فهذه الآية الكريمة تمثل مواجهة حكيمة وعلاجا ربانيا كريما لجميع التحديات والمعوقات عن إقامة كتاب الله في النفس وفي المجتمع، قال ابن كثير في تفسير الآية ﴿ ومهيمنا عليه ﴾ أي القرآن الكريم :" أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها؛ أشملها وأعظمها وأحكمها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها"(١).
إلا أن الأمة الإسلامية تعرضت في القرون الأخيرة إلى عدة عوامل هدامة، نخرت في جسمها شيئا فشيئا إلى أن استطاعت تنحيتها عن مكانها الرائد، وقضت على أسباب قوتها.
فقد ظهرت في القرون المتأخرة بوادر الضعف الذي أوقف حركة العلم وأوصد باب الاجتهاد وتوقفت حركة الإبداع والتجديد لتلبية مطالب العصر، وفشت الأمية، وعم الجهل في حواضر المسلمين، مما أوصل الأمة إلى حال من الانحطاط العلمي أفقدها المكانة المرموقة بين الأمم، وهيأها ذلك إلى فراغ فكري جعلها صالحة للاستجابة للمؤثرات الفكرية الغربية المناقضة للمفاهيم القرآنية، فتسلط عليها من حولها، واستعمروا أراضيها، وانتهبوا خيراتها، ودسوا الدسائس للطعن في قرآنها المجيد ورسولها الكريم، وكل ما يمت إلى الدين بصلة من المفاهيم والمشاريع والجمعيات والمؤسسات(٢).

(١) تفسير ابن كثير، (٣/١٢٨).
(٢) انظر: الندوي، أبو الحسن، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص١٤٦.


الصفحة التالية
Icon