قال ابن عطية عن أبي زيد: سمعت من العرب من يقول ﴿وما كان الله ليعذبهم﴾ بفتح اللام وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن انتهى، وبفتح اللام في ﴿ليعذبهم﴾ قرأ أبو السّمال، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بالفتح في لام الأمر في قوله ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد أن من العرب من يفتح كلّ لام إلا في نحو: الحمد لله انتهى، يعني لام الجرّ إذا دخلت على الظاهر أو على ياء المتكلم والظرفية في فيهم مجاز والمعنى: وأنت مقيم بينهم غير راجل عنهم.
انظر إلى حُسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكّد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإرادة المنفية على رأي البصريين وانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر كانوَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قوله ﴿معذبهم﴾، فشتّان ما بين استغفارهم وكينونته صلى الله عليه وسلّمفيهم والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار وهو قول قتادة، وقال ابن عباس وابن أبزي وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه: إن الضمير في قوله ﴿معذّبهم﴾ عائد على كفار مكة والضمير في قوله وهم عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلّمبمكة.
وقال الزّجاج وحكى عن ابن عباس ﴿وهم يستغفرون﴾ عائد على الكفار.
الظاهر أن ماوَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَمَا} استفهامية أي أيّ شيء لهم في انتفاء العذاب وهو استفهام معناه التقرير.


الصفحة التالية
Icon