وجواب القسم: ﴿ما أنت بنعمة ربك بمجنون﴾. ويظهر أن ﴿بنعمة ربك﴾ قسم اعترض به بين المحكوم علىه والحكم على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه صلى الله عليه وسلّم وقال ابن عطية: ﴿بنعمة ربك﴾ اعتراض، كما تقول للإنسان: أنت بحمد الله فاضل. انتهى. ولم يبين ما تتعلق به الباء في ﴿بنعمة﴾. وقال الزمخشري: يتعلق ﴿بمجنون﴾ منفياً، كما يتعلق بعاقل مثبتاً في قولك: أنت بنعمة الله عاقل، مستوياً في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك: ضرب زيد عمراً، وما ضرب زيد عمراً تعمل الفعل مثبتاً ومنفياً إعمالاً واحداً، ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي.
وما ذهب إليه الزمخشري من أن ﴿بنعمة ربك﴾ متعلق ﴿بمجنون﴾، وأنه في موضع الحال، يحتاج إلى تأمل، وذلك أنه إذا تسلط النفي على محكوم به، وذلك له معمول، ففي ذلك طريقان: أحدهما: أن النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط، والآخر: أن يتسلط النفي على المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك، تقول: ما زيد قائم مسرعاً، فالمتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه، فيكون قد قام غير مسرع. والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى إسراعه، أي لا قيام فلا إسراع، وهذا الذي قررناه لا يتأتى معه قول الزمخشري بوجه، بل يؤدي إلى مالا يجوز أن ينطق به في حق المعصوم صلى الله عليه وسلّم


الصفحة التالية
Icon