وهذا لاشك إذا سمعت القرآن تجد له سلطان على النفس ينبئ النفس على الاستسلام له، إلا لمن ركب هواه.
هذا السلطان تجده في أشياء:
أولا أن آيات القرآن -الدرس قد يطول عشر دقائق بقي مسألتان- أن آيات القرآن في السورة الواحدة -كما هو معلوم- لم تجعل آيات العقيدة على حدا، وآيات الشريعة على حدا؛ الأحكام، وآيات السلوك على حدا، إلى آخره؛ بل الجميع كانت هذه وراء هذه، فآية تخاطب المؤمنين، وآية تخاطب المنافقين، وآية تخاطب النفس، وآية فيها العقيدة، وآية فيها قصص الماضين، وآية تليها فيها من سيأتي، وآية فيها الوعد وآية فيها الوعيد، وآية فيها ذكر الجنة وذكر النار، وآية فيها التشريع، وثم يرجع إلى آية أخرى فيها أصل الخلق قصة آدم، وهكذا في تنوع.
وهذا من أسرار السلطان الذي يكون للقرآن على النفوس؛ لأن الأنفس متنوعة، بل النفس الواحدة لها مشارب، فالنفس تارة يأتيها الترغيب وتارة يأتيها الترهيب، وتارة تتأثر بالمثل، تارة تتأثر بالقصة، تارة هي ملزمة بالعمل، تارة هي ملزمة بالاعتقاد، فَكَوْنُ هذه وراء هذه وراء هذه تُغْدِقُ على النفس البشرية أنواع ما تتأثر به، وهذا لا يمكن أن يكون إلا من كلام من خلق هذه النفس البشرية، ؟أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟[الملك: ١٤]، فتجد أن القرآن يحاصرك، فأيُّ إنسان أراد أن يفر لا يمكن أن يفر من القرآن، سيأتيه قوة بآية فيها وصف الكافرين، آيات فيها قوة بوصف الكافرين، آيات فيها قوة بوصف المؤمنين، آيات فيها العقيدة، فيها الماضي، فيها الحاضر، فيها النبوة، فيها الرسالة، فيها الدلائل، فيها حال المشركين، إلى آخر ما يحصل على النفس الحية والعقل الواعي الذي يتحرك وعنده همة يحصر عليه الهروب، وهذا لا يمكن أن يحصره في أنواع النفس البشرية الواحدة إلا من خلق هذه النفس وتكلم بهذا القرآن لإصلاحها، ؟إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ؟[الإسراء: ٩].


الصفحة التالية
Icon