تفسير سورة الأنفال

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مدنية كلها إلا سبع منها نزلت بمكة وهي من قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ إلى آخر سبع آيات والأصح أنها نزلت بالمدينة وإن كانت الواقعة مكية وهي خمس وسبعون آية وألف وخمس وسبعون كلمة وخمسة آلاف وثمانون حرفا.

سورة الأنفال
مدنية كلها إلا سبع آيات منها نزلت بمكة وهي من قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى آخر سبع آيات والأصح أنها نزلت بالمدينة وإن كانت الواقعة مكية وهي خمس وسبعون آية وألف وخمس وسبعون كلمة وخمسة آلاف وثمانون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الأنفال (٨): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)
قوله سبحانه وتعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ (ق) عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن سورة الأنفال. قال: نزلت في بدر واختلف أهل التفسير في سبب نزولها فقال ابن عباس لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا ومن أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا ومن قتل قتيلا فله كذا فتسارع الشباب وبقيت الشيوخ تحت الرايات فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا ولا تستأثروا به علينا فإن كنا رداءا لكم ولو انكشفتم إلينا فتنازعوا. فأنزل الله عز وجل: يسألونك عن الأنفال. الآية قال أهل التفسير: قام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال: يا رسول الله إنك وعدت أن من قتل قتيلا فله كذا وكذا وإنا قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وقام سعد بن معاذ فقال:
والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فتعطف عليك خيل من المشركين فيصيبونك. فأعرض عنهما رسول الله ﷺ فقال سعد: يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كبير شيء فنزلت هذه الآية: يسألونك عن الأنفال وقال محمد بن إسحاق: «أمر رسول الله ﷺ بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه هو لنا وكان رسول الله ﷺ نفل كل امرئ ما أصاب وقال الذين كانوا يقاتلون العدو لولا نحن ما أصبتموه وقال الذين يحرسون رسول الله ﷺ لقد كنا نقدر أن نقاتل العدو ولكنا خفنا على رسول الله ﷺ غرة العدو فقمنا دونه فما أنتم بأحق منا فنزلت هذه الآية»
.
روى مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال: «سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله ﷺ فقسمه رسول الله ﷺ بيننا عن بواء» يقول على سواء وكان فيه تقوى الله وطاعة رسول الله ﷺ وإصلاح ذات البين وعن سعد بن أبي وقاص قال: «لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا هب لي هذا السيف فقال: «هذا ليس لي ولا لك فقلت: عسى أن يعطي هذا من لا يبلي بلائي فجاءني
الرسول فقال «إنك سألتني وليس لي وأنه قد صار لي وهو لك» فنزلت يسألونك عن الأنفال، الآية أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم في جملة حديث طويل يتضمن فضائل سعد ولفظ مسلم فيه. قال: «أصاب رسول الله ﷺ غنيمة عظيمة وإذا فيها سيف فأخذته فأتيت به رسول الله ﷺ فقلت نفلني هذا السيف فأنا قد علمت حاله فقال رده من حيث أخذته فانطلقت به حتى أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت أعطنيه قال فشد على صوته «رده من حيث أخذته فأنزل الله عز وجل» يسألونك عن الأنفال وقال ابن عباس: كانت المغانم لرسول ﷺ خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول وأما التفسير فقوله سبحانه وتعالى» يسألونك عن الأنفال» استفتاء يعني يسألك أصحابك يا محمد عن حكم الأنفال وعلمها وهو سؤال استفتاء لا سؤال طلب. وقال الضحاك وعكرمة: هو سؤال طلب وقوله عن الأنفال أي من الأنفال وعن بمعنى من. وقيل: عن صلة أي يسألونك الأنفال والأنفال هي الغنائم في قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأصله الزيادة سميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من الله عز وجل لهذه الأمة على الخصوص وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر. وقال عطاء: هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو امرأة أو متاع فهو للنبي ﷺ يصنع فيه ما يشاء قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي: قل لهم يا محمد إن الأنفال حكمها لله ورسوله يقسمانها كيف شاؤوا واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال مجاهد وعكرمة والسدي هذه الآية منسوخة فنسخها الله سبحانه وتعالى بالخمس في قوله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية. وقيل كانت الغنائم لرسول الله ﷺ يقسمها كيف شاء ولمن شاء ثم نسخها الله بالخمس. وقال بعضهم: هذه الآية ناسخة من وجه منسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراما على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم فأباحها الله لهذه الأمة بهذه الآية وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا ثم نسخت بآياته الخمس وقال عبد الرحمن بن زيد إنها محكمة وهي إحدى الروايات عن ابن عباس ومعنى الآية على هذا القول قل الأنفال لله والرسول يضعها حيث أمره الله وقد بين الله مصارفها في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية. وصح من حديث ابن عمر، قال: بعثنا رسول الله ﷺ في سرية فغنمنا إبلا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرا ونفلنا بعيرا نعيرا أخرجاه في الصحيحين فعلى هذا تكون الآية محكمة وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس فَاتَّقُوا اللَّهَ يعني اتقوا الله بطاعته واتقوا مخالفته واتركوا المنازعة والمخاصمة في الغنائم وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي أصلحوا الحال فيما بينكم بترك المنازعة والمخالفة وبتسليم أمر الغنائم إلى الله ورسوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني إن كنتم مصدقين بوعد الله ووعيده قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٢ الى ٤]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ لما أمر الله سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله في الآية المتقدمة ثم قال بعد ذلك إن كنتم مؤمنين لأن الإيمان يستلزم الطاعة، بيّن في هذه الآية صفات المؤمنين وأحوالهم فقال سبحانه وتعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ولفظة إنما تفيد الحصر والمعنى ليس المؤمنون الذين يخالفون الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي خضعت وخافت ورقت قلوبهم وقيل إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. وقال أهل الحقائق: الخوف على قسمين: خوف عقاب وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص، لأنهم يعلمون عظمة الله عز وجل فيخافونه أشد
290
خوف، وأما العصاة فيخافون عقابه فالمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخافه على قدر مرتبته في ذكر الله.
فإن قلت: إنه سبحانه وتعالى قال في هذه الآية وجلت قلوبهم بمعنى خافت وقال في آية أخرى تطمئن قلوبهم بذكر الله فكيف الجمع بينهما؟ قلت: لا منافاة بين هاتين الحالتين لأن الوجل هو خوف العقاب والاطمئنان إنما يكون من ثلج اليقين وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد وهذا مقام الخوف والرجاء وقد جمعا في آية واحدة وهي قوله سبحانه وتعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ. والمعنى: تقشعر جلودهم من خوف عقاب الله ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله ورجاء ثوابه وهذا حاصل في قلب المؤمنين ثم قال تعالى: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً يعني وإذا قرأت عليهم آيات القرآن زادتهم تصديقا قاله ابن عباس. والمعنى: أنه كلما جاءهم شيء من عند الله آمنوا به فيزدادون بذلك إيمانا وتصديقا لأن زيادة الإيمان بزيادة التصديق وذلك على وجهين الوجه الأول وهو الذي عليه عامة أهل العلم على ما حكاه الواحدي أن كل من كانت الدلائل عنده أكثر وأقوى كان إيمانه أزيد لأن عند حصول كثرة الدلائل وقوتها يزول الشك ويقوى اليقين فتكون معرفته بالله أقوى فيزداد إيمانه.
الوجه الثاني: هو أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله ولما كانت التكاليف متوالية في زمن رسول الله ﷺ فكلما تجدد تكليف صدقوا به فيزدادون بذلك الإقرار تصديقا وإيمانا ومن المعلوم أن من صدق إنسانا في شيئين كان أكبر ممن يصدقه في شيء واحد فقوله تعالى: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً معناه أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد وتصديق جديد فكان ذلك زيادة في إيمانهم واختلف أناس في أن الإيمان هل يقبل الزيادة والنقص أم لا؟ فالذين قالوا إن الإيمان عبارة عن التصديق القلبي قالوا لا يقبل الزيادة لإجماع أهل اللغة على أن الإيمان هو التصديق والاعتقاد بالقلب وذلك لا يقبل الزيادة ومن قال إن الإيمان عبارة عن مجموع أمور ثلاثة وهي التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح والأركان فقد استدل على ذلك بهذه الآية من وجهين أحدهما أن قوله زادتهم إيمانا صريح في أن الإيمان يقبل الزيادة ولو كان عبارة عن التصديق بالقلب فقط لما قبل الزيادة وإذا قيل لزيادة فقد قبل النقص.
الوجه الثاني: أنه ذكر في هذه الآية أوصافا متعددة من أحوال المؤمنين ثم قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. وذلك يدل على أن تلك الأوصاف داخلة في مسمى الإيمان.
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» أخرجاه في الصحيحين ففي هذا الحديث دليل على أن الإيمان فيه أعلى وأدنى وإذا كان كذلك كان قابلا للزيادة والنقص. قال عمير بن حبيب، وكانت له صحبة: إن للإيمان زيادة ونقصانا. قيل له: فما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي: أن للإيمان فرائض وشرائط وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها فقد استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان.
وقوله سبحانه وتعالى: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ معناه يفوضون جميع أمورهم إليه ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه.
واعلم أن المؤمن إذا كان واثقا بوعد الله ووعيده كان من المتوكلين عليه لا على غيره وهي درجة عالية ومرتبة شريفة لأن الإنسان يصير بحيث لا يبقى له اعتماد في شيء من أموره إلا على الله عز وجل واعلم أن هذه المراتب الثلاث أعني الوجل عند ذكر الله وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن والتوكل على الله من أعمال القلوب
291
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الصفات الثلاث أتبعها بصفتين من أعمال الجوارح فقال سبحانه وتعالى:
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يعني يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها وينفقون أموالهم فيما أمرهم الله به من الإنفاق فيه ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من الإنفاق في أنواع البر والقربات ثم قال تعالى: أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا يعني يقينا لا شك في إيمانهم قال ابن عباس برءوا من الكفر. وقال قتادة: استحقوا الإيمان وأحقه الله لهم وفيه دليل على أنه لا يجوز أن يصف أحد نفسه بكونه مؤمنا حقا لأن الله سبحانه وتعالى إنما وصف بذلك أقواما مخصوصين على أوصاف مخصوصة وكل أحد لا يتحقق وجود تلك الأوصاف فيه وهذا يتعلق بمسألة أصولية وهي أن العلماء اتفقوا على أنه يجوز للرجل أن يقول أنا مؤمن واختلفوا في أنه هل يجوز له أن يقول أنا مؤمن حقا أم لا؟ فقال أصحاب الإمام أبي حنيفة: الأولى أن يقول أنا مؤمن حقا ولا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله واستدلوا على صحة هذا القول بوجهين:
الأول: أن المتحرك لا يجوز أن يقول أنا متحرك إن شاء الله وكذا القول في القائم والقاعد، فكذلك هذه المسألة يجب فيها أن يكون المؤمن مؤمنا حقا، ولا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله.
الوجه الثاني: أنه سبحانه وتعالى قال أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فقد حكم الله لهم بكونهم مؤمنين حقا وفي قوله أنا مؤمن إن شاء الله تشكيك فيما قطع الله لهم به وذلك لا يجوز وقال أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الأولى أن يقول الرجل أنا مؤمن إن شاء الله واحتجوا لصحة هذا القول بوجوه: الأول أن الإيمان عندهم عبارة عن الاعتقاد والإقرار والعمل وكون الإنسان آتيا بالأعمال الصالحة المقبولة أمر مشكوك فيه والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في الماهية فيجب أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله وإن كان اعتقاده وإقراره صحيحا وعند أصحاب أبي حنيفة أن الإيمان عبارة عن الاعتقاد فيخرج العمل من مسمى الإيمان فلم يلزم حصول الشك.
الوجه الثاني: أن قولنا أنا مؤمن إن شاء الله ليس هو على سبيل الشك ولكن إذا قال الرجل أنا مؤمن فقد مدح نفسه بأعظم المدائح فربما حصل له بذلك عجب فإذا قال: إن شاء الله زال عنه ذلك العجب وحصل له الانكسار.
روي أن أبا حنيفة قال لقتادة: لم استثنيت في إيمانك؟ فقال قتادة: اتباعا لإبراهيم عليه السلام في قوله:
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ فقال أبو حنيفة هلا اقتديت به في قوله أو لم تؤمن؟ قال: بلى فانقطع قتادة قال بعضهم كان لقتادة أن يقول إن إبراهيم قال بعد قوله بلى ولكن ليطمئن قلبي فطلب. مزيد الطمأنينة.
الوجه الثالث: أن الله سبحانه وتعالى ذكر في أول الآية إنما المؤمنون ولفظة إنما تفيد الحصر يعني إنما المؤمنون الذين هم كذا وكذا وذكر بعد ذلك أوصافا خمسة وهي الخوف من الله والإخلاص لله والتوكل على الله والإتيان بالصلاة كما أمر الله سبحانه وتعالى وإيتاء الزكاة كذلك ثم بعد ذلك قال: أولئك هم المؤمنون حقا يعني أن من أتى بجميع هذه الأوصاف كان مؤمنا حقا ولا يمكن لأحد أن يقطع بحصول هذه الصفات له فكان الأولى له أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله. وقال ابن أبي نجيح: سأل رجل الحسن فقال أمؤمن أنت؟ فقال الحسن: إن كنت سألتني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا بها مؤمن وإن كنت سألتني عن قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية فلا أدري أنا منهم أم لا. وقال علقمة: كنا في سفر فلقينا قوم فقلنا من القوم؟ فقالوا نحن المؤمنون حقا فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن
292
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الصفات الثلاث أتبعها بصفتين من أعمال الجوارح فقال سبحانه وتعالى :﴿ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾ : يعني يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها وينفقون أموالهم فيما أمرهم الله به من الإنفاق فيه ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من الإنفاق في أنواع البر والقربات.
ثم قال تعالى :﴿ أولئك ﴾ : يعني من هذه صفتهم ﴿ هم المؤمنون حقاً ﴾ يعني يقيناً لا شك في إيمانهم قال ابن عباس برؤا من الكفر. وقال قتادة : استحقوا الإيمان وأحقه الله لهم وفيه دليل على انه لا يجوز أن يصف أحد نفسه بكونه مؤمناً حقاً لأن الله سبحانه وتعالى إنما وصف بذلك أقواماً مخصوصين على أوصاف مخصوصة وكل أحد لا يتحقق وجود تلك الأوصاف فيه وهذا يتعلق بمسألة أصولية وهي أن العلماء اتفقوا على أنه يجوز للرجل أن يقول أنا مؤمن واختلفوا في أنه هل يجوز له أن يقول أنا مؤمن حقاً أم لا ؟ فقال أصحاب الإمام أبي حنيفة : الأولى أن يقول أنا مؤمن حقاً ولا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله واستدلوا على صحة هذا القول بوجهين :
الأول : أن المتحرك لا يجوز أن يقول أنا متحرك إن شاء الله وكذا القول في القائم والقاعد، فكذلك هذه المسألة يجب فيها أن يكون المؤمن مؤمناً حقاً، ولا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله.
الوجه الثاني : أنه سبحانه وتعالى قال ﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ فقد حكم الله لهم بكونهم مؤمنين حقاً وفي قوله أنا مؤمن إن شاء الله تشكيك فيما قطع الله لهم به وذلك لا يجوز وقال أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الأولى أن يقول الرجل أنا مؤمن إن شاء الله واحتجوا لصحة هذا القول بوجوه : الأول أن الإيمان عندهم عبارة عن الاعتقاد والإقرار والعمل وكون الإنسان آتيا بالأعمال الصالحة المقبولة أمر مشكوك فيه والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في الماهية فيجب أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله وإن كان اعتقاده وإقراره صحيحاً وعند أصحاب أبي حنيفة أن الإيمان عبارة عن الاعتقاد فيخرج العمل من مسمى الإيمان فلم يلزم حصول الشك.
الوجه الثاني : أن قولنا أنا مؤمن إن شاء الله ليس هو على سبيل الشك ولكن إذا قال الرجل أنا مؤمن فقد مدح نفسه بأعظم المدائح فربما حصل له بذلك عجب فإذا قال : إن شاء الله زال عنه ذلك العجب وحصل له الانكسار.
روي أن أبا حنيفة قال لقتادة : لم استثنيت في إيمانك ؟ فقال قتادة : اتباعاً لإبراهيم عليه السلام في قوله :﴿ والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ﴾ فقال أبو حنيفة هلا اقتديت به في قوله أولم تؤمن ؟ قال : بلى فانقطع قتادة قال بعضهم كان لقتادة أن يقول إن إبراهيم قال بعد قوله بلى ولكن ليطمئن قلبي فطلب. مزيد الطمأنينة.
الوجه الثالث : أن الله سبحانه وتعالى ذكر في أول الآية إنما المؤمنون ولفظة إنما تفيد الحصر يعني إنما المؤمنون الذين هم كذا وكذا وذكر بعد ذلك أوصافاً خمسة وهي الخوف من الله والإخلاص لله والتوكل على الله والإتيان بالصلاة كما أمر الله سبحانه وتعالى وإيتاء الزكاة كذلك ثم بعد ذلك قال : أولئك هم المؤمنون حقاً يعني أن من أتى بجميع هذه الأوصاف كان مؤمناً حقاً ولا يمكن لأحد أن يقطع بحصول هذه الصفات له فكان الأولى له أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله. وقال ابن أبي نجيح : سأل رجل الحسن فقال أمؤمن أنت ؟ فقال الحسن : إن كنت سألتني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا بها مؤمن وإن كنت سألتني عن قوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية فلا أدري أنا منهم أم لا. وقال علقمة : كنا في سفر فلقينا قوم فقلنا من القوم ؟ فقالوا نحن المؤمنون حقاً فلم ندر ما نجيهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود فأخبرناه بما قالوا قال فما رددتم عليهم قلنا لم نرد عليهم شيئاً قال هلا قلتم لهم أمن أهل الجنة أنتم إن المؤمنين هم أهل الجنة ؟ وقال سفيان الثوري : من زعم أنه مؤمن حقاً عند الله ثم لم يشهد أنه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف الآخر.
الوجه الرابع : إن قولنا أنا مؤمن إن شاء الله للتبرك لا للشك فهو كقوله صلى الله عليه وسلم :«وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » مع العلم القطعي أنه لاحق بأهل القبور.
الوجه الخامس : إن المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا ختم له بالإيمان ومات عليه وهذا لا يحصل إلا عند الموت، فلهذا السبب حسن أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله. فالمراد صرف هذا الاستثناء إلى الخاتمة. وأجاب أصحاب هذا القول، وهم أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنهم، عن استدلال أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم بقولهم : إن المتحرك لا يجوز أن يقول أنا متحرك إن شاء الله بأن الفرق بين وصف الإنسان بكونه مؤمناً وبين وصفه بكونه متحركاً أن الإيمان يتوقف حاله على الخاتمة والحركة فعل يقيني فحصل الفرق بينهما والجواب عن الوجه الثاني وهو قولهم إنه سبحانه وتعالى قال :﴿ أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ فقد حكم لهم بكونهم مؤمنين حقاً أنه تعالى حكم للموصفين بتلك الصفات المذكورة في الآية بكونهم مؤمنين حقاً إذا أتوا بتلك الأوصاف الخمسة ولا يقدر أحد أن يأتي بتلك الأوصاف على الحقيقة ونحن نقول أيضاً إن من أتى بتلك الأوصاف على الحقيقة كان مؤمناً حقاً ولكن لا يقدر على ذلك أحد والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. وقوله تعالى :﴿ لهم درجات عند ربهم ﴾ يعني لهم مراتب بعضها أعلى من بعض لأن المؤمنين تتفاوت أحوالهم في الأخذ تلك الأوصاف المذكورة فلهذا تتفاوت مراتبهم في الجنة لأن درجات الجنة على قدر الأعمال. قال عطاء : درجات الجنة يرتقون فيها بأعمالهم، وقال الربيع بن أنس : درجات الجنة سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس المضمر سبعين سنة وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام » أخرجه الترمذي وله عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم » ﴿ ومغفرة ﴾ يعني ولهم مغفرة لذنوبهم ﴿ ورزق كريم ﴾ يعني ما أعدَّ لهم في الجنة وصفه بكونه كريماً منافعه حاصلة لهم دائمة عليهم مقرونة بالإكرام والتعظيم.
مسعود فأخبرناه بما قالوا قال فما رددتم عليهم قلنا لم نرد عليهم شيئا قال هلا قلتم لهم أمن أهل الجنة أنتم إن المؤمنين هم أهل الجنة؟ وقال سفيان الثوري: من زعم أنه مؤمن حقا عند الله ثم لم يشهد أنه في الجنة فقد آمن بنصف الآية دون النصف الآخر.
الوجه الرابع: إن قولنا أنا مؤمن إن شاء الله للتبرك لا للشك فهو كقوله ﷺ «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» مع العلم القطعي أنه لاحق بأهل القبور.
الوجه الخامس: إن المؤمن لا يكون مؤمنا حقا إلا إذا ختم له بالإيمان ومات عليه وهذا لا يحصل إلا عند الموت، فلهذا السبب حسن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله. فالمراد صرف هذا الاستثناء إلى الخاتمة. وأجاب أصحاب هذا القول، وهم أصحاب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنهم، عن استدلال أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم بقولهم: إن المتحرك لا يجوز أن يقول أنا متحرك إن شاء الله بأن الفرق بين وصف الإنسان بكونه مؤمنا وبين وصفه بكونه متحركا أن الإيمان يتوقف حاله على الخاتمة والحركة فعل يقيني فحصل الفرق بينهما والجواب عن الوجه الثاني وهو قولهم إنه سبحانه وتعالى قال: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فقد حكم لهم بكونهم مؤمنين حقا أنه تعالى حكم للموصوفين بتلك الصفات المذكورة في الآية بكونهم مؤمنين حقا إذا أتوا بتلك الأوصاف الخمسة ولا يقدر أحد أن يأتي بتلك الأوصاف على الحقيقة ونحن نقول أيضا إن من أتى بتلك الأوصاف على الحقيقة كان مؤمنا حقا ولكن لا يقدر على ذلك أحد والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
وقوله تعالى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني لهم مراتب بعضها أعلى من بعض لأن المؤمنين تتفاوت أحوالهم في الأخذ تلك الأوصاف المذكورة فلهذا تتفاوت مراتبهم في الجنة لأن درجات الجنة على قدر الأعمال. قال عطاء: درجات الجنة يرتقون فيها بأعمالهم، وقال الربيع بن أنس: درجات الجنة سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس المضمر سبعين سنة وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام» أخرجه الترمذي وله عن أبي سعيد أن النبي ﷺ قال «إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم» وَمَغْفِرَةٌ يعني ولهم مغفرة لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يعني ما أعدّ لهم في الجنة وصفه بكونه كريما لأن منافعه حاصلة لهم دائمة عليهم مقرونة بالإكرام والتعظيم.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥ الى ٧]
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)
قوله سبحانه وتعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ اختلفوا في الجالب لهذه الكاف ما هو؟ فقال المبرد: تقديره قل الأنفال لله والرسول وإن كرهوا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل: معناه امض لأمر ربك في الأنفال وإن كرهوا كما مضيت لأمر ربك في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون.
وقيل: معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم كما أن إخراج محمد ﷺ من بيته بالحق هو خير لكم وإن كرهه فريق منكم. وقيل: هو راجع لقوله سبحانه وتعالى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ تقديره وعد الله المؤمنين بالدرجات حق حتى ينجزه الله تعالى كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وأنجز الوعد بالنصر والظفر.
وقيل: هي متعلقة بما بعدها تقديره كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم كذلك يكرهون القتال ويجادلونك فيه. وقيل: الكاف بمعنى على أي امض على الذي أخرجك ربك من بيتك بالحق فإنه حق. وقيل:
الكاف بمعنى القسم تقديره والذي أخرجك ربك من بيتك وجوابه يجادلونك في الحق. وقيل: الكاف بمعنى إذ
293
تقديره واذكر يا محمد إذ أخرجك ربك من بيتك بالحق. قيل: المراد بهذا الإخراج إخراجه من مكة إلى المدينة للهجرة. وقال جمهور المفسرين: المراد بهذا الإخراج هو خروجه من المدينة إلى بدر ومعناه كما أمرك ربك بالخروج من بيتك بالمدينة بالحق يعني بالوحي لطلب المشركين وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يعني للقتال وإنما كرهوه لقلة عددهم وقلة سلاحهم وكثرة عدوهم وسلاحهم يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ وذلك أن المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك وقالوا لم تعلمنا أنّا نلقى العدو فنستعد لقتالهم وإنما خرجنا لطلب العير فذلك جدالهم بَعْدَ ما تَبَيَّنَ يعني تبين لهم أنك لا تصنع شيئا إلا بأمر ربك وتبين لهم صدقك في الوعد كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ يعني لشدة كراهتهم القتال وَهُمْ يَنْظُرُونَ يعني إلى الموت شبه حالهم في فرط فزعهم بحال من يجر إلى القتل ويساق إلى الموت وهو ينظر إليه ويعلم أنه آتيه.
قوله عز وجل: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ يعني الفرقتين فرقة أبي سفيان مع العير وفرقة أبي جهل مع النفير أَنَّها لَكُمْ يعني إحدى الفرقتين لكم. قال ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي:
أقبل أبو سفيان بن حرب من الشام في عير قريش في أربعين راكبا من كفار قريش منهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري ومعهم تجارة كبيرة وهي اللطيمة. يريد باللطيمة، الجمال التي تحمل العطر والبز غير الميرة، حتى إذا كانوا قريبا من بدر، بلغ النبي ﷺ خبرهم فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدو وقال: هذه هي عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ يلقى حربا فلما سمع أبو سفيان بمسير رسول الله ﷺ إليه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم ويخبرهم أن محمدا في أصحابه قد عرض لعيرهم فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت رؤيا قبل قدوم ضمضم مكة بثلاثة أيام أفزعتها فبعثت إليها أخيها العباس بن عبد المطلب. فقالت: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فقال لها وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا ودخلها منها فلقة فقال العباس: والله إن هذه الرؤيا فظيعة فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة، وكان صديقا للعباس، فذكر رؤيا عاتكة له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش بمكة. قال العباس: فعمدت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في نفر من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة فغدوت أطوف فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. قال العباس: فلما فرغت من طوافي أقبلت إليهم حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة قلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم لقد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك ما قالت حقا فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا بأنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فو الله ما كان مني إليه من كبير شيء إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئا ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقلن أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم حتى تناول النساء وأنت تسمع ولم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت. قال: قلت قد والله فعلت ما كان مني إليه من شيء وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنه، قال: فغدوت في اليوم الثالث من
294
رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني شيء أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فو الله إني لأمر نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان أبو جهل رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال العباس: فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه قال فإذا هو قد سمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة هذه أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه ولا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر قال: فتجهز الناس سراعا ولم يتخلف من أشراف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر
بن عبد مناة ابن كنانة من الحرب فقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجت قريش سراعا وخرج رسول الله ﷺ في أصحابه لليال مضت من شهر رمضان حتى بلغ واديا يقال له ذا قرد فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عن عيرهم فسار رسول الله ﷺ حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بخبرهم وبعث رسول الله ﷺ عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله ﷺ فنزل جبريل عليه السلام وقال: إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إنها لكم إما العير، وإما قريش، وكانت العير أحب إليهم فاستشار رسول الله ﷺ أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال وأحسن وقام عمر فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله ما نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد- يعني مدينة الحبشة- لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال رسول الله ﷺ له خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ أيها الناس وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا فنمنعك مما منع منه أبناءنا ونساءنا. فكان رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسيروا معه إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله ﷺ قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال: أجل. قال: آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما يتخلف منا أحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وعدوك إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله عز وجل أن يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فسرّ رسول الله ﷺ بقول سعد ونشطه ذلك فقال: سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم (م).
عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب حدثه عن أهل بدر قال: «إن رسول الله ﷺ كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى قال عمر فو الذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدها رسول الله ﷺ قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله ﷺ حتى انتهى إليهم فقال يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا فقال عمر يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا» فذلك قوله سبحانه وتعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم يعني طائفة أبي سفيان مع العير وطائفة أبي جهل مع النفير وَتَوَدُّونَ أي
295
﴿ يجادلونك في الحق ﴾ وذلك أن المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك وقالوا لم تعلمنا أنَّا نلقى العدو فنستعد لقتالهم وإنما خرجنا لطلب العير فذلك جدالهم ﴿ بعد ما تبين ﴾ يعني تبين لهم أنك لا تصنع شيئاً إلا بأمر ربك وتبين لهم صدقك في الوعد ﴿ كأنما يساقون إلى الموت ﴾ يعني لشدة كراهتهم القتال ﴿ وهم ينظرون ﴾ يعني إلى الموت شبه حالهم في فرط فزعهم بحال من يجر إلى القتل ويساق إلى الموتِ وهو ينظر إليه ويعلم أنه آتيه.
قوله عز وجل :﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ﴾ يعني الفرقتين فرقة أبي سفيان مع العير وفرقة أبي جهل مع النفير ﴿ أنها لكم ﴾ يعني إحدى الفرقتين لكم. قال ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي : أقبل أبو سفيان بن حرب من الشام في عير قريش في أربعين راكباً من كفار قريش منهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري ومعهم تجارة كبيرة وهي اللطيمة. يريد باللطيمة. الجمال التي تحمل العطر والبز غير الميرة، حتى إذا كانوا قريباً من بدر، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدو وقال : هذه هي عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً فلما سمع أبو سفيان بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً يستنفرهم ويخبرهم أن محمداً في أصحابه قد عرض لعيرهم فخرج ضمضم سريعاً إلى مكة وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت رؤيا قبل قدوم ضمضم مكة بثلاثة أيام أفزعتها فبعثت إليها أخيها العباس بن عبد المطلب. فقالت : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فقال لها وما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا ودخلها منها فلقة فقال العباس : والله إن هذه الرؤيا فظيعة فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة، وكان صديقاً للعباس، فذكر رؤيا عاتكة له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش بمكة. قال العباس : فعمدت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في نفر من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة فغدوت أطوف فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. قال العباس : فلما رغت من طوافي أقبلت إليهم حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم قلت : وما ذاك ؟ قال : الرؤيا التي رأت عاتكة قلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم لقد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك ما قالت حقاً فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً بأنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إليه من كبير شيء إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئاً ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقلن أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم حتى تناول النساء وأنت تسمع ولم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت. قال : قلت قد والله فعلت ما كان مني إليه من شيء وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنه، قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني شيء أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمر نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان أبو جهل رجلاً خفيفاً حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر إذ خرج نحو بابا المسجد يشتد قال العباس : فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرقاً مني أن أشاتمه قال فإذا هو قد سمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة هذه أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه ولا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر قال : فتجهز الناس سراعاً ولم يتخلف من أشارف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة ابن كنانة من الحرب فقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجت قريش سراعاً وخرج رسول الله في أصحابه لليال مضت من شهر رمضان حتى بلغ وادياً يقال له ذا قرد فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عن عيرهم فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عيناً للقوم فأخبره بخبرهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيناً له من جهينة حليفاً للأنصار يدعى أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إنها لكم إما العير، وإما قريش، وكانت العير أحب إليهم فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال وأحسن وقام عمر فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معكم والله ما نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له خيراً ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أشيروا عليّ أيها الناس » وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا فنمنعك مما منع منه أبناءنا ونساءنا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسيروا معه إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال : أجل. قال : آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذ البحر فخضته لخضناه معك ما يتخلف منا أحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وعدوك إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله عز وجل أن يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فسرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك فقال : سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ( م ).
عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب حدثه عن أهل بدر قال :«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى قال عمر فوالذي بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقاً فإني قد وجدت ما وعدني الله حقاً فقال عمر يا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً » فذلك قوله سبحانه وتعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم يعني طائفة أبي سفيان مع العير وطائفة أبي جهل مع النفير ﴿ وتودون ﴾ أي وتريدون وتتمنون ﴿ أن غير ذات الشوكة تكون لكم ﴾ والمعنى : وتتمنون أن العير التي ليس فيها قتال ولا شوكة تكون لكم والشوكة الشدة والقوة ويقال السلاح ﴿ ويريد الله أن يحق الحق ﴾ أي يظهر الحق ويعليه ﴿ بكلماته ﴾ يعني بأمره إياكم بالقتال وقيل بعداته التي سبقت لكم من إظهار الدين وإعزازه ﴿ ويقطع دابر الكافرين ﴾ أي ويستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.
وتريدون وتتمنون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ والمعنى: وتتمنون أن العير التي ليس فيها قتال ولا شوكة تكون لكم والشوكة الشدة والقوة ويقال السلاح وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أي يظهر الحق ويعليه بِكَلِماتِهِ يعني بأمره إياكم بالقتال وقيل بعداته التي سبقت لكم من إظهار الدين وإعزازه وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ أي ويستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٨ الى ٩]
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ يعني ليثبت الإسلام وَيُبْطِلَ الْباطِلَ يعني وينفي الكفر وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ يعني المشركين وفي الآية سؤالان: الأول: أن قوله ويريد الله أن يحق الحق ثم قال بعده ليحق الحق تكرير فما معناه؟.
والجواب أنه ليس فيه تكرير لأن المراد بالأول تثبيت ما وعد في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء والمراد بالثاني: تقوية القرآن والدين وإظهار منار الشريعة لأن الذي وقع يوم بدر من نصر المؤمنين مع قلتهم وقهر الكافرين مع كثرتهم كان سبب لإعزاز الدين وقوته ولهذا السبب قرنه بقوله ويبطل الباطل يعني الذي هو الشرك.
السؤال الثاني: الحق حق لذاته والباطل باطل لذاته فما المراد من تحقيق الحق وإبطال الباطل.
والجواب: إن المراد من تحقيق الحق إظهار كون ذلك الحق حقا والمراد من إبطال ذلك الباطل إظهار كون ذلك الباطل باطلا وذلك بإظهار دلائل الحق وتقويته. وقمع رؤساء الباطل وقهرهم.
قوله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ أي واذكر يا محمد إذ تستجيرون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر وفي المستغيثين قولان أحدهما أنه رسول الله ﷺ والمسلمون معه قاله الزهري والقول الثاني: أنه رسول الله ﷺ وحده وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم له (م) عن ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال: «لما كان يوم بدر نظر رسول الله ﷺ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله ﷺ القبلة ثم مد يده فجعل يهتف بربه يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ فأمده الله بالملائكة. قال سماك: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه خر مستلقيا فنظر إليه فإذا قد حطم أنفه وشق وجهه كضربة السيف فأحصى ذلك أجمع وجاء فحدث بذلك رسول الله ﷺ قال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة. فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وقوله سبحانه وتعالى فاستجاب لكم، يعني فأجاب دعاءكم أني ممدكم أصله بأني ممدكم أي مرسل إليكم مددا ورداء لكم بألف من الملائكة مردفين، يعني: يردف بعضهم بعضا بمعنى يتبع بعضهم بعضا. روي أنه نزل جبريل عليه السلام في خمسمائة وميكائيل عليه السلام في خمسمائة في صور الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوها بين أكتافهم. وروي أن النبي ﷺ لما ناشد ربه وقال أبو بكر إن الله سينجز لك ما وعدك خفق رسول الله ﷺ خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال: يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل أخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع (خ).
عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب»
يعني آلة الحرب قال ابن عباس: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى
قوله عز وجل :﴿ إذ تستغيثون ربكم ﴾ أي واذكر يا محمد إذ تستجيرون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر وفي المستغيثين قولان أحدهما أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه قاله الزهري والقول الثاني : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم له ( م ) عن ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال :«لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يده فجعل يهتف بربه يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه ماداً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم ﴿ فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ﴾ فأمده الله بالملائكة. قال سماك : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه خر مستلقياً فنظر إليه فإذا قد حطم أنفه وشق وجه كضربة السيف فأحصى ذلك أجمع وجاء فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة. فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وقوله سبحانه وتعالى فاستجاب لكم، يعني فأجاب دعاءكم أني ممدكم أصله بأني ممدكم أي مرسل إليكم مدداً ورداءً لكم بألف من الملائكة مردفين، يعني : يردف بعضهم بعضاً بمعنى يتبع بعضهم بعضاً. روي أنه نزل جبريل عليه السلام في خمسمائة وميكائيل عليه السلام في خمسمائة في صور الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوها بين أكتافهم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناشد ربه وقال أبو بكر إن الله سينجز لك ما وعدك خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال : يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل أخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع ( خ ).
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر :«هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب » يعني آلة الحرب قال ابن عباس : كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه عدداً ومدداً. وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدراً أنه قال بعد ما ذهب بصره لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت من الملائكة تقدم الكلام في سورة آل عمران هل قاتلت الملائكة أم لا والصحيح أنهم قاتلوا يوم بدر لما تقدم من حديث ابن عباس في الذي ضربه بالسوط فحطم أنفه وشق وجهه وكانوا فيما سوى يوم بدر مدداً وعوناً قيل إنهم لم يقاتلوا وإنما نزلوا ليكثروا سواد المسلمين ويثبتوهم ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى :﴿ وما جعله الله إلا بشرى ﴾.
يوم بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا. وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة تقدم الكلام في سورة آل عمران هل قاتلت الملائكة أم لا والصحيح أنهم قاتلوا يوم بدر لما تقدم من حديث ابن عباس في الذي ضربه بالسوط فحطم أنفه وشق وجهه وكانوا فيما سوى يوم بدر مددا وعونا قيل إنهم لم يقاتلوا وإنما نزلوا ليكثروا سواد المسلمين ويثبتوهم ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الأنفال (٨): الآيات ١٠ الى ١٢]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى يعني وما جعل الله الإرداف بالملائكة إلا بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وهذا يحقق أنهم إنما نزلوا لذلك لا للقتال والصحيح هو الأول وأنهم قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا فيما سواه من الأيام.
وقوله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني أن الله هو ينصركم أيها المؤمنون فثقوا بنصره ولا تتكلوا على قوتكم وشدة بأسكم وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد المسلم أن لا يتوكل إلا على الله تعالى في جميع أحواله ولا يثق بغيره فإن الله تعالى بيده النصر والإعانة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعني أنه تعالى قوي منيع لا يقهره شيء ولا يغلبه غالب بل هو يقهر كل شيء ويغلبه حَكِيمٌ يعني في تدبيره ونصره ينصر من يشاء ويخذل من يشاء من عباده.
قوله سبحانه وتعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ أي: واذكروا إذ يلقى عليكم النعاس وهو النوم الخفيف أمنة منه أي أمنا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم قال عبد الله بن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال أن الخائف على نفسه لا يأخذه النوم فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن وإزالة الخوف. وقيل إنهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم وقلة المسلمين وقلة عددهم وعددهم وعطشوا عطشا شديدا ألقى عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة وزال عنهم الكلال والعطش وتمكنوا من قتال عدوهم وكان ذاك النوم نعمة في حقهم لأنه كان خفيفا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله إليهم وقدروا على دفعه عنهم وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله أنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة فناموا كلهم مع كثرتهم وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة فلهذا السبب قيل إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة لأنه أمر خارق للعادة وقوله سبحانه وتعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب رمل أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب وكان المشركون قد سبقوهم إلى ماء بدر فنزلوا عليه وأصبح المسلمون على غير ماء وبعضهم محدث وبعضهم جنب وأصابهم العطش فوسوس لهم الشيطان. وقال: تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله وأنتم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين فكيف ترجون أن تظهروا على عدوكم؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى مطرا سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضؤوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية وأطفأ الغبار ولبد الأرض حتى ثبتت عليها الأقدام وزالت عنهم وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم وعظمت النعمة من الله عليهم بذلك وكان دليلا على حصول النصر والظفر، فذلك قوله سبحانه وتعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ يعني: من الإحداث والجنابة وَيُذْهِبَ
297
عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعني وسوسته التي ألقاها في قلوبكم وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ يعني بالنصر واليقين والربط في اللغة الشد وكل من صبر على أمر فقد ربط نفسه عليه قال الواحدي ويشبه أن تكون لفظة على صلة والمعنى وليربط قلوبكم بالصبر وما أوقع فيها من اليقين وقيل: إن لفظة على ليست بصلة لأنها تفيد الاستعلاء فيكون المعنى: أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ يعني أن ذاك المطر لبد الأرض وقوى الرمل حتى تثبتت عليه الأقدام وحوافر الدواب، وقيل المراد به تثبت الأقدام بالصبر وقوة القلب لأن من يكون ضعيف القلب لا يثبت قدمه بل يفر ويهرب عن اللقاء.
وقوله سبحانه وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ يعني أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى الملائكة الذين أمد بهم النبي ﷺ وأصحابه إني معكم بالنصر والمعونة فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: قووا قلوبهم واختلفوا في كيفية هذه التقوية والتثبيت. فقيل: كما أن للشيطان قوة في إلقاء الوسوسة في قلب ابن آدم بالشر، فكذلك للملك قوة في إلقاء الإلهام في قلب ابن آدم بالخير. ويسمى ما يلقي الشيطان: وسوسة، وما يلقي الملك لمة وإلهاما، فهذا هو التثبيت. وقيل: إن ذلك التثبيت هو حضورهم معهم القتال ومعونتهم لهم أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين، وقيل معناه بشروهم بالنصر والظفر فكان الملك يمشي في صورة رجل أمام الصف ويقول أبشروا فإن الله ناصركم عليهم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ يعني الخوف وكان ذلك نعمة من الله على المؤمنين حيث ألقى الرعب والخوف في قلوب الكافرين فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ قيل هو خطاب مع المؤمنين فيكون منقطعا عما قبله. وقيل: هو خطاب مع الملائكة فيكون متصلا بما قبله..
قال ابن الأنباري: ما كانت الملائكة تعرف تقتل بني آدم فعلمهم الله ذلك بقوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق. قال عكرمة: يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق. وقال الضحاك: معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة.
وقيل: معناه فاضربوا على الأعناق فتكون فوق بمعنى على وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ يعني كل مفصل. وقال ابن عباس: يعني الأطراف وهي جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن الإنسان أن يبين ما يريد أن يعمله بيديه وإنما خصت بالذكر من دون سائر الأطراف لأجل أن الإنسان بها يقاتل وبها يمسك السلاح في الحرب. وقيل: إنه سبحانه وتعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وهو الرأس وهو أشرف الأعضاء وبضرب البنان وهو أضعف الأعضاء فيدخل في ذلك كل عضو في الجسد. وقيل: أمرهم بضرب الرأس وفيه هلاك الإنسان وبضرب البنان وفيه تعطيل حركة الإنسان عن الحرب لأن بالبنان يتمكن من مسك السلاح وحمله والضرب به فإذا قطع بنانه تعطل عن ذلك كله. روي عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف، وروى عكرمة عن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ قال: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ وكان الإسلام قد دخل علينا أهل البيت فأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاء الخبر عن مقتل أصحاب بدر كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، قال أبو رافع وكنت رجلا ضعيفا أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر اليقين فجلس إليه والناس قيام عليه فقال أبو لهب: يا ابن أخي خبرني كيف كانت أحوال الناس؟ قال: لا
298
قوله سبحانه وتعالى :﴿ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ﴾ أي : واذكروا إذ يلقى عليكم النعاس وهو النوم الخفيف أمنة منه أي أمنا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم قال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال أن الخائف على نفسه لا يأخذه النوم فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلاً على الأمن وإزالة الخوف. وقيل إنهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم وقلة المسلمين وقلة عددهم وعددهم وعطشوا عطشاً شديداً ألقى عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة وزال عنهم الكلال والعطش وتمكنوا من قتال عدوهم وكان ذاك النوم نعمة في حقهم لأنه كان خفيفاً بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله إليهم وقدروا على دفعه عنهم وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله أنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة فناموا كلهم مع كثرتهم وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة فلهذا السبب قيل إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة لأنه أمر خارق للعادة وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وينزل عليكم من السماء ماء ﴾ يعني المطر ﴿ ليطهركم به ﴾ وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب رمل أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب وكان المشركون قد سبقوهم إلى ماء بدر فنزلوا عليه وأصبح المسلمون على غير ماء وبعضهم محدث وبعضهم جنب وأصابهم العطش فوسوس لهم الشيطان. وقال : تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله وأنتم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين فكيف ترجون أن تظهروا على عدوكم ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى مطراً سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضؤوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية وأطفأ الغبار ولبد الأرض حتى ثبتت عليها الأقدام وزالت عنهم وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم وعظمت النعمة من الله عليهم بذلك وكان دليلاً على حصول النصر والظفر، فذلك قوله سبحانه وتعالى : وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به يعني : من الإحداث والجنابة ﴿ ويذهب عنكم رجز الشيطان ﴾ يعني وسوسته التي ألقاها في قلوبكم ﴿ وليربط على قلوبكم ﴾ يعني بالنصر واليقين والربط في اللغة الشد وكل من صبر على أمر فقد ربط نفسه عليه قال الواحدي ويشبه أن تكون لفظة على صلة والمعنى وليربط قلوبكم بالصبر وما أوقع فيها من اليقين وقيل : إن لفظة على ليست بصلة لأنها تفيد الاستعلاء فيكون المعنى : أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها ﴿ ويثبت به الأقدام ﴾ يعني أن ذاك المطر لبد الأرض وقوى الرمل حتى تثبتت عليه الأقدام وحوافر الدواب، وقل المراد به تثبت الأقدام بالصبر وقوة القلب لأن من يكون ضعيف القلب لا يثبت قدمه بل يفر ويهرب عن اللقاء.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ﴾ يعني أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى الملائكة الذين أمد بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إني معكم بالنصر والمعونة ﴿ فثبَّتوا الذين آمنوا ﴾ أي : قووا قلوبهم واختلفوا في كيفية هذه التقوية والتثبيت. فقيل : كما أن للشيطان قوة في إلقاء الوسوسة في قلب ابن آدم بالشر، فكذلك للملك قوة في إلقاء الإلهام في قلب ابن آدم بالخير. ويسمى ما يلقى الشيطان : وسوسة، وما يلقي الملك لمة وإلهاماً، فهذا هو التثبيت. وقيل : إن ذلك التثبيت هو حضورهم معهم القتال ومعونتهم لهم أي : ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين، وقيل معناه بشرورهم بالنصر والظفر فكان الملك يمشي في صورة رجل أمام الصف ويقول أبشروا فإن الله ناصركم عليهم ﴿ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ﴾ يعني الخوف وكان ذلك نعمة من الله على المؤمنين حيث ألقى الرعب والخوف في قلوب الكافرين ﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ قيل هو خطاب مع المؤمنين فيكون منقطعاً عما قبله. وقيل : هو خطاب مع الملائكة فيكون متصلاً بما قبله.
قال ابن الأنباري : ما كانت الملائكة تعرف تقتل بني آدم فعلمهم الله ذلك بقوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق. قال عكرمة : يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق. وقال الضحاك : معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة. وقيل : معناه فاضربوا على الأعناق فتكون فوق بمعنى على ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ يعني كل مفصل. وقال ابن عباس : يعني الأطراف وهي جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن الإنسان أن يبين ما يريد أن يعمله بيديه وإنما خصت بالذكر من دون سائر الأطراف لأجل أن الإنسان بها يقاتل وبها يمسك السلاح في الحرب. وقيل : إنه سبحانه وتعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وهو الرأس وهو أشرف الأعضاء وبضرب البنان وهو أضعف الأعضاء فيدخل في ذلك كل عضو في الجسد. وقيل : أمرهم بضرب الرأس وفيه هلاك الإنسان وبضرب البنان وفيه تعطيل حركة الإنسان عن الحرب لأن بالبنان يتمكن من مسك السلاح وحمله والضرب به فإذا قطع بنانه تعطل عن ذلك كله. روي عن أبي داود المازني، وكان شهد بدراً، قال : إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذا وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف قال : لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف، وروى عكرمة عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قد دخل علينا أهل البيت فأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاء الخبر عن مقتل أصحاب بدر كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزاً، قال أبو رافع وكنت رجلاً ضعيفاً أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم فوالله إني لجالس أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لهب : إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر اليقين فجلس إليه والناس قيام عليه فقال أبو لهب : يا ابن أخي خبرني كيف كانت أحوال الناس ؟ قال : لا شيء والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وايم الله ما لمت الناس لقينا رجالاً بيضاء على خيل بلق بين السماء والأرض والله لا يتلقاهم شيء ولا يقوم لهم شيء. قال أبو رافع : فرفعت طرف الحجرة بيدي وقلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك على صدري وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت إليه ام الفضل بعمود من عمد الحجرة فضربته به ضربه ففلقت رأسه شجة منكرة، وقالت : تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام مولياً ذليلاً فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته. وروى مقسم عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة وكان أبو اليسر رجلاً مجموعاً وكان العباس رجلاً جسيماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر «كيف أسرت العباس » ؟ قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لقد أعانك عليه ملك كريم » وكانت وقعة بدر في صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية.
شيء والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وايم الله ما لمت الناس لقينا رجالا بيضاء على خيل بلق بين السماء والأرض والله لا يتلقاهم شيء ولا يقوم لهم شيء. قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي وقلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة فساورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك على صدري وكنت رجلا ضعيفا، فقامت إليه أم الفضل بعمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة ففلقت رأسه شجة منكرة، وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته. وروي مقسم عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بني سلمة وكان أبو اليسر رجلا مجموعا وكان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله ﷺ لأبي اليسر كيف أسرت العباس؟ قال: يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم. وكانت وقعة بدر في صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ١٣ الى ١٦]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
وقوله سبحانه وتعالى: لِكَ
يعني الذي وقع من القتل والأسر يوم بدرأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يعني بأنهم خالفوا الله ورسوله. والمشاقة: المخالفة، وأصلها المجانبة، كأنهم صاروا في شق وجانب عن شق المؤمنين وجانبهم وهذا مجاز معناه أنهم شاقّوا أولياء الله وهم المؤمنون أو شاقوا دين الله ثم قال سبحانه وتعالى:
مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
يعني أن الذي نزل بهم في ذلك اليوم من القتل والأسر شيء قليل فيما أعد الله لهم من العقاب يوم القيامة ثم قال تعالى: ذلِكُمْ إشارة إلى القتل والأسر الذي نزل بهم فَذُوقُوهُ يعني عاجلا في الدنيا لأن ذلك يسير بالإضافة إلى المؤجل الذي أعده الله لهم في الآخرة من العذاب وهو قوله: وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ يعني في الآخرة، عن ابن عباس قال: لما فرغ رسول الله ﷺ من بدر قيل له عليك بالعير ليس من دونها شيء قال فناداه العباس من وثاقه لا يصلح لك لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك الله ما وعدك قال: صدقت، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً يعني مجتمعين متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني في القتال وأصل الزحف مشي مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي وسمي مشي الطائفتين بعضهم إلى بعض في القتال زحفا لأنها تمشي كل طائفة إلى صاحبتها مشيا رويدا وذلك قبل التداني للقتال، وقال ثعلب: الزحف المشي قليلا قليلا إلى الشيء فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يعني فلا تولوهم ظهوركم منهزمين منهم فإن المنهزم يولي ظهره ودبره وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ يعني ومن ينهزم ويول دبره يوم الحرب والقتال إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ يعني إلا منقطعا إلى القتال يرى عدوه من نفسه الانهزام وقصده طلب الكرة على العدو والعود إليه وهذا هو أحد أبواب الحرب وخدعها ومكايدها.
وقوله تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ يعني أو منضما وصائرا إلى جماعة من المؤمنين يريدون العود إلى القتال فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يعني من انهزم من المسلمين وقت الحرب إلا في هاتين الحالتين وهي التحرف للقتال والتحيز إلى فئة من المسلمين فقد رجع بغضب من الله وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
ثم قال تعالى :﴿ ذلكم ﴾ إشارة إلى القتل والأسر الذي نزل بهم ﴿ فذوقوه ﴾ يعني عاجلاً في الدنيا لأن ذلك يسير بالإضافة إلى المؤجل الذي أعده الله لهم في الآخرة من العذاب وهو قوله :﴿ وأن للكافرين عذاب النار ﴾ يعني في الآخرة، عن ابن عباس قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر قيل له عليك بالعير ليس من دونها شيء قال فناداه العباس من وثاقه لا يصلح لك لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك الله ما وعدك قال : صدقت، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
قوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً ﴾ يعني مجتمعين متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني في القتال وأصل الزحف مشي مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي وسمي مشي الطائفتين بعضهم إلى بعض في القتال زحفاً لأنها تمشي كل طائفة إلى صاحبتها مشياً رويداً وذلك قبل التداني للقتال، وقال ثعلب : الزحف المشي قليلاً قليلاً إلى الشيء ﴿ فلا تولوهم الأدبار ﴾ يعني فلا تولوهم ظهوركم منهزمين منهم فإن المنهزم يولي ظهره ودبره.
﴿ ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ يعني ومن ينهزم ويول دبره يوم الحرب والقتال ﴿ إلا متحرفاً لقتال ﴾ يعني إلا منقطعاً إلى القتال يرى عدوه من نفسه الانهزام وقصده طلب الكرة على العدو والعود إليه وهذا هو أحد أبواب الحرب وخدعها ومكايدها. وقوله تعالى :﴿ أو متحيزاً إلى فئة ﴾ يعني أو منضماً وصائراً إلى جماعة من المؤمنين يريدون العود إلى القتال ﴿ فقد باء بغضب من الله ﴾ يعني من انهزم من المسلمين وقت الحرب إلا في هاتين الحالتين وهي التحرف للقتال والتحيز إلى فئة من المسلمين فقد رجع بغضب من الله ﴿ ومأواه جهنم وبئس المصير ﴾.
( فصل في حكم هذه الآية )
اختلف العلماء في ذلك، فقال أبو سعيد الخدري : هذا في أهل بدر خاصة لأنه ما كان يجوز لهم الانهزام يوم بدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم ولم تكن لهم فئة يتحيزون إليها دون النبي صلى الله عليه وسلم ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ولأنها أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه والمسلمون معه فشدد الله عليهم أمر الانهزام وحرمه عليهم يوم بدر فأما بعد ذلك اليوم فإن المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزاً إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهذا قول الحسن وقتادة والضحاك قال يزيد بن أبي حبيب : أوجب الله النار لمن فرّ يوم بدر فلما كان يوم أحد قال الله تعالى إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ثم كان يوم حنين بعده فقال سبحانه وتعالى :﴿ ثم وليتم مدبرين. . . . ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ﴾ وقال عبد الله بن عمر : كنا في جيش بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة فانهزمنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال : لا بل أنتم الكرارون إنا فئة المسلمين. قوله فحاص الناس حيصة، يعني جال الناس جولة يطلبون الفرار من العدو. والمحيص : الهرب. وقال محمد بن سيرين : لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر بن الخطاب، فقال : لو انحاز إليّ كنت له فئة أنا فئة كل مسلم. وقال بعضهم : حكم الآية عام في حق كل من ظهره منهزماً بدليل قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ وهذا خطاب عام فيتناول جميع الصور وإن كانت الآية نزلت في غزاة بدر لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وجاء في الحديث «من الكبائر الفرار من الزحف » وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :«الآن خفف الله عنكم » فليس لقوم أن يفروا من مثلهم فنسخت بذلك إلا في هذه العدة وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا منهم ويولوهم ظهورهم وإن كان العدو أكثر من المثلين جاز لهم أن يفروا منهم قال ابن عباس من فرّ من ثلاثة لم يفر ومن فرّ من اثنين فقد فرّ.
((فصل في حكم هذه الآية)) اختلف العلماء في ذلك، فقال أبو سعيد الخدري: هذا في أهل بدر خاصة لأنه ما كان يجوز لهم الانهزام يوم بدر لأن النبي ﷺ كان معهم ولم تكن لهم فئة يتحيزون إليها دون النبي ﷺ ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين ولأنها أول غزاة غزاها رسول الله ﷺ بنفسه والمسلمون معه فشدد الله عليهم أمر الانهزام وحرمه عليهم يوم بدر فأما بعد ذلك اليوم فإن المسلمين بعضهم فئة بعض فيكون الفار متحيزا إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة وهذا قول الحسن وقتادة والضحاك قال يزيد بن أبي حبيب: أوجب الله النار لمن فرّ يوم بدر فلما كان يوم أحد قال الله تعالى إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ثم كان يوم حنين بعده فقال سبحانه وتعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وقال عبد الله بن عمر: كنا في جيش بعثنا رسول الله ﷺ فحاص الناس حيصة فانهزمنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون قال: لا بل أنتم الكرارون إنا فئة المسلمين. قوله فحاص الناس حيصة، يعني جال الناس جولة يطلبون الفرار من العدو. والمحيص: الهرب. وقال محمد بن سيرين: لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر بن الخطاب، فقال: لو انحاز إليّ كنت له فئة أنا فئة كل مسلم.
وقال بعضهم: حكم الآية عام في حق كل من ظهره منهزما بدليل قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وهذا خطاب عام فيتناول جميع الصور وإن كانت الآية نزلت في غزاة بدر لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وجاء في الحديث «من الكبائر الفرار من الزحف» وقال عطاء بن أبي رباح: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ فليس لقوم أن يفروا من مثلهم فنسخت بذلك إلا في هذه العدة وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا منهم ويولوهم ظهورهم وإن كان العدو أكثر من المثلين جاز لهم أن يفروا منهم قال ابن عباس من فرّ من ثلاثة لم يفر ومن فرّ من اثنين فقد فرّ قوله تعالى:
[سورة الأنفال (٨): آية ١٧]
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ قال مجاهد: سبب نزول هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن قتال أهل بدر كان الرجل يقول: أنا قتلت فلانا، ويقول الآخر: أنا قتلت فلانا فنزلت هذه الآية والمعنى فلم تقتلوهم بقوتكم ولكن الله قتلهم يعني بنصره إياكم وتقويتكم عليهم وقيل: معناه ولكن الله قتلهم بإمداده إياكم بالملائكة.
قال الزمخشري: الفاء في قوله فلم تقتلوهم جواب شرط محذوف تقديره وإن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم ولكن الله قتلهم وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى قال أهل التفسير والمغازي لما ندب رسول الله ﷺ أصحابه، انطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم أسلم غلام أسود لبني الحجاج وأبو يسار غلام لبني العاص بن سعد فأخذوهما وأتوا بهما إلى رسول الله ﷺ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين قريش؟ قالا:
هم وراء الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم؟ قالا: كثير. قال:
ما عددهم؟ قالا: لا ندري. قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يوما عشرة ويوما تسعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة إلى ألف. ثم قال لهما: من فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام والحارث بن عامر وطعمة بن عدي والنضر بن الحارث وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو فقال رسول الله ﷺ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله ﷺ تصوب من العقنقل، وهو الكثيب الرمل جاء إلى الوادي. فقال:
«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني» فأتاه جبريل
عليه السلام وقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول رسول الله ﷺ كفا من الحصباء عليه تراب فرمى به وجوه القوم وقال: «شاهت الوجوه» يعني قبحت الوجوه فلم يبق مشرك إلا ودخل في عينه وفمه ومنخريه من ذلك التراب شيء فانهزموا وتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وقال قتادة وابن زيد: ذكر لنا أن رسول الله ﷺ أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وبحصاة في ميسرة القوم وبحصاة بين أظهرهم وقال: «شاهت الوجوه» فانهزموا فذلك قوله عز وجل: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصى في وجوه جيش فلا تبقى عين إلا وقد دخل فيها من ذلك شيء فصورة الرمي صدرت من رسول الله ﷺ وتأثيرها صدر من الله عز وجل فلهذا المعنى صح النفي والإثبات، وقيل. في معنى الآية: وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ رميك، وقيل: ما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بحصياتك ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً يعني ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب فقد أجمع المفسرون على أن البلاء هنا بمعنى النعمة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يعني لدعائكم عَلِيمٌ يعني بأحوالكم.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ١٨ الى ١٩]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
وقوله تعالى: ذلِكُمْ يعني الذين ذكرت من أمر القتل والرمي والبلاء الحسن من الظفر بهم والنصر عليهم فعلنا ذلك الذي فعلنا وَأَنَّ اللَّهَ يعني واعملوا أن الله مع ذلك مُوهِنُ أي مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ يعني مكرهم وكيدهم قوله عز وجل: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ هذا خطاب مع المشركين الذين قاتلوا رسول الله ﷺ يوم بدر وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر، لما التقى الجمعان: اللهم أينا كان أفخر يعني نفسه ومحمدا ﷺ قاطعا للرحم فأحنه اليوم. وقيل: إنه قال: اللهم أينا كان خيرا عندك فانصره. وقيل: قال: اللهم انصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان أفخر وأقطع لرحمه فأحنه اليوم فأنزل الله عز وجل إن تستفتحوا ومعنى الآية إن تستحكموا الله على أقطع الفريقين للحرم وأظلم الفئتين فينصر المظلوم على الظالم والمحق على المبطل والمقطوع على القاطع (ق).
عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لواقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال أي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي. قال: أخبرت أنه يسب رسول الله ﷺ فو الذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله ﷺ فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته.
فقال: هل مسحتما سيفكما؟ فقالا: لا فنظر رسول الله ﷺ إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله ﷺ بسلبه لهما والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء (ق).
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل وفي كتاب البخاري أنت أبو جهل هكذا قاله أنس فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وفي رواية فقال أبو جهل فلو غير أكار قتلني» عن عبد الله بن مسعود قال: مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال:
301
ولا أهابه عند ذلك فقال أعمد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد أخرجه أبو داود وأخرجه البخاري مختصرا. قال: إنه أتى أبا جهل يوم بدر وبه رمق فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه. وقال عكرمة: قال المشركون والله ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله عز وجل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقال السدي والكلبي:
كان المشركون لما خرجوا إلى النبي ﷺ من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح. يعني: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وهو على ما سألوه فكان النصر لأهدى الفئتين وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: لما فرغ رسول الله ﷺ من غزوة بدر أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى فقال: اللهم لا يعجزك، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثم تمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عفير معاذ بن عفراء فضربه حتى أتبته وتركه وبه رمق فمر به عبد الله بن مسعود قال عبد الله وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه فقلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قلت لله ولرسوله. روي عن ابن مسعود أنه قال:
قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به إلى رسول الله ﷺ قلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل فقال: آلله الذي لا إله غيره فقلت نعم والذي لا إله غيره ثم ألقيته بين يدي رسول الله ﷺ فحمد الله. وقال أبي بن كعب: هذا خطاب لأصحاب رسول الله ﷺ قال الله عز وجل للمسلمين إن تستفتحوا أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح أي النصر (خ) عن خباب بن الأرت قال: «شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» قلت: استدل البغوي بهذا الحديث على ما فسر به أبي بن كعب الآية وفيه نظر، لأن هذه الواقعة المذكورة في الحديث كانت بمكة والآية مدنية، فلا تعلق للحديث بتفسير الآية والله أعلم ولكن النبي ﷺ لما دعا الله ببدر وسأله إنجاز ما وعده من إحدى الطائفتين وألح في الدعاء والمسألة حتى سقط رداؤه وقال الله سبحانه وتعالى مجيبا له إن تستفتحوا يعني تطلبوا النصر وإنجاز ما وعدكم الله به فقد جاءكم الفتح يعني فقد حصل لكم ما طلبتم فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من إجابة دعائكم وإنجاز ما وعدكم به وهذا القول أولى لأن قوله فقد جاءكم الفتح لا يليق إلا بالمؤمنين.
هذا إذا فسرنا الفتح بالنصر والظفر على الأعداء.
أما إذا فسرناه بالقضاء والحكم لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فهو خطاب للكفار يعني وإن تنتهوا عن قتال محمد ﷺ وعن تكذيبه فهو خير لكم في الدين والدنيا أما في الدين بأن تؤمنوا به وتكفوا عنه فيجعل لكم بذلك الفوز بالثواب والخلاص من العقاب.
وأما في الدنيا فهو الخلاص من القتل والأسر وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ يعني وإن تعودوا لقتال محمد ﷺ نعد بتسليطه عليكم ونصره عليكم وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ يعني جماعتكم شَيْئاً يعني لا تغني عنكم شيئا وَلَوْ
302
قوله عز وجل :﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ هذا خطاب مع المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر، لما التقى الجمعان : اللهم أينا كان أفخر يعني نفسه ومحمداً صلى الله عليه وسلم قاطعاً للرحم فأحنه اليوم. وقيل : إنه قال : اللهم أينا كان خيراً عندك فانصره. وقيل : قال : اللهم انصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان أفخر وأقطع لرحمه فأحنه اليوم فأنزل الله عز وجل إن تستفتحوا ومعنى الآية إن تستحكموا الله على أقطع الفريقين للحرم وأظلم الفئتين فينصر المظلوم على الظالم والمحق على المبطل والمقطوع على القاطع ( ق ).
عن عبد الرحمن بن عوف قال : إني لواقف في الصف يوم بدر. فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال أي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي. قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجب لذلك قال : وغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت : ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته. فقال : هل مسحتما سيفكما ؟ فقالا : لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لهما والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ( ق ).
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل » فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل وفي كتاب البخاري أنت أبو جهل هكذا قاله أنس فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وفي رواية فقال أبو جهل فلو غير أكار قتلني «عن عبد الله بن مسعود قال : مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال : ولا أهابه عند ذلك فقال أعمد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئاً حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد أخرجه أبو داود وأخرجه البخاري مختصراً. قال : إنه أتى أبا جهل يوم بدر وبه رمق فقال : هل أعمد من رجل قتلتموه. وقال عكرمة : قال المشركون والله ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله عز وجل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقال السدي والكلبي : كان المشركون لما خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح. يعني : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وهو على ما سألوه فكان النصر لأهدى الفئتين وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى فقال : اللهم لا يعجزك، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه قال : وضربني ابنة عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلده وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثم تمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عفير معاذ بن عفراء فضربه حتى أتبته وتركه وبه رمق فمر به عبد الله بن مسعود قال عبد الله وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه فقلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قلت لله ولرسوله. روي عن ابن مسعود أنه قال : قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً ثم احتززت رأسه ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل قال : آلله الذي لا إله غيره فقلت نعم والذي لا إله غيره ثم ألقيته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله. وقال أبي بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل للمسلمين إن تستفتحوا أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح أي النصر ( خ ) عن خباب بن الأرت قال :«شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون » قلت : استدل البغوي بهذا الحديث على ما فسر به أبي بن كعب الآية وفيه نظر، لأن هذه الواقعة المذكورة في الحديث كانت بمكة والآية مدنية، فلا تعلق للحديث بتفسير الآية والله أعلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الله ببدر وسأله إنجاز ما وعده من إحدى الطائفتين وألح في الدعاء والمسألة حتى سقط رداؤه وقال الله سبحانه وتعالى مجيباً له إن تستفتحوا يعني تطلبوا النصر وإنجاز ما وعدكم الله به فقد جاءكم الفتح يعني فقد حصل لكم ما طلبتم فأشركوا الله على ما أنعم به عليكم من إجابة دعائكم وإنجاز ما وعدكم به وهذا القول أولى لأن قوله فقد جاءكم الفتح لا يليق إلا بالمؤمنين.
هذا إذا فسرنا الفتح بالنصر والظفر على الأعداء.
أما إذا فسرناه بالقضاء والحكم لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإن تنتهوا فهو خير لكم ﴾ فهو خطاب للكفار يعني وإن تنتهوا عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم وعن تكذيبه فهو خير لكم في الدين والدنيا أما في الدين بأن تؤمنوا به وتكفوا عنه فيجعل لكم بذلك الفوز بالثواب والخلاص من العقاب.
وأما في الدنيا فهو الخلاص من القتل والأسر ﴿ وإن تعودوا نعد ﴾ يعني وإن تعودوا لقتال محمد صلى الله عليه وسلم نعد بتسليطه عليكم ونصره عليكم ﴿ ولن تغني عنكم فئتكم ﴾ يعني جماعتكم ﴿ شيئاً ﴾ يعني لا تغني عنكم شيئاً ﴿ ولو كثرت ﴾ يعني جماعتكم ﴿ وأن الله مع المؤمنين ﴾ يعني بالنصر لهم عليكم يا معشر الكفار.
كَثُرَتْ يعني جماعتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يعني بالنصر لهم عليكم يا معشر الكفار.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٢٠ الى ٢٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني في أمر الجهاد لأن فيه بذل المال والنفس وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ يعني عن الرسول ﷺ لأن التولي لا يصح إلا في حق الرسول ﷺ لا في حق الله تعالى والمعنى لا تعرضوا عنه وعن معونته ونصرته في الجهاد وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ يعني القرآن يتلى عليكم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا بألسنتهم سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ يعني وهم لا يتعظون ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن والمواعظ وهذه صفة المنافقين إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ يعني إن شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عند الله الصُّمُّ عن سماع الحق الْبُكْمُ عن النطق به فلا يقولونه الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه ولا يقبلونه وإنما سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم. قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد ﷺ فقتلوا جميعا يوم أحد وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ يعني سماع تفهم وانتفاع وقبول للحق ومعنى ولو علم الله. قال الإمام فخر الدين: إن كان ما كان حاصلا فيجب أن يعلمه الله فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده وتقدير الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ يعني بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بما يسمعون من المواعظ والدلائل لقوله تعالى: لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يعني لتولوا عن سماع الحق وهم معرضون عنه لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن لك فقال الله سبحانه وتعالى: ولو أحيا لهم قصيا وسمعوا كلامه لتولوا عنه وهم معرضون.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ يعني أجيبوهما بالطاعة والانقياد لأمرهما إِذا دَعاكُمْ يعني الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما وجد الضمير في قوله تعالى إذا دعاكم لأن استجابة الرسول ﷺ استجابة لله تعالى وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد واستدل أكثر الفقهاء بهذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب لأن كل من أمره الله ورسوله ﷺ بفعل فقد دعاه إليه وهذه الآية تدل على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه (خ).
عن أبي سعيد بن المعلى قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله ﷺ فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ﷺ ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم» ثم ذكر الحديث عن أبي هريرة «أن رسول الله ﷺ خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله ﷺ يا أبيّ فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبي وخفف ثم انصرف إلى رسول الله ﷺ فقال السلام عليك يا رسول الله فقال ﷺ ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال: يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال ﷺ أفلم تجد فيما أوحى الله إلي: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى» وذكر الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا ﴾ بألسنتهم ﴿ سمعنا وهم لا يسمعون ﴾ يعني وهم لا يتعظون ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن والمواعظ وهذه صفة المنافقين.
﴿ إن شر الدواب عند الله ﴾ يعني إن شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عند الله ﴿ الصم ﴾ عن سماع الحق ﴿ البكم ﴾ عن النطق به فلا يقولونه ﴿ الذين لا يعقلون ﴾ يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه ولا يقبلونه وإنما سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم. قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقتلوا جميعاً يوم أحد وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة.
﴿ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ﴾ يعني سماع تفهم وانتفاع وقبول للحق ومعنى ولو علم الله. قال الإمام فخر الدين : إن كان ما كان حاصلاً فيجب أن يعلمه الله فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده وتقديره الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ يعني بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بما يسمعون من المواعظ والدلائل لقوله تعالى :﴿ لتولوا وهم معرضون ﴾ يعني لتولوا عن سماع الحق وهم معرضون عنه لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : أحي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن لك فقال الله سبحانه وتعالى : ولو أحيا لهم قصياً وسمعوا كلامه لتولوا عنه وهم معرضون.
قوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ﴾ يعني أجيبوهما بالطاعة والانقياد لأمرهما ﴿ إذا دعاكم ﴾ يعني الرسول صلى الله عليه وسلم. وإنما وجد الضمير في قوله تعالى إذا دعاكم لأن استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم استجابة لله تعالى وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد واستدل أكثر الفقهاء بهذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب لأن كل من أمره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل فقد دعاه إليه وهذه الآية تدل على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعا الله ورسوله إليه ( خ ).
عن أبي سعيد بن المعلى قال :«كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال صلى الله عليه وسلم ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم » ثم ذكر الحديث عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبيّ فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبي وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال : يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم أفلم تجد فيما أوحى الله إلي : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى » وذكر الحديث أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قيل هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته.
وقوله تعالى :﴿ لما يحييكم ﴾ يعني إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم. قال السدي : هو الإيمان، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان. وقال قتادة : هو القرآن، لأنه حياة القلوب وفيه النجاة والعصمة في الدارين. وقال مجاهد : هو الحق وقال محمد بن إسحاق : هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل. وقيل : هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون :﴿ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ﴾ قال ابن عباس : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله. وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد. وقال السدي : يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وقد دلت البراهين العقلية على هذا القول لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي وتلك الاعتقادات والدواعي لا بد أن تتقدمها الإرادة وتلك الإرادة لا بد لها من فاعل مختار وهو الله سبحانه وتعالى فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله تعالى ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك » عن أنس بن مالك قال :«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله قد أمنّ بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال : نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء » أخرجه الترمذي وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فيجب على المرء المسلم أن يمره على ما جاء مع الاعتقاد الحازم بتنزيه الله تعالى عن الجارحة والجسم. وقيل في معنى الآية : إن الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه حتى لا يدري ما يصنع ولا يعقل شيئاً. وقيل : إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمناً والجبن جراءة.
وقوله تعالى :﴿ وأنه إليه تحشرون ﴾ يعني في الآخرة فيجزي كل عامل بعمله فيثيب المحسن ويعاقب العاصي.
قيل هذه الإجابة مختصة بالنبي ﷺ فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته.
وقوله تعالى: لِما يُحْيِيكُمْ يعني إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم. قال السدي: هو الإيمان، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان. وقال قتادة: هو القرآن، لأنه حياة القلوب وفيه النجاة والعصمة في الدارين. وقال مجاهد:
هو الحق وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل. وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله. وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد. وقال السدي:
يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وقد دلت البراهين العقلية على هذا القول لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي وتلك الاعتقادات والدواعي لا بد أن تتقدمها الإرادة وتلك الإرادة لا بد لها من فاعل مختار وهو الله سبحانه وتعالى فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو الله تعالى (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن قلوب بين آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول الله ﷺ اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك» عن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله قد آمنّا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء». أخرجه الترمذي وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فيجب على المرء المسلم أن يمره على ما جاء مع الاعتقاد الحازم بتنزيه الله تعالى عن الجارحة والجسم. وقيل في معنى الآية: إن الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه حتى لا يدري ما يصنع ولا يعقل شيئا. وقيل: إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جراءة.
وقوله تعالى: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يعني في الآخرة فيجزي كل عامل بعمله فيثيب المحسن ويعاقب العاصي. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الأنفال (٨): آية ٢٥]
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لما أخبر الله عز وجل أنه يحول بين المرء وقلبه حذر من وقوع المرء في الفتن والمعنى واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالم خاصة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار وقيل: تقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم جميعا الظالم وغير الظالم.
قال الحسن: نزلت هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير. قال الزبير: لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها يعني ما كان منهم في يوم الجمل. وقال السدي ومجاهد والضحاك وقتادة:
هذا في قوم مخصوصين من أصحاب محمد ﷺ أصابتهم الفتنة يوم الجمل. وقال ابن عباس: أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب فيصيب الظالم وغير الظالم روى البغوي بسنده عن عدي بن عدي الكندي قال حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة» والذي ذكره ابن الأثير في جامع الأصول عن عدي بن عميرة الكندي أن النبي ﷺ قال: «إذا
عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» أخرجه أبو داود عن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا» أخرجه أبو داود. وقال ابن زيد: أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذبه» فإن قلت ظاهر قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يشمل الظالم وغير الظالم كما تقدم تفسيره فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصل الفتنة إلى من يذنب.
قلت: إنه تعالى مالك الملك وخالق الخلق وهم عبيده وفي ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فيحسن ذلك منه على سبيل المالكية أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع المصلحة والله أعلم بمراده.
وقوله سبحانه وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فيه تحذير ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره الله منها.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)
وقوله عز وجل: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ لما أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بطاعة الله وطاعة رسوله وحذرهم من الفتنة ذكرهم نعمته عليهم. فقال تعالى: واذكروا يا معشر المؤمنين المهاجرين إذ أنتم قليل يعني في العدد مستضعفون في الأرض يعني في أرض مكة في ابتداء الإسلام تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ يعني كفار مكة قال عكرمة كفار العرب وقال وهب ابن منبه يعني فارس والروم فَآواكُمْ يعني إلى المدينة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يعني وقواكم بالأنصار. وقال الكلبي: وقواكم يوم بدر بالملائكة وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني الغنائم أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يعني تشكرون الله على نعمه عليكم قوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ قال الزهري والكلبي: نزلت هذه الآية في أبي لبابة هارون بن عبد المنذر الأنصاري من بني عوف بن مالك وذلك أن رسول الله ﷺ حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله ﷺ الصلح على ما صالح عليه إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام فأبى رسول الله ﷺ أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعيد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لأن ماله وولده وعياله كان عندهم فبعثه رسول الله ﷺ فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه يعني إنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله ﷺ وشدّ نفسه على سارية من سواري المسجد. وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله عليّ فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره، قال: أما لو جاءني لاستغفرت له أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يحلني فجاء فحله بيده ثم قال أبو لبابة إن تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من
قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ﴾ قال الزهري والكلبي : نزلت هذه الآية في أبي لبابة هارون بن عبد المنذر الأنصاري من بني عوف بن مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعيد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحاً لهم لأن ماله وولده وعياله كان عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه يعني إنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدّ نفسه على سارية من سواري المسجد. وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، قال : أما لو جاءني لاستغفرت له أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خرَّ مغشياً عليه ثم تاب الله عليه فقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاء فحله بيده ثم قال أبو لبابة إن تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يجزيك الثلث أن تصدق به » فنزل فيه ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ﴾. وقال السدي : كانوا يسمعون السر من النبي صلى الله عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت هذه الآية وقال جابر بن عبد الله : إن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن أبا سفيان في مضوع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله عز وجل لا تخونوا الله والرسول ﴿ وتخونوا أماناتكم ﴾ ومعنى الآية لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم ﴿ وأنتم تعلمون ﴾ يعني أنها أمانة وقيل : معناه وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة وأصل الخيانة من الخون وهو النقص لأن من خان شيئاً فقد نقصه والخيانة ضد الأمانة، وقيل في معنى الآية : لا تخونوا الله والرسول فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم. وقال ابن عباس : معناه لا تخونوا الله بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله تعالى والأعمال التي ائتمن عليها العباد وقال قتادة : اعلموا أن دين الله أمانة فأدوا إلى الله ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ومنه الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب.
مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تصدق به فنزل فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
وقال السدي: كانوا يسمعون السر من النبي ﷺ فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت هذه الآية وقال جابر بن عبد الله: إن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي ﷺ فقال لي إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فقال النبي ﷺ لأصحابه إن أبا سفيان في مضوع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله عز وجل لا تخونوا الله والرسول وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ومعنى الآية لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنها أمانة وقيل: معناه وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة وأصل الخيانة من الخون وهو النقص لأن من خان شيئا فقد نقصه والخيانة ضد الأمانة، وقيل في معنى الآية: لا تخونوا الله والرسول فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم. وقال ابن عباس: معناه لا تخونوا الله بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله تعالى والأعمال التي ائتمن عليها العباد وقال قتادة: اعلموا أن دين الله أمانة فأدوا إلى الله ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ومنه الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٢٨ الى ٣٠]
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
وقوله عز وجل وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
. قيل: هذا مما نزل في أبي لبابة وذلك لأن أمواله وأولاده كانت في بني قريظة فلذلك قال ما قال خوفا عليهم. وقيل: إنه عام في جميع الناس وذلك أنه لما كان الإقدام على الخيانة في الأمانة هو حب المال والولد نبّه الله سبحانه وتعالى بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فتنة على أنه يجب على العاقل أن يحذر من المضار المتولدة من حب المال والولد، لأن ذلك يشغل القلب ويصيره محجوبا عن خدمة المولى وهذا من أعظم الفتن وروى البغوي بسنده عن عائشة أن النبي ﷺ «أتى بصبي فقبله وقال أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان الله» أخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز قال زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قال: «خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله» قال الترمذي: لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا عن خولة. قوله، لمن ريحان الله: أي لمن رزق الله والريحان في اللغة الرزق.
وقوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
يعني لمن أدى الأمانة ولم يخن وفيه تنبيه على أن سعادة الآخرة وهو ثواب الله أفضل من سعادة الدنيا وهو المال والولد.
وقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يعني بطاعته وترك معاصيه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني يجعل لكم نورا وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل والفرقان أصله الفرق بين الشيئين لكنه أبلغ من أصله لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة. قال مجاهد: يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: مخرجا في الدين من الشبهات وقال عكرمة: نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال محمد بن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم وقيل يفرق بينكم وبين
306
الكفار بأن يظهر دينكم ويعليه ويبطل الكفر ويوهنه وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ويمح عنكم ما سلف من ذنوبكم وَيَغْفِرْ لَكُمْ يعني ويستر عليكم بأن لا يفضحكم في الدنيا ولا في الآخرة وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ لأنه هو الذين يفعل ذلك بكم فله الفضل العظيم وعلى غيركم من خلقه ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفي به قيل إنه يتفضل على الطائعين بقبول الطاعات ويتفضل على العاصين بغفران السيئات وقيل: معناه أن بيده الفضل العظيم فلا يطلب من عند غيره.
قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لما ذكر الله المؤمنين نعمه عليهم بقوله تعالى:
واذكروا إذ أنتم قليل ذكر نبيه ﷺ نعمه عليه فيما جرى عليه بمكة من قومه لأن هذه السورة مدنية وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة والمعنى واذكر يا محمد إذ يمكر بك الذين كفروا وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير قالوا جميعا إن قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله ﷺ ويظهر فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله ﷺ وكان رؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأبو سفيان وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ، فلما رأوه قالوا له:
من أنت؟ قال: أنا شيخ من نجد سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا. فقالوا:
ادخل. فدخل، فقال أبو البختري: أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت مقيدا وتشدوا وثاقه وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون منها طعامه وشرابه وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فصرخ عدو الله إبليس وهو الشيخ النجدي وقال: بئس الرأي رأيتم لئن حبستموه ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم فقالوا صدق الشيخ النجدي. فقام هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، فقال: أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه. فقال إبليس اللعين: ما هذا لكم برأي تعتمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاقة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه والله لئن فعلتم ذلك يذهب ويستميل قلوب قوم آخرين ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم فقالوا: صدق الشيخ النجدي. فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسطا فتيا ثم نعطي كل فتى سيفا صارما ثم يضربوه جميعا ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها وأنهم إذا أرادوا ذلك. قالوا: العقل فتؤدي قريش ديته فقال إبليس اللعين: صدق هذا الفتى هو أجودكم رأيا، والقول ما قال لا أرى غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجتمعون عليه فأتى جبريل عليه السلام النبي ﷺ فأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأذن الله عز وجل له عند ذلك بالخروج إلى المدينة «فأمر رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب أن يبيت في مضجعه وقال له: اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه» ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ قبضة من تراب وأخذ الله عز وجل أبصارهم عنه فخرج وجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الى قوله، فهم لا يبصرون. ومضى إلى الغار من ثور وهو أبو بكر وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته. قالوا: وبات المشركون يحرسون عليا وهو على فراش رسول الله ﷺ يحسبون أنه النبي ﷺ فلما أصبحوا، ساروا إليه ليقتلوه فرأوه عليا فقالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فاقتفوا أثره وأرسلوا في طلبه، فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخله لم يكن لنسج العنكبوت على بابه أثر فمكث في الغار ثلاثا ثم خرج إلى المدينة فذلك قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وأصل المكر احتيال
307
وقوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله ﴾ يعني بطاعته وترك معاصيه ﴿ يجعل لكم فرقاناً ﴾ يعني يجعل لكم نوراً وتوفيقاً في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل والفرقان أصله الفرق بين الشيئين لكنه أبلغ من أصله لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة. قال مجاهد : يجعل لكم مخرجاً في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل : مخرجاً في الدين من الشبهات وقال عكرمة : نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال محمد بن إسحاق : فصلاً بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم وقيل يفرق بينكم وبين الكفار بأن يظهر دينكم ويعليه ويبطل الكفر ويوهنه ﴿ ويكفر عنكم سيئاتكم ﴾ يعني ويمح عنكم ما سلف من ذنوبكم ﴿ ويغفر لكم ﴾ يعني ويستر عليكم بأن لا يفضحكم في الدنيا ولا في الآخرة ﴿ والله ذو الفضل العظيم ﴾ لأنه هو الذي يفعل ذلك بكم فله الفضل العظيم وعلى غيركم من خلقه ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به قيل إنه يتفضل على الطائعين بقبول الطاعات ويتفضل على العاصين بغفران السيئات وقيل : معناه أن بيده الفضل العظيم فلا يطلب من عند غيره.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ لما ذكر الله المؤمنين نعمه عليهم بقوله تعالى : واذكروا إذ أنتم قليل ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه فيما جرى عليه بمكة من قومه لأن هذه السورة مدنية وهذه الواقعة كانت بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة والمعنى واذكر يا محمد إذ يمكر بك الذين كفروا وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير قالوا جميعاً إن قريشاً فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة ليتشاورا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأبو سفيان وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ، فلما رأوه قالوا له : من أنت ؟ قال : أنا شيخ من نجد سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً. فقالوا : ادخل. فدخل، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمداً وتحبسوه في بيت مقيداً وتشدوا وثاقه وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون منها طعامه وشرابه وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء فصرخ عدو الله إبليس وهو الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم لئن حبستموه ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم فقالوا صدق الشيخ النجدي. فقام هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، فقال : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه. فقال إبليس اللعين : ما هذا لكم برأي تعتمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاقة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه والله لئن فعلتم ذلك يذهب ويستميل قلوب قوم آخرين ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم فقالوا : صدق الشيخ النجدي. فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً نسيباً وسطاً فتياً ثم نعطي كل فتى سيفاً صارماً ثم يضربوه جميعاً ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها وأنهم إذا أرادوا ذلك. قالوا : العقل فتؤدي قريش ديته فقال إبليس اللعين : صدق هذا الفتى هو أجودكم رأياً. والقول ما قال لا أرى غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجتمعون عليه فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأذن الله عز وجل له عند ذلك بالخروج إلى المدينة «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يبيت في مضجعه وقال له : اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليكم منهم أمر تكرهه » ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ قبضه من تراب وأخذ الله عز وجل أبصارهم عنه فخرج وجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ :﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ﴾ إلى قوله، فهم لا يبصرون. ومضى إلى الغار من ثور وهو أبو بكر وخلف علياً بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته. قالوا : وبات المشركون يحرسون علياً وهو على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا، ساروا إليه ليقتلوه فرأوه علياً فقالوا له : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري. فاقتفوا أثره وأرسلوا في طلبه، فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخله لم يكن لنسج العنكبوت على بابه أثر فمكث في الغار ثلاثاً ثم خرج إلى المدينة فذلك قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ وأصل المكر احتيال في خفية ﴿ ليثبتوك ﴾ أي ليحبسوك ويوثقوك لأن كل من شد شيئاً وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة ﴿ أو يقتلوك ﴾ يعني كما أشار عليهم أبو جهل ﴿ أو يخرجوك ﴾ يعني من مكة ﴿ ويمكرون ﴾ يعني ويحتالون ويدبرون في أمرك ﴿ ويمكر الله ﴾ يعني ويجازيهم الله جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكر، لأنه في مقابلته. وقيل : معناه ويعاملهم الله معاملة مكرهم. والمكر : هو التدبير وهو من الله تعالى التدبير بالحق. والمعنى : أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى الله عيه وسلم والله سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وتدبيرهم وظهر فعل الله وتدبيره ﴿ والله خير الماكرين ﴾ فإن قلت كيف قال الله سبحانه وتعالى والله خير الماكرين ولا خير في مكرهم.
قلت : يحتمل أن يكون المراد والله أقوى الماكرين فوضع خبر موضع أقوى وفيه تنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل الله. وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم فقال سبحانه وتعالى في مقابلته : والله خير الماكرين. وقيل : ليس المراد التفضيل بل إن فعل الله خير مطلقاً.
في خفية لِيُثْبِتُوكَ أي ليحبسوك ويوثقوك لأن كل من شد شيئا وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة أَوْ يَقْتُلُوكَ يعني كما أشار عليهم أبو جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ يعني من مكة وَيَمْكُرُونَ يعني ويحتالون ويدبرون في أمرك وَيَمْكُرُ اللَّهُ يعني ويجازيهم الله جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكر، لأنه في مقابلته. وقيل: معناه ويعاملهم الله معاملة مكرهم. والمكر: هو التدبير وهو من الله تعالى التدبير بالحق. والمعنى: أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد ﷺ والله سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وتدبيرهم وظهر فعل الله وتدبيره وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فإن قلت كيف قال الله سبحانه وتعالى والله خير الماكرين ولا خير في مكرهم.
قلت: يحتمل أن يكون المراد والله أقوى الماكرين فوضع خبر موضع أقوى وفيه تنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل الله. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم فقال سبحانه وتعالى في مقابلته: والله خير الماكرين. وقيل: ليس المراد التفضيل بل إن فعل الله خير مطلقا.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣١ الى ٣٣]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
قوله عز وجل: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار وذلك أنه كان يختلف إلى أرض فارس والحيرة ويسمع أخبارهم عن رستم وإسفنديار وأحاديث العجم وكان يمر بالعباد من اليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ويبكون فلما جاء مكة وجد النبي ﷺ قد أوحي إليه وهو يقرأ ويصلي. فقال النضر بن الحارث: قد سمعنا يعني مثل هذا الذي جاء به محمد لو نشاء لقلنا مثل هذا فذمهم الله بدفعهم الحق الذي لا شبهة فيه بادعائهم الباطل بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا بعد التحدي وأبان عجزهم عن ذلك ولو قدروا ما تخلفوا عنه وهم أهل الفصاحة وفرسان البلاغة فبان بذلك كذبهم في قولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني أخبار الماضين.
قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ نزلت في النضر بن الحرث أيضا.
قال ابن عباس: لما قص رسول الله ﷺ شأن القرون الماضية، قال النضر بن الحرث: لو شئت لقلت مثل هذا فقال له عثمان بن مظعون: اتق الله فإن محمدا ﷺ يقول الحق قال وأنا أقول الحق. قال: فإن محمدا ﷺ يقول لا إله إلا الله. قال: وأنا أقول لا إله إلا الله. ولكن هذه بنات الله، يعني الأصنام، ثم قال: اللهم إن كان هذا هو الحق يعني القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: يعني إن كان الذي يقول محمد ﷺ من أمر التوحيد وادعاء النبوة وغير ذلك هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء يعني كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم: يعني مثل ما عذبت به الأمم الماضية، في النضر بن الحرث نزل سأل سائل بعذاب واقع. قال عطاء: لقد نزل في النضر بن الحرث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قال سعيد بن جبير: قتل رسول الله ﷺ يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وروى أنس بن مالك أن الذي قال ذلك أبو جهل (ق) عن أنس قال: قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية
قوله سبحانه وتعالى :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ نزلت في النضر بن الحرث أيضاً.
قال ابن عباس : لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية، قال النضر بن الحرث : لو شئت لقلت مثل هذا فقال له عثمان بن مظعون : اتق الله فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول الحق قال وأنا أقول الحق. قال : فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول لا إله إلا الله. قال : وأنا أقول لا إله إلا الله. ولكن هذه بنات الله، يعني الأصنام، ثم قال : اللهم إن كان هذا هو الحق يعني القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : يعني إن كان الذي يقول محمد صلى الله عليه وسلم من أمر التوحيد وادعاء النبوة وغير ذلك هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء يعني كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم : يعني مثل ما عذبت به الأمم الماضية، في النضر بن الحرث نزل سأل سائل بعذاب واقع. قال عطاء : لقد نزل في النضر بن الحرث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قال سعيد بن جبير : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وروى أنس بن مالك أن الذي قال ذلك أبو جهل ( ق ).
عن أنس قال : قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية فلما أخرجوه نزلت وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدونهم عن المسجد الحرام.
قوله عز وجل :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق : هذه الآية متصلة بما قبلها وهي حكاية عن المشركين وذلك أنهم قالوا إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمة ونبيها معها فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكره جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ ثم قال تعالى رداً عليهم : وما لهم ألا يعذبهم الله وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون وهم يصدون عن المسجد الحرام. وقال آخرون : هذا كلام مستأنف يقول الله عز وجل إخباراً عن نفسه تعالى وتقدس وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، واختلفوا في معناه فقال الضحاك وجماعة : تأويلها : وما كان الله ليعذبهم وأنت يا محمد مقيم فيهم بين أظهرهم. قالوا : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة ثم لما خرج منها بقي بقية من المسلمين يستغفرون، فأنزل الله عز وجل وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ثم لما خرج أولئك المسلمون من بين أظهر الكافرين أذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم. وقال ابن عباس : لم يعذب الله قرية حتى يخرج نبيها منها والذين آمنوا معه ويلحق بحيث أمر فقال الله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله لهم ومالهم ألا يعذبهم الله، وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد فراغهم من الطواف غفرانك غفرانك. وقال زيد بن رومان : قالت قريش اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فقال الله تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. وقال قتادة والسدي : معناه وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي لو استغفروا ولكنهم لم يكونوا مستغفرين ولو أقروا بالذنب واستغفروا الله لكانوا مؤمنين. وقيل : هذا دعاء لهم إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة، كالرجل يقول لعبده لا أعاقبك. وأنت تطيعني أي أطعني حتى لا أعاقبك وقال مجاهد وعكرمة : وهم يستغفرون أي يسلمون. يعني : لو أسلموا لما عذبوا. وقال ابن عباس : وفيهم من سبق له من الله العناية أنه يؤمن ويستغفر مثل أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وغيرهم. وقال مجاهد : وهم يستغفرون، أي وفي أصلابهم من يستغفر وقيل في معنى الآية : إن الكفار لما بالغوا وقالوا إن كان محمد محقاً في قوله فأمطر علينا حجارة من السماء أخبر الله سبحانه وتعالى أن محمداً محق في قوله وأنه مع ذلك لا يمطر على أعدائه ومنكري نبوته حجارة من السماء ما دام بين أظهرهم وذلك تعظيماً له صلى الله عليه وسلم وأورد على هذا أنه إذا كانت إقامته مانعة من نزول العذاب بهم فكيف قال في غير هذه الآية قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فالجواب أن المراد من العذاب الأول هو عذاب الاستئصال والمراد من العذاب الثاني وهو قوله سبحانه وتعالى يعذبهم الله بأيديكم هو عذاب القتل والسبي والأسر وذلك دون عذاب الاستئصال.
قال أهل المعاني : دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان سلامة من العذاب عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله أنزل عليّ أمانين لأمتي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة » أخرجه الترمذي.
فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية فلما أخرجوه نزلت وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدونهم عن المسجد الحرام.
قوله عز وجل: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق:
هذه الآية متصلة بما قبلها وهي حكاية عن المشركين وذلك أنهم قالوا إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمة ونبيها معها فقال الله عز وجل لنبيه ﷺ يذكره جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ثم قال تعالى ردا عليهم: وما لهم ألا يعذبهم الله وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون وهم يصدون عن المسجد الحرام. وقال آخرون: هذا كلام مستأنف يقول الله عز وجل إخبارا عن نفسه تعالى وتقدس وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، واختلفوا في معناه فقال الضحاك وجماعة: تأويلها: وما كان الله ليعذبهم وأنت يا محمد مقيم فيهم بين أظهرهم. قالوا: نزلت هذه الآية على النبي ﷺ وهو مقيم بمكة ثم لما خرج منها بقي بقية من المسلمين يستغفرون، فأنزل الله عز وجل وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ثم لما خرج أولئك المسلمون من بين أظهر الكافرين أذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم. وقال ابن عباس: لم يعذب الله قرية حتى يخرج نبيها منها والذين آمنوا معه ويلحق بحيث أمر فقال الله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله لهم ومالهم ألا يعذبهم الله، وقال بعضهم: هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد فراغهم من الطواف غفرانك غفرانك. وقال زيد بن رومان: قالت قريش اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا غفرانك اللهم فقال الله تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. وقال قتادة والسدي: معناه وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي لو استغفروا ولكنهم لم يكونوا مستغفرين ولو أقروا بالذنب واستغفروا الله لكانوا مؤمنين. وقيل: هذا دعاء لهم إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة، كالرجل يقول لعبده لا أعاقبك. وأنت تطيعني أي أطعني حتى لا أعاقبك وقال مجاهد وعكرمة: وهم يستغفرون أي يسلمون. يعني: لو أسلموا لما عذبوا. وقال ابن عباس: وفيهم من سبق له من الله العناية أنه يؤمن ويستغفر مثل أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وغيرهم. وقال مجاهد: وهم يستغفرون، أي وفي أصلابهم من يستغفر وقيل في معنى الآية: إن الكفار لما بالغوا وقالوا إن كان محمد محقا في قوله فأمطر علينا حجارة من السماء أخبر الله سبحانه وتعالى أن محمدا محق في قوله وأنه مع ذلك لا يمطر على أعدائه ومنكري نبوته حجارة من السماء ما دام بين أظهرهم وذلك تعظيما له ﷺ وأورد على هذا أنه إذا كانت إقامته مانعة من نزول العذاب بهم فكيف قال في غير هذه الآية قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فالجواب أن المراد من العذاب الأول هو عذاب الاستئصال والمراد من العذاب الثاني وهو قوله سبحانه وتعالى يعذبهم الله بأيديكم هو عذاب القتل والسبي والأسر وذلك دون عذاب الاستئصال.
قال أهل المعاني: دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان سلامة من العذاب عن أبي موسى الأشعري قال:
قال رسول الله ﷺ «إن الله أنزل عليّ أمانين لأمتي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» أخرجه الترمذي.
[سورة الأنفال (٨): آية ٣٤]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)
وقوله سبحانه وتعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ يعني أي شيء يمنعهم من أن يعذبهم يعني بعد خروجك من بين أظهرهم، لأنه سبحانه وتعالى بيّن في الآية الأولى أنه لا يعذبهم وهو مقيم فيهم بين أظهرهم وبيّن في هذه الآية أنه معذبهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقيل: هو القتل والأسر يوم بدر. وقيل: أراد به عذاب الآخرة.
وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال وأراد بالعذاب الثاني: العذاب بالسيف. وقيل: أراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا وبهذا العذاب عذاب الآخرة.
وقال الحسن: الآية الأولى وهو قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم منسوخة بقوله وما لهم ألا يعذبهم الله وفيه بعد لأن الأخبار لا يدخلها النسخ ثم بين ما لأجله يعذبهم فقال تعالى: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالبيت وذلك حين صدوا رسول الله ﷺ وأصحابه عن البيت الحرام عام الحديبية وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ قال الحسن: كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام فرد الله عليهم بقوله وما كانوا أولياءه يعني ليسوا أولياء المسجد الحرام إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ يعني المؤمنين الذين يتقون الشرك وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني المشركين لا يَعْلَمُونَ ذلك قوله عز وجل:
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً لما ذكر الله عز وجل أن الكفار ليسوا بأولياء البيت الحرام ذكر عقبة السبب في ذلك وهو أن صلاتهم عنده كانت مكاء وتصدية. والمكاء في اللغة: الصفير. يقال: مكا الطير يمكو إذا صفر والمكاء: اسم طير أبيض يكون بالحجاز له صفير. وقيل: هو طائر يألف الريف سمي بذلك لكثرة مكائه يعني صفيره.
والتصدية: التصفيق وفي أصله واشتقاقه قولان أحدهما: أنه من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من الجبل كالمجيب للمتكلم ولا يرجع إلى شيء. الثاني: قال أبو عبيدة أصله تصددة فأبدلت الياء من الدال. قال الأزهري: والمكاء والتصدية، ليسا بصلاة، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية قال حسان بن ثابت:
صلاتهم التصدي والمكاء.
قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون. وقال مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي ﷺ في الطواف ويستهزءون به ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون. فالمكاء:
جعل الأصابع في الشدق، والتصدية: الصفير. وقال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله:
إلا مكاء وتصدية، فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا. وقال مقاتل: كان النبي ﷺ إذا دخل المسجد قام رجلان عن يمينه يصفران ورجلان عن يساره يصفقان ليخلطوا على النبي ﷺ صلاته وهم من بني عبد الدار. فعلى قول ابن عباس كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول غيره كان نوع أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول ابن عباس أصح، لأن الله سبحانه وتعالى سمى ذلك صلاة.
فإن قلت كيف سماها صلاة وليس ذلك من جنس الصلاة؟
قلت: إنهم كانوا يعتقدون ذلك المكاء والتصدية صلاة فخرج ذلك على حسب معتقدهم وفيه وجه آخر
قوله سبحانه وتعالى :﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ﴾ لما ذكر الله سبحانه وتعالى عبادة الكفار البدنية وهي المكاء والتصدية، ذكر عقبها عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة. وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلق وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، فكان يطعم كل واحد منهم الجيش في كل يوم عشر جزر وأسلم من هؤلاء : العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكيم بن حزام. وقال الحكم بن عتبة : نزلت في أبي سفيان بن حرب حين أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية كل أوقية اثنان وأربعون مثقالاً. وقال ابن أبزي : استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب. وقيل : استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة فقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل : لما أصيب من أصيب من قريش يوم بدر ورجع أبو سفيان بعيره إلى مكة مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش قد أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة. فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً. بمن أصيب منافقيهم نزلت إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله أي ليصرفوا الناس عن الإيمان بالله ورسوله وقيل ينفقون أموالهم على أمثالهم من المشركين ليتقووا بهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ﴿ فسينفقونها ﴾ يعني أموالهم في ذلك الوجه ﴿ ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ﴾ يعني ما أنفقوا من أموالهم يكون عليهم حسرة وندمة يوم القيامة لأن أموالهم تذهب ويغلبون ولا يظفرون بما يؤملون ﴿ والذين كفروا ﴾ يعني منهم لأن فيه من أسلم ولهذا قال والذين كفروا يعني من المنفقين أموالهم ﴿ إلى جهنم يحشرون ﴾ يعني يساقون إلى النار.
وهو أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له فهو كقول العرب من كان السخاء عيبه فلا عيب له وقال سعيد بن جبير: التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وعن الدين والصلاة فعلى هذا التصدية من الصد وهو المنع وقوله سبحانه وتعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني عذاب القتل والأسر في الدنيا. وقيل: يقال لهم في الآخرة فذوقوا العذاب بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ يعني بسبب كفرهم في الدنيا.
قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى عبادة الكفار البدنية وهي المكاء والتصدية، ذكر عقبها عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة. وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش، فكان يطعم كل واحد منهم الجيش في كل يوم عشر جزر وأسلم من هؤلاء: العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ وحكيم بن حزام. وقال الحكم بن عتبة: نزلت في أبي سفيان بن حرب حين أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية كل أوقية اثنان وأربعون مثقالا. وقال ابن أبزي: استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسول الله ﷺ سوى من استجاش من العرب. وقيل: استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة فقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: لما أصيب من أصيب من قريش يوم بدر ورجع أبو سفيان بعيره إلى مكة مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش قد أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة. فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا. بمن أصيب منافقيهم نزلت إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله أي ليصرفوا الناس عن الإيمان بالله ورسوله وقيل ينفقون أموالهم على أمثالهم من المشركين ليتقووا بهم على قتال رسول الله ﷺ والمؤمنين فَسَيُنْفِقُونَها يعني أموالهم في ذلك الوجه ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ يعني ما أنفقوا من أموالهم يكون عليهم حسرة وندمة يوم القيامة لأن أموالهم تذهب ويغلبون ولا يظفرون بما يؤملون وَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني منهم لأن فيهم من أسلم ولهذا قال والذين كفروا يعني من المنفقين أموالهم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ يعني يساقون إلى النار.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣٧ الى ٤٠]
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ يعني ليفرق الله بين فريق الكفار وهم الفريق الخبيث وبين فريق المؤمنين وهم الفريق الطيب وهذا معنى قول ابن عباس فإنه قال: يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وقال: ليميز العمل الخبيث من العمل الطيب فيجازي على العمل الخبيث النار وعلى العمل الطيب الجنة وقيل: المراد به إنفاق الكفار في سبيل الشيطان وإنفاق المؤمنين في سبيل الله وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ يعني بعضه فوق بعض فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً يعني فيجمعه جميعا ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكم فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ يعني الخبيث أُولئِكَ إشارة إلى المنفقين في سبيل الشيطان أو إلى الخبيث هُمُ الْخاسِرُونَ يعني أنهم خسروا الدنيا والآخرة لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الآخرة.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ قل ﴾ يعني قل يا محمد ﴿ للذين كفروا إن ينتهوا ﴾ يعني عن الشرك ﴿ يغفر لهم ما قد سلف ﴾ يعني ما قد مضى من كفرهم وذنوبهم قبل الإسلام ﴿ وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ﴾ يعني في إهلاك أعدائه ونصر أوليائه. ومعنى الآية : إن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن الكفر ودخلوا في دين الإسلام والتزموا شرائعه غفر الله لهم ما قد سلف من كفرهم وشركهم وإن عادوا إلى الكفر وأصروا عليه فقد مضت سنة الأولين بإهلاك أعدائه ونصر أنبيائه وأوليائه وأجمع العلماء على أن الإسلام يجب ما قبله وإذا أسلم الكافر لم يلزمه شيء من قضاء العبادات البدنية والمالية. وهو ساعة إسلامه كيوم ولدته أمه يعني بذلك أنه ليس عليه ذنب. قال يحيى بن معاذ الرازي : التوحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر فأرجوا الله أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب.
﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ﴾ قال ابن عباس : حتى لا يكون بلاء ﴿ ويكون الدين كله لله ﴾ يعني تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره، وقال قتادة : حتى يقال لا إله إلا الله عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم وإليها عاد وقال محمد بن إسحاق في قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله يعني لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون التوحيد لله خالصاً ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد والشركاء ﴿ فإن انتهوا ﴾ يعني عن الشرك وإفتان المؤمنين وإيذائهم ﴿ فإن الله بما يعملون بصير ﴾ يعني فإن الله لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم حتى يوصل إليهم ثوابهم.
﴿ وإن تولوا ﴾ يعني وإن أعرضوا عن الإيمان وأصروا على الكفر وعادوا إلى قتال المؤمنين وإيذائهم ﴿ فاعلموا ﴾ يعني أيها المؤمنون ﴿ أن الله مولاكم ﴾ يعني أن الله وليكم وناصركم عليها وحافظكم ﴿ نعم المولى ونعم النصير ﴾ يعني أن الله سبحانه وتعالى هو نعم المولى فمن كان في حفظه ونصره وكفايته وكلاءته فهو له نعم المولى ونعم النصير.
قوله سبحانه وتعالى: قُلْ يعني قل يا محمد لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يعني عن الشرك يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ يعني ما قد مضى من كفرهم وذنوبهم قبل الإسلام وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ يعني في إهلاك أعدائه ونصر أوليائه. ومعنى الآية: إن هؤلاء الكفار إن انتهوا عن الكفر ودخلوا في دين الإسلام والتزموا شرائعه غفر الله لهم ما قد سلف من كفرهم وشركهم وإن عادوا إلى الكفر وأصروا عليه فقد مضت سنة الأولين بإهلاك أعدائه ونصر أنبيائه وأوليائه وأجمع العلماء على أن الإسلام يجب ما قبله وإذا أسلم الكافر لم يلزمه شيء من قضاء العبادات البدنية والمالية. وهو ساعة إسلامه كيوم ولدته أمه يعني بذلك أنه ليس عليه ذنب.
قال يحيى بن معاذ الرازي: التوحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر فأرجو الله أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال ابن عباس: حتى لا يكون بلاء وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ يعني تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره، وقال قتادة: حتى يقال لا إله إلا الله عليها قاتل نبي الله ﷺ وإليها عاد وقال محمد بن إسحاق في قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله يعني لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون التوحيد لله خالصا ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد والشركاء فَإِنِ انْتَهَوْا يعني عن الشرك وإفتان المؤمنين وإيذائهم فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعني فإن الله لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم حتى يوصل إليهم ثوابهم وَإِنْ تَوَلَّوْا يعني وإن أعرضوا عن الإيمان وأصروا على الكفر وعادوا إلى قتال المؤمنين وإيذائهم فَاعْلَمُوا يعني أيها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ يعني أن الله وليكم وناصركم عليها وحافظكم نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ يعني أن الله سبحانه وتعالى هو نعم المولى فمن كان في حفظه ونصره وكفايته وكلاءته فهو له نعم المولى ونعم النصير.
[سورة الأنفال (٨): آية ٤١]
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)
قوله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الغنم الفوز بالشيء يقال يغنم غنما فهو غانم واختلف العلماء هل الغنيمة والفيء اسمان لمسمى واحد أم يختلفان في التسمية فقال عطاء بن السائب:
الغنيمة ما ظهر المسلمون عليه من أموال المشركين فأخذوه عنوة وأما الأرض فهي فيء.
وقال سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون من مال الكفار عنوة بقتال وفيه الخمس وأربعة أخماسه لمن شهد الوقعة. والفيء: ما صولحوا عليه بغير قتال وليس فيه خمس فهو لمن سمى الله. وقيل: الغنيمة ما أخذ من أموال الكفار عنوة عن قهر وغلبة، والفيء: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب كالعشور والجزية وأموال الصلح والمهادنة. وقيل: إن الفيء والغنيمة معناهما واحد وهما اسمان لشيء واحد، والصحيح أنهما يختلفان فالفيء ما أخذ من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب والغنيمة ما أخذ من أموالهم على سبيل القهر والغلبة بإيجاف خيل عليه وركاب فذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية حكم الغنيمة فقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ يعني من أي شيء كان حتى الخيط والمخيط فإن لله خمسه وللرسول. وقد ذكر أكثر المفسرين والفقهاء أن قوله لله افتتاح كلام على سبيل التبرك وإنما أضافه لنفسه تعالى لأنه هو الحاكم فيه فيقسمه كيف شاء وليس المراد منه أن سهما منه لله منفردا لأن الدنيا والآخرة كلها لله وهذا قول الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم النخعي قالوا: سهم الله وسهم رسوله واحد والغنيمة تقسم خمسة أخماس أربعة أخماسها لمن قاتل عليها
312
وأحرزها والخمس الباقي لخمسة أصناف كما ذكر الله عز وجل للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال أبو العالية: يقسم خمس الخمس على ستة أسهم سهم لله عز وجل فيصرف إلى الكعبة القول الأول أصح أي إن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم سهم لرسول الله ﷺ كان له في حياته واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام وهذا قول الشافعي وأحمد. وروى الأعمش عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يجعلان سهم النبي ﷺ في الكراع والسلاح. وقال قتادة: هو للخليفة. وقال أبو حنيفة:
سهم النبي ﷺ بعد موته مردود في الخمس فيقسم الخمس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية وهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقوله سبحانه وتعالى: وَلِذِي الْقُرْبى يعني أن سهما من خمس الخمس لذوي القربى وهم أقارب رسول الله ﷺ واختلفوا فيهم فقال قوم هم جميع قريش وقال قوم هم الذين لا تحل لهم الصدقة وقال مجاهد وعلي بن الحسين: هم بنو هاشم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: هم بنو هاشم وبنو المطلب وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء وإن كانوا إخوة ويدل عليه ما روي عن جبير بن مطعم «قال جئت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي ﷺ فقلت يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة فقال رسول الله ﷺ إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» وفي رواية: أعطيت بني المطلب من خمس الخمس وتركتنا وفي رواية قال جبير: ولم يقسم النبي ﷺ لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا أخرجه البخاري وفي رواية أبي داود «أن جبير بن مطعم جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله ﷺ فيما يقسم من الخمس في بني هاشم وبني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» وفي رواية النسائي قال «لما كان يوم خيبر رفع رسول الله ﷺ سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي ﷺ فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال رسول الله ﷺ أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه» واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم أم لا فذهب أكثرهم إلى أنه ثابت فيعطي فقراؤهم وأغنياؤهم من خمس الخمس للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول مالك والشافعي وذهب أبو حنيفة وأصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت قالوا سهم النبي ﷺ وسهم ذوي القربى مردود في الخمس فيقسم خمس الغنيمة على ثلاثة أصناف اليتامى والمساكين وابن السبيل فيصرف إلى فقراء ذوي القربى مع هذه الأصناف دون أغنيائهم وحجة الجمهور أن الكتاب والسنة يدلان على ثبوت سهم ذوي القربى وكذا الخلفاء بعد رسول الله ﷺ كانوا يعطون ذوي القربى ولا يفضلون فقيرا على غني، لأن النبي ﷺ أعطى العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله وكذا الخلفاء بعده كانوا يعطونه وألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة غير أنهم يعطون القريب والبعيد قال ويفضل الذكر على الأنثى فيعطى الذكر سهمين والأنثى سهما.
وقوله سبحانه وتعالى: وَالْيَتامى جمع يتيم يعني ويعطى من خمس الخمس لليتامى، واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم الذي لا أب له فيعطى مع الحاجة إليه وَالْمَساكِينِ وهم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين وَابْنِ السَّبِيلِ وهو المسافر البعيد عن ماله فيعطى من خمس الخمس مع الحاجة فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماسها الباقية بين الغانمين الذين شهدوا الواقعة وحازوا الغنيمة فيعطى للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه، ويعطى الراجل سهما واحدا لما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
313
قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهما. وفي رواية نحوه بإسقاط لفظ النفل أخرجه البخاري ومسلم. وفي رواية أبي داود، أن رسول الله ﷺ أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب الثوري والأوزاعي ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان وللراجل سهم ويرضخ للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول وعند أبي حنيفة يتخير الإمام في العقار بين أن يقسمه بينهم وبين أن يجعله وقفا على المصالح وظاهر الآية يدل على أنه لا فرق بين العقار والمنقول ومن قتل من المسلمين مشركا في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة لما روي عن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» أخرجه الترمذي وأخرجه البخاري ومسلم في حديث طويل والسلب كل ما يكون على المقتول من ملبوس وسلاح والفرس الذي كان راكبه ويجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب يخصهم به من بين سائر الجيش ثم يجعلهم أسوة الجماعة في سائر الغنيمة (ق) عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى عامة الجيش.
عن حبيب بن سلمة الفهري، قال: شهدت رسول الله ﷺ نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة أخرجه أبو داود واختلف العلماء في أن النفل من أين يعطى فقال قوم من خمس الخمس من سهم رسول الله ﷺ وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال الشافعي. وهذا معنى قول النبي ﷺ فيما رواه عبادة بن الصامت قال: أخذ رسول الله ﷺ يوم خيبر وبرة من جنب بعير فقال: يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم أخرجه النسائي. وقال قوم: هو من الأربعة الأخماس بعد إقرار الخمس كسهام الغزاة وهو قول أحمد وإسحاق. وذهب قوم إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل التخميس كالسلب للقاتل وأما الفيء، وهو ما أصابه المسلمون من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب بأن صالحهم على ما يؤدونه، وكذلك الجزية وما أخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة أو يموت أحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له فهذا كله فيء ومال الفيء كان خالصا لرسول الله ﷺ في مدة حياته. وقال عمر: إن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه ﷺ في هذا الفيء بشيء لم يخص به أحدا غيره ثم قرأ عمر: وما أفاء الله على رسوله منهم الآية فكانت هذه لرسول الله ﷺ خالصة وكان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ثم ما بقي يجعله مجعل مال الله في الكراع والسلاح واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله ﷺ فقال قوم هو للأئمة بعده وللإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيه قولان أحدهما أنه للمقاتلة الذين أثبتت أسماؤهم في ديوان الجهاد لأنهم هم القائمون مقام النبي ﷺ في إرهاب العدو.
والقول الثاني: إنه لمصالح المسلمين ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ثم بالأهم فالأهم من المصالح واختلف أهل العلم في تخميس الفيء فذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى أنه يخمس وخمسه لأهل الخمس من الغنيمة على خمسة أسهم وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل يصرف جميعه مصرفا واحدا ولجميع المسلمين فيه حق.
عن مالك بن أنس قال: ذكر عمر يوما الفيء فقال ما أنا أحق بهذا الفيء منكم وما أحد منا أحق به الآخر إلا أنا على منازلنا من كتاب الله وقسمة رسول الله ﷺ وقدمه والرجل وبلاؤه والرجل وعياله والرجل وحاجته أخرجه أبو داود وأخرج البغوي بسنده عنه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم وقوله سبحانه وتعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ يعني واعلموا أيها المؤمنون أن خمس الغنيمة مصروف إلى ما ذكر في هذه الآية من الأصناف فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بأربعة أخماس
314
الغنيمة إن كنتم آمنتم بالله وصدقتم بوحدانيته وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يعني وآمنتم بالمنزل على عبدنا محمد ﷺ وهذه إضافة تشريف وتعظيم للنبي ﷺ والذي أنزله على عبده محمد ﷺ يسألونك عن الأنفال الآية يَوْمَ الْفُرْقانِ يعني يوم بدر. قال ابن عباس: يوم الفرقان يوم بدر فرق الله عز وجل بين الحق والباطل يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ يعني جميع المؤمنين وجميع الكافرين وهو يوم بدر وهو أول مشهد شهده رسول الله ﷺ وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة أو لسبع عشرة من رمضان وأصحاب رسول الله ﷺ يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمائة فهزم الله المشركين وقتل منهم زيادة على سبعين وأسر منهم مثل ذلك وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني على نصركم أيها المؤمنون مع قلتكم وكثرة أعدائكم.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٤٢ الى ٤٤]
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)
قوله سبحانه وتعالى: إِذْ أَنْتُمْ أي اذكروا نعمة الله عليكم يا معشر المسلمين إذ أنتم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا يعني بشفير الوادي الأدنى من المدينة والدنيا هنا تأنيث الأدنى وَهُمْ يعني المشركين بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى يعني بشفير الوادي الأقصى من المدينة مما يلي مكة والقصوى تأنيث الأقصى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني أبا سفيان وأصحابه وهم غير قريش التي خرجوا لأجلها وكانوا في موضع أسفل من موضع المؤمنين إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر وَلَوْ تَواعَدْتُمْ يعني أنتم والمشركون لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وذلك لأن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها من المسلمين فالتقوا على غير ميعاد والمعنى ولو تواعدتم أنتم والكفار على القتال لاختلفتم أنتم وهم لقتلكم وكثرة عدوكم وَلكِنْ يعني ولكن الله جمعكم على غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا يعني من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه وأعداء دينه لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ يعني ليموت من مات عن بينة رآها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ يعني ويعيش من عاش عن بينة رآها وعبرة شاهدها وحجة قامت عليه وقال محمد بن إسحاق: معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ويؤمن من آمن على مثل ذلك لأن الهلاك هو الكفر والحياة هي الإيمان ونحوه قال قتادة ليضل من ضل على بينة ويهتدي من اهتدى على بينة وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ يعني يسمع دعاءكم ويعلم نياتكم ولا تخفى عليه خافية.
قوله عز وجل: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ يعني: واذكر يا محمد نعمة الله عليك إذ يريك المشركين فِي مَنامِكَ يعني في نومك قَلِيلًا قال مجاهد: أراهم الله في منامه قليلا فأخبر النبي ﷺ أصحابه بذلك وكان ذلك تثبيتا.
وقال محمد بن إسحاق: فكان ما أراه الله من ذلك نعمة من نعمه عليهم يشجعهم بها على عدوهم، فكف عنهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم. وقيل: لما أرى الله النبي ﷺ كفار قريش في منامه قليلا فأخبر بذلك أصحابه قالوا: رؤيا النبي ﷺ حق فصار ذلك سببا لجراءتهم على عدوهم وقوة لقلوبهم. وقال الحسن: إن هذه الإراءة كانت في اليقظة. والمراد من المنام، العين، لأنها موضع النوم وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ يعني لجبنتم والفشل ضعف مع جبن والمعنى ولو أراكهم كثيرا فذكرت ذلك لأصحابك لفشلوا وجبنوا عنهم وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ يعني اختلفتم في أمر الإقدام عليهم أو الإحجام عنهم وقيل معنى التنازع في الأمر الاختلاف الذي تكون معه مخاصمة ومجادلة ومجاذبة كل واحد إلى واحد إلى ناحية والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم
قوله عز وجل :﴿ إذ يريكهم الله ﴾ يعني : واذكر يا محمد نعمة الله عليك إذ يريك المشركين ﴿ في منامك ﴾ يعني في نومك ﴿ قليلاً ﴾ قال مجاهد : أراهم الله في منامه قليلاً فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان ذلك تثبيتاً. وقال محمد بن إسحق : فكان ما أراه الله من ذلك نعمة من نعمه عليهم يشجعهم بها على عدوهم، فكف عنهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم. وقيل : لما أرى الله النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في منامه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه قالوا : رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق فصار ذلك سبباً لجراءتهم على عدوهم وقوة لقلوبهم. وقال الحسن : إن هذه الإراءة كانت في اليقظة. والمراد من المنام، العين، لأنها موضع النوم ﴿ ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ﴾ يعني لجبنتم والفشل ضعف مع جبن والمعنى ولو أراكهم كثيراً فذكرت ذلك لأصحابك لفشلوا وجبنوا عنهم ﴿ ولتنازعتم في الأمر ﴾ يعني اختلفتم في أمر الإقدام عليهم أو الإحجام عنهم وقيل معنى التنازع في الأمر الاختلاف الذي تكون معه مخاصمة ومجادلة ومجاذبة كل واحد إلى واحد إلى ناحية والمعنى : لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم ﴿ ولكن الله سلم ﴾ يعني : ولكن الله سلمكم من التنازع والمخالفة فيما بينكم وقيل : معناه ولكن الله سلمكم من الهزيمة والفشل ﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾ يعني أنه تعالى يعلم ما يحصل في الصدور من الجراءة والجبن والصبر والجزع. وقال ابن عباس : أنه عليم بما في صدوركم من الحب لله عز وجل.
﴿ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ﴾ يعني أن الله سبحانه وتعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين يوم بدر لما التقوا في القتال ليتأكد في اليفظة ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأخبر به أصحابه قال ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال : أراهم مائة فأسرنا رجلاً منهم فقلنا كم كنتم قال : كنا ألفاً. ويقللكم في أعينهم يعني ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعين المشركين. قال السدي : قال ناس من المشركين إن العير قد انصرف فارجعوا فقال أبو جهل الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتى نستأصلهم إنما محمد وأصحابه أكلة جزور يعني لقلتهم في عينيه ثم قال : فلا تقتلوهم واربطوهم في الحبال يقوله من القدرة التي في نفسه والحكمة في تقليل المشركين في أعين المؤمنين تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ولتقوى بذلك قلوب المؤمنين وتزداد جراءتهم عليهم ولا يجبنوا عند قتالهم والحكمة في تقليل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يهربوا وإذا استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب لقتالهم فيكون ذلك سبباً لظهور المؤمنين عليهم.
فإن قلت : كيف يمكن تقليل الكثير وتكثير القليل ؟
قلت : ذلك ممكن في القدرة الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير ويكون ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم والمعجزة من خوارق العادات فلا ينكر ذلك ﴿ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ﴾ يعني أمراً كان كائناً من إعلاء كلمة الإسلام ونصر أهله وإذلال كلمة الشرك وخذلان أهله فإن قلت : قد قال في الآية المتقدمة ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وقال في هذه الآية ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فما معنى هذا التكرار ؟
قلت : المقصود من ذكره في الآية المتقدمة ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه القهر والغلبة ليكون ذلك معجزة دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقصود من ذكره في هذه الآية لأنه تعالى قلل عدد الفريقين في أعين بعضهم بعضاً للحكمة التي قضاها فلذلك قال ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾ يعني في الآخرة فيجازى كل عامل على قدر عمله فالمحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يغفر.
وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ يعني: ولكن الله سلمكم من التنازع والمخالفة فيما بينكم. وقيل: معناه ولكن الله سلمكم من الهزيمة والفشل إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعني أنه تعالى يعلم ما يحصل في الصدور من الجراءة والجبن والصبر والجزع. وقال ابن عباس: معناه أنه عليم بما في صدوركم من الحب لله عز وجل: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا يعني أن الله سبحانه وتعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين يوم بدر لما التقوا في القتال ليتأكد في اليقظة ما رآه النبي ﷺ في منامه وأخبر به أصحابه قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال: أراهم مائة فأسرنا رجلا منهم فقلنا كم كنتم قال: كنا ألفا. ويقللكم في أعينهم يعني ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعين المشركين. قال السدي: قال ناس من المشركين إن العير قد انصرف فارجعوا فقال أبو جهل الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتى نستأصلهم إنما محمد وأصحابه أكلة جزور يعني لقتلهم في عينيه ثم قال: فلا تقتلوهم واربطوهم في الحبال يقوله من القدرة التي في نفسه والحكمة في تقليل المشركين في أعين المؤمنين تصديق رؤيا النبي ﷺ ولتقوى بذلك قلوب المؤمنين وتزداد جراءتهم عليه ولا يجبنوا عند قتالهم والحكمة في تقليل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يهربوا وإذا استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب لقتالهم فيكون ذلك سببا لظهور المؤمنين عليهم.
فإن قلت: كيف يمكن تقليل الكثير وتكثير القليل؟
قلت: ذلك ممكن في القدرة الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير ويكون ذلك معجزة للنبي ﷺ والمعجزة من خوارق العادات فلا ينكر ذلك لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا يعني أمرا كان كائنا من إعلاء كلمة الإسلام ونصر أهله وإذلال كلمة الشرك وخذلان أهله فإن قلت: قد قال في الآية المتقدمة ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا وقال في هذه الآية ليقضي الله أمرا كان مفعولا فما معنى هذا التكرار؟
قلت: المقصود من ذكره في الآية المتقدمة ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه القهر والغلبة ليكون ذلك معجزة دالة على صدق رسول الله ﷺ والمقصود من ذكره في هذه الآية لأنه تعالى قلل عدد الفريقين في أعين بعضهم بعضا للحكمة التي قضاها فلذلك قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يعني في الآخرة فيجازى كل عامل على قدر عمله فالمحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يغفر.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٤٥ الى ٤٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً يعني جماعة كافرة فَاثْبُتُوا يعني لقتالهم وهو أن يوطنوا أنفسهم على لقاء العدو وقتاله ولا يحدثوها بالتولي وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً يعني كونوا ذاكرين الله عند لقاء عدوكم ذكرا كثيرا بقلوبكم وألسنتكم أمر الله عباده المؤمنين وأولياءه الصالحين بأن يذكروه في أشد الأحوال وذلك عند لقاء العدو وقتاله، وفيه تنبيه على أن الإنسان لا يجوز أن يخلو قلبه ولسانه عن ذكر الله. وقيل: المراد من هذا الذكر هو الدعاء بالنصر على العدو وذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى فأمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يسألوه النصر على العدو عند اللقاء ثم قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني: وكونوا على رجاء الفلاح والنصر والظفرة.
فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الثبات على كل حال وذلك يوهم أنها ناسخة لآية التحرف والتحيز.
قلت المراد من الثبات هو الثبات عند المحاربة والمقاتلة في الجملة وآية التحرف والتحيز لا تقدح في حصول هذا الثبات في المحاربة بل ربما كان الثبات لا يحصل إلا بذلك التحرف والتحيز ثم قال تعالى مؤكدا لذلك وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني في أمر الجهاد والثبات عند لقاء العدو وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا يعني: ولا
ثم قال تعالى مؤكداً لذلك ﴿ وأطيعوا الله ورسوله ﴾ يعني في أمر الجهاد والثبات عند لقاء العدو ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا ﴾ يعني : ولا تختلفوا فإن التنازع والاختلاف يوجب الفشل والضعف والجبن.
وقوله تعالى :﴿ وتذهب ريحكم ﴾ يعني قوتكم. وقال مجاهد : نصرتكم. قال : وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد. وقال السدي : جراءتكم وجدكم وقال مقاتل : حدتكم وقال الأخفش وأبو عبيدة : دولتكم. والريح هنا كناية في نفاذ الأمر وجريانه على المراد. تقول العرب : هبت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد وقال قتادة وابن زيد : هي ريح النصر ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى تضرب وجوه العدو، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
وعن النعمان بن مقرن قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر أخرجه أبو داود.
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ واصبروا ﴾ يعني عند لقاء عدوكم ولا تنهزموا عنهم ﴿ إن الله مع الصابرين ﴾ يعني بالنصر والمعونة ( ق ).
عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال : أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم » ( ق ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا ».
تختلفوا فإن التنازع والاختلاف يوجب الفشل والضعف والجبن.
وقوله تعالى: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يعني قوتكم. وقال مجاهد: نصرتكم. قال: وذهبت ريح أصحاب محمد ﷺ حين نازعوه يوم أحد. وقال السدي: جراءتكم وجدكم وقال مقاتل: حدتكم وقال الأخفش وأبو عبيدة: دولتكم. والريح هنا كناية في نفاذ الأمر وجريانه على المراد. تقول العرب: هبت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد وقال قتادة وابن زيد: هي ريح النصر ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى تضرب وجوه العدو، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
وعن النعمان بن مقرن قال: شهدت رسول الله ﷺ فكان إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر أخرجه أبو داود.
وقوله سبحانه وتعالى: وَاصْبِرُوا يعني عند لقاء عدوكم ولا تنهزموا عنهم إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ يعني بالنصر والمعونة (ق) عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله ﷺ في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٤٧ الى ٤٨]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)
قوله عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً يعني فخرا وأشرا. وقيل: البطر: الطغيان في النعمة وذلك أن النعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد فإن صرفها في المفاخرة على الأقران وكاثر بها أبناء الزمان وأنفقها في غير طاعة الرحمن فذلك هو البطر في النعم وإن صرفها في طاعة الله وابتغاء مرضاته فذلك شكرها، وهذا معنى قول الزجاج البطر الطغيان في النعمة وترك شكرها وَرِئاءَ النَّاسِ الرياء إظهار الجميل ليراه الناس مع إبطال القبيح والفرق بين الرياء والنفاق أن النفاق إظهار الإيمان مع إبطان الكفر والرياء إظهار الطاعة مع إبطان المعصية وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني ويمنعون الناس عن الدخول في دين الله نزلت هذه الآية في كفار قريش حين خرجوا إلى بدر ولهم فخر وبغي فقال رسول الله ﷺ اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني به.
قال ابن عباس: إن أبا سفيان لما رأى أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان في بدر موسم من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق في كل عام قال فنقيم عليها ثلاثا وننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا. زاد غيره قال: فلما وافوا بدرا سقوا كؤوس الحمام عوضا عن الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم والمعنى لا يكونن أمركم أيها المؤمنون رياء وسمعة ولا لالتماس ما عند الله ولكن أخلصوا لله عز وجل النية وقاتلوا حسبة في
317
نصر دينكم ومؤازرة نبيكم ﷺ ولا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيه وعيد وتهديد يعني أنه تعالى عالم بجميع الأشياء لا يخفى عن علمه شيء لأنه محيط بأعمال العباد كلها فيجازي المحسنين ويعاقب المسيئين قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ يعني اذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم إذ زين الشيطان يريد إبليس للمشركين أعمالهم الخبيثة وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ قال بعضهم: كان تزيينه وسوسة ألقاها في قلوبهم من غير أن يتحول في صورة غير صورته. وقال جمهور المفسرين: تصور إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان تزيينه أن قريشا لما أجمعت على المسير إلى بدر ذكرت الذي بينها وبين بكر بن الحرث من الحروب فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشرف بين كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن يأتيكم من كنانة شيء تكرهونه فخرجوا سراحا. وقال ابن عباس: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من رجال بني مدلج سراقة بن مالك بن جعشم فقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس أخذ رسول الله ﷺ قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين. وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، لعنه الله فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك جار لنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وذلك حين رأى الملائكة. وقوله: إني جار لكم، يعني مجير لكم من كنانة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ أي التقى الجمعان رأى إبليس الملائكة قد نزلوا من السماء فعلم عدو الله إبليس أنه لا طاقة له بهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ يعني رجع القهقرى وولى مدبرا هاربا على قفاه، وقال الكلبي: لما التقى الجمعان كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو آخذ بيد الحرث بن هشام فنكص عدو الله إبليس على عقبيه فقال له الحرث: أفرارا من غير قتال؟ وجعل يمسكه فدفع في صدره وانطلق فانهزم الناس فلما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة. فبلغ ذلك سراقة فقال: بلغني أنكم تقولون أني هزمت الناس فو الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. فقالوا: أما أتيتنا في يوم كذا وكذا فحلف لهم، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان شيطانا قال الحسن في قوله: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ قال: رأى إبليس جبريل عليه السلام معتجرا ببرد يمشي بين يدي النبي ﷺ وفي يده اللجام يقود الفرس ما ركب. وقال قتادة: قال إبليس إني أرى ما لا ترون وصدق وقال: إني أخاف الله وكذب ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له ولا منفعة فأوردهم وأسلمهم وتلك عادة عدو الله إبليس لمن أطاعه إذ التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم وقيل إنه خاف أن يهلك فيمن هلك وقيل خاف أن يأخذه جبريل فيعرف حاله فلا يطيعوه وقيل معناه إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه كان على ثقة من أمر ربه وقيل لما رأى الملائكة قد نزلت من السماء خاف أن تكون القيامة وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قيل معناه إني أخاف الله لأنه شديد العقاب فعلى هذا يكون من تمام قول إبليس. وقيل: تم كلامه عند قوله: إني أخاف الله. وقوله تعالى: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ابتداء كلام. يقول الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن خالف الله وكفر به. عن طلحة بن عبيد الله بن كرز أن رسول الله ﷺ قال: ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. أخرجه مالك في الموطأ. قوله: ولا أدحر هو بالدال والحاء المهملتين من الدحور، وهو الإبعاد والطرد مع الإهانة. وقوله:
يزع الملائكة، أي يكفهم ويحبسهم لئلا يتقدم بعضهم على بعض. والوازع: هو الذي يتقدم ويتأخر في الصف ليصلحه.
فإن قلت: كيف يقدر إبليس على أن يتصور بصورة البشر وإذا تشكل بصورة البشر فكيف يسمى شيطانا؟
318
قوله سبحانه تعالى :﴿ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ﴾ يعني اذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم إذا زين الشيطان يريد إبليس للمشركين أعمالهم الخبيثة ﴿ وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ﴾ قال بعضهم : كان تزيينه وسوسة ألقاها في قلوبهم من غير أن يتحول في صورة غير صورته. وقال جمهور المفسرين : تصور إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان تزيينه أن قريشاً لما أجمعت على المسير إلى بدر ذكرت الذي بينها وبين بكر بن الحرث من الحروب فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشرف بين كنانة، فقال : أنا جار لكم من أن يأتيكم من كنانة شيء تكرهونه فخرجوا سراحاً. وقال ابن عباس : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من رجال بني مدلج سراقة بن مالك بن جعشم فقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين. وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، لعنه الله فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشيعته، فقال الرجال يا سراقة أتزعم أنك جار لنا ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب وذلك حين رأى الملائكة. وقوله : إني جار لكم، يعني مجير لكم من كنانة ﴿ فلما تراءت الفئتان ﴾ أي التقى الجمعان رأى إبليس الملائكة قد نزلوا من السماء فعلم عدو الله إبليس أنه لا طاقة له بهم ﴿ نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم ﴾ يعني رجع القهقرى وولى مدبراً هارباً على قفاه، وقال الكلبي : لما التقى الجمعان كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو آخذ بيد الحرث بن هشام فنكص عدو الله إبليس على عقبيه فقال له الحرث : أفراراً من غير قتال ؟ وجعل يمسكه فدفع في صدره وانطلق فانهزم الناس فلما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة. فبلغ ذلك سراقة فقال : بلغني أنكم تقولون أني هزمت الناس فوالله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. فقالوا : أما أتيتنا في يوم كذا وكذا فحلف لهم، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان شيطاناً قال الحسن في قوله :﴿ إني أرى ما لا ترون ﴾ قال : رأى إبليس جبريل عليه السلام معتجراً ببرد يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده اللجام يقود الفرس ما ركب. وقال قتادة : قال إبليس إني أرى ما لا ترون وصدق وقال : إني أخاف الله وكذب ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له ولا منفعة فأوردهم وأسلمهم وتلك عادة عدو الله إبليس لمن أطاعه إذ التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم وقيل إنه خاف أن يهلك فيمن هلك وقيل خاف أن يأخذه جبريل فيعرف حاله فلا يطيعوه وقيل معناه ﴿ إني أخاف الله ﴾ أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه كان على ثقة من أمر ربه وقيل لما رأى الملائكة قد نزلت من السماء خاف أن تكون القيامة ﴿ والله شديد العقاب ﴾ قيل معناه إني أخاف الله لأنه شديد العقاب فعلى هذا يكون من تمام قول إبليس. وقيل : تم كلامه عند قوله : إني أخاف الله. وقوله تعالى : والله شديد العقاب ابتداء كلام. يقول الله سبحانه وتعالى : والله شديد العقاب لمن خالف الله وكفر به. عن طلحة بن عبيد الله بن كرز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة » أخرجه مالك في الموطأ. قوله : ولا أدحر هو بالدال والحاء المهملتين من الدحور، وهو الإبعاد والطرد مع الإهانة. وقوله : يزع الملائكة، أي يكفهم ويحبسهم لئلا يتقدم بعضهم على بعض. والوازع : هو الذي يتقدم ويتأخر في الصف ليصلحه.
فإن قلت : كيف يقدر إبليس على أن يتصور بصورة البشر وإذا تشكل بصورة البشر فكيف يسمى شيطاناً ؟
قلت : إن الله عز وجل أعطاه قوة وأقدره على ذلك كما أعطى الملائكة قوة أقدرهم على أن يتشكلوا بصورة البشر لكن النفس الباطنة لم تتغير فلم يلزم من تغير الصورة تغير الحقيقة.
قلت: إن الله عز وجل أعطاه قوة وأقدره على ذلك كما أعطى الملائكة قوة وأقدرهم على أن يتشكلوا بصورة البشر لكن النفس الباطنة لم تتغير فلم يلزم من تغير الصورة تغير الحقيقة.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٤٩ الى ٥٠]
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠)
قوله عز وجل: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ يعني من أهل المدينة وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك وارتياب وهم قوم من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يقو الإسلام في قلوبهم ولم يتمكن فلما خرج كفار قريش إلى حرب رسول الله ﷺ خرجوا معهم إلى بدر فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ يعني أن هؤلاء نفر قليلون يقاتلون أضعافهم فقد غرهم دينهم الإسلام على ذلك وحملهم على قتل أنفسهم رجاء الثواب في الآخرة فقتلوا جميعا يوم بدر. وقال مجاهد: إن فئة من قريش وهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب، فحبسهم ارتيابهم فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: غر هؤلاء دينهم ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني ومن يسلم أمره إلى الله ويثق بفضله ويعول على إحسانه فَإِنَّ اللَّهَ حافظه وناصره لأنه عَزِيزٌ لا يغلبه شيء حَكِيمٌ فيما قضى وحكم فيوصل الثواب إلى أوليائه والعقاب إلى أعدائه.
قوله عز وجل: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يعني: ولو عاينت يا محمد وشهدت إذ تقبض الملائكة أرواح الذين كفروا عند الموت لرأيت أمرا عظيما ومنظرا فظيعا وعذابا شديدا ينالهم في ذلك الوقت يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ اختلفوا في وقت هذا الضرب، فقيل: هو عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط من نار. وقيل: إن الذين قتلوا يوم بدر من المشركين كانت الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم. وقال ابن عباس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدبارهم ضربت الملائكة أدبارهم. وقال ابن جريج: يريد، ما أقبل من أجسادهم وأدبر يعني يضربون جميع أجسادهم وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ يعني وتقول لهم الملائكة عند القتل: ذوقوا عذاب الحريق.
قيل: كان مع الملائكة مقامع من حديد محمية بالنار يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم. وقال ابن عباس: تقول لهم الملائكة ذلك بعد الموت. وقال الحسن: هذا يوم القيامة تقول لهم الزبانية ذوقوا عذاب الحريق.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥١ الى ٥٤]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)
ذلِكَ يعني الذي نزل بكم من القتل والضرب والحريق بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ يعني إنما حصل لكم ذلك بسبب ما كسبت أيديكم من الكفر والمعاصي.
319
فإن قلت: اليد ليست محلا للكفر وإنما محله القلب لأن الكفر اعتقاد والاعتقاد محله القلب وظاهر الآية يقتضي أن فاعل هذا الكفر هي اليد وذلك ممتنع.
قلت: اليد هنا عبارة عن القدرة لأن اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل فاليد كناية عن القدرة.
قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يعذر أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه لأنه لا يظلم أحدا من خلقه وإنما نفى الظلم عن نفسه مع أنه يعذب الكافر على كفره والعاصي على عصيانه لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء ومن كان كذلك استحال نسبة الظلم إليه فلا يتوهم متوهم أنه سبحانه وتعالى مع خلقه كفر الكافر وتعذيبه عليه ظالم فلهذا قال الله سبحانه وتعالى وأن الله ليس بظلام للعبيد لأنهم في ملكه وتحت قدرته فهو يتصرف فيهم كيف يشاء.
قوله تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ يعني أن عادة هؤلاء الكفار في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم فجوزي هؤلاء بالقتل والأسر يوم بدر كما جوزي آل فرعون بالإغراق وأصل الدأب في اللغة إدامة العمل يقال فلان يدأب في كذا وكذا يداوم عليه ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لأن الإنسان يداوم على عادته ويواظب عليها.
قال ابن عباس: معناه أن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليه السلام نبي من الله تعالى فكذبوه فكذلك هؤلاء لما جاءهم محمد ﷺ بالصدق كذبوه فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل آل فرعون كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني أن عادة الأمم السالفة هو كفرهم بآيات الله فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ يعني بسبب كفرهم وذنوبهم إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ يعني في أخذه وانتقامه ممن كفر به وكذب رسله شَدِيدُ الْعِقابِ يعني لمن كفر به وكذب رسله ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ يعني: أن الله سبحانه وتعالى أنعم على أهل مكة بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وبعث إليهم محمدا ﷺ فقابلوا هذه النعمة بأن تركوا شكرها وكذبوا رسوله محمد ﷺ وغيّروا ما بأنفسهم فسلبهم الله سبحانه وتعالى النعمة وأخذهم بالعقاب قال السدي: نعمة الله هو محمد ﷺ أنعم به على قريش فكفروا به وكذبوه فنقله الله تعالى إلى الأنصار وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يعني لأقوال خلقه لا يخفى عليه شيء من كلامهم عَلِيمٌ يعني بما في صدورهم من خير وشر، فيجازي كل واحد على عمله كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ يعني أن هؤلاء الكفار الذين قتلوا يوم بدر غيروا نعمة الله عليهم كصنيع آل فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يعني: أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة وبعضهم بالريح وبعضهم بالمسخ فكذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ يعني الأولين والآخرين، فإن قلت ما الفائدة في تكرير هذه الآية مرة ثانية؟.
قلت: فيها فوائد منها الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول لأن الآية الأولى فيها ذكر أخذهم، وفي الآية الثانية ذكر إغراقهم، فهذه تفسير للأولى.
الفائدة الثانية: أنه ذكر في الآية الأولى أنهم كفروا بآيات الله وفي الآية الثانية أنهم كذبوا بآيات ربهم ففي الآية الأولى إشارة إلى أنهم أنكروا آيات الله وجحدوها، وفي الآية الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها وكفرهم بها.
الفائدة الثالثة: أن تكرير هذه القصة للتأكيد وفي قوله كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب.
320
قوله عز وجل :﴿ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ﴾ يعني : ولو عاينت يا محمد وشهدت إذا تقبض الملائكة أرواح الذين كفروا عند الموت لرأيت أمراً عظيماً ومنظراً فظيعاً وعذاباً شديداً ينالهم في ذلك الوقت ﴿ يضربون وجوههم وأدبارهم ﴾ اختلفوا في وقت هذا الضرب، فقيل : هو عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط من نار. وقيل : إن الذين قتلوا يوم بدر من المشركين كانت الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم. وقال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدبارهم ضربت الملائكة أدبارهم. وقال ابن جريج : يريد، ما أقبل من أجسادهم وأدبر يعني يضربون جميع أجسادهم ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ يعني وتقول لهم الملائكة عند القتل : ذوقوا عذاب الحريق. قيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد محمية بالنار يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم. وقال ابن عباس : تقول لهم الملائكة ذلك بعد الموت. وقال الحسن : هذا يوم القيامة تقول لهم الزبانية ذوقوا عذاب الحريق.
﴿ ذلك ﴾ يعني الذي نزل بكم من القتل والضرب والحريق ﴿ بما قدمت أيديكم ﴾ يعني إنما حصل لكم ذلك بسبب ما كسبت أيديكم من الكفر والمعاصي.
فإن قلت : اليد ليست محلاً للكفر وإنما محله القلب لأن الكفر اعتقاد والاعتقاد محله القلب وظاهر الآية يقتضي أن فاعل هذا الكفر هي اليد وذلك ممتنع.
قلت : اليد هنا عبارة عن القدرة لأن اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل فاليد كناية عن القدرة.
قوله تعالى :﴿ وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يعذر أحداً من خلقه إلا بجرم اجترمه لأنه لا يظلم أحداً من خلقه وإنما نفى الظلم عن نفسه مع أنه يعذب الكافر على كفره والعاصي على عصيانه لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء ومن كان كذلك استحال نسبة الظلم إليه فلا يتوهم متوهم أنه سبحانه وتعالى مع خلقه كفر الكافر وتعذيبه عليه ظالم فلهذا قال الله سبحانه وتعالى وأن الله ليس بظلام للعبيد لأنهم في ملكه وتحت قدرته فهو يتصرف فيهم كيف يشاء.
قوله تعالى :﴿ كدأب آل فرعون ﴾ يعني أن عادة هؤلاء الكفار في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم فجوزي هؤلاء بالقتل والأسر يوم بدر كما جوزي آل فرعون بالإغراق وأصل الدأب في اللغة إدامة العمل يقال فلان يدأب في كذا وكذا يداوم عليه ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأباً لأن الإنسان يداوم على عادته ويواظب عليها.
قال ابن عباس : معناه أن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليه السلام نبي من الله تعالى فكذبوه فكذلك هؤلاء لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق كذبوه فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون ﴿ والذين من قبلهم ﴾ يعني من قبل آل فرعون ﴿ كفروا بآيات الله ﴾ يعني أن عادة الأمم السالفة هو كفرهم بآيات الله ﴿ فأخذهم الله بذنوبهم ﴾ يعني بسبب كفرهم وذنوبهم ﴿ إن الله قوي ﴾ يعني في أخذه وانتقامه ممن كفر به وكذب رسله ﴿ شديد العقاب ﴾ يعني لمن كفر به وكذب رسله.
﴿ ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ يعني : أن الله سبحانه وتعالى أنعم على أهل مكة بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وبعث إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم فقابلوا هذه النعمة بأن تركوا شكرها وكذبوا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وغيَّروا ما بأنفسهم فسلبهم الله سبحانه وتعالى النعمة وأخذهم بالعقاب قال السدي : نعمة الله هو محمد صلى الله عليه وسلم أنعم به على قريش فكفروا به وكذبوه فنقله الله تعالى إلى الأنصار ﴿ وأن الله سميع ﴾ يعني لأقوال خلقه لا يخفى عليه شيء من كلامهم ﴿ عليم ﴾ يعني بما في صدورهم من خير وشر، فيجازي كل واحد على عمله.
﴿ كدأب آل فرعون ﴾ يعني أن هؤلاء الكفار الذين قتلوا يوم بدر غيروا نعمة الله عليهم كصنيع آل فرعون ﴿ والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم ﴾ يعني : أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة وبعضهم بالريح وبعضهم بالمسخ فكذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف ﴿ وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ﴾ يعني الأولين والآخرين، فإن قلت ما الفائدة في تكرير هذه الآية مرة ثانية ؟.
قلت : فيها فوائد منها الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول لأن الآية الأولى فيها ذكر أخذهم، وفي الآية الثانية ذكر إغراقهم، فهذه تفسير للأولى.
الفائدة الثانية : أنه ذكر في الآية الأولى أنهم كفروا بآيات الله وفي الآية الثانية أنهم كذبوا بآيات ربهم ففي الآية الأولى إشارة إلى أنهم أنكروا آيات الله وجحدوها، وفي الآية الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها وكفرهم بها.
الفائدة الثالثة : أن تكرير هذه القصة للتأكيد وفي قوله ﴿ كذبوا بآيات ربهم ﴾ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب.

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥٥ الى ٥٨]

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)
وقوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ يعني في علمه وحكمه الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والمعنى أن شر الدواب من الإنس الكفار المصرون على الكفر نزلت في يهود بني قريظة رهط كعب بن الأشرف الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ قيل: من صلة يعني الذين عاهدتهم وقيل: هي للتبعيض لأن المعاهدة مع بعض القوم وهم الرؤساء والأشراف ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قال المفسرون: إن رسول الله ﷺ كان عاهد يهود بني قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه فنقضوا العهد وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله ﷺ وأصحابه ثم قالوا نسينا وأخطأنا فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد أيضا ومالؤوا الكفار على رسول الله ﷺ يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة رسول الله ﷺ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ يعني أنهم لا يخافون الله في نقض العهد لأن عادة من يرجع إلى دين وعقل وحزم أن يتقي نقض العهد حتى يسكن الناس إلى قوله ويثقون بكلامه فبين الله عز وجل أن من جمع بين الكفر ونقض العهد فهو من شر الدواب فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ يعني فأما تجدن هؤلاء الذين نقضوا العهد وتظفرن بهم في الحرب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال ابن عباس: معناه فنكل بهم من ورائهم.
وقال سعيد بن جبير: أنذر بهم من خلفهم وأصل التشريد في اللغة التفريق مع اضطراب ومعنى الآية إنك إذا ظفرت بهؤلاء الكفار الذين نقضوا العهد فافعل بهم فعلا من القتل والتنكيل تفرق به جمع كل ناقض للعهد حتى يخافك من وراءهم من أهل مكة واليمن لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يعني لعل ذلك النكال يمنعهم من نقض العهد وَإِمَّا تَخافَنَّ يعني وإما تعلمن يا محمد مِنْ قَوْمٍ يعني معاهدين خِيانَةً يعني نقضا للعهد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر كما ظهر من بني قريظة والنضير فَانْبِذْ أي فاطرح إِلَيْهِمْ يعني عهدهم وارم به إليهم عَلى سَواءٍ يعني على طريق ظاهر مستو يعني أعلمهم قبل حربك إياهم إنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم ينقض العهد سواء فلا يتوهمون أنك نقضت العهد أولا بنصب الحرب معهم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ يعني في نقض العهد عن سليم بن عمر عن رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا فإذا هو عمرو بن عنبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء، فرجع معاوية» أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي عن سليم بن عامر نفسه بلا زيادة رجل من حمير وعنده الله أكبر مرة واحدة وفيه جاء على دابة أو فرس وأما حكم الآية فقال أهل العلم إذا ظهرت آثار نقض العهد ممن هادهم الإمام من المشركين بأمر ظاهر مستفيض استغنى الإمام عن نبذ العهد وإعلامهم بالحرب وإن ظهرت الخيانة بأمارات تلوح وتتضح له من غير أمر مستفيض فحينئذ يجب على الإمام أن ينبذ إليهم العهد ويعلمهم بالحرب وذلك لأن قريظة كانوا قد عاهدوا النبي ﷺ ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله ﷺ فحصل لرسول الله ﷺ خوف الغدر به وبأصحابه فهاهنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم على سواء ويعلمهم بالحرب وأما إذا ظهر نقض العهد ظهروا مقطوعا به فلا حاجة للإمام إلى نبذ العهد بل يفعل كما فعل رسول الله ﷺ بأهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة رسول الله ﷺ فلم يرعهم إلا وجيش رسول الله ﷺ بمر الظهران وذلك على أربع فراسخ من مكة.
﴿ الذين عاهدت منهم ﴾ قيل : من صلة يعني الذين عاهدتهم وقيل : هي للتبعيض لأن المعاهدة مع بعض القوم وهم الرؤساء والأشراف ﴿ ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ﴾ قال المفسرون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاهد يهود بني قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه فنقضوا العهد وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قالوا نسينا وأخطأنا فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد أيضاً ومالؤوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وهم لا يتقون ﴾ يعني أنهم لا يخافون الله في نقض العهد لأن عادة من يرجع إلى دين وعقل وحزم أن يتقي نقض العهد حتى يسكن الناس إلى قوله ويثقون بكلامه فبين الله عز وجل أن من جمع بين الكفر ونقض العهد فهو من شر الدواب.
﴿ فأما تثقفنهم في الحرب ﴾ يعني فأما تجدن هؤلاء الذين نقضوا العهد وتظفرن بهم في الحرب ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ قال ابن عباس : معناه فنكل بهم من ورائهم.
وقال سعيد بن جبير : أنذر بهم من خلفهم وأصل التشريد في اللغة التفريق مع اضطراب ومعنى الآية إنك إذا ظفرت بهؤلاء الكفار الذين نقضوا العهد فافعل بهم فعلاً من القتل والتنكيل تفرق به جمع كل ناقض للعهد حتى يخافك من وراءهم من أهل مكة واليمن ﴿ لعلهم يذكرون ﴾ يعني لعل ذلك النكال يمنعهم من نقض العهد.
﴿ وإما تخافن ﴾ يعني وإما تعلمن يا محمد ﴿ من قوم ﴾ يعني معاهدين ﴿ خيانة ﴾ يعني نقضاً للعهد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر كما ظهر من بني قريظة والنضير ﴿ فانبذ ﴾ أي فاطرح ﴿ إليهم ﴾ يعني عهدهم ورام به إليهم ﴿ على سواء ﴾ يعني على طريق ظاهر مستو يعني أعلمهم قبل حربك إياهم إنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم ينقض العهد سواء فلا يتوهمون أنك نقضت العهد أولاً بنصب الحرب معهم ﴿ إن الله لا يحب الخائنين ﴾ يعني في نقض العهد عن سليم بن عمر عن رجل من حمير قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول : الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدراً فإذا هو عمرو بن عنبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء، فرجع معاوية » أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي عن سليم بن عامر نفسه بلا زيادة رجل من حمير وعنده الله أكبر مرة واحدة وفيه جاء على دابة أو فرس وأما حكم الآية فقال أهل العلم إذا ظهرت آثار نقض الهد ممن هادهم الإمام من المشركين بأمر ظاهر مستفيض استغنى الإمام عن نبذ العهد وإعلامهم بالحرب وإن ظهرت الخيانة بأمارات تلوح وتنضح له من غير أمر مستفيض فحينئذ يجب على الإمام أن ينبذ إليهم العهد ويعلمهم بالحرب وذلك لأن قريظة كانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الغدر به وبأصحابه فهاهنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم على سواء ويعلمهم بالحرب وأما إذا ظهر نقض العهد ظهروا مقطوعاً به فلا حاجة للإمام إلى نبذ العهد بل يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرعهم إلا وجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وذلك على أربع فراسخ من مكة.

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥٩ الى ٦٠]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)
وقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ قرئ بالتاء على الخطاب للنبي ﷺ والمعنى ولا تحسبن يا محمد الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا يعني فاتوا وانهزموا يوم بدر وقرئ بالياء على الغيبة ومعناه ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا يعني خلصوا من القتل والأسر يوم بدر إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ يعني أنهم بهذا السبق لا يعجزون الله من الانتقام منهم إما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة بعذاب النار وفيه تسلية للنبي ﷺ فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منهم فأعلمهم الله أنهم لا يعجزونه.
قوله عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه وفي المراد بالقوة أقوال أحدها: أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوة في الحرب على قتال عدوكم، الثاني: أنها الحصون والمعاقل الثالث: الرمي وقد جاءت مفسرة عن النبي ﷺ فيما رواه عقبة بن عامر قال «سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ثلاثا» أخرجه مسلم (خ) عن أبي أسيد قال قال رسول الله ﷺ «يوم بدر حين صففنا لقريش إذا أكثبوكم» يعني غشوكم وفي رواية أكثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم وفي رواية «إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل» (م) عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو باسمه» (م) عن فقيم اللخمي قال قلت لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير يشق عليك فقال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله ﷺ لم أغانه قال قلت وما ذاك؟ قال سمعته يقول: «من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى» عن أبي نجيح السلمي قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «من بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة» فبلغت يومئذ عشرة أسهم قال وسمعت رسول الله ﷺ يقول «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر» أخرجه النسائي والترمذي بمعناه وعنده قال عدل رقبة محررة وأخرجه أبو داود أيضا عن عقبة بن عامر بمعناه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن الله عز وجل ليدخلن بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في عمله الخير والرامي به والممد به» وفي رواية «ومنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا كل لهو باطل ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه أي نبله إنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو كفرها» أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي مختصر إلى نبله (خ) عن سلمة بن الأكوع قال «مر النبي ﷺ على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون؟ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم. القول الرابع: أن المراد بالقوة جميع ما يتقوى به في الحرب على العدو فكل ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوة المأمور باستعدادها وقوله ﷺ «ألا أن القوة الرمي» لا ينفي كون غير الرمي من القوة فهو كقوله ﷺ «الحج عرفة» وقوله: «الندم توبة» فهذا لا ينفي اعتبار غيره بل يدل على أن هذا المذكور من أفضل المقصود وأجله فكذا هاهنا يحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الحرب وجهاد العدو بجميع ما يمكن من الآلات كالرمي بالنبل والنشاب والسيف والدرع وتعليم الفروسية كل ذلك مأمور به إلا أنه من فروض الكفايات وقوله تعالى: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ يعني اقتناءها وربطها للغزو في سبيل الله والربط شد الفرس وغيره بالمكان للحفظ وسمي المكان الذي يخص بإقامة
322
حفظة فيه رباطا والمرابطة إقامة المسلمين بالثغور للحراسة فيها وربط الخيل الجهاد من أعظم ما يستعان به.
روي أن رجلا قال لابن سيرين: إن فلانا أوصى بثلث ماله للحصون فقال ابن سيرين: يشتري به الخيل ويربطها في سبيل الله. وقال عكرمة: القوة الحصون ومن رباط الخيل يعني الإناث ووجه هذا أن العرب تربط الإناث من الخيل بالأفنية للنسل. وروي أن خالد بن الوليد كان لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها. وعن ابن محيريز قال: كانت الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف وإناث الخيل عند الشنات والغارات.
وقيل: ربط الفحول أولى من الإناث لأنها أقوى على الكر والفر والعدو فكانت المحاربة عليها أولى من الإناث وقيل إن لفظ الخيل عام فيتناول الفحول والإناث فأي ذلك ربط بنية الغزاة كان في سبيل الله (ق) عن عروة بن الجعد البارقي أن رسول الله ﷺ قال «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة» (ق) عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال «الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (خ) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» يعني حسنات (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «الخيل ثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله زاد في رواية لأهل الإسلام فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان لها حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت له آثارها وأرواثها حسنات ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات فهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك الرجل ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر» وسئل رسول الله ﷺ عن الحمر فقال: ما أنزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الطيل الحبل الذي يشد به الفرس وقت الرعي واستنان الجري والشرف الشوط الذي تجري فيه الفرس وقوله تغنيا يعني استغناء بها عن الطلب لما في أيدي الناس أما حق ظهورها فهو أن يحمل عليها منقطعا إلى أهله وأما حق رقابها فقيل: أراد به الإحسان إليها. وقيل: أراد به الحمل عليها فعبر بالرقبة عن الذات وقوله: نواء لأهل الإسلام النواء المعاداة يقال ناوأت الرجل مناوأة إذا عاديته.
وقوله تعالى: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ يعني: تخوفون بتلك القوة وبذلك الرباط عدو الله وعدوكم يعني الكفار من أهل مكة وغيره. وقال ابن عباس: تحزنون به عدو الله وعدوكم وذلك لأن الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد مستعدون له مستكملون لجميع الأسلحة وآلات الحرب وإعداد الخيل مربوطة للجهاد خافوهم فلا يقصدون دخول دار الإسلام بل يصير ذلك سببا لدخول الكفار في الإسلام أو بذل الجزية للمسلمين.
وقوله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ يعني وترهبون آخرين من دونهم اختلف العلماء فيهم فقال مجاهد:
هم بنو قريظة، وقال السدي: هم فارس وقال ابن زيد هم المنافقون لقوله تعالى: لا تَعْلَمُونَهُمُ لأنهم معكم يقولون بألسنتهم لا إله إلا الله اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ يعني أنهم منافقون وأورد على هذا القول أن المنافقين لا يقاتلون لإظهارهم كلمة الإسلام فكيف يخوفون بإعداد القوة ورباط الخيل. وأجيب عن هذا الإيراد أن المنافقين إذا شاهدوا قوة المسلمين وكثرة آلاتهم وأسلحتهم كان ذلك مما يخوفهم ويحزنهم فكان في ذلك إرهابهم وقال الحسن: هم كفار الجن وصحح هذا القول الطبري قال: لأن الله تعالى قال لا تعلمونهم ولا شك بأن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لعلمهم بأنهم مشركون ولأنهم حرب للمؤمنين أما الجن فلا يعلمونهم الله يعلمهم يعني يعلم أحوالهم وأماكنهم دونكم ويعضد هذا القول ما روي «أن النبي ﷺ قال هم الجن وأن الشيطان لا يخيل أحدا في داره فرس عتيق» ذكر هذا الحديث ابن الجوزي وغيره من المفسرين بغير إسناد وقال الحسن:
323
قوله عز وجل :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه وفي المراد بالقوة أقوال أحدها : أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوة في الحرب على قتال عدوكم، الثاني : أنها الحصون والمعاقل الثالث : الرمي وقد جاءت مفسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ثلاثاً » أخرجه مسلم ( خ ) عن أبي أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوم بدر حين صففنا لقريش إذا أكثبوكم » يعني غشوكم وفي رواية أكثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم وفي رواية «إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل » ( م ) عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه » ( م ) عن فقيم اللخمي قال قلت لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير يشق عليك فقال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أغانه قال قلت وما ذاك ؟ قال سمعته يقول :«من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى » عن أبي نجيح السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة » فبلغت يومئذ عشرة أسهم قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر » أخرجه النسائي والترمذي بمعناه وعنده قال عدل رقبة محررة وأخرجه أبو داود أيضاً عن عقبة بن عامر بمعناه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله عز وجل ليدخلن بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في عمله الخير والرامي به والممد به » وفي رواية «ومنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا كل لهو باطل ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه أي نبله إنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو كفرها » أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي مختصر إلى نبله ( خ ).
عن سلمة بن الأكوع قال «مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لكم لا ترمون ؟ فقالوا : كيف نرمي وأنت معهم ؟ فقال : ارموا وأنا معكم كلكم القول الرابع : أن المراد بالقوة جميع ما يتقوى به في الحرب على العدو فكل ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوة المأمور باستعدادها وقوله صلى الله عليه وسلم " ألا أن القوة الرمي " لا ينفي كون غير الرمي من القوة فهو كقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " وقوله : الندم توبة فهذا لا ينفي اعتبار غيره بل يدل على أن هذا المذكور من أفضل المقصود وأجله فكذا هاهنا يحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الحرب وجهاد العدو بجميع ما يمكن من الآلات كالرمي بالنبل والنشاب والسيف والدرع وتعليم الفروسية كل ذلك مأمور به إلا أنه من فروض الكفايات وقوله تعالى :﴿ ومن رباط الخيل ﴾ يعني اقتناءها وربطها للغزو في سبيل الله والربط شد الفرس وغيره بالمكان للحفظ وسمي المكان الذي يخص بإقامة حفظة فيه رباطاً والمرابطة إقامة المسلمين بالثغور للحراسة فيها وربط الخيل الجهاد من أعظم من يستعان به.
روي أن رجلاً قال لابن سيرين : إن فلاناً أوصى بثلث ماله للحصون فقال ابن سيرين : يشتري به الخيل ويربطها في سبيل الله. وقال عكرمة : القوة الحصون ومن رباط الخيل يعني الإناث ووجه هذا أن العرب تربط الأناث من الخيل بالأفنية للنسل. وروي أن خالد بن الوليد كان لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها. وعن ابن محيريز قال : كانت الصحابة يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف وإناث الخيل عند الشنات والغارات. وقيل : ربط الفحول أولى من الإناث لأنها أقوى على الكر والفر والعدو فكانت المحاربة عليها أولى من الإناث وقيل إن لفظ الخيل عام فيتناول الفحول والإناث فأي ذلك ربط بنية الغزاة كان في سبيل الله ( ق ) عن عروة بن الجعد البارقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الخيل معقود في نواصيها لخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة » ( ق ).
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة » ( خ ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة » يعني حسنات ( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الخيل ثلاثة هي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله زاد في رواية لأهل الإسلام فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان لها حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت له آثارها وأرواثها حسنات ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات فهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك الرجل ستر ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر » وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال : ما أنزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره الطيل الحبل الذي يشد به الفرس وقت الرعي واستنان الجري والشرف الشوط الذي تجري فيه الفرس وقوله تغنياً يعني استغناء بها عن الطلب لما في أيدي الناس أما حق ظهورها فهو أن يحمل عليها منقطعاً إلى أهله وأما حق رقابها فقيل : أراد به الإحسان إليها. وقيل : أراد به الحمل عليها فعبر بالرقبة عن الذات وقوله : نواء لأهل الإسلام النواء المعاداة يقال ناوأت الرجل مناوأة إذا عاديته.
وقوله تعالى :﴿ ترهبون به عدو الله وعدوكم ﴾ يعني : تخوفون بتلك القوة وبذلك الرباط عدو الله وعدوكم يعني الكفار من أهل مكة وغيره. وقال ابن عباس : تحزنون به عدو الله وعدوكم وذلك لأن الكفار إذا علموا أن المسلمين متأهبون للجهاد مستعدون له مستكملون لجميع الأسلحة وآلات والحرب وإعداد الخيل مربوط للجهاد خافوهم فلا يقصدون دخول دار الإسلام بل يصير ذلك سبباً لدخول الكفار في الإسلام أو بذل الجزية للمسلمين.
وقوله تعالى :﴿ وآخرين من دونهم ﴾ يعني وترهبون آخرين من دونهم اختلف العلماء فيهم فقال مجاهد : هم بو قريظة، وقال السدي : هم فارس وقال ابن زيد هم المنافقون لقوله تعالى :﴿ لا تعلمونهم ﴾ لأنهم معكم يقولون بألسنتهم لا إله إلا الله ﴿ الله يعلمهم ﴾ يعني أنهم منافقون وأورد على هذا القول أن المنافقين لا يقاتلون لإظهارهم كلمة الإسلام فكيف يخوفون بإعداد القوة ورباط الخيل. وأجيب عن هذا الإيراد أن المنافقين إذا شاهدوا قوة المسلمين وكثرة آلاتهم وأسلحتهم كان ذلك مما يخوفهم ويحزنهم فكان في ذلك إرهابهم وقال الحسن : هم كفار الجن وصحح هذا القول الطبري قال : لأن الله تعالى قال لا تعملونهم ولا شك بأن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لعلمهم بأنهم مشركون ولأنهم حرب للمؤمنين أما الجن فلا يعلمونهم الله يعلمهم يعني يعلم أحوالهم وأماكنهم دونكم ويعضد هذا القول ما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هم الجن وأن الشيطان لا يخيل أحداً في داره فرس عتيق » ذكر هذا الحديث ابن الجوزي وغيره من المفسرين بغير إسناد وقال الحسن : صهيل الخيل يرهب الجن. وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وما تنفقوا من شيء في سبيل الله ﴾ قيل أراد به نفقة الجهاد والغزو وقيل هو أمر عام في كل وجوه الخير والطاعة فيدخل فيه نفقة الجهاد وغيره ﴿ يوف إليكم ﴾ يعني أجره في الآخرة ويعجل لكم عوضه في الدنيا ﴿ وأنتم لا تظلمون ﴾ يعني وأنتم لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئاً.
صهيل الخيل يرهب الجن. وقوله سبحانه وتعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل أراد به نفقة الجهاد والغزو وقيل هو أمر عام في كل وجوه الخير والطاعة فيدخل فيه نفقة الجهاد وغيره يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يعني أجره في الآخرة ويعجل لكم عوضه في الدنيا وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ يعني وأنتم لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا قوله تبارك وتعالى:
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها لما أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بإعداد القوة وما يرهب العدو أمرهم بعد ذلك أن يقبلوا منهم الصلح إن مالوا إليه وسألوه فقال تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ يعني مالوا إلى السلم يعني المصالحة فاقبلوا منهم الصلح وهو قوله تعالى فاجنح لها أي مل إليها يعني إلى المصالحة. روي عن الحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف. وقيل: إنها غير منسوخة لكنها تتضمن الأمر بالصلح إذا كان فيه مصلحة ظاهرة فإن رأى الإمام أن يصالح أعداءه من الكفار وفيه قوة فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز أن يهادنهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله ﷺ فإنه صالح أهل مكة مدة عشر سنين ثم إنهم نقضوا العهد قبل انقضاء المدة.
وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني فوض أمرك إلى الله فيما عقدته معهم ليكون عونا لك في جميع أحوالك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يعني لأقوالهم الْعَلِيمُ يعني بأحوالهم: قوله عز وجل: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ يعني يغدروا بك قال مجاهد: يعني بني قريظة والمعنى وإن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك لتكف عنهم فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ يعني فإن الله كافيك بنصره ومعونته هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ يعني هو الذي قواك وأعانك بنصره يوم بدر وفي سائر أيامك وَبِالْمُؤْمِنِينَ يعني وأيدك بالمؤمنين يعني الأنصار.
فإن قلت: إذا كان الله قد أيده بنصره فأي حاجة إلى نصر المؤمنين حتى يقول وبالمؤمنين.
قلت: التأييد والنصر من الله عز وجل وحده لكنه يكون بأسباب باطنة غير معلومة وبأسباب ظاهرة معلومة فأما الذي يكون بالأسباب الباطنة فهو المراد بقوله «هو الذي أيدك بنصره» لأن أسبابه باطنة بغير وسائط معلومة وأما الذي يكون بالأسباب الظاهرة فهو المراد بقوله «وبالمؤمنين» لأن أسبابه ظاهرة بوسائط وهم المؤمنون والله سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب وهو الذي أقامهم لنصره ثم بيّن كيف أيده بالمؤمنين فقال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ وذلك أن العرب كانت فيهم الحمية الشديدة والأنفة العظيمة والأنفس القوية والعصبية والانطواء على الضغينة من أدنى شيء حتى لو أن رجلا من قبيلة لطم لطمة واحدة قاتل عنه أهل قبيلته حتى يدركوا ثأرهم لا يكاد يأتلف منهم قلبان فلما بعث رسول الله ﷺ فيهم وآمنوا به واتبعوه انقلبت تلك الحالة فائتلفت قلوبهم واستجمعت كلمتهم وزالت حمية الجاهلية من قلوبهم وأبدلت تلك الضغائن والتحاسد بالمودة والمحبة لله وفي الله واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصارا لرسول الله ﷺ وأعوانا يقاتلون عنه ويحمونه وهم الأوس والخزرج وكانت بينهم في الجاهلية حروب عظيمة ومعاداة
قوله عز وجل :﴿ وإن يريدوا أن يخدعوك ﴾ يعني يغدروا بك قال مجاهد : يعني بني قريظة والمعنى وإن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك لتكف عنهم ﴿ فإن حسبك الله ﴾ يعني فإن الله كافيك بنصره ومعوته ﴿ هو الذي أيدك بنصره ﴾ يعني هو الذين قواك وأعانك بنصره يوم بدر وفي سائر أيامك ﴿ وبالمؤمنين ﴾ يعني وأيدك بالمؤمنين يعني الأنصار.
فإن قلت : إذا كان الله قد أيده بنصره فأي حاجة إلى نصر المؤمنين حتى يقول وبالمؤمنين.
قلت : التأييد والنصر من الله عز وجل وحده لكنه يكون بأسباب باطنة غير معلومة وبأسباب ظاهرة معلومة فأما الذي يكون بالأسباب الباطنة فهو المراد بقوله ﴿ هو الذي أيدك بنصره ﴾ لأن أسبابه باطنة بغير وسائط معلومة وأما الذي يكون بالأسباب الظاهرة فهو المراد بقوله ﴿ وبالمؤمنين ﴾ لأن أسبابه ظاهرة بوسائط وهم المؤمنون والله سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب وهو الذي أقامهم لنصره ثم بيَّن كيف أيده بالمؤمنين.
فقال تعالى :﴿ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ﴾ وذلك أن العرب كانت فيهم الحمية الشديد والأنفة العظيمة والأنفس القوية والعصبية والانطواء على الضغينة من أدنى شيء حتى لو أن رجلاً من قبيلة لطم لطمة واحدة قاتل عنه أهل قبيلته حتى يدركوا ثأرهم لا يكاد يأتلف منهم قلبان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وآمنوا به واتبعوه انقلبت تلك الحالة فائتلفت قلوبهم واستجمعت كلمتهم وزالت حمية الجاهلية من قلوبهم وأبدلت تلك الضغائن والتحاسد بالمودة والمحبة لله وفي الله واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعواناً يقاتلون عنه ويحمونه وهم الأوس والخزرج وكانت بينهم في الجاهلية حروب عظيمة ومعاداة شديدة ثم زالت تلك الحروب وحصلت المحبة والألفة وهذا مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وصار ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرة باهرة دالة على صدقه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :«يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي » وفي الآية لدليل على أن القلوب بيد الله يصرفها كيف شاء وأرادوا ذلك لأن تلك الألفة والمحبة إنما حصلت بسبب الإيمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إنه سبحانه وتعالى ختم هذه الآية بقوله ﴿ إنه عزيز حكيم ﴾ يعني أنه تعالى قادر قاهر يمكنه التصرف في القلوب فيقلبها من العداوة إلى المحبة ومن النفرة إلى الألفة وكل ذلك على وجه الحكمة والصواب.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ﴾ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في إسلام عمر بن الخطاب قال سعيد بن جبير «أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت هذه الآية » فعلى هذا القول تكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل : إنها نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال فعلى هذا القول أراد بقوله تعالى :﴿ ومن اتبعك من المؤمنين ﴾ يعني إلى غزوة بدر وقيل أراد بقوله ومن اتبعك من المؤمنين الأنصار وتكون الآية نزلت بالمدينة وقيل أراد جميع المهاجرين والأنصار، ومعنى الآية يا أيها النبي حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين وقيل معناه حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين.
قوله عز وجل :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ﴾ يعني حثهم على قتال عدوهم.
والتحريض في اللغة : الحث على الشيء بكثرة التزين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض وهو الهلاك ﴿ إن يكن منكم عشرون ﴾ يعني رجلاً ﴿ صابرون ﴾ يعني عند اللقاء محتسبين أنفسهم ﴿ يغلبوا مائتين ﴾ يعني من عدوهم وظاهر لفظ الآية خبر ومعناه الأمر فكأنه تعالى قال إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في قتال عدوهم حتى يغلبوا مائتين ويدل على أن المراد بهذا الخبر الأمر قوله ﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ لأن النسخ لا يدخل على الإخبار إنما يدخل على الأمر فدل ذلك على أن الله سبحانه وتعالى أوجب أولاً على المؤمنين هذا الحكم وإنما حسن هذا التكليف لأن الله وعدهم بالنصر ومن تكفل الله له بالنصر سهل عليه الثبات مع الأعداء ﴿ وإن يكن منكم مائة ﴾ يعني صابرة ﴿ يغلبوا ألفاً من الذين كفروا ﴾ فحاصله وجوب ثبات الواحد من المؤمنين في مقابلة العشرة من الكفار، ذلك ﴿ بأنهم قوم لا يفقهون ﴾ يعني : أن المشركين لا يقاتلون لطلب ثواب وخوف عقاب إنما يقاتلون حمية فإذا صدقتموهم في القتال فإنهم لا يثبتون معكم.
شديدة ثم زالت تلك الحروب وحصلت المحبة والألفة وهذا مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وصار ذلك معجزة لرسول الله ﷺ ظاهرة باهرة دالة على صدقه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي وفي الآية دليل على أن القلوب بيد الله يصرفها كيف شاء وأرادوا ذلك لأن تلك الألفة والمحبة إنما حصلت بسبب الإيمان واتباع الرسول ﷺ ثم إنه سبحانه وتعالى ختم هذه الآية بقوله إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يعني أنه تعالى قادر قاهر يمكنه التصرف في القلوب فيقلبها من العداوة إلى المحبة ومن النفرة إلى الألفة وكل ذلك على وجه الحكمة والصواب.
قوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في إسلام عمر بن الخطاب قال سعيد بن جبير «أسلم مع النبي ﷺ ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت هذه الآية» فعلى هذا القول تكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنها نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال فعلى هذا القول أراد بقوله تعالى: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني إلى غزوة بدر وقيل أراد بقوله ومن اتبعك من المؤمنين الأنصار وتكون الآية نزلت بالمدينة وقيل أراد جميع المهاجرين والأنصار، ومعنى الآية يا أيها النبي حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين وقيل معناه حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ يعني حثهم على قتال عدوهم.
والتحريض في اللغة: الحث على الشيء بكثرة التزين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض وهو الهلاك إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ يعني رجلا صابِرُونَ يعني عند اللقاء محتسبين أنفسهم يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ يعني من عدوهم وظاهر لفظ الآية خبر ومعناه الأمر فكأنه تعالى قال إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في قتال عدوهم حتى يغلبوا مائتين ويدل على أن المراد بهذا الخبر الأمر قوله «الآن خفف الله عنكم» لأن النسخ لا يدخل على الإخبار إنما يدخل على الأمر فدل ذلك على أن الله سبحانه وتعالى أجب أولا على المؤمنين هذا الحكم وإنما حسن هذا التكليف لأن الله وعدهم بالنصر ومن تكفل الله له بالنصر سهل عليه الثبات مع الأعداء وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يعني صابرة يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فحاصله وجوب ثبات الواحد من المؤمنين في مقابلة العشرة من الكفار، ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يعني: أن المشركين لا يقاتلون لطلب ثواب وخوف عقاب إنما يقاتلون حمية فإذا صدقتموهم في القتال فإنهم لا يثبتون معكم.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٦٦ الى ٦٧]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ (خ) عن ابن عباس: قال لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين كتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ولا عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف الله عنكم الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين. وفي رواية أخرى عنه قال: لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين شق ذلك على المسلمين فنزلت الآن خفف الله عنكم الآية فلما خفف الله عنهم من العدة نقص عنهم عن الصبر بقدر ما خفف عنهم فظاهر هذا أن قوله
325
سبحانه وتعالى الآن خفف الله عنكم ناسخ لما تقدم من الآية الأولى وكان هذا الأمر يوم بدر فرض الله سبحانه وتعالى على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين فثقل ذلك على المؤمنين فنزلت الآن خفف الله عنكم أيها المؤمنون وعلم أن فيكم ضعفا يعني في قتال الواحد للعشرة فإن تكن منكم مائة صابرة محتسبة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله فرد من العشرة إلى الاثنين فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا فأيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فرّ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يعني بالنصر والمعونة.
قال سفيان: قال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك.
قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى روي عن عبد الله ابن مسعود قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولن في هؤلاء فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار. وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم مكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، ومكني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا فقال له العباس: قطعت رحمك فسكت رسول الله ﷺ فلم يجبهم ثم دخل فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة ثم خرج رسول الله ﷺ فقال: إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثلك يا عبد الله بن رواحة كمثل موسى قال: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم أنتم عالة فلا يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله ﷺ وقال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء. قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب: فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله ﷺ فأنزل الله عز وجل عليه: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الآية خرج هذا الحديث الترمذي مختصرا وقال: في الحديث قصة وهي هذه القصة التي ذكرها البغوي. وأخرج مسلم في إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس: لما أسروا الأسارى قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله ﷺ ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه وتمكنني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر يبكيان فقلت يا رسول الله ﷺ أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت
326
لبكائكما فقال رسول الله ﷺ أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله ﷺ فأنزل الله عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً فأحل الله الغنيمة لهم ذكره الحميدي في مسنده عن عمر بن الخطاب من إفراد مسلم بزيادة فيه.
أما تفسير الآية، فقوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى يعني ما كان ينبغي ولا يجب لنبي. وقال أبو عبيدة: معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد والمعنى ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه وصار في يده أسيرا للفداء والمن، والأسرى جمع أسير وأسارى جمع الجمع حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته. يقال: أثخنه المرض إذ اشتدت قوته عليه والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأسارى تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا الخطاب لأصحاب النبي ﷺ يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول بخلاف منافع الآخرة فإنها دائمة الانقطاع لها، وقوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني أنه سبحانه وتعالى يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة بلا زوال ولا انقطاع وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يقهر ولا يغلب حَكِيمٌ يعني في تدبير مصالح عباده.
قال ابن عباس: كان ذلك يوم بدر والمؤمنون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى في الأسارى فأما منا بعد وإما فداء فجعل الله نبيه ﷺ والمؤمنين بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وإن شاؤوا فادوهم وإن شاؤوا أعتقوهم. قال الإمام فخر الدين: إن هذا الكلام يوهم أن قوله فأما منا بعد وإما فداء يزيل حكم الآية التي نحن في تفسيرها وليس الأمر كذلك لأن كلتا الآيتين متوافقتان وكلتاهما تدلان على أنه لا بد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء. قال العلماء: كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون مجموع ذلك ألفا وستمائة درهم. وقال قتادة: كان الفداء يومئذ لكل أسير أربعة ألاف درهم.
(فصل) قد استدل بهذه الآية من يقدح في عصمة الأنبياء. وبيانه من وجوه:
الأول: أن قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى صريح في النهي عن أخذ الأسارى وقد وجد ذلك يوم بدر.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي ﷺ وقومه بقتل المشركين يوم بدر فلما لم يقتلوهم بل أسروهم دل ذلك على صدور الذنب منهم.
الوجه الثالث: أن النبي ﷺ حكم بأخذ الفداء وهو محرم وذلك ذنب.
الوجه الرابع: أن النبي ﷺ وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء وخوف العذاب وقرب نزوله.
والجواب عن الوجه الأول: أن قوله سبحانه وتعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يدل على أنه كان الأسر مشروعا ولكن بشرط الإثخان في الأرض وقد حصل لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قتلوا يوم بدر سبعين رجلا من عظماء المشركين وصناديدهم وأسروا سبعين وليس من شرط الإثخان في الأرض قتل جميع الناس فدلت الآية على جواز الأسر بعد الإثخان وقد حصل.
والجواب عن الوجه الثاني: أن الأمر بالقتل إنما كان مختصا بالصحابة لإجماع المسلمين أن النبي ﷺ لم يؤمر بمباشرة قتال الكفار بنفسه وإذا ثبت أن الأمر بالقتل كان مختصا بالصحابة كان الذنب صادرا منهم لا من النبي صلى الله عليه وسلم.
327
قوله تعالى :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ روي عن عبد الله ابن مسعود قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولن في هؤلاء فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار. وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم مكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، ومكني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً فقال له العباس : قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال :«ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة » ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :«إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ومثلك يا عبد الله بن رواحة كمثل موسى قال : ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«اليوم أنتم عالة فلن يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق » قال عبد الله بن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :«فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم » حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل بن بيضاء. قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب : فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكتي وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم » فإنزل الله عز وجل عليه :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾ الآية خرج هذا الحديث الترمذي مختصراً وقال : في الحديث قصة وهي هذه القصة التي ذكرها البغوي. وأخرج مسلم في إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس : لما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر : يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت : لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه وتمكنني من فلان - نسب لعمر - فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم » فأنزل الله عز وجل :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴾ إلى قوله ﴿ فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ﴾ فأحل الله الغنيمة لهم ذكره الحميدي في مسنده عن عمر بن الخطاب من إفراد مسلم بزيادة فيه.
أما تفسير الآية، فقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى يعني ما كان ينبغي ولا يجب لنبي. وقال أبو عبيدة : معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد والمعنى ما كان لنبي أن يحبس كافراً قدر عليه وصار في يده أسيراً للفداء والمن، والأسرى جمع أسير وأسارى جمع الجمع ﴿ حتى يثخن في الأرض ﴾ الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته. يقال : أثخنه المرض إذ اشتدت قوته عليه والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأسارى ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول بخلاف منافع الآخرة لأنها دائمة الانقطاع لها، وقوله سبحانه وتعالى :﴿ والله يريد الآخرة ﴾ يعني انه سبحانه وتعالى يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة بلا زوال ولا انقطاع ﴿ والله عزيز ﴾ لا يقهر ولا يغلب ﴿ حكيم ﴾ يعني في تدبير مصالح عباده. قال ابن عباس : كان ذلك يوم بدر والمؤمنون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى في الأسارى فأما مناً بعد وإما فداء فجعل الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وإن شاؤوا فادوهم وإن شاؤوا أعتقوهم. قال الإمام فخر الدين : إن هذا الكلام يوهم أن قوله فأما مناً بعد وإما فداء يزيل حكم الآية التي نحن في تفسيرها وليس الأمر كذلك لأن كلتا الآيتين متوافقتان وكلتاهما تدلان على أنه لا بد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء. قال العلماء : كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والأوقية أربعون درهماً فيكون مجموع ذلك ألفاً وستمائة درهم. وقال قتادة : كان الفداء يومئذ لكل أسير أربعة ألاف درهم.

فصل


قد استدل بهذه الآية من يقدح في عصمة الأنبياء. وبيانه من وجوه :
الأول : أن قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى صريح في النهي عن أخذ الأسارى وقد وجد ذلك يوم بدر. الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقومه بقتل المشركين يوم بدر فلما لم يقتلوهم بل أسروهم دل ذلك على صدور الذنب منهم.
الوجه الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم وذلك ذنب.
الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء وخوف العذاب وقرب نزوله.
والجواب عن الوجه الأول : أن قوله سبحانه وتعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يدل على أنه كان الأسر مشروعاً ولكن بشرط الإثخان في الأرض وقد حصل لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قتلوا يوم بدر سبعين رجلاً من عظماء المشركين وصناديدهم وأسروا سبعين وليس من شرط الإثخان في الأرض قتل جميع الناس فدلت الآية على جواز الأسر بعد الإثخان وقد حصل.
والجواب عن الوجه الثاني : أن الأمر بالقتل إنما كان مختصاً بالصحابة لإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بمباشرة قتال الكفار بنفسه وإذا ثبت أن الأمر بالقتل كان مختصاً بالصحابة كان الذنب صادراً منهم لا من النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن الوجه الثالث : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم فنقول لا نسلم أن أخذ الفداء كان محرماً وأما قوله سبحانه وتعالى تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ففيه عتاب لطيف على أخذ الفداء من الأسارى والمبادرة إليه ولا يدل على تحريم الفداء إذ لو كان حراماً في علم الله لمنعهم من أخذه مطلقاً.
والجواب عن الوجه الرابع : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف الأمر بالقتل واستغل بالأسر استوجب بذلك الفعل العذاب فبكى النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً وإشفاقاً من نزول العذاب عليهم بسبب ذلك الفعل وهو الأسر وأخذ الفداء والله أعلم.
والجواب عن الوجه الثالث: وهو أن النبي ﷺ حكم بأخذ الفداء وهو محرم فنقول لا نسلم أن أخذ الفداء كان محرما وأما قوله سبحانه وتعالى تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ففيه عتاب لطيف على أخذ الفداء من الأسارى والمبادرة إليه ولا يدل على تحريم الفداء إذ لو كان حراما في علم الله لمنعهم من أخذه مطلقا.
والجواب عن الوجه الرابع: وهو أن النبي ﷺ وأبا بكر قعدا يبكيان يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف الأمر بالقتل واشتغل بالأسر استوجب بذلك الفعل العذاب فبكى النبي ﷺ خوفا وإشفاقا من نزول العذاب عليهم بسبب ذلك الفعل وهو الأسر وأخذ الفداء والله أعلم.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٦٨ الى ٦٩]
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
قوله عز وجل: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ قال ابن عباس: كانت الغنائم محرمة على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت النار تنزل من السماء فتأكله فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في أخذ الغنائم والفداء فأنزل الله عز وجل: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم. ثم لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن جريج: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وأنه لا يأخذ قوما فعلوا بجهالة لمسكم يعني لأصابكم بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به عذاب عظيم قال محمد بن إسحاق: لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر بدرا إلا وأحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله ﷺ بقتل الأسرى وسعد بن معاذ فإنه قال: يا رسول الله ﷺ كان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال فقال رسول الله ﷺ لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ.
وقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً يعني قد أحلت لكم الغنائم وأخذ الفداء فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا.
روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله ﷺ أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنائم بهذه الآية لهذه الأمة وكانت قبل ذلك حراما على جميع الأمم الماضية صح من حديث جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ولم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم وذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا.
وقوله سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني وخافوا الله أن تعودوا وإن لم تفعلوا شيئا من قبل أنفسكم قبل أن تؤمروا به واعلموا أن الله قد غفر لكم ما أقدمتم عليه من هذا الذنب ورحمكم وقيل في قوله واتقوا الله إشارة إلى المستقبل وقوله إن الله غفور رحيم إشارة إلى الحالة الماضية.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٧٠ الى ٧١]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
قوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ نزلن في العباس بن عبد المطلب عم رسول الله
وقوله تعالى :﴿ فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ﴾ يعني قد أحلت لكم الغنائم وأخذ الفداء فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً.
روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً فأحل الله الغنائم بهذه الآية لهذه الأمة وكانت قبل ذلك حراماً على جميع الأمم الماضية صح من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي » ( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«ولم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم وذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ».
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ واتقوا الله إن الله غفور رحيم ﴾ يعني وخافوا الله أن تعودوا وإن لم تفعلوا شيئاً من قبل أنفسكم قبل أن تؤمروا به واعلموا أن الله قد غفر لكم ما أقدمتم عليه من هذا الذنب ورحمكم وقيل في قوله واتقوا الله إشارة إلى المستقبل وقوله إن الله غفور رحيم إشارة إلى الحالة الماضية.
قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم ﴾ نزلن في العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد العشرة الذين ضمنوا أن يطعموا الناس الذين خرجوا من مكة إلى بدر وكان قد خرج ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها إذ جاءت نوبته فكانت نوبته يوم الوقعة ببدر فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا فلم يطعم شيئاً وبقيت العشرون أوقية معه فلما أسر أخذت منه، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :«أما شيء خرجت لتستعين به علينا فلا أتركه لك » وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال العباس : يا محمد تتركني أتكفف قريشا ما بقيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة » وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل وقثم يعني بنيه. فقال العباس : وما يدريك يا ابن أخي قال :« أخبرني به ربي » قال العباس : أشهد أنك لصادق وأشهد أن لا إله إلا لله وأنك عبده ورسوله لم يطلع عليه أحد إلا الله وأمر ابني أخيه عقيل ونوفل بن الحارث فأسلما فذلك قوله سبحانه وتعالى : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم ﴿ من الأسرى ﴾ يعني الذين أسرتموهم وأخذتم منهم الفداء ﴿ إن يعلم الله في قلوبكم خير ﴾ يعني إيماناً وتصديقاً ﴿ يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ﴾ يعني من الفداء ﴿ ويغفر لكم ﴾ يعني ما سلف منكم قبل الإيمان ﴿ والله غفور ﴾ يعني لمن آمن وتاب من كفره ومعاصيه ﴿ رحيم ﴾ يعني بأهل طاعته قال العباس : فأبدلني الله خيراً ما أخذ مني عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمال كثير أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل.
وقوله تعالى :﴿ وإن يريدوا ﴾ يعني الأسارى ﴿ خيانتك ﴾ يعني أن يكفروا بك ﴿ فقد خانوا الله ﴾ يعني فقد كفروا بالله ﴿ من قبل ﴾ وقيل معناه وإن نقضوا العهد ورجعوا إلى الكفر فقد خانوا الله بذلك ﴿ فأمكن ﴾ يعني فأمكن الله المؤمنين ﴿ منهم ﴾ ببدر حتى قتلوا منهم وأسروا منهم وهذا نهاية الإمكان وفيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتمكن من كل أحد يخونه أو ينقض عهده ﴿ والله عليم ﴾ يعني بما في بواطنهم وضمائرهم من إيمان وتصديق أو خيانة ونقض عهد ﴿ حكيم ﴾ يعني حكم بأنه يجازي كلاً بعمله الخير بالثواب والشر بالعقاب.
صلى الله عليه وسلم وكان أحد العشرة الذين ضمنوا أن يطعموا الناس الذين خرجوا من مكة إلى بدر وكان قد خرج ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها إذ جاءت نوبته فكانت نوبته يوم الوقعة ببدر فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا فلم يطعم شيئا وبقيت العشرون أوقية معه فلما أسر أخذت منه، فكلم رسول الله ﷺ أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى رسول الله ﷺ وقال: أما شيء خرجت به لتستعين به علينا فلا أتركه لك. وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال العباس: يا محمد تتركني أتكفف قريشا ما بقيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهذا لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل وقثم يعني بنيه. فقال العباس: وما يدريك يا ابن أخي قال: أخبرني به ربي قال العباس: أشهد أنك لصادق وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله لم يطلع عليه أحد إلا الله وأمر ابني أخيه عقيل ونوفل بن الحارث فأسلما فذلك قوله سبحانه وتعالى: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم مِنَ الْأَسْرى يعني الذين أسرتموهم وأخذتم منهم الفداء إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يعني إيمانا وتصديقا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ يعني من الفداء وَيَغْفِرْ لَكُمْ يعني ما سلف منكم قبل الإيمان وَاللَّهُ غَفُورٌ يعني لمن آمن وتاب من كفره ومعاصيه رَحِيمٌ يعني بأهل طاعته قال العباس: فأبدلني الله خيرا مما أخذ مني عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير أدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل.
وقوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا يعني الأسارى خِيانَتَكَ يعني أن يكفروا بك فَقَدْ خانُوا اللَّهَ يعني فقد كفروا بالله مِنْ قَبْلُ وقيل معناه وإن نقضوا العهد ورجعوا إلى الكفر فقد خانوا الله بذلك فَأَمْكَنَ يعني فأمكن الله المؤمنين مِنْهُمْ ببدر حتى قتلوا منهم وأسروا منهم وهذا نهاية الإمكان وفيه بشارة للنبي ﷺ بأنه يتمكن من كل أحد يخونه أو ينقض عهده وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعني بما في بواطنهم وضمائرهم من إيمان وتصديق أو خيانة ونقض عهد حَكِيمٌ يعني حكم بأنه يجازي كلا بعمله الخير بالثواب والشر بالعقاب.
[سورة الأنفال (٨): الآيات ٧٢ الى ٧٤]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني إن الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بما جاءهم به وهاجروا يعني وهجروا ديارهم وقومهم في ذات الله عز وجل وابتغاء رضوان الله وهم المهاجرون الأولون وجاهدوا يعني وبذلوا أنفسهم في سبيل الله يعني في طاعة الله وابتغاء رضوانه وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا يعني آووا رسول الله ﷺ ومن معه من أصحابه من المهاجرين وأسكنوهم منازلهم ونصروا رسول الله ﷺ وهم الأنصار أُولئِكَ يعني المهاجرين والأنصار بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في العون والنصر دون أقربائهم من الكفار وقال ابن عباس: في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون أقربائهم وذوي أرحامهم وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكة وانقطعت الهجرة فتوارثوا بالأرحام حيثما كانوا فصار ذلك منسوخا بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
﴿ والله بما تعملون بصير والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ يعني في النصر والمعونة وذلك أن كفار قريش كانوا معادين لليهود فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاونوا عليه جميعاً قال ابن عباس : يعني في الميراث وهو أن يرث الكفار بعضهم من بعض ﴿ إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾ قال ابن عباس : إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به، وقال ابن جريج إلا تتعاونوا وتتناصروا وقال ابن إسحاق : جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ثم قال سبحانه وتعالى إلا تفعلوه وهو أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمنين تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فالفتنة في الأرض هي قوة الكفار والفساد الكبير هو ضعف المسلمين.
﴿ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً ﴾ يعني لا شك في إيمانهم ولا ريب لأنهم حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل النفس والمال في نصر الدين ﴿ لهم مغفرة ﴾ يعني لذنوبهم ﴿ ورزق كريم ﴾ يعني في الجنة.
فإن قلت ما معنى هذا التكرار ؟ قلت ليس فيه تكرار لأنه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى حكم ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً ثم ذكر في هذه الآية ما منَّ به عليهم من المغفرة والرزق الكريم وقيل إن إعادة الشيء مرة بعد أخرى تدل على مزيد الاهتمام به فلما ذكرهم أولاً ثم أعاد ذكرهم ثانياً دل ذلك على تعظيم شأنهم وعلو درجاتهم وهذا هو الشرف العظيم لأنه تعالى ذكر في هذه الآية من وجوه المدح ثلاث أنواع :
أحدها : قوله أولئك هم المؤمنون حقاً وهذا يفيد الحصر وقوله سبحانه وتعالى حقاً يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقين في طريق الدين وتحقيق هذا القول أن من فارق أهله وداره التي نشأ فيها وبذل النفس ولمال كان مؤمناً حقاً.
النوع الثاني : قوله سبحانه وتعالى لهم مغفرة وتنكير لفظ المغفرة يدل على أن لهم مغفرة وأي مغفرة لا ينالها غيرهم والمعنى لهم مغفرة تامة كاملة ساترة لجميع ذنوبهم.
النوع الثالث : قوله سبحانه وتعالى ورزق كريم فكل شيء شرف وعظم في بابه قيل له كريم والمعنى أن لهم في الجنة رزقاً لا تلحقهم فيه غضاضة ولا تعب.
وقيل : إن المهاجرين كانوا على طبقات فمنهم من هاجر أولاً إلى المدينة وهم المهاجرون الأولون ومنهم من هاجر إلى أرض الحبشة ثم هاجر إلى المدينة فهم أصحاب الهجرتين ومنهم من هاجر بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة فذكر الله في الآية الأولى أصحاب الهجرة الأولى وذكر في الثانية أصحاب الهجرة الثانية، والله أعلم مبراده.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا يعني آمنوا وأقاموا بمكة ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني من الميراث حَتَّى يُهاجِرُوا يعني إلى المدينة وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ
يعني استنصركم الذين آمنوا ولم يهاجروا فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ يعني فعليكم نصرهم وإعانتهم إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أي عهد فلا تنصروهم عليهم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في النصر والمعونة وذلك أن كفار قريش كانوا معادين لليهود فلما بعث رسول الله ﷺ تعاونوا عليه جميعا قال ابن عباس: يعني في الميراث وهو أن يرث الكفار بعضهم من بعض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ قال ابن عباس: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به، وقال ابن جريج إلا تتعاونوا وتتناصروا وقال ابن إسحاق: جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض ثم قال سبحانه وتعالى إلا تفعلوه وهو أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمنين تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فالفتنة في الأرض هي قوة الكفار والفساد الكبير هو ضعف المسلمين وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا يعني لا شك في إيمانهم ولا ريب لأنهم حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل النفس والمال في نصر الدين لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يعني لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يعني في الجنة.
فإن قلت ما معنى هذا التكرار؟ قلت ليس فيه تكرار لأنه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى حكم ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضا ثم ذكر في هذه الآية ما منّ به عليهم من المغفرة والرزق الكريم وقيل إن إعادة الشيء مرة بعد أخرى تدل على مزيد الاهتمام به فلما ذكرهم أولا ثم أعاد ذكرهم ثانيا دل ذلك على تعظيم شأنهم وعلو درجاتهم وهذا هو الشرف العظيم لأنه تعالى ذكر في هذه الآية من وجوه المدح ثلاث أنواع:
أحدها: قوله أولئك هم المؤمنون حقا وهذا يفيد الحصر وقوله سبحانه وتعالى حقا يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم محقين في طريق الدين وتحقيق هذا القول أن من فارق أهله وداره التي نشأ فيها وبذل النفس والمال كان مؤمنا حقا.
النوع الثاني: قوله سبحانه وتعالى لهم مغفرة وتنكير لفظ المغفرة يدل على أن لهم مغفرة وأي مغفرة لا ينالها غيرهم والمعنى لهم مغفرة تامة كاملة ساترة لجميع ذنوبهم.
النوع الثالث: قوله سبحانه وتعالى ورزق كريم فكل شيء شرف وعظم في بابه قيل له كريم والمعنى أن لهم في الجنة رزقا لا تلحقهم فيه غضاضة ولا تعب.
وقيل: إن المهاجرين كانوا على طبقات فمنهم من هاجر أولا إلى المدينة وهم المهاجرون الأولون ومنهم من هاجر إلى أرض الحبشة ثم هاجر إلى المدينة فهم أصحاب الهجرتين ومنهم من هاجر بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة فذكر الله في الآية الأولى أصحاب الهجرة الأولى وذكر في الثانية أصحاب الهجرة الثانية، والله أعلم بمراده.
[سورة الأنفال (٨): آية ٧٥]
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
وقوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ اختلفوا في قوله من بعد فقيل من بعد صلح الحديبية وهي الهجرة الثانية وقيل من نزول هذه الآية وقيل من بعد غزوة بدر والأصح أن المراد به أهل الهجرة الثانية لأنها بعد الهجرة الأولى لأن الهجرة انقطعت بعد فتح مكة لأنها صارت دار إسلام بعد الفتح ويدل عليه قوله ﷺ «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» أخرجاه في الصحيحين وقال الحسن الهجرة غير منقطعة.
330
ويجاب عن هذا بأن المراد منه الهجرة المخصوصة من مكة إلى المدنية فأما من كان من المؤمنين في بلد يخاف على إظهار دينه في كثرة الكفار وجب عليه أن يهاجر إلى بلد لا يخاف على إظهار دينه وقوله تعالى:
فَأُولئِكَ مِنْكُمْ يعني أنهم منكم وأنتم منهم لكن فيه دليل على أن مرتبة المهاجرين الأولين أشرف وأعظم من مرتبة المهاجرين المتأخرين بالهجرة لأن الله سبحانه وتعالى ألحق المهاجرين المتأخرين بالمهاجرين السابقين وجعلهم منهم وذلك معرض المدح والشرف ولولا أن المهاجرين الأولين أفضل وأشرف لما صح هذا الإلحاق.
وقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ قال ابن عباس: كانوا يتوارثون بالهجرة والإخاء حتى نزلت هذه الآية وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض أي في الميراث أي فبين بهذه الآية أن سبب القرابة أقوى وأولى من سبب الهجرة والإخاء ونسخ بهذه الآية ذلك التوارث وقوله في كتاب الله يعني في حكم الله وقيل أراد به في اللوح المحفوظ وقيل أراد به القرآن وهي أن قسمة المواريث مذكورة في سورة النساء من كتاب الله وهو القرآن وتمسك أصحاب الإمام أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام.
وأجاب عنه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بأنه لما قال في كتاب الله كان معناه في حكم الله الذي بينه في سورة النساء فصارت هذه الآية مقيدة بالأحكام التي ذكرها في سورة النساء من قسمة المواريث وإعطاء أهل الفروض فروضهم وما بقي فللعصبات.
وقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
331
سورة التوبة
وهي مدنية بإجماعهم قال ابن الجوزي: سوى آيتين في آخرها لقد جاءكم رسول من أنفسكم فإنهما نزلتا بمكة وهي مائة وتسع وعشرون آية وقيل مائة وثلاثون آية وأربعة آلاف وثمان وسبعون كلمة وعشرة آلاف وأربعة وثمانون حرفا ولهذه السورة أسماء عشرة التوبة وسورة براءة وهذان الاسمان مشهوران وهي المقشقشة قاله ابن عمر سميت بذلك لأنها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه وهي المبعثرة لأنها تبعثر عن أخبار المنافقين وتبحث عنها وتثيرها والفاضحة قاله ابن عباس لأنها فضحت المنافقين وسورة العذاب قاله حذيفة وهي المخزية لأن فيها خزي المنافقين وهي المدمدمة سميت بذلك لأن فيها هلاك المنافقين وهي المشردة سميت بذلك لأنها شردت جموع المنافقين وفرقتهم وهي المثيرة سميت بذلك لأنها أثارت مخازي المنافقين وكشفت عن أحوالهم وهتكت أستارهم.
عن سعيد بن جبير: قال قلت لابن عباس سورة التوبة فقال بل هي الفاضحة ما زالت تقول ومنهم ومنهم حتى ظنوا أن لا يبقى أحد إلا ذكر فيها قال قلت سورة الأنفال قال نزلت في بدر قال قلت سورة الحشر قال بل سورة بني النضير أخرجاه في الصحيحين.
((فصل في بيان سبب ترك كتابة التسمية في أول هذه السورة)) عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: كان رسول الله ﷺ كثيرا ما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وإذا نزلت عليه الآية يقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها وظننت أنها منها وقبض رسول الله ﷺ ولم يبين لنا أنها منها أو من غيرها من أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال أخرجه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن. قال الزجاج: والشبه الذي بينهما في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نقضها وكان قتادة يقول: هما سورة واحدة وقال محمد بن الحنفية: قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب لم لم تكتبوا في براءة بسم الله الرحمن الرحيم قال يا بني إن براءة نزلت بالسيف وأن بسم الله الرحمن أمان وسئل سفيان بن عيينة عن هذا فقال لأن التسمية رحمة والرحمة أمان وهذه السورة نزلت في المنافقين وقال المبرد لم تفتتح هذه السورة الشريفة ببسم الله الرحمن الرحيم لأن التسمية افتتاح للخير وأول هذه السورة وعيد ونقض عهود فلذلك لم تفتتح بالتسمية وسئل أبي بن كعب عن هذا فقال إنها نزلت في آخر القرآن وكان رسول الله ﷺ يأمر في كل سورة بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم ولم يأمر في براءة بذلك فضمت إلى الأنفال لشبهها بها وقيل إن الصحابة اختلفوا في أن سورة الأنفال وسورة براءة هل هما سورة واحدة أم سورتان فقال بعضهم سورة واحدة لأنهما نزلتا
332
Icon