فالقرآن إذن من أوجه إعجازه أو من صفاته وخصائصه أن نظمه؛ يعني أن تركيب الكلام والآيات وتركيب الجمل في الآية الواحدة يدل على أنه الغاية في البيان، ولا يمكن لبشر أو لا يمكن للجن والإنس لو اجتمعوا أن يكونوا دائما على أعلى مستوى في هذا النظم، ولهذا تجد أن تفاسير القرآن حارت في القرآن، حتى التفاسير المتخصصة في النحو تجده ينشط في أوله تجده يعجز في آخره، ما تجده ينشط، آخر تجده في البلاغة يريد أن يبين بلاغة القرآن فيجود في موضع ثم بعد ذلك تأتي مواضع يكسل، ما يستطيع أن يبين ذلك.
لهذا قال من قال من أهل العلم: العلوم ثلاثة:
علم نضج واحترق.
وعلم نضج ولم يحترق.
وعلم لم ينضج ولم يحترق.
والثالث هو التفسير، لم ينضج ولم يحترق؛ لأنه على كثرة المؤلفات في التفسير وهي مئات فإنها لم تأتِ على كل ما في القرآن، لم؟ لأن الإنسان يعجز، يعجز المبين أن يبين عن كل ما في القرآن. ،
إذن نظرية النظم التي ذكرها أبي الطاهر الجرجاني في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة -على تفصيل ما فيها- لا شك أنها دالة على صفة من صفات القرآن.
الوجه الخامس: أنَّ القرآن له سلطان على النفوس، وليس ثَمَّ من كلام البشر ما له سلطان على النفوس في كل الكلام، ولكن القرآن له سلطان على النفوس بما تميز به من كلام الله جل وعلا؛ لأنه كلام الله جل وعلا، مثل ما صار السلطان على ذلك المشرك؛ يعني أنه يرغم الأنوف.
ولقد كان مرة أحد الدعاة يخطب بالعربية وفي أثناء خطبته يورد آيات من القرآن العظيم يتلوها، فكانت امرأة كافرة لا تحسن الكلام العربي ولا تعرفه، فلما انتهى الخطيب من خطبته استوقفته -وكانت خطبته في سفينة-، لما انتهى من خطبته استوقفته، وقالت: كلامك له نمط، وتأتي في كلامك بكلمات مختلفة في رنتها وفي قرعها للأذن عن بقية كلامك، فما هذه الكلمات؟ فقال: هي القرآن.


الصفحة التالية
Icon