وقرأ عيسى بن عمر بخلاف عنه إذ معكم بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين أو على إجراء ﴿يوحي﴾ مجرى تقول على مذهب الكوفيين والملائكة هم الذين أمدّ المؤمنون بهم، ولما كان ما تقدم من تعداد النعم على المؤمنين جاء الخطاب لهم بيغشاكم ﴿وينزل عليكم ويطهّركم ويذهب﴾ رجز ﴿وليربط على قلوبكم﴾ إذ كان في هذه أشياء لا تناسب منصب الرسالة ولما ذكر الوحي إلى الملائكة أتى بخطاب الرسول وحده فقال ﴿إذ يوحى ربك﴾ ففي ذلك تشريف بمواجهته بالخطاب وحدَه أي مربيك والناظر في مصلحتك.
وذكر الثعلبي ونحوه قال: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد، وقال ابن عطية نحوه قال: ويحتمل أيضاً أن يكون التثبيت الذي أمر به ما يلقيه الملك في قلب الإنسان من توهم الظفر واحتقار الكفار ويجري عليه من خواطر تشجيعه ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ وأن كان إلقاء الرعب يطابق التثبيت على أي صورة كان التثبيت ولكنه أشبه بهذا إذ هي من جنس واحد وعلى هذا التأويل يجيء قوله ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ مخاطبة للملائكة ثم يجيء قوله ﴿فاضربوا فوق الأعناق﴾ لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر عن صورة الحال كما تقول إذا وصفت لمن تخاطبه لقبنا القوم وهزمناهم فاضرب بسيفك حيث شئت واقتل وخذ أسيرك، أي هذه كانت صفة الحال ويحتمل أن يكون ﴿سألقي﴾ إلى آخر الآية خبراً يخاطب به المؤمنين عما يفعله بالكفار في المستقبل كما فعله في الماضي ثم أمرهم بضرب الرقاب والبنان تشجيعاً لهم وحضًّا على نصرة الدين.
والذي يظهر أن ما بعد ﴿يوحي ربك إلى الملائكة﴾ هو من جملة الموحى به وأن الملائكة هم المخاطبون بتثبيت المؤمنين.