تفسير سورة الأنفال

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٨ شرح إعراب سورة الأنفال

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأنفال (٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على السين وأسقطتها، وقرأ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يسئلونك الأنفال «١» يكون على التفسير وتعدّت يسألونك إلى مفعولين. قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ ابتداء وخبر وَالرَّسُولِ عطف. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي كونوا مجتمعين على أمر الله جلّ وعزّ، وفي الدعاء «اللهمّ أصلح ذات البين» أي الحال التي يقع بها الاجتماع. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في الغنائم وغيرها.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ابتداء و «ما» كافة ويجوز في القياس النصب ومنعه سيبويه.
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ خبر الابتداء. وحكى سيبويه وجل يوجل وياجل وييجل وييجل. قال أبو زيد: سألت خليلا عن الذين قالوا: رأيت الزّيدان، فقال: هذا على لغة من قال ياجل.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بدل من الذين الأول.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤]
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ابتداء وخبر. حَقًّا مصدر. لَهُمْ دَرَجاتٌ ابتداء أي منازل رفيعة في الجنة بقدر أعمالهم. وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ عطف.
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٤٨، والمحتسب ١/ ٢٧٢.

[سورة الأنفال (٨) : آية ٥]

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥)
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ من المشكل ولأهل اللغة فيها ستة أقوال: قال سعيد بن مسعدة أولئك المؤمنون حقا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. قال: وقال بعض العلماء كما أخرجك ربك من بيتك بالحقّ فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وقال الكسائي أي مجادلتهم الآن له كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ. وقال أبو عبيدة «١» :
هو قسم أي والذي أخرجك من بيتك. قال أبو إسحاق: الكاف في موضع نصب أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربّك من بيتك بالحق وهم كارهون كذلك ننفّل من رأيت. فهذه خمسة أقوال، وقول أبي إسحاق هذا هو معنى قول الفراء لأن الفراء قال «٢» : امض لأمرك في الغنائم ونفّل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، والقول السادس من أحسنها قال الله جلّ وعزّ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى لَهُمْ... مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فالمعنى هذا الوعد للمؤمنين حقّ كما أخرجك ربك من بيتك بالحقّ الواجب له فأنجز وعدك وأظفرك بعدوك فأوفى لك لأنه قال جلّ وعزّ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ [الأنفال: ٧] فكما أنجز هذا الوعد في الدنيا كذا ما وعدكم به في الآخرة.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦]
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)
ومعنى يُجادِلُونَكَ يجادلك بعضهم فعاد الضمير على البعض لأنهم قد ذكروا في الكلّ والمعنى بعد ما تبيّن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان كل ما يخبرهم به يكون وجب عليهم أن يقبلوا منه كل ما يقوله وكان قد تبين لهم الحق.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧]
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)
إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مفعول ثان: أَنَّها لَكُمْ بدل وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال أبو عبيدة «٣» : أي غير ذات الحدّ. قال أبو إسحاق: أي تودّون أن تظفروا بالطائفة التي ليست معها سلاح ولا فيها حرب يقال: فلان شاك في السلاح وشائك وشاك من الشّكّة كما قال: [المنسرح] ١٦٦-
إمّا تري شكّتي رميح أبي سعد فقد أحمل السّلاح معا «٤»
(١) انظر مجاز القرآن ١/ ٢٤٠.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٤٠٣، والبحر المحيط ٤/ ٤٥٧.
(٣) انظر مجاز القرآن ١/ ٢٤١.
(٤) الشاهد لذي الإصبع العدواني في ديوانه ص ٦٠، وشرح اختيارات المفضل ٧٢٨، والأغاني ٣/ ٩٤، وبلا نسبة في لسان العرب (رمح)، وجمهرة اللغة ٥٤٢، وتاج العروس (رمح).

[سورة الأنفال (٨) : آية ٨]

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي يحقّ وعده. وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أي كيد الكافرين.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٩]
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ لقلّتكم في العدد أي اذكر. فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي في موضع نصب أي بأني، وقرأ عيسى بن عمر (إنّي) «١» بمعنى: قال إني، وروي عن عاصم أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ كما تقول: فلس وأفلس. مُرْدِفِينَ «٢» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم والأعمش والكسائي وحمزة مُرْدِفِينَ بكسر الدال. قال سيبويه «٣» : وقرأ بعضهم مُرْدِفِينَ «٤» بفتح الراء وتشديد الدال وبعضهم مُرْدِفِينَ «٥» بكسر الراء وبعضهم مُرْدِفِينَ «٦» بضم الراء والدال مكسورة في القراءات الثلاث. «مردفين» بفتح الدال فيها تقديران: يكون في موضع نصب على الحال من «كم» في ممدكم أي أردف بهم المؤمنين وهذا مذهب مجاهد. قال مجاهد: أي ممدّين. قال أبو جعفر: ويجوز أن يكون «مردفين» في موضع خفض نعتا للألف «ومردفين» بكسر الدال، قال أبو عمرو: فيه أي أردف بعضهم بعضا، ورد أبو عبيد على أبي عمرو هذا القول وأنكر كسر الدال واحتجّ أن معنى أردف فلان فلانا جعله خلفه. قال: ولا نعلم هذا في صفة الملائكة يوم بدر وأنكر أن يكون أردف بمعنى ردف، قال لقول الله جلّ وعزّ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [النازعات: ٧] ولم يقل المردفة. قال أبو جعفر: لا يلزم أبا عمرو هذا الرد ولا تتأوّل قوله على ما تأوّله أبو عبيد ولكن المعنى في مردفين قد تقدّم بعضهم بعضا. يقال:
ردفته وأردفته بمعنى تبعته وأتبعته. ولو كان كما قال أبو عبيد لكان معنى مردفين بفتح الدال مردفين خلفكم وإنما معنى مردفين في آثاركم أي اتبع بعضهم بعضا وهذا أقوى من قول من قال: مردف بهم المسلمون لأنّ ظاهر القرآن على خلافه والقراءة بمردفين أولى لأن أهل التأويل على هذه القراءة يفسّرون أي أردف بعضهم بعضا، وأما مردّفين فتقديره عند سيبويه:
مرتدفين ثم أدغم التاء في الدال فألقى حركتها على الراء لئلا يلتقي ساكنان ومن قال:
مردّفين كسر الراء «٧» لالتقاء الساكنين ومن قال مردّفين بضم الراء قبلها ضمة كما تقول: ردّ يا هذا.
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٠.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٥٨٢.
(٤) وهذه قراءة الخليل بن أحمد وحكاه عن ابن عطية، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٠، ومختصر ابن خالويه ٤٩، والمحتسب ١/ ٢٧٣. [.....]
(٥) وهذه قراءة الخليل بن أحمد وحكاه عن ابن عطية، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٠، ومختصر ابن خالويه ٤٩، والمحتسب ١/ ٢٧٣.
(٦) وهذه قراءة الخليل بن أحمد وحكاه عن ابن عطية، انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٠، ومختصر ابن خالويه ٤٩، والمحتسب ١/ ٢٧٣.
(٧) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٣.

[سورة الأنفال (٨) : آية ١٠]

وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى مفعولان، ولن تنصرف بُشْرى لأن فيها ألف التأنيث. وَلِتَطْمَئِنَّ لام كي والفعل محذوف لما دلّ عليه. وَمَا النَّصْرُ ابتداء، والخبر إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ اسم «إن» وخبرها.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١١]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ مفعولان وهي قراءة أهل الحرمين وهي حسنة لأن بعده وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ أَمَنَةً مفعول من أجله ومصدر. يقال: أمنة وأمنا وأمانا. لِيُطَهِّرَكُمْ نصب بلام كي لأنها بدل من «أن» أو بإضمار «أن». وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ عطف. وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ عطف جملة على جملة أو مفرد وأعيدت اللام، وَيُثَبِّتَ بِهِ بالماء الذي أنزله الله جلّ وعزّ على الرمل يوم بدر حتى تثبت أقدام المسلمين وقد يكون به للرباط.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٢]
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ أي يثبّت به ذلك الوقت وقد يكون اذكر إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي في موضع نصب والمعنى بأني مَعَكُمْ ظرف ومن أسكن العين فهي عنده حرف. قال الأخفش: فاضربوا فوق الأعناق معناه فاضربوا الأعناق، وهذا عند محمد بن يزيد خطأ لأن فوقا يفيد معنى فلا يجوز زيادتها ولكن المعنى أنهم أبيحوا ضرب الوجوه وما قرب منها. وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. قال أبو إسحاق: واحد البنان بنانة وهي هاهنا الأصابع وغيرها من الأعضاء واشتقاق البنان من قولهم: أبن بالمكان إذا أقام به، فالبنان يعتمل به ما يكون للإقامة والحياة.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٣]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
(ذلك) في موضع رفع بالابتداء أو خبر. والتقدير ذلك الأمر أو الأمر ذلك. مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ
جزم بالشرط، ويجوز وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ «١» كما قال جرير: [الوافر] ١٦٧-
فغضّ الطّرف إنّك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا «٢»
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٦٦، وقال: «الإدغام لغة تميم».
(٢) الشاهد لجرير في ديوانه ٨٢١، وجمهرة اللغة ١٠٩٦، وخزانة الأدب ١/ ٧٢، والكتاب ٤/ ١٧، والدرر ٦/ ٣٢٢، وشرح المفصّل ٩/ ١٢٨، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤/ ٤١١، وخزانة الأدب ٦/ ٥٣١، وشرح الأشموني ٣/ ٨٩٧، وشرح شافية ابن الحاجب ٢٤٤، والمقتضب ١/ ١٨٥.
ويجوز «ومن يشاقّ الله»، والتقديردِيدُ الْعِقابِ
له، وحذف له.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٤]
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ كما تقدّم في الأول، وَأَنَّ في موضع رفع بعطفها على ذلكم. قال الفراء «١» : ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى «وبأنّ للكافرين» قال:
ويجوز أن يضمر واعلموا أنّ، قال أبو إسحاق: لو جاز إضمار واعلموا لجاز زيد منطلق وعمرا جالسا، بل كان يجوز في الابتداء: زيدا منطلقا لأن المخبر معلم وهذا لا يقوله أحد من النحويين.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥)
إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً مصدر في موضع الحال.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٦]
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ شرط. إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ نصب على الحال. فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ مجازاة. وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ ابتداء وخبر.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٧]
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)
وكذا وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ على قراءة «٢» من خفّف «لكن»، ومعنى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ فلم تقتلوهم بتدبيركم ولكن الله قتلهم بالنصر، ونظير هذا أنّ رجلين لو كانا يتقاتلان ومعهما سيفان فجاء رجل وأخذ سيف أحدهما فقتله الآخر لجاز أن يقال: ما قتل ذاك إلّا الذي أخذ سيفه. وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى مثله ويجوز أن يكون المعنى وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصى.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٨]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨)
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «٣» قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو،
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٠٥.
(٢) انظر الإتحاف ١٤٢.
(٣) انظر تيسير الداني ٩٥.
وقراءة أهل الكوفة مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «١» وفي التشديد معنى المبالغة، وروي عن الحسن مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ بالإضافة والتخفيف. والمعنى أنّ الله جلّ وعزّ يلقي في قلوبهم الرّعب حتى يتشتّتوا أو يتفرق جمعهم.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٩]
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ في معناه ثلاثة أقوال: يكون مخاطبة للكفار لأنهم قالوا: اللهمّ انصر أحبّ الفئتين إليك. وَإِنْ تَنْتَهُوا أي عن الكفر. وَإِنْ تَعُودُوا إلى هذا القول. نَعُدْ إلى نصر المؤمنين. وقيل: إن تستفتحوا مخاطبة للمؤمنين أي تستنصروا فقد جاءكم النصر وكذا «وإن تنتهوا» أي وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما قال جلّ وعزّ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال: ٦٨]، والقول الثالث أن يكون أن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح للمؤمنين وما بعده للكفّار وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أي مع المؤمنين المطيعين وفتح (أنّ) بمعنى ولأنّ الله، والتقدير لكثرتها وأنّ الله، و «أنّ» في موضع نصب على هذا وقيل: هي عطف على «وأن الله موهّن» والكسر على الاستئناف.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)
ابتداء وخبر في موضع الحال والمعنى وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢١]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ الكاف في موضع نصب على الظرف وخبر كان يكون سَمِعْنا بمعنى قبلنا كما يقال: سمع الله لمن حمده، ويكون من سماع الأذن، ويكون بمعنى وهم لا يشعرون وهم لا يتدبّرون ما سمعوا ولا يفكّرون فيه فهم بمنزلة من لم يسمع.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٢]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ والأصل أشرّ حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وكذا «خير» الأصل فيها أخير، الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ خبر «إنّ» ونعت.
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٧٣، وتيسير الداني ٩٥.

[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٣]

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أي لأسمعهم جواب كلّ ما يسألون عنه ودلّ على هذا ولو أسمعهم لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فخبر بالغيب عنهم.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ حذفت الضمّة من الياء لثقلها ولا يجوز الإدغام.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (أنّ) في موضع نصب باعلموا، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ عطف. قال الفراء «١» : ولو استؤنف فكسرت «وإنّه» لكان صوابا.
قال أبو جعفر: وقد ذكرنا لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً «٢».
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٦]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ابتداء وخبر. مُسْتَضْعَفُونَ نعت وكذا تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ في موضع نصب.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)
لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بغلول الغنائم ونسبها إلى الله جلّ وعزّ لأنه أمر بقسمها، وإلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأنه المؤدّي عن الله جلّ وعزّ والقيّم بها. وَتَخُونُوا في موضع جزم نسقا على الأول وقد يكون نصبا على الجواب كما يقال: لا تأكل السمك وتشرب اللّبن.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً أي يجعل بينكم وبين الكفار فرقانا بأن ينصركم ويعزّكم ويخذلهم ويذلّهم.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٠]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي واذكر هذا لِيُثْبِتُوكَ نصب بلام كي قيل معناه
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٠٧، والبحر المحيط ٤/ ٤٧٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٧٨.
يحبسونك. وحكى بعض أهل اللغة أثبته إذا جرحه فلم يقدر أن يبرح، أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ عطف. وَيَمْكُرُونَ مستأنف. وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ابتداء وخبر. والمعنى أنّ الله جلّ وعزّ إنما مكره أن يأتيهم بالعذاب الذي يستحقّونه من حيث لا يشعرون فهو خير الماكرين.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٢]
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ خبر كان. وهُوَ عند الخليل وسيبويه «١» فاصلة. قال أبو جعفر: وسمعت أبا إسحاق يفسّر معنى فاصلة قال: لأنه إنما جيء بها ليعلم أنّ الخبر معرفة أو ما قارب المعرفة وأن الْحَقَّ ليس بنعت وإنّ كانَ ليست بمعنى «وقع»، وقال الأخفش: (هو) صلة زائدة كزيادة «ما» وقال الكوفيون (هو) عماد. قال الأخفش: وبنو تميم يرفعون فيقولون: إن كان هذا هو الحقّ من عندك. قال أبو جعفر: يكون (هو) ابتداء و «الحقّ» خبره والجملة خبر كان.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٣]
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
وقد ذكرنا وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ «٢» بنهاية الشرح.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٤]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)
قال الأخفش: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أن فيه زائدة.
قال أبو جعفر: ولو كان كما قال لرفع يعذبهم و (أن) في موضع نصب والمعنى وما يمنعهم من أن يعذّبوا فدخلت «أن» لهذا المعنى. وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ابتداء وخبر، وكذا إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وعليهم أن يعلموا، وقيل لا يعلمون أنهم يعذّبون في الآخرة. ويجوز أن يغفر لهم، وقيل لا يعلمون أن المتّقين أولياؤه.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٥]
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
وَما كانَ صَلاتُهُمْ اسم كان: إِلَّا مُكاءً خبر. قال أبو حاتم: قال
(١) انظر الكتاب ٢/ ٤٠٩.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٤٨٣.
96
هارون وبلغني أن الأعمش قرأ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «١». قال أبو جعفر: قد أجاز سيبويه مثل هذا على أنه شاذّ بعيد لأنه جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة وأنشد سيبويه: [الطويل] ١٦٨-
أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميما ببطن الشّام أم متساكر «٢»
وأنشد: [الوافر] ١٦٩-
فإنّك لا تبالي بعد حول أظبي كان أمّك أم حمار «٣»
قال أبو أعفر: وأبين من هذا وإن كان قد وصل النكرة قوله: [الوافر] ١٧٠-
ولا يك موقف منك الوداعا «٤»
وكذا: [الوافر] ١٧١-
يكون مزاجها عسل وماء «٥»
وإن كان علي بن سليمان قد قال: التقدير مزاجا لها. وتصدية، من صدّ يصدّ إذا ضجّ فأبدل من إحدى الدالين ياء.
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٤٩، والبحر المحيط ٤/ ٤٨٦. [.....]
(٢) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٤٨١، وخزانة الأدب ٩/ ٢٨٨، والكتاب ١/ ٩٠، ولسان العرب (سكر)، والمقتضب ٤/ ٩٣، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٣٧٥، ومغني اللبيب ٢/ ٤٩٠، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٧٤.
(٣) الشاهد لخداش بن زهير في الكتاب ١/ ٨٨، وتخليص الشواهد ٢٧٢، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩١٨، والمقتضب ٤/ ٩٤، ولثروان بن خزارة في حماسة البحتري ٢١٠، وخزانة الأدب ٧/ ١٩٢، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٢٧، ولثروان أو لخداشي في خزانة الأدب ٩/ ٢٨٣، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠/ ٤٧٢، وشرح المفصل ٧/ ٩٤.
(٤) الشاهد للقطامي في ديوانه ٣١، وخزانة الأدب ٢/ ٣٦٧، والكتاب ٢/ ٢٥٠، والدرر ٣/ ٥٧، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٤٤، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٤٩، ولسان العرب (ضبع) و (ودع) واللمع ص ١٢٠، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٩٥، والمقتضب ٤/ ٩٤، وصدره:
«قفي قبل التفرّق يا ضباعا»
(٥) الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه ٧١، والأشباه والنظائر ٢/ ٢٩٦، والكتاب ١/ ٨٨، وخزانة الأدب ٩/ ٢٢٤، والدرر ٢/ ٧٣، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٥٠، وشرح شواهد المغني ٨٤٩، وشرح المفصّل ٧/ ٩٣، ولسان العرب (سبأ) و (رأس)، و (جني)، والمحتسب ١/ ٢٧٩، والمقتضب ٤/ ٩٢، وبلا نسبة في همع الهوامع ١/ ٨٩. وصدره:
«كأنّ سبيئة من بيت رأس»
97

[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٧]

لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)
لِيَمِيزَ نصب بلام كي ولِيَمِيزَ «١» على التكثير، وَيَجْعَلَ فَيَرْكُمَهُ عطف.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٨]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)
إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ شرط ومجازاة، وكذا وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ أي مضت سنة الأوّلين في عذاب المصرّين على معاصي الله جل وعز.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٩]
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ اسم تكون وهي بمعنى تقع وكذا وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٠]
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
نِعْمَ الْمَوْلى رفع بنعم لأنها فعل. قال أبو عمر الجرمي والدليل على أنها فعل قول العرب: نعمت فأثبتوا التاء وكذا وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ «ما» بمعنى الذي والهاء محذوفة، ودخلت الفاء لأنّ في الكلام معنى المجازاة وأنّ الثانية توكيد للأولى ويجوز كسرها. خُمُسَهُ اسم إنّ يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ظرفان، وكذا إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا والجمع عدّى ومن قال: عدوة قال: عدّى مثل لحية ولحّى، ويقال: «القصيا» والأصل الواو.
(١) انظر تيسير الداني ٧٦.
وَالرَّكْبُ ابتداء قيل: يعني به الإبل التي كانت تحمل أمتعتهم وكانت في موضع يأمنون عليها توفيقا من الله جلّ وعزّ فذكرهم نعمه عليهم، وقيل: يعني عير قريش.
أَسْفَلَ مِنْكُمْ ظرف في موضع الخبر أي موضعا أسفل منكم، وأجاز الأخفش والكسائي والفراء «١» والركب أسفل منكم. أي أشدّ تسفلا منكم. والركب جمع راكب ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل، وحكى ابن السكيت وأكثر أهل اللغة أنه لا يقال: راكب وركب إلّا للذين على الإبل خاصة، ولا يقال:
لمن كان على فرس أو غيرها راكب. وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ أي لم يكن يقع الاتفاق فوفق الله جلّ وعزّ لكم، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا من نصر المؤمنين ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ لام كي والتقدير ولكن جمعكم هنا لك ليقضي أمرا، ليهلك هذه اللام مكررة على اللام في ليقضي، ومَنْ في موضع رفع. وَيَحْيى في موضع نصب مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ هذه قراءة أبي عمرو وابن كثير وحمزة وهي اختيار سيبويه «٢» وأبي عبيد، فأما احتجاج أبي عبيد فإنه في السواد بياء واحدة، قال أبو جعفر:
هذا الاحتجاج لا يلزم لأن مثل هذا الحذف في السواد، ولكن اجتماع النحويين الحذّاق في هذا أنه لمّا اجتمع حرفان على لفظ واحد كان الأولى الإدغام كما يقال: جفّ، وقرأ نافع وعاصم من حيي عن بيّنة «٣» والحجّة لهما أنه لا يجوز الإدغام في المستقبل فأتبعوا المستقبل الماضي وقد أجاز الفراء «٤» الإدغام في المستقبل وأن يدغم يحيّى. وهذا عند جميع البصريين من الخطأ الكبير ومثله لا يجوز في شعر ولا كلام والعلّة في منعه إذا قلت: يحيى فالياء الثانية ساكنة فلم يجتمع حرفان متحركان فيدغم وقد كان الاختيار لم يجفف وإن كان يجوز لم يجفّ ولم يجفّ فيجوز الإدغام، فأما في يحيى فلا يجوز وأيضا فإنّ الياء تحذف في الجزم فهذا مخالف ليجفّ ولا يجوز أيضا الإدغام في أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [القيامة: ٤٠] لأن الحركة عارضة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ ظرف، وكذا وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ وجاء متّصلا لأنك بدأت بالأقرب وأجاز يونس يريكمهم.
(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤١١.
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٥٣٨.
(٣) انظر تيسير الداني ٩٥.
(٤) انظر معاني الفراء ١/ ٤١٢.

[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٦]

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)
وَلا تَنازَعُوا نهي. فَتَفْشَلُوا نصب لأنه جواب النهي، ولا يجيز سيبويه حذف الفاء والجزم وأجازه الكسائي.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٧]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً مصدر في موضع الحال. ومعنى البطر في اللغة التقوية وبنعم الله جلّ وعزّ ما ألبسه الله جلّ وعزّ من العافية على المعاصي.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٨]
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)
وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ يجمع جار أجوارا وجيرانا وفي القليل جيرة. إِنِّي أَخافُ اللَّهَ قيل: خاف أن ينزل به بلاء.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٩]
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قيل: المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، والذين في قلوبهم مرض الشّاكّون وهم دون المنافقين، وقيل: هما واحد وهذا أولى ألا ترى إلى قوله جلّ وعزّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: ٣] ثم قال جلّ وعزّ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: ٤] وهما لواحد، وكذا إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [الأحزاب: ٣٥].
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٠]
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠)
يكون هذا عند الموت وقد يكون بيوم القيامة حين يصيرون بهم إلى النار، وجواب «لو» محذوف وتقديره لرأيت أمرا عظيما وأنشد سعيد الأخفش: [الخفيف] ١٧٢-
إن يكن طبّك الدّلال فلو في سالف الدّهر والسّنين الخوالي «١»
(١) الشاهد لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١١٣، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٣٧، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٦١، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ٧٤، ومغني اللبيب ٢/ ٦٤٩.
وقرأ الأعرج تتوفّى «١» على تأنيث الجماعة. يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ في موضع الحال. قال الفراء «٢» : المعنى ويقولون وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥١]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)
ذلِكَ في موضع رفع أي الأمر ذلك. بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ خفض بالياء.
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ في موضع خفض نسق على (ما)، وإن شئت نصبت بمعنى و «بأنّ» وحذفت الباء بمعنى وذلك أنّ الله، ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقا على ذلك.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٢]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ أي العادة في تعذيبهم عند قبض الأرواح وفي القبور كعادة آل فرعون، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الكفار وبعد هذا أيضا كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وليس هذا بتكرير لأن الأول للعادة في التعذيب والثاني للعادة في التغيير.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا اسم «إنّ» وخبرها، وهو مخصوص وقد بيّنه جلّ وعزّ بقوله الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٧]
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ شرط ودخلت النون توكيدا وصلح ذلك في الخبر لمّا دخلت (ما) هذا قول البصريين، وقال الكوفيون: تدخل النون الثقيلة والخفيفة مع إمّا في المجازاة للفرق بين المجازاة والتخيير. فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال الكسائي: (من) بمعنى الذي.
قال أبو إسحاق: المعنى افعل بهم فعلا من القتل تفرّق به من خلفهم. لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي يتذكّرون توعّدك إياهم.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٨]
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ قال الكسائي: السواء العدل، وقال الفراء «٣» : يقال: معناه افعل بهم كما يفعلون سواء. قال: ويقال: معنى فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٥٠٢.
(٢) انظر معاني الفراء ١/ ٤١٣.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٤١٤.
جهرا لا سرّا. قال أبو جعفر: هذا من معجز ما جاء في القرآن مما لا يوجد في الكلام مثله على اختصاره وكثرة معانيه، والمعنى إمّا تخافنّ من قوم بينك وبينهم عهد- خيانة فانبذ إليهم العهد أي قل قد نبذت إليكم عهدكم وأنا مقاتلكم ليعلموا ذلك فيكونوا معك في العلم سواء، ولا تقاتلهم وبينك وبينهم عهد وهم يتقون بك فيكون ذلك خيانة ثم بيّن هذا بقوله إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٩]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)
ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا اسم تحسبنّ وخبره، وقرأ حمزة. وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا «١» فزعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن هذا لحن لا تحلّ القراء به ولا يسمع لمن عرف الإعراب أو عرّفه. قال أبو جعفر: وهذا تحامل شديد وقد قال أبو حاتم أكثر من هذا قال: لأنه لم يأت ليحسبنّ بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين. قال أبو جعفر: القراءة تجوز ويكون المعنى ولا يحسبنّ من خلفهم الذين كفروا سبقوا فيكون الضمير يعود على ما تقدّم إلّا أنّ القراءة بالتاء أبين. قال الفراء:
وفي حرف عبد الله بن مسعود ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون «٢» ويروى ولا تحسب الذين بفتح الباء، وهذا على إرادة النون الخفيفة كما قال الشاعر: [الطويل] ١٧٣-
وسبّح على حين العشيّات والضّحى ولا تحمد المثرين والله فاحمدا «٣»
وإن شئت كسرت الدال، وقرأ عبد الله بن عامر. إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ «٤» بفتح الهمزة، واستبعد أبو حاتم وأبو عبيد هذه القراءة قال أبو عبيد: وإنما تجوز على أن يكون المعنى ولا تحسبنّ الذين كفروا أنهم لا يعجزون. قال أبو جعفر: الذي ذكره أبو عبيد لا يجوز عند النحويين البصريين لا يجوز حسبت زيدا أنه خارج إلّا بكسر إن، وإنما لم يجز لأنه في موضع المبتدأ كما تقول: حسبت زيدا أبوه خارج، ولو فتحت لصار المعنى حسبت زيدا خروجه، وهذا محال، وفيه أيضا من البعد أنه لا وجه لما قاله يصحّ به معنى إلّا أن تجعل «إلّا» زائدة، ولا وجه لتوجيه حذف في كتاب الله جلّ وعزّ إلى التطول بغير حجة يجب التسليم لها، والقراءة جيدة على أن يكون المعنى لأنهم لا يعجزون، وزعم الفراء أنه تجوز قراءة حمزة على إضمار «أن» يكون المعنى
(١) وهذه قراءة حفص وابن عامر أيضا، انظر البحر المحيط ٤/ ٥٠٥، وتيسير الداني ٩٦. [.....]
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٥٠٦، ومعاني الفراء ١/ ٤١٤.
(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٨٧، ولسان العرب (آ)، وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٦٤، وبلا نسبة في المخصص ١٣/ ٨٦، وفي الديوان (وصلّ).
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٥٠٦.
ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا قال أبو جعفر: لا يجوز إضمار «أن» إلا بعوض ومن أضمرها فقد أضمر بعض اسم وقد شبّه الفراء هذا بقولهم: عسى يقوم زيد، وهو لا يشبهه لأن «أن» لو كانت هاهنا مضمرة لنصبت يقوم، وقد ذكرنا أنه من قرأ لا يُعْجِزُونَ «١» بكسر النون فقد لحن.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٠]
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ كل ما تعدّه لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عددك. وقرأ الحسن (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ) «٢» على التكثير، وقرأ بو عبد الرحمن عَدُوًّا لِلَّهِ «٣». وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ عطف على عدو ويجوز أن يكون عطفا على وأعدوا لهم بإضمار فعل.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦١]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها لأن السلم مؤنّثة ويجوز أن يكون التأنيث للفعلة، وحكى أبو حاتم فَاجْنَحْ «٤» لها.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٤]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ابتداء وخبر أي كافيك الله، ويقال: أحسبه إذا كفاه وَمَنِ اتَّبَعَكَ في موضع نصب معطوف على الكاف في التأويل أي يكفيك الله ويكفي من اتّبعك كما قال: [الطويل] ١٧٤-
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد «٥»
ويجوز أن يكون وَمَنِ اتَّبَعَكَ «٦» في موضع رفع، وللنحويين فيه على هذا ثلاثة
(١) هذه قراءة ابن محيصن، انظر مختصر ابن خالويه ٥٠، والبحر المحيط ٤/ ٥٠٦.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٥٠.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ٤١٦.
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٥٠٩.
(٥) الشاهد لجرير في ذيل الأمالي ١٤٠، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧/ ٥٨١، وسمط اللئالي ص ٨٩٩، وشرح الأشموني ١/ ٢٢٤، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٧٤، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٠٠، وشرح عمدة الحافظ ٤٠٧، وشرح المفصل ٢/ ٥١، ولسان العرب (حسب) و (هيج)، و (عصا)، ومغني اللبيب ٢/ ٥٦٣، والمقاصد النحوية ٣/ ٨٤.
(٦) انظر البحر المحيط ٤/ ٥١١.
أقوال: قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يقول: يكون عطفا على اسم الله جلّ وعزّ أي حسبك الله ومن اتّبعك قال: ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «يكفينيه الله وأبناء قيلة» «١» والقول الثاني أن يكون التقدير: ومن اتّبعك من المؤمنين كذلك على الابتداء وأخبر كما قال الفرزدق: [الطويل] ١٧٥-
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلّا مسحتا أو مجلّف «٢»
والقول الثالث: أحسنها أن يكون على إضمار بمعنى وحسبك من اتّبعك من المؤمنين وهكذا الحديث على إضمار ومن كفى. القول الأول لأنه قد صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى أن يقال: ما شاء الله وشئت، والقول الثاني فالشاعر مضطرّ فيه إذا كانت القصيدة مرفوعة وإن كان فيه غير هذا.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٥]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ اسم «يكن» فإن قال قائل: لم كسر أول العشرين وفتح أول ثلاثين وما بعده إلى ثمانين إلّا ستين؟ فالجواب عند سيبويه «٣» أنّ عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد فكسر أول عشرين كما كسر اثنان والدليل على هذا قولهم ستّون وتسعون كما قيل: ستّة وتسعة.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٦]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)
وقرأ أبو جعفر وعلم أنّ فيكم ضعفاء كما يقال كريم وكرماء، وقراءة أهل المدينة وأبي عمرو ضعفا «٤» وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد. قال أبو عبيد: لكثرة من قرأ بها وأنها قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن اتّبعه عليها، وهذا الكلام وإن كان أبو عبيد رحمه الله معلوما منه أنه لم يقصد إلا إلى خير وإنما يقال: ومن اتّبعه فيمن يجوز أن يخالف، وإسناد الحديث ليس بذاك. وقال أبو عمرو بن العلاء: الضّعف لغة أهل الحجاز، والضّعف لغة تميم فأمّا التفريق بينهما فلا يصحّ أعني في المعنى.
(١) انظر تفسير القرطبي ٨/ ٤٣.
(٢) الشاهد للفرزدق في ديوانه ٢٦، وجمهرة أشعار العرب ٨٨٠، وجمهرة اللغة ٣٨٦، وخزانة الأدب ١/ ٢٣٧، والخصائص ١/ ٩٩، ولسان العرب (سحت) و (جلف) و (ودع)، وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ١٨٨، وجمهرة اللغة ٤٨٧، وشرح شواهد الإيضاح ٢٧٩، وشرح المفصل ١/ ٣١، والمحتسب ١/ ١٨٠.
(٣) انظر الكتاب ١/ ٢٦٦.
(٤) انظر البحر المحيط ٤/ ٥١٣.

[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٧]

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)
أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى وتكون على تأنيث الجماعة أسرى أسارى وأسارى. تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا أي المغانم والفداء، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أي يريد لكم ثواب الآخرة لأنه خير لكم.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٨]
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)
فيه خمسة أجوبة: فمن أحسنها أنّ المعنى لولا كتاب من الله نزل وهو القرآن فآمنتم به فاستحققتم العفو والصفح لعذّبكم، وقيل: المعنى لولا كتاب من الله نزل وهو القرآن فآمنتم به فاستحققتم العفو والصفح لعذّبكم، وقيل: المعنى لولا أنّ الله جلّ وعزّ كتب أنه سيحل لكم المغانم لعذّبكم، والجواب الخامس أن المعنى لولا أنّ الله جلّ وعز كتب أنه يغفر لأهل بدر ما تقدّم من ذنوبهم وما تأخّر لعذّبكم. ومعنى لَوْلا في اللغة امتناع شيء لوقوع شيء. وكِتابٌ مرفوع بالابتداء وسَبَقَ في موضع النعت له ولا يكون خبرا لأنه لا يجوز أن يؤتى بخبر لما ارتفع بعد لولا بالابتداء. هذا قول سيبويه والتقدير لولا كتاب من الله سبق تدارككم لَمَسَّكُمْ والأصل فيها فعل ثم أدغمت ويجوز الإظهار كما قال: [البسيط] ١٧٦-
مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا «١»
فِيما أَخَذْتُمْ أدغمت الذال في التاء لأن المهموس أخفّ ويجوز الإظهار هنا.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٩]
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ في الفاء معنى الشرط والمجازاة، وقال سيبويه «٢» فالكلم اسم وفعل وحرف، والتقدير في الآية قد أحللت لكم الفداء فكلوا ممّا غنمتم، حَلالًا طَيِّباً منصوب على الحال.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٠]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى خاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ
(١) الشاهد لقعنب بن أم صاحب في الخصائص ١/ ١٦٠، والكتاب ١/ ٥٨، وسمط اللآلي ٥٧٦، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣١٨، ولسان العرب (ظلل) و (ضنن)، والمنصف ١/ ٣٣٩، ونوادر أبي زيد ٤٤، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١/ ١٥٠، وشرح شافية ابن الحاجب ٣/ ٢٤١، وشرح المفصل ٣/ ١٢، ولسان العرب (حمم)، والمقتضب ١/ ١٤٢، والمنصف ٢/ ٦٩. [.....]
(٢) انظر الكتاب ١/ ٤٠.
فيه ثلاثة أجوبة: يكون المعنى يا أيّها النبي قل لهم قولوا لمن في أيديكم من الأسرى، ويكون على أنّ المخاطبة له صلّى الله عليه وسلّم، مخاطبة لأمته كما قال جلّ وعزّ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: ١] ويكون على تحويل المخاطبة في إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ، فأمّا أن يكون على التعظيم فبعيد. إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً شرط وكسرت الميم لالتقاء الساكنين والجواب يُؤْتِكُمْ فلذلك حذفت منه الياء.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧١]
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ أي في نقض العهد لأنهم عاهدوه ألّا يحاربوه صلّى الله عليه وسلّم أي إن فعلوا هذا فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي خانوا أولياءه المؤمنين بديئا. وجمع خيانة خيائن وكان يجب أن يقال: خوائن لأنه من ذوات الواو إلّا أنهم فرّقوا بينه وبين جمع خائنة، ويقال: خائن وخون وخونة وخانة.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٢]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اسم إنّ. وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا معطوف عليه. أُولئِكَ رفع بالابتداء بَعْضُهُمْ ابتداء ثان. أَوْلِياءُ بَعْضٍ «١» خبره والجميع خبر إنّ، وَالَّذِينَ آمَنُوا ابتداء، والخبر ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة من ولايتهم «٢». يقال: وليّ بيّن الولاية ووال بيّن الولاية. قال أبو جعفر: والفتح في هذا أبين وأحسن لأنه بمعنى النصر، وقال أبو إسحاق: ويجوز الكسر لأنه مشتمل فصار كالصناعة وكالخياطة. قال: ويجوز فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ بالنصب على الإغراء.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٣]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣)
وقال الكسائي: يجوز النصب في قوله: تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ «٣».
[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٤]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)
حَقًّا مصدر.
(١) انظر البحر المحيط ٤/ ٥١٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٤/ ٥١٨، وتيسير الداني ٩٦.
(٣) انظر البحر المحيط ٤/ ٥١٨.

[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٥]

وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
وَأُولُوا الْأَرْحامِ ابتداء والواحد «ذو» والرحم مؤنثة. بَعْضُهُمْ ابتداء. أَوْلى بِبَعْضٍ الخبر والجملة خبر الأول، وفي قوله فِي كِتابِ اللَّهِ جلّ وعزّل. أقوال: منها أن هذه الآية تدلّ على أنه لا يورّث إلّا من كان له في كتاب الله ذكر إلّا أن يجمع المسلمون على شيء أو يصحّ عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل معنى فِي كِتابِ اللَّهِ في اللوح المحفوظ، وقيل فِي كِتابِ اللَّهِ في حكم الله كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لأقضينّ بينكما بكتاب الله» «١» جلّ وعزّ فقضى بالجلد وتغريب عام والرجم عليها إذا كانت محصّنة، وليس في القرآن الرجم فقيل: معنى «بكتاب الله» جلّ وعزّ بحكم الله، وقيل: لمّا قال جلّ وعزّ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧] كان القبول من النبي صلّى الله عليه وسلّم بكتاب الله جلّ وعزّ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اسم «إنّ» وخبرها.
(١) أخرجه أبو داود في سننه، الحدود، حديث ٤٤٤٥، والترمذي في سننه الحدود ٦/ ٢٠٦.
Icon