﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَتِ وَالنُّورَ﴾ وقال الزمخشري ﴿جعل﴾ يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: ﴿جعل الظلمات والنور﴾ وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله: ﴿وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً﴾ والفرق بين الخلق والجعل، أن الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التصيير كإنشاء من شيء أو تصيير شيء شيئاً أو نقله من مكان إلى مكان، ومن ذلك ﴿... وجعل منها زوجها﴾ ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ لأن الظلمات من الإجرام المتكاثفة والنور من النار ﴿وجعلناكم أزواجاً﴾ أجعل الآلهة إلهاً واحداً؛ انتهى. وما ذكره من أن جعل بمعنى صير في قوله: ﴿وجعلوا الملائكة﴾ لا يصح لأنهم لم يصيروهم إناثاً، وإنما قال بعض النحويين: إنها بمعنى سمى وقول الطبري ﴿جعل﴾ هنا هي التي تتصرف في طرف الكلام كما تقول: جعلت أفعل كذا فكأنه قال: وجعل إظلامها وإنارتها تخليط، لأن تلك من أفعال المقاربة تدخل على المبتدأ والخبر وهذه التي في الآية تعدت إلى مفعول واحد، فهما متباينان معنى واستعمالاً.
﴿ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ وقال ابن عطية، ثم تدل على قبح فعل الذين كفروا وهذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أن ﴿ثم﴾ للتوبيخ، والزمخشري من أن ﴿ثم﴾ للاستبعاد ليس بصحيح لأن ﴿ثم﴾ لم توضع لذلك، وإنما التوبيخ أو الاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول، ثم ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل ﴿ثم﴾ هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على جملة اسمية.
وقال الزمخشري (فإن قلت): على م عطف قوله: ﴿ثم الذين كفروا﴾.