وأما إذا كان لدى العبد الواقع في المخالفة علمٍ وبصيرة من دين الله أنها محرمة ومخالفة للشرع، ومع ذلك وقع فيها عمدًا، فإن السبب الدافع لهذه المخالفة إنما هو الشهوة وضعف النفس، ومثل هذا يقر ويعترف بمخالفته ومجانبته للصواب كما يعترف بذنبه وتقصيره.
وهناك شخص آخر قد لا يعترف بذنبه وتقصيره وإنما نراه قد راح يبحث عن شبهة في دليل وتفسير خاطئ، أو تأويل متعسف للأدلة ليبرر بها خطأه، ويمرر بها ضعفه وشهوته مع علمه بخطأ تصرفه هذا في قرارة نفسه، فهذا هو الهوى، وهذه هي المغالطة، وهذا هو لبس الحق بالباطل، وهو أشنع أنواع الانحراف، لأنه مكر وتحايل على شرع الله وخداع للناس.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والفتنة نوعان: النوع الأول فتنة الشبهات وهي أعظم الفتن، وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما".
فتنة الشبهات:
من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيء القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله - ﷺ -.
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اتنتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.
وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى منيع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.
أما فتنة الشهوات:
قد جمع سبحانه من ذكر الفتن في قوله: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ﴾ [التوبة: ٦٩] أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.


الصفحة التالية
Icon