فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل؛ لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق الأعمال.
فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات، ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
وإن أشد هذه الفتن من جمع بين الشبهة والشهوة، وتحايل على شرع الله بأن غطى مخالفته وانحرافه بتأويل غير سائغ أو بشبهة دليل، وهو يعلم أنه متحايل ومخادع.
ومثل هؤلاء الملبسين عقوبتهم عند الله عز وجل أشد من الذين يقعون في المخالفات الشرعية، ولكنهم يعترفون بتقصيرهم وذنوبهم ولا يكابرون ويبررون.
إذن الدافع الحقيقي للانحراف هو الهوى والشهوة وحب الدنيا، ولكن بدلاً من أن يعترف بضعفه هذا وشهوته ويقر بذنبه في مخالفته للشريعة، فإنه يستدل لشهوته هذه بشبهة أدلة شرعية يعلم هو في قرارة نفسه أنها غير صالحة للاستدلال، لكن هواه يوحي إليه أنه لابد من غطاء يغطي به هذا الضعف والهوى(١).