وسأله نافع بن الأزرق : فقال له: أخبرني عن قوله عز وجل ( أن تبسل نفس ) ؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كسبت في النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول:
وفارقتك برهان لا فكاك له يوم الوداع وقلبي مبسل علقا.
وعن قتادة في قوله ﴿أن تبسل نفس﴾ قال: تؤخذ فتحبس (١).
فكل هذه المعاني الرهن والحبس والفضيحة متلازمة لا تناقض بينها.
ومن الأمثلة أيضا : اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ {١٥﴾ } …فعن الضحاك رضي الله عنه قال ﴿في روضة يحبرون﴾: في جنة يكرمون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ﴿يحبرون﴾ : يكرمون. وعن مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون. وعن يحيي بن أبي كثير قال: ﴿في روضة يحبرون﴾ أي لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال ﴿في روضة يحبرون﴾ هو السماع (٢) ).
وكل هذه المعاني بيان لما هم فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض بينها حيث يسهل الجمع بينها.
ومثال ذلك أيضا : ما نقله السيوطي في الدر المنثور " عن مجاهد في قوله ﴿وبشر المخبتين﴾(٣) قال: المطمئنين، وعن عمرو بن أوس ﴿وبشر المخبتين﴾ قال: المخبتون، الذين لا يظلمون الناس، واذا ظلموا لم ينتصروا. وعن الضحاك رضي الله عنه ﴿وبشر المخبتين﴾ قال: المتواضعين. وعن السدي رضي الله عنه ﴿وبشر المخبتين﴾ قال: الوجلين. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا رأي الربيع بن خثيم قال: ﴿وبشر المخبتين﴾ وقال له: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. (٤)
وكل هذه الصفات والأحوال مجتمعة في المخبتين
(٢) - نفس المرجع ٥ / ١٥٣
(٣) - سورة الحج : ٣٤
(٤) - الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٤/ ٣٦٠