والظاهر أن قوله ﴿مكناهم﴾ جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: ما كان من حالهم؟ فقيل: ﴿مكناهم في الأرض﴾. وقال أبو البقاء: ﴿مكناهم﴾ في موضع خبر صفة ﴿قرن﴾ وجمع على المعنى وما قاله أبو البقاء ممكن، ﴿وما﴾ في قوله: ﴿ما لم نمكن لكم﴾ جوزوا في إعرابها أن تكون بمعنى الذي ويكون التقدير التمكين، الذي ﴿لم نمكن لكم﴾ فحذف المنعوت وأقيم النعت مقامه، ويكون الضمير العائد على ﴿ما﴾ محذوفاً أي ما لم نمكنه لكم وهذا لا يجوز، لأن ﴿ما﴾ بمعنى الذي لا يكون نعتاً للمعارف وهن كان مدلولها مدلول الذي، بل لفظ الذي هو الذي يكون نعتاً للمعارف لو قلت ضربت الضرب ما ضرب زيد تريد الذي ضرب زيد لم يجز، فلو قلت: الضرب الذي ضربه زيد جاز وجوزوا أيضاً أن يكون نكرة صفة لمصدر محذوف تقديره تمكيناً لم نمكنه لكم، وهذا أيضاً لا يجوز لأن ﴿ما﴾ النكرة الصفة لا يجوز حذف موصوفها، لو قلت: قمت ما أو ضربت ما وأنت تريد قمت قياماً ما وضربت ضرباً ما لم يجز، وهذان الوجهان أجازهما الحوفي وأجاز أبو البقاء أن يكون ﴿ما﴾ مفعولاً به بتمكن على المعنى، لأن المعنى أعطيناهم ما لم نعطكم، وهذا الذي أجازه تضمين والتضمين لا ينقاس، وأجاز أيضاً أن تكون ﴿ما﴾ مصدرية والزمان محذوف أي مد ﴿ما لم نمكن لكم﴾ ويعني مدة انتفاء التمكين لكم، وأجاز أيضاً أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها أي شيئاً لم نمكنه لكم، وحذف العائد من الصفة على الموصوف وهذا أقرب إلى الصواب وتعدى مكن هنا للذوات بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام ﴿مكنا ليوسف في الأرض﴾ ﴿إنما مكنا له في الأرض﴾ أو لم نمكن لهم.