مددناها: بسطناها. رواسي: هي الجبال الثابتة. موزون: مقدر. فانزلنا: فأعطينا. لواقح: جمع لاقح. معناها حوامل للماء، ومعنى آخر لانها تلقح النباتات والشجر. المستقدمين: الذين ماتوا. المستأخرين: الاحياء الذين لم يموتوا بعد.
﴿والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾.
وخلقنا لكم الأرضَ ومهّدناها حتى صارت كالبساط الممدود، ووضعنا فيها جبالاً راسياتٍ ثابتة، وأنبتْنا لكم فيها من كلّ أنواعِ النبات ما يحفَظ حياتكم، وجعلناه مقدَّراً بأزمانس معيَّنة في نموِّه وغذائه، ومقدِّرا بمقدار حاجتكم، في أشكاله في الخلْق والطبيعة.
وتقرر هذه الآية حقيقةَ كونيةً لم تُعرَفْ الا في العصور الأخيرة، وهي ان كلَّ صنفٍ من المبات أفرادُه متماثلة من الوجهة الظاهرية، وكذلك في التناسُق الداخلي، التوازنُ دقيق فيكل أجهزِة النبات المختلفة، وكذلك بين الخلايا لتحقيق الغرض الذي وُجدت من أجْله.
﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾.
وجلعنا لكم في الأرضِ أسبابَ المعيشة الطيّبة من غذاءٍ وماءٍ، ولباسٍ ودواء، ومعادنَ تنفعون بها، وغيرِ ذلك مما لا يُعَدّ ولا يُحصى. وكما أن فيها أسبابَ المعيشة الطيّبة ففيها المعيشةُ لمن يكونون في وَلايتكم من عيالٍ وأبتاع، فاللهُ وحدَه يرزقُهم وإياكم، فكلُّ أولئك رِزْقُهُم على خالِقهم لا عليكم.
﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾.
وما من شيء ينتفعُ به العبادُ من المصادرِ والموارد إلا هو موجودٌ عندنا مخزون، وما نعطيه الا بقدَر معلومٍ وحسْبَ مشيئِتنا وحاجةِ الخلق اليه.
ثم فصّل بعض ما في خزائنه من النعم فقال:
﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾.
وقد أرسل الله تعالى الرياحَ بالماءِ تحملُه، فتحيي الأمطار الخلقَ والأرض وتعطيها حياةً جديدة، فتُزهرُ بكلّ لونٍ بهيج، ويشرب منها الإنسانُ ويسقي زرعه وحيوانه.
والخلاصة: نحن القادرون على ايجاد الماء وخزنه في السحاب وإنزاله مطراً، وما أنتم على ذلك بقادرين، لأنه في دورة مستمرة، يبتخر من البحر والأرض، ثم تحمله السحب فينزل على الارض ويعود الى البحر.
وقد زاد بعض المفسرين معنى آخر لكملة لواقح فقالوا: إن الرياح تحمل اللقاح من شجرةٍ الى شجرة، ومن نبته الى أختها، وهذا ايضا لم يكن معروفا في الازمان السابقة، فيكون هذا ايضا من معجزات القرآن الكريم.
قراءات:
قرأ حمز وحده: «وارسلنا الريح» بالإفراد، والباقون بالجمع كما هو في المصحف.
بعد ان ذكر الله تعالى نظم المعيشة في هذه الحياة بين ان الحياة والموت بيده وانه هو الحي الباقي يرث الارض ومن عليها.
﴿وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوارثون﴾.
ان كل شيءٍ في هذه الحياة مَرْجِعُه الى الله، الحياةُ والموتُ بيده، وسيموت الخلقُ جميعا ولا يبقى حي سواه.
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام﴾ [الرحمن: ٢٧ - ٢٨].
﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين﴾.
ولقد عَلِمْنا من مضى منكم وأحصيناهم وما كانوا يعملون، وعَلِمْنا من هو حيّ ومن سيأتي بعدكم، فلا تخفى علينا أحوالكم ولا أعمالكم.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.
وسيجمع الله المتقدِّمين والمتأخرين جميعاً عنده يومَ القيامة وإليه المصيرُ، حيث يجازي كّلاً بما عمل، وهو حكيم يقدّر لكل أمةٍ أجَلَها بحكمته، ويعلم متى تموت ومتى تُحشر.