابن سعد وابن عساكرعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى... ﴾ الآية. قال : نزلت في الأسارى يوم بدر، منهم العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحرث، وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم.
498
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإن يريدوا خيانتك ﴾ إن كان قولهم كذباً ﴿ فقد خانوا الله من قبل ﴾ فقد كفروا وقاتلوك فأمنك منهم.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾ قال : إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله ﷺ على ثلاث منازل. منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وفي قوله ﴿ والذين آووا ونصروا ﴾ وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، وفي قوله ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾ قال : كانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن لم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبوأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله ﴿ ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ وكان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي ﷺ ميثاق، ولا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك : أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضاً لقوله ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ].
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله ﷺ آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوّام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع. وقال لسائر أصحابه : تآخوا وهذا أخي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قال : فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدد الله به عقد نبيه ﷺ قول الله تعالى ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾ إلى قوله ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله ﷺ بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين تآخوا دون من كان مقيماً بمكة من ذوي الأرحام والقرابات، فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله، ثم أنزل الله الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها فقال ﴿ والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام ﴾ والقرابات ورجع كل رجل إلى نسبه ورحمه، وانقطعت تلك الوراثة.
500
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ يعني في الميراث، جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ ما لكم من ميراثهم شيء ﴿ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين ﴾ يعني إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدولهم فعليهم أن ينصروهم ﴿ إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ فكانوا يعلمون على ذلك حتى أنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ فنسخت التي قبلها وصارت المواريث لذوي الأرحام.
وأخرج أبو عبيدة وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ﴾ قال : كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها هذه الآية ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾ قال : كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا المهاجر يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين أفواجاً، فأنزل الله ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ﴾ قال : نزلت هذه الآية فتوارثت المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر المسلم شيئاً حتى نسخ ذلك بعد في سورة [ الأحزاب : ٦ ] ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ﴾ فخلط الله بعضهم ببعض وصارت المواريث بالملل.
وأخرج أحمد ومسلم عن بريدة رضي الله عنه قال « كان رسول الله ﷺ إذا بعث أميراً على سرية أو جيش، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال : اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فأقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين واعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم فاعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن آتوا فأقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم ».
1
وأخرج أحمد وابو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال أن النبي ﷺ قال :« جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ قال : نهى المسلمون عن أهل ميثاقهم فوالله لأخوك المسلم أعظم عليك حرمة وحقاً والله أعلم.
2
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رجل من المسلمين لنورثن ذوي القربى منا من المشركين، فنزلت ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ قال : نزلت في مواريث مشركي أهل العرب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ يعني في المواريث ﴿ إلا تفعلوه ﴾ يقول : أن لا تأخذوا في المواريث بما أمرتكم به.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ».
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً، ثم قرأ ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾ ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ « إذا جاءكم من ترضون أمانته وخلقه فانكحوه كائناً ما كان، فإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ».
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « ترك رسول الله ﷺ الناس يوم توفي على أربعة منازل. مؤمن مهاجر، والأنصار، وأعرابي مؤمن لم يهاجر، إن استنصره النبي نصره، وإن تركه فهو إذن له، وإن استنصر النبي ﷺ كان حقاً عليه أن ينصره، وذلك ﴿ استنصروكم في الدين فعليكم النصر ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ]، والرابعة التابعين بإحسان ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه. مثله.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوّام قال : أنزل الله فينا خاصة معشر قريش والأنصار ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة، قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإِخوان فواخيناهم وتوارثنا، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد، وآخى عمر رضي الله عنه فلاناً، وآخى عثمان رضي الله عنه رجلاً من بني زريق بن سعد الزرقي. قال الزبير : وواخيت أنا كعب بن مالك، ووارثونا ووارثناهم فلما كان يوم أحد قيل لي، قتل أخوك كعب بن مالك فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما نرى، فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن الزبير أنه كتب إلى شريح القاضي : إنما نزلت هذه الآية أن الرجل كان يعاقد الرجل يقول : ترثني وأرثك، فنزلت ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ فلما نزلت ترك ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما. أنه قيل له : أن ابن مسعود رضي الله عنه لا يورث الموالي دون الأرحام، ويقول : إن ذوي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هيهات هيهات. أين ذهب، إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب، فنزلت ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ يعني أنه يورث المولى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ قال : نسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة، وصارت لذوي الأرحام قال : والابن أولى من الأخ، والأخ أولى من الأخت، والأخت أولى من ابن الأخ، وابن الأخ أولى من العم، والعم أولى من ابن العم، وابن العم أولى من الخال، وليس للخال ولا العمة ولا الخالة من الميراث نصيب في قول زيد، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي ثلثي المال للعمة والثلث للخالة إذا لم يكن له وارث، وكان علي وابن مسعود يردان ما فضل من الميراث على ذوي الأرحام على قدر سهمانهم غير الزوج والمرأة.
4
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كان لا يرث الأعرابي المهاجر حتى أنزل الله ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : توارثت المسلمون لما قدموا المدينة بالهجرة، ثم نسخ ذلك فقال ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾.
وأخرج الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنما قال : آخى رسول الله ﷺ بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية ﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.
5
Icon